أثارت جنسية القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية “قسد”، مظلوم عبدي، جدلًا واسعًا بين الأوساط الشعبية السورية، كونه شخصية قيادية كردية بارزة تصدر نفسها أمام المجتمع الدولي على أنها تسعى إلى الدفاع عن المكون الكردي في سوريا واستعادة حقوقه التي سلبها النظام السابق.
أكد مظلوم عبدي عدم امتلاكه الجنسية السورية، لأنه مكتوم القيد مثل شريحة واسعة من الأكراد السوريين، خلال مقابلاته الصحفية، إلا أنه يمتلك جواز سفر باسم آخر يخوله من التنقل والسفر بين البلدان، وعند سؤاله حول جنسية الجواز رفض الإجابة على السؤال.
يحمل مظلوم عبدي الجنسية العراقية من محافظة كركوك، ويمتلك جواز سفر عراقي، باسم محمد خليل حسين، حصل عليه عام 2018 دون الحضور شخصيًا من محافظة السليمانية في كردستان العراق، حسب قناة السومرية العراقية.
تصدّر عبدي خلال الأسابيع القليلة الماضية وسائل الإعلام العربية والأجنبية، بعد لقاء جمعه مع قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، تحت اسم الجنرال مظلوم عبدي، باعتباره القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، بهدف التفاوض حول دمج قواته تحت مظلة وزارة الدفاع السورية.
مظلوم عبدي وأوجلان
مظلوم عبدي، مظلوم كوباني، الخال جيلو، شاهين جيلو، أو محمد خليل حسين وفق جنسيته العراقية، جميعها كانت أسماء حركية لشخص واحد هو فرهاد عبدي شاهين، ولد عام 1967 في قرية حلنج التابعة لناحية عين العرب (كوباني) في ريف حلب الشرقي، المحاذية للحدود السورية – التركية.
والده كان يعمل طبيبًا، بينما لم يكمل عبدي دراسته في كلية الهندسة المدنية في جامعة حلب، حيث نشط ضمن الكوادر السياسية للأكراد السوريين المؤيدين لحزب العمال الكردستاني، بقيادة، عبدالله أوجلان.
شارك عبدي في مواجهات مسلحة ضد الجيش التركي في قضاء شيمديلي بولاية هيكاري جنوب شرق تركيا، بعد انضمامه كعضو دائم في المجلس الأعلى لمنظومة المجتمع الكردستاني (KCK) عام 1990، كما كان مقربًا من الزعيم الكردي، أوجلان، عندما كان في سوريا قبل أن تعتقله السلطات التركية.
اعتقل مظلوم عبدي مرات عدة من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السابق (في عهد الأسد الأب) على خلفية انضمامه إلى حزب العمال الكردستاني، رغم علاقات الحزب الجيدة مع السلطات السورية آنذاك، التي كانت ستتسبب في اجتياح الجيش التركي للأراضي السورية.
امتلك عبدي خبرة سياسية جيدة مكنته من التعامل مع زعماء العالم في منتصف التسعينيات، بعدما أدلى، أوجلان، في المحكمة باسمين لهما دور فعال في عملية السلام بين تركيا وحزب العمال الكردستاني الذي أدى إلى وقف إطلاق النار عام 1998 كان بينهما عبدي.
في عام 1997 سافر عبدي إلى أوروبا متنقلًا بين ألمانيا، هولندا، إيطاليا، تحت اسم شاهين سيلو، بهدف تلقي الرعاية الصحية على خلفية تعرضه للإصابة في الساق في كردستان العراق، لكنه عاد إلى جبال قنديل الواقعة على الحدود المشتركة بين إيران والعراق وتركيا، والتحق بحزب العمال الكردستاني مجددًا.
وصل عبدي مدينة مخمور العراقية عام 2004 حيث أصبح عضوًا في المجلس التنفيذي لحزب العمال الكردستاني PKK، وعين في عام 2009 مسؤولًا عن قوات العمليات الخاصة في وحدات حماية الشعب الكردية، ونشرت صوره له عام 2010 جمعته مع رستم جوادي، أحد قادة الحزب في جبال قنديل.
