لم يمض أسبوع واحد على طرحه، لكن تطبيق الذكاء الاصطناعي الصيني DeepSeek وصل بالفعل إلى قمة عدد التحميلات على المتاجر الإلكترونية، مما أثار ذهول المستثمرين وأدى إلى انخفاض بعض أسهم كبار شركات التكنولوجيا الأمريكية، لا سيما الشركات المعنية بتطوير نماذج الذكاء الاصطناعي.
وتسبب هذا الصعود في خسارة شركة صناعة الرقائق العملاقة إنفيديا نحو 600 مليار دولار من قيمتها السوقية مع افتتاح الأسواق يوم الإثنين الماضي وهي أكبر خسارة في يوم واحد في تاريخ الولايات المتحدة.
فما هو هذا التطبيق؟ وبماذا يتميز، وكيف استطاع إزاحة عمالقة الذكاء الاصطناعي في 7 أيام؟
القصة الكاملة
تسبب إصدار ChatGPT من OpenAI في أواخر عام 2022 في حدوث تدافع بين شركات التكنولوجيا الصينية، التي سارعت إلى إنشاء روبوتات الدردشة الخاصة بها والتي تعمل بالذكاء الاصطناعي. وبعد إصدار أول نسخة صينية مكافئة لبرنامج ChatGPT، والتي أنتجتها شركة محرك البحث العملاقة بايدو Baidu، سادت خيبة أمل واسعة في الصين بسبب الفجوة في قدرات الذكاء الاصطناعي بين الشركات الأمريكية والصينية، لكن نماذج DeepSeek قلبت هذا الموقف السلبي رأسًا على عقب.
وقالت الشركة الناشئة الصينية إن نموذجيها DeepSeek-V3 و DeepSeek-R1، اللذين حظيا بإشادة قادة التكنولوجيا في وادي السيليكون، ينافسان النماذج الأكثر تقدمًا من OpenAI و Meta، كما أنها أرخص في الاستخدام، فاستخدام DeepSeek-R1، الذي تم إطلاقه الأسبوع الماضي، أرخص بنحو 20 إلى 50 مرة من استخدام نموذج OpenAI o1.
DeepSeek هي شركة ناشئة مقرها هانغتشو، والمساهم المسيطر فيها هو ليانغ وينفينغ، المؤسس المشارك لصندوق التحوط الكمي High-Flyer، بناءً على السجلات المؤسسية الصينية.
أعلن صندوق ليانغ في مارس 2023 على حسابه الرسمي على WeChat أنه “يبدأ من جديد”، متجاوزًا التداول ليركز الموارد على إنشاء “مجموعة بحثية جديدة ومستقلة لاستكشاف جوهر الذكاء الاصطناعي العام”، وقد أنشئ DeepSeek في وقت لاحق من ذلك العام.
وفق التقارير المتداولة، تصل تكلفة البرنامج ما بين 5-6 مليون دولار، لكن محللو شركة بيرنشتاين لإدارة الأصول، أكدوا في مذكرة بحثية أن إجمالي تكاليف تدريب شركة DeepSeek على نموذج V3 الخاص بها غير معروفة ولكنها أعلى بكثير من 5.58 مليون دولار التي قالت الشركة الناشئة إنها استُخدمت لقوة الحوسبة.
وقال المحللون أيضًا إن تكاليف تدريب نموذج R1 الذي نال استحسانًا مماثلًا لم يتم الكشف عنها. النجاح الكبير، يبدو أنه كان متوقعًا من الشركة الصينية، إذ تشير تقارير أنها تستعد لهجوم مضاد منتظر من الإدارة الأمريكية بتشديد العقوبات عليها، لضمان الاستمرارية، حيث قال الرئيس التنفيذي لشركة Scale AI، ألكسندر وانج، خلال مقابلة مع CNBC، إن DeepSeek لديها بالفعل 50 ألف شريحة Nvidia H100، والتي ادعى أنها لن يتم الكشف عنها لأن ذلك من شأنه أن ينتهك ضوابط التصدير في واشنطن التي تحظر بيع مثل هذه الرقائق المتقدمة للذكاء الاصطناعي للشركات الصينية.
نزال من 7 جولات: DeepSeek يسقط ChatGPT بالضربة القاضية!
