على الطريق وماقبل السخنة التي تتبع لمحافظة حمص مررنا بقرى خاوية على عروشها , لايوجد فيها سكان إلا مقاتلي دولة العراق الإسلامية والذين يرفعون علمهم على الحواجز التي يقيمونها , شاهدنا كيف هو حجم الدمار في تلك القرى حتى وصلنا إلى السخنة التي يسيطر عليها النظام , هنا تبدأ أولى حواجزه في مدينة تبدوا نوعا ً ما خالية من السكان .
حواجز النظام على طريق دمشق توحي إليك وكأن شيء ً لم يكن , عبارات من قبيل “أسود الجوية , أسود الفرقة الرابعة , الرب للعبادة وبشار للقيادة” هكذا عبارات مازالت تُكتب على حواجزهم , إلى جانب العلم الذي هندسه حافظ أسد يتوسط النجمتين وصورة لبشار الأسد .
عند الوصول إلى الريف الدمشقي على جانبي الطريق يظهر لك ثورة أخرى ربما مختلفة كليا ً عن الثورة السورية في الشمال , خصوصا ً لدى دخولك الشام على الطريق الذي الواقع بين القابون وحرستا , حيث الدمار يدب الرعب في قلوب مشاهديه , دمار يشرح لك عن إجرام لم يتعرض له شعب في التاريخ , قرى مسوية بالأرض , شركات وصالات السيارات المعروفة في مدخل دمشق مدمرة أو شبه مدمرة , أبنية منهارة جراء القصف الوحشي , كل تلك الصورة ترافقها عناصر النظام المتمركزة على ذلك الطريق حتى دخول دمشق .
عند نزولك من الباص عند جسر المشاة القريب من العباسيين ستسمع صوت قصف المدفعية , إلا أنك لن تعلم إن كان هذا الصوت صادرا ً أم واردا ً نظرا ً لإختلاط الأمور عليك , تسير في شوارع دمشق وتسمع صوت القصف , من الصعب تحديد أين تتصاعد أعمدة الدخان وما سببها , فقد يكون صاروخا ً منطلقا ً من قاسيون , أو مدفعية تدك ذلك المكان , أو حتى سيارة مفخخة إن لم تكن من المدينة أو من قاطنيها , الحياة في داخلها تسير بشكل روتيني واعتيادي , سوق الحميدية مكتظ بالناس الذين جاؤوا ليتسوقوا أو ليشاهدوا منظر التسوق لعل ذلك ينسيهم ماهم فيه , سيارات ذاهبة وأخرى قادمة تضع أغاني تمجيد الرئيس بنفس الأصوات التي غنتها منذ بداية الثورة , صور بشار وجنود الجيش والعلم الأحمر على حواجز الإسمنت الثقيلة تملئ شوارع دمشق .
لم يخيل إلي أن أرى كل هذا العدد من الحواجز داخل المدينة , أو أشاهد عدد كبير من المارة يلبسون الزي العسكري والذين أعتقد أنهم من “جيش الدفاع الشعبي” المليشيا التي شكلها النظام لصالح حمايته , سيارات الستيشن التي تشتهر بها المخابرات مازالت تملئ شوارع العاصمة والمحزن أيضا ً أنها تمتلئ بالشبيحة الذين تم إستيرادهم خصيصا ً إلى جانب مايسمى جيش الدفاع الوطني , شوارع دمشق مليئة بهم , والأغلبية منهم بلباس عسكري , كل تلك الأمور تجعلك تدرك شجاعة من يستطيع أن يخرج مظاهرة واحدة في هكذا جو أمني , أو تدرك شجاعة النضال السلمي الذي جعل من مجسم بشار الأسد جثة ً مشنوقة على جسر والده الراحل .
في الخروج من دمشق أوقفنا حاجز للمخابرات الجوية على مايبدوا , صعد شاب منهم وبدأ يشاهد الهويات ثم أنزل 3 ممن عليهم إشكال بشأنها , أحدهم نال ضربا ً مبرحا ً حسبما قال لي , وقد تم إعفاؤهم بعدما دفعوا للضابط المعلوم , ثم صعد الضابط نفسه إلى الباص ليفتش الهوايا مرة ً أخرى عسى أن ينال نصيبا ً أكثر .
لم أكن أؤمن بكلمة “محررة” حتى زرت دمشق وشاهدت ماشهدته , زرتها المرة الماضية في حزيران 2007 وشاهدت كيف كان يُسير الشعب ليهتف لبشار بعد تأديته القسم للولاية الأولى , وزرتها اليوم وهي محتلة , على أمل أن أزورها المرة القادمة وهي حرة يهتف شعبها بمطالبه المحقة دون دماء .