عبدي في سوريا
دخل عبدي إلى سوريا عام 2011 رفقة عناصر من حزب العمال الكردستاني، خاصة السوريين، بعدما أفسح النظام السابق المجال أمامهم لعودة نشاط الحزب على الأراضي السورية بهدف إيقاف الحراك الثوري السلمي في الشارع الكردي. أسس وحدات حماية الشعب الكردية (YPG)، التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، الفرع السوري لحزب العمال.
رغم تعريف وحدات حماية الشعب الكردية ((YPG، بأنها تأسست في سوريا عام 2004 على خلفية أحداث القامشلي، إلا أن ظهورها المسلح يعود إلى مطلع عام 2012، في المناطق الكردية: عفرين، القامشلي، عين العرب، رأس العين، الدرباسية، عامودا، الحسكة، حيث استلمت إدارة تلك المناطق إلى جانب مؤسسات النظام السابق الأمنية والإدارية والخدمية.
لكن مع ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” عام 2014 بدأ يتردد اسم مظلوم كوباني، على وسائل الإعلام بعد سيطرة مقاتلي التنظيم على أجزاء واسعة شرق الفرات وصولًا إلى مدينة عين العرب (كوباني) شمال شرقي حلب.
أسس التحالف الدولي بقيادة واشنطن لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في سوريا، في العام ذاته، حيث وجهت دعمًا لوحدات حماية الشعب الكردية (YPG) بهدف تشكيل قوات سوريا الديمقراطية “قسد” بقيادة الجنرال مظلوم عبدي في منطقة القامشلي التابعة لمحافظة الحسكة أقصى الشمال الشرقي من سوريا.
أصبحت قوات سوريا الديمقراطية الشريك المحلي لقوات التحالف الدولي، حيث عرفت عن نفسها خلال البيان الأول بأنها تكتل عسكري وطني لكل السوريين يضم الأكراد والعرب والتركمان والسريان، يهدف إلى دحر تنظيم “داعش” إلا أن حزب العمال الكردستاني PKK هيمن على قيادة “قسد”.
استطاعت “قسد” طرد تنظيم “داعش” من مناطق استراتيجية عام 2015 أبرزها عين العرب (كوباني) فيما واصلت العمليات العسكرية حتى بسطت سيطرتها على محافظة الرقة ومدينة منبج شرق حلب بين عامي 2016 و2017، فيما أعلنت هزيمة التنظيم شرق الفرات في مارس/آذار 2019 بعد السيطرة على آخر معاقله في منطقة الباغوز التابعة لمحافظة دير الزور.
ورغم تسويق واشنطن لقوات سوريا الديمقراطية على أنها تمثل مكونات الشعب السوري، إلا أن وحدات حماية الشعب الكردية (YPG) التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) في سوريا امتدادًا لحزب العمال الكردستاني (PKK) تهيمن على قيادتها.
عبدي وتركيا
هيمنة حزب العمال الكردستاني PKK على قيادة قوات سوريا الديمقراطية ودعمها من قبل التحالف الدولي بقيادة واشطن، وإعلانها إقامة نظام فيدرالي لإدارة مناطق سطرتها شمال شرقي سوريا عام 2016، أدخل تركيا أمام تهديد في إقامة كيان كردي على حدودها الجنوبية مما يهدد أمنها القومي.
تصنف أنقرة عبدي على أنه إرهابي لصلته في حزب العمال الكردستاني PKK المحظور في تركيا حيث طالب الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، السلطات الأمريكية مرارًا في تسليم عبدي لأنه مطلوب بموجب إشعار أحمر من شرطة الانتربول الأوروبية، ويقود تأسيس كيان كردي على حدودها الجنوبية.
وشنت تركيا ثلاث عمليات عسكرية، الأولى عملية “درع الفرات” لطرد تنظيم “داعش” عبر دعم فصائل المعارضة، وإيقاف زحف “قسد” التي تجاوزت مناطق غرب الفرات وشارفت على بسط سيطرتها في منبج بعد طرد “داعش”، والثانية عام 2018 معركة “غصن الزيتون” ضد قوات سوريا الديمقراطية في عفرين؛ والثالثة “نبع السلام” في عام 2019 سيطرت خلالها على مدينتي رأس العين التابعة للحسكة، وتل أبيض التابعة للرقة.
