ترجمة وتحرير: نون بوست
في الواقع، يعدّ من الصعب علينا استيعاب فكرة أن يقوم رئيس أمريكي بالضغط على “إسرائيل” لمنع نائبتين من الكونغرس الأمريكي من الدخول إلى هناك. ولم يترك الرئيس ترامب الكثير من التقاليد اللبقة التي لم يدس عليها منذ دخوله إلى البيت الأبيض. لكن وضع العلاقة الخاصة التي تجمع الولايات المتحدة بـ”إسرائيل” في خطر بهدف إثارة المتعصبين في قاعدته واعتماده على زعيم أجنبي لمعاقبة خصومه السياسيين وإظهاره عدم احترامه لمبادئ الديمقراطية الأساسية، تعتبر مسألة جديدة حتى بالنسبة إلى ترامب نفسه.
على الرغم من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تنتظره انتخابات صعبة ستُعقد خلال الشهر المقبل وفي حاجة إلى دعم من قاعدته اليمينية المُقسّمة، إلا أنه قيل إنه يسعى إلى السماح للنائبتين إلهان عمر، ممثلة ولاية مينيسوتا، ورشيدة طليب، ممثلة ولاية ميشيغان، بالسفر إلى “إسرائيل”، “وذلك احتراما للكونغرس الأمريكي وللتحالف الكبير بين إسرائيل والولايات المتحدة”، على حد تعبير سفير بلاده في واشنطن، رون ديرمر، الذي أفاد به خلال الشهر الماضي. في المقابل، رضخ نتنياهو لضغوطات ترامب يوم الخميس.
كم هو مؤسف أن يخاطر قائدان، يحاول كل منهما يائسا إبراز قوته داخل قاعدته، بالعلاقة الثنائية القائمة بين بلديهما منذ أجيال
وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد نشر تغريدة صباح يوم الخميس أكد فيها أنه “في حال سمحت “إسرائيل” للنائبتين عمر وطليب بزيارة “إسرائيل” سيظهر ذلك ضعفا كبيرا من الجانب الإسرائيلي. إنهما يكرهان “إسرائيل” وجميع الشعب اليهودي، ولا يوجد شيء يمكن قوله أو فعله لتغيير رأيهما”.
في الحقيقة، من المحزن استعارة البعض من كلمات ترامب المفضلة. وكم هو مؤسف أن يخاطر قائدان، يحاول كل منهما يائسا إبراز قوته داخل قاعدته، بالعلاقة الثنائية القائمة بين بلديهما منذ أجيال. كما أن القادة الضعفاء هم فقط الذين يخاطرون بالكثير مقابل الحصول على مكافأة صغيرة. فما هي النهاية التي يرغبون في الوصول إليها؟ وهل تتمثل في الفوز ببعض المواقف السياسية ضد اثنين من أحدث أعضاء الكونغرس؟ أم لتوجيه أنظار الأخبار حولهم؟ إن القادة الواثقين لا يخاطرون أبدا بالكثير مقابل القليل.
على الرغم من أن العديد من رؤساء الولايات المتحدة كانوا يسعون للتأثير على القرارات الإسرائيلية طيلة الصراع العربي الإسرائيلي، إلا أنهم عادة ما قاموا بذلك على المستوى الدبلوماسي لتعزيز مصالح الولايات المتحدة. وعلى النقيض من ذلك، اعتمد ترامب على نتنياهو مثلما يفعل مع موظفيه الخاصين، منتهكا بذلك ما ينبغي أن يفعله رئيس الولايات المتحدة عندما يتعرض المشرعون المنتخبون ديمقراطيا للتهديد بالحظر من قبل زعيم دولة حليفة.
أيدت النائبتان حركة مقاطعة “إسرائيل” المثيرة للجدل التي تدعو إلى سحب الاستثمارات منها وفرض عقوبات عليها، حيث كان الهدف من ذلك يتمثل في الضغط على “إسرائيل” لإنهاء احتلالها للضفة الغربية
يمكن أن يكون هناك جدل كبير حول مواقف عضوتي الكونغرس، أول امرأتين مسلمتين في الكونغرس، لا سيما وأن كليهما من منتقدي الحكومة الإسرائيلية. وقد أيدتا حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات المثيرة للجدل التي تهدف إلى الضغط على “إسرائيل” لإنهاء احتلالها للضفة الغربية، وهي حركة اعتبرها بعض اليهود معادية للسامية.
