ترجمة وتحرير: نون بوست
تعتزم شركة جوجل إعادة مكتبها في القاهرة للعمل بعد أن شهد نشاطه ركودا كبيرا منذ سنة 2014، أي في أعقاب الانقلاب العسكري الذي أوصل عبد الفتاح السيسي إلى رئاسة البلاد. وتأتي هذه الخطوة على خلفية الانتهاكات الموثقة جيدًا من جانب حكومة السيسي ضد المعارضين والناشطين الحقوقيين، والتي تسهل توظيف وسائل المراقبة الجماعية والموجهة عبر الانترنت، فضلا عن حجب الأخبار ومواقع التدوين والعمل على الحد من تطبيق حقوق الإنسان.
وفقا لبيان صحفي صادر عن الحكومة المصرية في حزيران/ يونيو الماضي، ذكرت جوجل أنها ستبدأ بتعيين موظفين بدوام كامل لمكتبها في القاهرة عقب اجتماع بين الوزراء المصريين وموظفي الشركة الأمريكية بقيادة لينو كاتاروزي، المدير التنفيذي للشركة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وسبق للحكومة أن تفاوضت مع الشركة الأمريكية حول مشروع قانون لحماية البيانات.
تأتي هذه الشراكة المتجددة مع الحكومة المصرية بعد سنة واحدة من إثارة الشركة الأمريكية العملاقة لغضب المستخدمين بعد ورود تقارير حول تطويرها لمحرك بحث خاضع للرقابة في الصين، والذي أطلقت عليه اسم “دراغون فلاي”
في الوقت الحالي، تجري جوجل عدة محادثات لإقامة شراكة مع الحكومة المصرية لتوسيع برنامج “مهارات من جوجل” الذي يعنى بتوفير تدريب رقمي لأصحاب المشاريع طوال السنة الماضية، وذلك بواسطة المنظمات الشريكة. والجدير بالذكر أن الحكومة المصرية ستشرف على عملية التوسع المذكورة.
تأتي هذه الشراكة المتجددة مع الحكومة المصرية بعد سنة واحدة من إثارة الشركة الأمريكية العملاقة لغضب المستخدمين بعد ورود تقارير حول تطويرها لمحرك بحث خاضع للرقابة في الصين، والذي أطلقت عليه اسم “دراغون فلاي”. وعندما توقفت جوجل عن تقديم خدماتها في الصين قبل سنة 2010، أشار المؤسس المشارك سيرجي برين إلى أن عدم تساهل الحكومة في تعاملها مع المعارضة كان سببا لهذا الانسحاب. وفيما يتعلق بالتوقف عن العمل على مشروع “دراغون فلاي”، يقول المسؤولون التنفيذيون إن ذلك بسبب انتقادات موظفي جوجل والمجموعات المدافعة عن حقوق الإنسان والكونغرس الأمريكي.
في شأن ذي صلة، سيفتتح مكتب القاهرة أبوابه بدوام كامل في شهر أيلول/سبتمبر القادم، وذلك وفقا لمصدر يعمل في إحدى الشركات المحلية الشريكة لجوجل، والذي اشترط عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول للحديث عن هذا الأمر. وقال متحدث باسم جوجل إن الشركة تعمل على تعيين طاقم يضم عددا محدودا من الأشخاص، وذلك للتركيز على زيادة المبيعات.
قالت مديرة الحقوق الدولية في مؤسسة إلكترونيك فرونتير، كاتيتزا رودريغز، إن:” إعادة فتح مكتب القاهرة يبدو مثيرا للقلق، وذلك في الوقت الذي تطلب فيه الحكومة من شركات الإنترنت الأخرى تمكينها من الوصول إلى بياناتها بشكل غير لائق”
علاوة على ذلك، تشعر جماعات حقوق الإنسان بالقلق إزاء التواجد الدائم لجوجل في البلاد، والذي من شأنه تعريضها لضغوط متزايدة من الحكومة المصرية. ويرجع ذلك أيضا إلى امتلاك القاهرة تاريخا في جمع البيانات واعتماد المراقبة الرقمية لمعاقبة المعارضين والصحفيين والناشطين الحقوقيين.
