ترجمة حفصة جودة
ربما لاحظ الزوار المتكررون لسكيتبارك في لندن ساوث بانك وجود عملين فنيين جديدين بين رسوم الجرافيني الموجودة منذ عقود، كلا العملين مرسومين بالأبيض والأسود عن طريق الرش، أحدهما يصور أمًا عارية هزيلة تحمل طفلًا حديث الولادة والآخر يظهر صبيًا جائع شعره أشعث (دليل على الإصابة بفقر الدم) ويمسك يديه بيأس.
تحمل الصورتان عنوانا “الأم المكلومة” و”الجيل الضائع”، أما الشخصيات فهي شاحبة وهزيلة ولها تجويفات سوداء فارغة بدلًا من العيون، يمكنك أن تجد أعمالًا مشابهة في الحديدة وصنعاء باليمن على حطام الأبواب ومكبات النفايات وربما على آخر حائط سليم لبيت تحت الأنقاض.
يسعى الفنان اليمني مراد صباي من خلال مشروعه “وجوه الحرب” إلى جذب الانتباه لأسوأ أزمة إنسانية في العالم، فمنذ اندلاع الحرب الأهلية عام 2014 بين ميليشات الحوثي المدعومة من إيران والقوات الحكومية المدعومة من المملكة العربية السعودية، سقطت أنظمة التعليم والرعاية الصحية والطاقة وقطاع المياه في اليمن، وعانت البلاد من أسوأ أزمة كوليرا في العصر الحديث كما واجهت المجاعة، كانت الأمم المتحدة قد قدرت أن نحو ثلاث أرباع السكان – 28 مليون نسمة – بحاجة إلى نوع من أنواع المساعدات.
ينقل صباي هذا اليأس من خلال فنه، تنقل صورة “التهام” المعروضة بمتحف الحرب الإمبراطوري في مانشستر، رسمًا لهيكل عظمي لرجل بيد واحدة وله نفس الأعين الغائرة مثل الرسومات الأخرى في ساوث بانك، يجلس الرجل بأرجل متقاطعة بينما يعض يده ويقف غراب على ركبته لينقر في فخذه النحيل، تذكرنا الرسمة بصورة “الفتاة الجائعة والنسر” الحائزة على جائزة البوليترز للمصور كيفين كارتر عام 1993 لطفل سوداني جائع يقف نسر بالقرب منه (انتحر كيفن بعد عام من التقاطه تلك الصورة).
لوحة “التهام” للفنان مراد صباي
بدأ صباي الرسم عندما كان مراهقًا رغم أنه لم يتلق أي تعليم رسمي لذلك، وقد جذب الانتباه لأول مرة عام 2012 من خلال حملته “لون جدران شوارعك” التي دعا إليها الأصدقاء والمارة والغرباء على وسائل التواصل الاجتماعي لرسم لوحات جدارية مشرقة في مناطق صنعاء التي تأثرت بالصراع بعد ثورة اليمن عام 2011.
أما حملة “الجدران تتذكر وجوههم” التي أطلقها بعد شهرين من الحملة الأولى، فقد كانت صورًا شخصية بالأبيض والأسود لتخليد ذكرى اليمنيين الذين اعتقلوا أو قتلوا من الحكومة في العقود الخمس الماضية، ومع ازدياد الوضع سوءًا في البلاد كانت حملته “12 ساعة” تدور حول الجنود الأطفال وقصف الطائرات والفساد، تلتها حملة “تماثيل الفجر” عام 2013 و”حطام” عام 2015.
هناك مقارنة بين صباي وبانكسي (فنان شوارع بريطاني) في استخدامه للاستنسل واختيار المواضيع، لكن صباي يرى أن أسلوبه متأثر أكثر بفنسينت فان جوخ وهنري ماتيس وبابلو بيكاسو وآندي وارهول، وكانت لوحة “الأم المكلومة” على وجه الخصوص متأثرة بلوحة “الحزن” لفان جوخ، حيث تتخذ كلتا الصورتين معاناة الأم موضوعًا لها، يقول صباي إن شخصيته تمثل بلدًا بأكملها، ضعيفة لا صوت لها ولا يبدو أن هناك من يهتم بشأنها.
استلهم صباي حملته الأخرى “شهية طيبة” من لوحة وارهول “علب حساء كامبل”، حيث شبّه مبيعات الأسلحة بمنتجات الأطعمة السريعة، يقول صباي على موقعه الإلكتروني: “تتعامل شركات السلاح في جميع أنحاء العالم مع الأسلحة باعتبارها سلعة، فهي تصدرها للعالم دون أدنى مسؤولية”، تصور الرسومات صاروخًا وقنبلة يدوية متوسطة الانفجار بكل جرأة وصلابة (تعرض لوحة “عمل جيد” في سكيتبارك).
لوحة “عمل جيد” في سكيتبارك بلندن
اختار صباي أن يعرض بعض أعماله في لندن بالقرب من البرلمان لسبب وجيه، فمنذ بدء الحرب عام 2014 رخصت بريطانيا مبيعات سلاح للمملكة العربية السعودية قيمتها 4.7 مليار جنية إسترليني، وفي يونيو أصدرت محكمة الاستئناف قرارها بعد قانونية بيع تلك الأسلحة استنادًا إلى أن الوزراء لا يحق لهم منح رخصة بيع السلاح في حالة وجود خطر واضح لاستخدام تلك الأسلحة في أعمال تنتهك قانون حقوق الإنسان الدولي.
يقول قرار المحكمة: “تقول الأدلة إنه في الأشهر الأولى من 2106 كان هناك قرار وربما تغير في الموقف، لذا لن يكون هناك تقييم لانتهاكات قانون حقوق الإنسان السابقة”، وبينما تستعد الحكومة للطعن على الحكم، تعد منظمة “Global Legal Action Network” غير الربحية وشركة المحاماة البريطانية “Bindmans” تقريرًا جديدًا عن التفجيرات في اليمن التي تشير إلى أن السعودية كانت تستهدف المدنيين والبنية التحتية المدنية بشكل غير قانوني.
لكن صباي متشائم بشأن المستقبل، فهو يرى أن وقف إمدادات الأسلحة لن ينهي الحرب، كما أن السياسيين في بريطانيا بعثوا رسالة عالمية مروعة تشجع الأطراف المتحاربة على ارتكاب جرائم حرب.
لا يؤمن صباي بتأثير أعماله رغم فوزه بجائزة “الفن من أجل السلام” عام 2014 لنشره ثقافة السلام، وجائزة “مؤشر الرقابة” عام 2016، يقول صباي: “يمكن للفن أن يرفع وعي الناس بما يحدث في بلادي، لكنه لا يملك القوة لتغيير أي شيء”.
المصدر: إيكونوميست