رغم رفض عبدي الحديث لوسائل الإعلام عن فترة انخراطه في حزب العمال الكردستاني، إلا أنه لم ينكر ذلك، معتبرًا أنه شيئًا من الماضي، مشيرًا إلى أن حزب العمال الكردستاني في تركيا ووحدات حماية الشعب في سوريا منظمتان منفصلتان تمامًا، فيما حاولت أنقرة استهدافه أكثر من مرة في سوريا، أبرزها عام 2022 حيث استهدفت مقرًا عسكريًا لعبدي في محافظة الحسكة إلا أنه نجا من محاولة الاغتيال.
ويتراوح عدد المقاتلين في قوات سوريا الديمقراطية بين 50 و60 ألف مقاتل، بينهم جنسيات أجنبية قدموا من مختلف دول الشرق الاوسط للقتال في سوريا حسب تصريحات سابقة لعبدي، في سياق حديثه حول الوصول إلى اتفاق مع تركيا لمنع شن عملية عسكرية خلال عام 2024.
عبدي ونظام الأسد
رغم مخاوف حكومة النظام السابق من إعلان الإدارة الذاتية الجناح الإداري لقوات سوريا الديمقراطية، نظام الفيدرالية في مناطق شمال شرق سوريا، والإعلان عن عقد اجتماعي مطلع عام 2024، إلا أن العلاقات بينهما كانت جيدة حتى سقوط النظام في 8 ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي.
ولجأ مظلوم عبدي إلى النظام السابق بعد تهديده من قبل أنقرة في شن عمليات عسكرية، حيث سمح لقوات النظام في دخول مدينة عفرين شمال حلب بهدف منع العملية العسكرية، إلا أنها انسحبت من المنطقة بعد الإصرار التركي على شن العملية.
لكن في عام 2019 بدأ عبدي يبحث عن حلفاء جدد بعد إعلان واشنطن عن نيتها لسحب جزئي من قواتها على الأراضي السورية، مؤكدًا استعداده للحوار مع النظام السابق، تجاوز التهديدات التركية واستمالة حلفاءه روسيا وإيران لمنع العملية العسكرية التركية (نبع السلام) حيث سمح لقوات النظام في الانتشار على خطوط التماس، إضافة إلى نشر قواعد عسكرية روسية.
وكانت علاقات عبدي مع النظام السابق مستمرة في إطار الحوار والسيطرة المشتركة في بعض المواقع الجغرافية كانتشار قوات “قسد” في حيي الشيخ مقصود والأشرفية في حلب، وانتشار قوات النظام في المربعات الأمنية ضمن الحسكة والقامشلي، مما جعل النظام السابق خطوة الأمان لـ “قسد” حال تعرضت قواته للتهديدات التركية والضغوط الدولية.
عبدي والشرع
غاب مظلوم عبدي عن المؤتمر العسكري الذي عقد في 29 ديسمبر/كانون الثاني في قصر الشعب في العاصمة دمشق؛ حيث جمع بين قادة معظم الفصائل العسكرية، وكلف أحمد الشرع رئاسة الجمهورية العربية السورية في المرحلة الانتقالية.
يذكر، أن مظلوم عبدي اجتمع مع الشرع قبل أسابيع لبحث آليات دمج قواته في صفوف وزارة الدفاع السورية، حيث قدم الشرع خطة تبدأ من إخراج عناصر حزب العمال الكردستاني PKK من صفوف “قسد” ودمج المقاتلين السوريين في صفوف الجيش السوري تحت مظلة وزارة الدفاع.
إلا أن مظلوم عبدي رفع سقف الشروط للحصول على خصوصية لمناطق المكون الكردي تتضمن إدارتها بمجالس عبر نظام اللامركزية إضافة إدخال اللغة الكردية إلى المناهج التعليمية، وهو ما لم تعارضه إدارة دمشق، إلا أن شرط الاحتفاظ بكتلة “قسد” العسكرية ضمن وزارة الدفاع أوصل المفاوضات إلى طريق مسدود.
رغم تلميحات مظلوم عبدي الإيجابية خلال اللقاءات الصحفية حول المفاوضات التي يجريها مع إدارة دمشق، وتأكيده على وحدة الأراضي السورية، إلا أن غيابه عن حضور المؤتمر العسكري لقادة الفصائل قد يرسم مشهدين في شمال شرقي سوريا عنوانه الحسم العسكري أو منح “قسد” مطالبها.