في هذا الصدد، قالت مديرة الحقوق الدولية في مؤسسة إلكترونيك فرونتير، كاتيتزا رودريغز، إن:” إعادة فتح مكتب القاهرة يبدو مثيرا للقلق، وذلك في الوقت الذي تطلب فيه الحكومة من شركات الإنترنت الأخرى تمكينها من الوصول إلى بياناتها بشكل غير لائق”. وأضافت رودريغيز أن جوجل ملزمة باحترام حقوق الإنسان وفقًا للمعايير الدولية، كما ينبغي لها الكشف عن الخطوات التي ستتخذها لحماية هذه الحقوق.
متظاهرون مسالمون يعيدون شحن هواتفهم المحمولة وأجهزة الكمبيوتر في محطة شحن في ميدان التحرير في التاسع من شباط/فبراير 2011 وسط العاصمة المصرية القاهرة.
طوال مدة تتجاوز العقد من الزمن، أثبتت الشركات الأجنبية المستقلة مثل جوجل أنها تلعب دورا محوريا بالنسبة للمصريين الذين يريدون مراوغة السيطرة والرقابة الحكومية. ففي سنة 2011، ساهمت صفحة فيسبوك يديرها المدير الإقليمي لتسويق منتجات جوجل في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا آنذاك، وائل غنيم، في تأجيج نيران الاحتجاجات التي استمرت طوال 18 يوم وأطاحت بالرئيس حسني مبارك. ودفع ذلك الرئيس التنفيذي لجوجل آنذاك، إريك شميدت، إلى إبداء رأيه لوسائل الإعلام في الوقت الذي تغير فيه عدة منصات مثل فيسبوك ديناميات تعاملها بين الحكومات والمواطنين.
في حديثه إلى موقع ذي إنترسبت للتحقيقات الاستقصائية، قال مدون مصري ينشط منذ عهد مبارك إن الناشطين أمثاله اختاروا استضافة مدوناتهم على نظام بلوغر الذي تملكه شركة جوجل لأنهم شعورا بالثقة إزاء عجز الحكومة المصرية عن الوصول إلى خوادم الشركة الأمريكية. وبعد غلق الإنترنت في ذروة احتجاجات سنة 2011، تشاركت جوجل مع تويتر في ابتكار أداة تسمح للمصريين بنشر التغريدات باستخدام رسائل البريد الصوتي للتحايل على التعتيم.
في تقرير أصدرته الخريف الماضي، قالت منظمة العفو الدولية إن القمع المصري لحرية التعبير حوّل البلاد إلى “سجن مفتوح للنقاد”
في 2014، نقلت جوجل عملياتها من مصر إلى دبي، وذلك على الرغم من استخدامها لمكتبها في القاهرة في بعض الأحيان للاجتماعات والأنشطة التجارية الأخرى. وفي ذلك الوقت، لم تتحدث جوجل بشكل علني لتقديم سبب لتوحيد مكاتبها الإقليمية في دبي التي تشهد تواجد كل من تويتر وفيسبوك. والجدير بالذكر أن خطوة جوجل جاءت بعد قيام شركة “ياهو” بإغلاق مكاتبها في القاهرة أواخر سنة 2013، بعد أشهر من حملة القمع التي شنتها الحكومة على المعارضين وقتل المئات في يوم واحد. وفي الوقت الحالي، يعتبر العملاق التكنولوجي مستعدا لتعزيز شراكته مع الحكومة التي يقول الباحثون إنها تطلق أعنف حملة وحشية في تاريخ البلاد الحديث.
في تقرير أصدرته الخريف الماضي، قالت منظمة العفو الدولية إن القمع المصري لحرية التعبير حوّل البلاد إلى “سجن مفتوح للنقاد”، مشيرة إلى العديد من عمليات اعتقال الصحفيين والناشطين الحقوقيين ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي. ومن جهته، قال الباحث في المنظمة، حسين باومي إن:” الناس يتعرضون للاعتقال بسبب تغريداتهم أو منشوراتهم على موقع فيسبوك أو إبداء آرائهم إزاء التحرش الجنسي أو بسبب دعمهم لناد ما. وفي الآونة الأخيرة، باتوا يتعرضون للاعتقال بسبب تشجيعهم للاعب كرة قدم في مباريات كأس أمم إفريقيا لكرة القدم.
