في أربعينيات القرن الماضي كانت دول أوروبا الشرقية تعاني ظلامًا دامسًا وعنفًا واضطهادًا طبقيًا بشكل عام واضطهادًا ضد النساء بشكل خاص، جسدت العديد من الروايات والأعمال السينمائية بعض المظاهر في تلك الحقبة التاريخية وأظهرت لنا كيف كانت تحيا النساء في تلك الفترة وكيف وصلن إلى ما هُن عليه اليوم، بعد تاريخ من الكفاح والنضال الطويل.
وفي الفترة الراهنة حيث يتكرر الأمر من جديد، أنتجت نتفلكس أحد أعمالها الدرامية التي تعيد تصوير تلك الفترة بكل ما كان بها من تفاصيل في مسلسل “أليس غريس” الذي يصور قصة حياة واحدة من فتيات الطبقة المطحونة المضطهدات في تلك الفترة، من وجهة نظر نسوية.
فكرة المسلسل ليست جديدة أو وليدة هذه الأيام، بل مقتبسة من إحدى الروايات القديمة للكاتبة الكندية والنسوية “مارغريت آتوود” عام 1996، التي اقتُبست من قصة حقيقية حدثت في أربعينيات القرن الماضي، وحصدت آتوود عددًا من الجوائز على هذه الرواية مثلCanadian Giller عام 1996 وجائزة Booker وجائزةGovernor General’s Award وجائزة Orange Prize للخيال، فقد كانت الرواية بمثابة تسليط الضوء على حياة تلك الفئة من الفتيات وليست مجرد عمل خيالي يثير الاعجاب فحسب، وقد أخذ العمل الأدبي استكمال نجاحه حينما حولته نتفلكس إلى مسلسل قصير مكون من 6 حلقات.
يتحدث مسلسل أليس غريس عن فتاة أيرلندية تدعى “أليس” هاجرت إلى كندا بعد وفاة أمها، لتضطر للعمل كخادمة في أحد البيوت، لتعيل أسرتها المكونة من أطفال صغار وأب سكير لا يرغب في تحمل المسؤولية.
جاءت أليس لتعمل كباقي الخدم في تلك الفترة، حيث القسوة والاستعلاء والانشغال الدائم في التنظيف، وبعد فترة وجدت أليس أنها متهمة بقتل سيدها في المنزل وكانت كل الأدلة ضدها، وللأسف الشديد لم تكن أليس تتذكر بالفعل ما حدث، إلى أن تم حبسها لسنوات عديدة بهذه التهمة التي لم ترتكبها، ثم بعد 15 عامًا يأتي طبيب نفسي ليساعد غريس في محاولة التذكر ومعرفة الحقيقة ويتمكن من تبرئتها فعلًا، ثم تحصل غريس على حريتها بعد فترة من العذاب وتبدأ بمواجهة العالم من جديد بكل ما فيه من تغييرات.
أتى المسلسل في ست حلقات فقط لم تتجاوز مدة أي حلقة منهم 50 دقيقة، لهذا فقد جاءت الأحداث دسمة ومتتالية دون إسهاب أو تضييع للوقت، خلال تلك الحلقات عرفنا علاقة غريس بأهلها وأخواتها، ورأيناها وهي تسافر ثم تعرفنا على حياتها داخل السجن وفي فترة العمل كخادمة، رأينا كيف يتعامل الخدم في البيوت ويحيون حياة خالية من التعاطف أو الرحمة، المسلسل بكل بساطة هو عبارة عن تجسيد لحياة غريس، الفتاة التي عاشت وعانت وظلمتها الحياة، فكان بطل الفيلم الغالب هو الحوار واسترجاع الذكريات الأليمة، لأن المسلسل كان مليئًا بلقطات الفلاش باك التي تسترجع ما حدث عن طريق التذكر والحكي.
بجانب قصة أليس التعيسة ومدى المعاناة التي رأتها، صور لنا المسلسل، على قصره، أشياء أخرى يجب أن ننتبه لها، فعرفنا كيف كانت حياة الخدم في الماضي التي تختلف بشكل كبير عن حياة الخدم في وقتنا الآن، فوقتئذ كانت الخادمة مسؤولة عن الدجاج والماشية بجانب الطهي والتنظيف وغسل الملابس، وكانت الحياة مليئة بالأشغال، فلا يكاد ينتهي اليوم حتى تنتهي الخادمة من ذلك.
بجانب هذا رأينا الخلفية الاجتماعية لفئة الخادمات، لكل واحدة منهن ظروفها التي أجبرتها على هذا العمل، التي هي أسباب اقتصادية على الأغلب، كما صور لنا المسلسل مدى العنف والتعسف الذي يمكن أن تعانيه أي خادمه من رب المنزل الذي يقوم في كثير من الأحيان بالاعتداء الجنسي على تلك الفتيات، على اعتبار أنهن مُجبرات على الصمت والعمل، بجانب تجسيد الحياة داخل السجون ومدى القسوة التي تتعرض لها الفتيات هناك أيضًا.
أليس غريس ليس مجرد مسلسل يتحدث عن خادمة في القرن الماضي، بل مسلسل نسوي بامتياز، فبجانب القصة التي من تأليف مارغريت آتوود كان باقي طاقم العمل نسويًا أيضًا، فقد كانت المخرجة ماري هارون وكتبته سارة بولين والممثلة الرائعة سارة جادون، وتمكن فريق العمل النسائي من إخراج عمل درامي ممتاز ومؤثر وإن تم إغفال بعض الأشياء، مثل تمثيل سارة جادون التي رأيناها في مراحل حياتها المختلفة، ولكن المكياج لم يكن جيدًا بالشكل الكافي ليظهر لنا مراحل عمرها المختلفة، بل كان شكلها متقاربًا في كل الأعمار، كما كانت النهاية مفتوحة بعض الشيء أو صعبة على المشاهد ليفهمها كما جاءت، وعلى الناحية الأخرى كان التصوير السينمائي مميز خصوصًا لحظات التركيز على غريس في أثناء الحديث، لنرى تعابير وجهها الصادقة والمؤثرة في آن واحد.