لطالما انتقد ترامب منذ البداية، ديانة وخلفية هاتين النائبتين في الكونغرس من أجل إثارة الانقسامات العرقية في البلاد. كانت عمر وطليب من بين أعضاء الكونغرس الأربعة ذوي البشرة الملونة، إلى جانب ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز من نيويورك وأيانا بريسلي من ماساتشوستس. وقد صرح ترامب في إحدى المرات أنه ينبغي عليهن العودة إلى البلدان اللواتي جئن منها. وتجدر الإشارة إلى أنصار ترامب قد هتف ضد إلهان خلال تجمعه الانتخابي الأخير قائلين “أعيدوها إلى ديارها”.
من الواضح أن الزيارة المرتقبة للنائبتان إلى الضفة الغربية أزعجت نتنياهو ولاسيما وأن هاتان النائبتان تدعمان حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على “إسرائيل”
في الواقع، لن تكون زيارة عمر وطليب المرتقبة إلى “إسرائيل” بل إلى الضفة الغربية، حيث كان من المقرر أن تزورا الخليل ورام الله وبيت لحم بالإضافة إلى القدس الشرقية التي تحتلها “إسرائيل”. والجدير بالذكر أن هذه الرحلة نظمت برعاية من مفتاح، وهي منظمة فلسطينية تعمل على تعزيز “الوعي والمعرفة العالميين بالواقع الفلسطيني”. لقد كان من المقرر أن تزور النائبتان المسجد الأقصى أو الحرم القدسي الشريف كما يسميه الإسرائيليون، وهو أساسا الموقع الذي تسبب في اندلاع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ولا شك في أن زيارتهما للقدس كانت ستركز على المظالم الفلسطينية على الاحتلال الإسرائيلي.
من الواضح أن الزيارة المرتقبة للنائبتان إلى الضفة الغربية أزعجت نتنياهو ولاسيما وأن هاتان النائبتان تدعمان حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على “إسرائيل”. وعموما، يسمح قانون تم سنه مؤخرا في “إسرائيل” برفض دخول مؤيدي هذه الحركة، وهو في الواقع، القانون التي طبقته الحكومة لمنع عضوتي الكونغرس من دخول “إسرائيل”.
لطالما دعت “إسرائيل” منتقدي سياساتها لزيارة البلاد حتى يروا بأنفسهم كم هو بلد قوي وقادر على التعامل مع أي انتقاد قادم من هاتين النائبتين. في المقابل، يبدو أن ترامب لم يخدم مصالح “إسرائيل”
في شهر نيسان/ أبريل، منعت الولايات المتحدة عمر البرغوثي وهو أحد مؤسسي الحركة من دخول أراضيها حيث كان من المقرر أن يلقي سلسلة من المحادثات ويحضر حفل زفاف ابنته. ومن جهتها، احتجزت السلطات الإسرائيلية شخصيات أمريكية عامة أخرى بسبب آرائها السياسية، بما في ذلك مؤسسة حركة “إف نوت ناو”، سيمون زيمرمان، التي احتُجزت عند الحدود. فضلا عن ذلك، مُنعت المحامية أرييل جولد، وهي ناشطة في حركة المقاطعة من دخول “إسرائيل” رفقة الصحفي بيتر بينارت، الذي احتُجز في المطار، لكن سرعان ما صرح نتنياهو فيما بعد أن اعتقال بينارت كان أمرا خاطئا.
خلافا لما كتبه ترامب خلال تغريدته، تم حظر دخول نائبتين أمريكيتين سبق وأن انتقدتا “إسرائيل” من دخول أراضيها، حيث كان ذلك جليا عندما استضافت “إسرائيل” وفودا مكونة من 31 نائبا جمهوريا و41 نائبا ديمقراطيا هذا الشهر. ولطالما دعت “إسرائيل” منتقدي سياساتها لزيارة البلاد حتى يروا بأنفسهم كم هو بلد قوي وقادر على التعامل مع أي انتقاد قادم من هاتين النائبتين. في المقابل، يبدو أن ترامب لم يخدم مصالح “إسرائيل”.
المصدر: نيويورك تايمز