في السنة الماضية، اعتُقِل الصحفي المتوج بالجوائز الدولية، وائل عباس، بسبب منشوراته على موقعي “فيسبوك” و”تويتر” بتهمة “نشر أخبار كاذبة” و”التورط مع جماعات إرهابية” و”إساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي”. والجدير بالذكر أن الصحفي المصري كان عرضة لإغلاق حساباته وصفحاته على مواقع مثل ياهو وفيسبوك وتويتر ويوتيوب بعد أن قام بتوثيق اعتداءَات الشرطة.
تتوافق الحملة التي تشنّها مصر على المعارضين مع تزايد استخدامها للمراقبة الجماهيرية الموجهة
بعد اعتقاله، أفادت مؤسسة “إلكترونيك فرونتير” أن المدعين العامين ووسائل الإعلام الحكومية يستخدمون إيقاف حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي كدليل ضده على ما يبدو، وهو ما أدى إلى سجنه لمدة سبعة أشهر. علاوة على ذلك، أصدرت الحكومة المصرية خلال السنة الماضية قرارا جديدا يعامل حسابات مواقع التواصل الاجتماعي التي تمتلك أكثر من 5000 متابع كمنافذ إخبارية، مما يعرض المزيد من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي للملاحقة القضائية بسبب “الأخبار الكاذبة”. ووجد تقرير صادر عن لجنة حماية الصحفيين في 2018 أن مصر سجنت المزيد من الصحفيين بسبب تهم نشر الأخبار الكاذبة أكثر من أي بلد آخر.
تتوافق الحملة التي تشنّها مصر على المعارضين مع تزايد استخدامها للمراقبة الجماهيرية الموجهة. وفي سنتي 2016 و2017، تعرضت مجموعة من المنظمات المصرية غير الربحية البارزة لهجوم تصيد احتيالي متطور بينما كانوا يدافعون عن أنفسهم ضد اتهامات الدولة التي تفيد بأنهم يتلقون تمويلًا أجنبيًا لزعزعة استقرار الحكومة.
أشار تحليل أجرته المبادرة المصرية للحقوق الشخصية إلى أن الهجوم، الذي تضمن هجمات على حسابات البريد الإلكتروني، تم تنسيقه أو دعمه من قبل وكالة استخبارات مصرية. وحددت منظمة العفو الدولية وجود مجموعة جديدة من هجمات التصيّد الاحتيالي ذات نمط مماثل في وقت سابق من هذه السنة.
علاوة على ذلك، اشترت الدولة الخدمات والتكنولوجيا من أفضل شركات برامج التجسّس، بما في ذلك “هاكينج تيم”، وهي شركة إيطالية لتصنيع برامج التجسس. وفي سنة 2017، يبدو أن الحكومة المصرية قد أوقفت تشغيل جوجل بشكل متقطع أثناء محاولتها حظر تطبيق سيجنال، وهي خدمة مراسلة مشفرة كانت ترسل رسائلها عبر جوجل وغيرها من مجالات الويب لتجاوز الحظر، وهي ممارسة تعرف باسم مراقبة نطاق الانترنت.
هناك أدلة تشير إلى أن شركات التكنولوجيا العاملة في مصر قد تكون عرضة للضغط للكشف عن بيانات المستخدم
وجاء هذا الانقطاع خلال فترة من الاضطرابات المتقطعة على الإنترنت. وأفاد مصدر حكومي لمدى مصر، وهو موقع إخباري مصري مستقل، أن هذه الاضطرابات تحدث لأن الحكومة كانت تعمل على برنامج جديد للمراقبة الجماهيرية. وفي هذا السياق، أعلنت جوجل وأمازون سنة 2018 أن خدمات التخزين السحابي الخاصة بهما لم تعد تدعم مراقبة نطاق الانترنت.
هناك أدلة تشير إلى أن شركات التكنولوجيا العاملة في مصر قد تكون عرضة للضغط للكشف عن بيانات المستخدم. وفي كانون الثاني/يناير، شهد مستخدمو شركة أوبر في مصر تعطلًا في الخدمة على امتداد أسابيع وسط نزاع طويل الأمد على البيانات بين أوبر والحكومة. وبعد بضعة أسابيع، وافقت أوبر على دفع ضريبة القيمة المضافة في مصر التي كانت تتهرب منها لمدة سنة تقريبًا.