في إطار سعيه لفهم كيفية مقارنة DeepSeek RI بـ ChatGPT، قام موقع “tomsguide” بإجراء تحليل شامل بين المنصتين، استندت هذه المقارنة إلى تقديم مجموعة من الطلبات التي تتنوع بين القصص الإبداعية وتحديات البرمجة. تهدف هذه الدراسة إلى تحديد المزايا الفريدة لكل روبوت دردشة، واكتشاف أيهما يتفوق في أداء مهام معينة.
وفيما يلي سبعة طلبات صُممت لاختبار جوانب مختلفة من فهم اللغة، المنطق، الإبداع، واسترجاع المعرفة، مما ساعد في النهاية على تحديد التطبيق الفائز:
حل المشكلات المعقدة
وجه الموقع سؤلًا لكلا التطبيقين: “يغادر قطار نيويورك في الساعة 8:00 صباحًا متجهًا غربًا بسرعة 60 ميلًا في الساعة. بينما يغادر قطار آخر من لوس أنجلوس في الساعة 6:00 صباحًا متجهًا شرقًا بسرعة 70 ميلًا في الساعة على نفس المسار. إذا كانت المسافة بين نيويورك ولوس أنجلوس 2800 ميل، متى سيلتقي القطاران؟”
أظهر برنامج “تشات جي بي تي” خطوات رياضية، لكن بشكل أقل تفصيلًا مقارنةً ببرنامج “ديب سيك”. وأظهرت النتائج أن “تشات جي بي تي” أخطأ في الإجابة، مما أدى إلى استبعاده في هذه الجولة. بينما تمكن “ديب سيك R1” من الوصول إلى الإجابة الصحيحة بشكل أسرع. وبعد التحقق من الحسابات يدويًا، تم التأكد من فوز “ديب سيك” في هذه الجولة.
الفائز: DeepSeek R1، من حيث السرعة والدقة.
مهمة البرمجة
السؤال: “اكتب دالة بايثون تأخذ قائمة من الأعداد الصحيحة وتعيد قائمة جديدة تحتوي فقط على الأعداد الأولية”.
قدم “تشات جي بي تي” دالة بايثون لتصفية الأعداد الأولية مع شرح للمنطق المستخدم، مما جعلها سهلة الفهم للمبرمجين المبتدئين. كما أتاح “تشات جي بي تي” خيار تحرير الكود، مما يسهل التحديثات. بينما قدم “ديب سيك R1” كودًا مشابهًا، لكنه كان أكثر إيجازًا وركز على الكود النهائي دون خيار التحرير.
الفائز: “تشات جي بي تي” بسبب إمكانية تحرير الكود.
ترجمة اللغة باستخدام العبارات الاصطلاحية
السؤال: “ترجم الجملة الإنجليزية التالية إلى الإسبانية: ‘تمطر قططًا وكلابًا'”.
ترجم “تشات جي بي تي” العبارة بشكل صحيح وأشار إلى أن المثل قد يختلف حسب المنطقة، وعرض مقطع فيديو يشرح التعبير. بينما لم تترجم “ديب سيك R1” العبارة بشكل منطقي فحسب، بل أوضحت أيضًا سبب عدم منطقية الترجمات المباشرة وأعطت مثالًا.
لفائز: DeepSeek R1، لأنه قدم إجابة شاملة دون الحاجة إلى روابط إضافية.
التحليل التاريخي
السؤال: “ناقش الأسباب والعواقب الأساسية لسقوط الإمبراطورية الرومانية”.
قدم “تشات جي بي تي” قائمة شاملة بالأسباب والعواقب، مع توضيح العوامل التاريخية. بينما قدم “ديب سيك R1” تفاصيل أكثر، مع تواريخ إضافية واستنتاج شامل.
الفائز: DeepSeek R1، من حيث السرعة والدقة والتفاصيل.
الكتابة الإبداعية
السؤال: “قم بتأليف قصة قصيرة من الخيال العلمي حول مستقبل حيث يتعايش البشر والذكاء الاصطناعي بسلام”.
قدمت “تشات جي بي تي” قصة تدور أحداثها في عام 2147، لكنها كانت مملة وغير جذابة. بينما قدم “ديب سيك R1” قصة شاملة وجذابة، مع نهاية تدعو للتفكير.
الفائز: DeepSeek R1، لقصة ذات عمق ومعنى.