سبق وأن طلبت الحكومة من أوبر سنة 2017 إتاحة الولوج إلى “هيفن”، الذي يعرض النشاط المباشر على التطبيق، بما في ذلك جولات أوبر والبيانات الشخصيّة للعملاء، ولكنّ الشركة رفضت الانصياع لها. كذلك، عرضت الحكومة على شركة كريم، وهي منافس أوبر آنذاك، “معاملة تفضيلية” في حال سلمت بيانات المستخدم الخاصة بها.
كانت هذه الشركة واحدة من بين عشرين شركة دولية تعمل في مصر، والتي استشارتها الحكومة في إطار مشروع قانونٍ لحماية البيانات والذي يخضع حاليًا للتقييم من قبل المشرعين المصريين
من جهة أخرى، يتحتّم على الشركات التي تقدّم خدمات جولات السيارات، وفقا للقانون الذي وقع إقراره السنة الماضية، أن تقدم بيانات مستخدميها إلى الحكومة بناءً على طلبها، رغم أن نوع البيانات التي قدمتها أوبر إلى مصر في النهاية لم تكن واضحة. وفي سنة 2015، منعت الحكومة خدمة إنترنت دوت أورج بعد أن رفضت الشركة مساعدة الحكومة على تسيير عمليّة مراقبة على المنصة. وقال باومي: “إن التمتّع بحق استخدام وسائل الاتصال المستقلة أمر في غاية الأهمية، خاصة في مصر في الوقت الحالي، وذلك بسبب مقدار سيطرة الحكومة على جميع مجالات الحياة”.
في الواقع، تلعب جوجل دورًا أكثر نشاطًا في مصر بطرق أخرى. وكانت هذه الشركة واحدة من بين عشرين شركة دولية تعمل في مصر، والتي استشارتها الحكومة في إطار مشروع قانونٍ لحماية البيانات والذي يخضع حاليًا للتقييم من قبل المشرعين المصريين. هذا أول تشريع في مصر يهدف إلى ضبط البيانات الشخصية على وجه التحديد، وقد أقرته لجنة اتصالات برلمانية في آذار/مارس. وبمجرد أن يعتمد هذا القانون، فإنه ينظم البيانات التي تتراوح بين صوت الفرد إلى رقم حسابه المصرفي.
فضلا عن ذلك، قال متحدث باسم جوجل إن الشركة تدرس أيضًا إمكانيّة تأسيس شراكة مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصرية في برنامجها “مهارات من جوجل”. ويوفر البرنامج تدريبا على المهارات الرقمية التي تركز على التوظيف للمتحدثين باللغة العربية. وأضاف هذا المتحدث: “إننا نشارك صانعي السياسة لمساعدتهم على فهم أعمالنا واستكشاف الطرق التي تستطيع من خلالها التكنولوجيا تحسين حياة الناس وتحريك النمو الاقتصادي”.
أعلن أحد الوزراء الحكوميين في السنة الماضية أن الدولة تخطّط لاستثمار ما يقارب 7.2 مليون دولار في بناء “مدينة معرفة” مسيّرة بفضل التكنولوجيا
في الوقت ذاته، يبدو أن الحكومة تستغلّ عملها مع جوجل كجزء من جهودها المستمرة لتصنيف مصر كملاذ للاستثمار الأجنبي. وتوضّح البيانات الصحفية التي صدرت عن الوزارات الحكومية بعد الاجتماعات التي عقدتها جوجل وجود علاقة وثيقة مع الشركة. يمثّل تعزيز الاستثمار الأجنبي حجر الأساس في استراتيجية حكومة السيسي التي تهدف لتحسين اقتصاد البلاد بعد الانتفاضة وتوليد إيرادات من شأنها أن تساعد على تسديد قرضها البالغ 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي.
أعلن أحد الوزراء الحكوميين في السنة الماضية أن الدولة تخطّط لاستثمار ما يقارب 7.2 مليون دولار في بناء “مدينة معرفة” مسيّرة بفضل التكنولوجيا. وفي هذا الإطار، صرّح باحث هيومن رايتس ووتش عمرو مجدي قائلا: “إنهم يحاولون استغلال اتفاقياتهم التجارية الناجحة في شكل علاقات عامة، حتى يستغلوا اتفاقهم مع شركة كبيرة مثل جوجل ليروّجو إلى أنهم مستعدون للعمل”.
المصدر: ذي انترسبت