الاستدلال المنطقي
السؤال: “إذا كانت كل التذبذبات عبارة عن تذبذبات، وكل التذبذبات عبارة عن تذبذبات، فهل يمكننا أن نستنتج أن كل التذبذبات عبارة عن تذبذبات؟ اشرح سبب تفكيرك.”
أجاب “تشات جي بي تي” لكن بتشبيه مربك. بينما قدم “ديب سيك R1” إجابة واضحة مع صورة مرئية توضح الفكرة.
الفائز: DeepSeek R1، لقدرته على تقديم إجابة واضحة وموجزة.
المعضلة الأخلاقية
السؤال: “هل من الأخلاقي استخدام الذكاء الاصطناعي في عمليات صنع القرار التي تؤثر على حياة الإنسان، مثل الرعاية الصحية أو العدالة الجنائية؟ ناقش الفوائد والعيوب المحتملة.”
قدم “تشات جي بي تي” اعتبارات أخلاقية واضحة، بينما قدم “ديب سيك R1” اعتبارات إضافية حول الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي.
الفائز: DeepSeek R1، لتقديمه اعتبارات شاملة حول الاستخدام السليم للذكاء الاصطناعي.
الفائز النهائي: DeepSeek R1
من خلال مقارنة استجابات “تشات جي بي تي” و”ديب سيك”، تبين أن ديب سيك كان الفائز النهائي، حيث أظهر تفوقه في مجالات متعددة مثل حل المشكلات والاستدلال والكتابة الإبداعية.
أول ضربة يتلقاها ترامب
فرضت الولايات المتحدة قيودًا صارمة تهدف إلى منع الشركات الصينية من شراء أو تصنيع رقائق الكمبيوتر المتطورة اللازمة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي. تشكل هذه الرقائق قلب سباق التسلح في مجال الذكاء الاصطناعي، والهدف من قيود التصدير هو منع الصين من مواكبة هذا السباق.
قال بعض المحللين إن نجاح DeepSeek – حيث تقول الشركة إنها دربت نموذج الذكاء الاصطناعي الجديد بتكلفة ضئيلة وعلى عدد أقل بكثير من الرقائق المتطورة مقارنة بنماذج الذكاء الاصطناعي الرائدة – يُظهر أن القيود المفروضة على التصدير من قبل إدارة بايدن وإدارة ترامب الأولى قد أتت بنتائج عكسية: ربما دفعت هذه القيود الصارمة بكين إلى الزاوية، مما أجبر الشركات الصينية على ابتكار طرق للابتكار حول قيود التصدير أو بناء رقائقها الخاصة.
وفي مقابلة مع شبكة CNN، قال جون فيلاسينور، أستاذ الهندسة والقانون في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس: “بدلاً من إعاقة الصين، قد تعمل ضوابط تصدير الذكاء الاصطناعي هذه على تسريع قدرة الصين على الذكاء الاصطناعي من خلال دفعها إلى الابتكار”. وأضاف: “يمكن القول إن ضوابط التصدير غير فعالة”.
يتفق باحث الذكاء الاصطناعي غاري ماركوس مع هذا الرأي، ويضيف: “لقد رفعنا مستوى تنافسهم التقني عن طريق الخطأ. من الواضح أن اللعبة قد تغيرت، إن هذه الفكرة – أن القيود العقابية ربما كان لها التأثير المعاكس لما قصدته الولايات المتحدة – تثير تساؤلات صعبة حول الأساس الحقيقي لطفرة الذكاء الاصطناعي، وسباق التسلح التكنولوجي بين الولايات المتحدة والصين، وكيف ينبغي لإدارة ترامب أن تستجيب”.
في بكين، لوحظ نجاح DeepSeek بالفعل في الدوائر السياسية العليا في الصين. ففي العشرين من يناير/كانون الثاني، وهو اليوم الذي جرى فيه إطلاق DeepSeek-R1 للجمهور، حضر المؤسس ليانغ ندوة مغلقة لرجال الأعمال والخبراء استضافها رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ، وفقًا لوكالة أنباء شينخوا الرسمية.
إن حضور ليانغ في التجمع قد يكون علامة محتملة على أن نجاح DeepSeek قد يكون مهمًا لتحقيق هدف سياسة بكين المتمثل في التغلب على ضوابط التصدير التي تفرضها واشنطن وتحقيق الاكتفاء الذاتي في الصناعات الاستراتيجية مثل الذكاء الاصطناعي.