لم تتوقف أزمة ناقلة النفط الإيرانية “غريس1” عند مرحلة الإفراج عنها بعد 43 يومًا قضتها في قبضة سلطات جبل طارق، إذ أخذت منحى آخر بإعلان تلك السلطات رفضها لطلب الولايات المتحدة الأمريكية احتجاز الناقلة ومصادرة ما عليها وعدم السماح لها بمغادرة المياه البريطانية.
سلطات جبل طارق البريطانية أعلنت أول أمس الأحد رفضها لطلب واشنطن، موضحة أن العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا التي على أساسها تريد أمريكا احتجاز السفينة أمر غير قابل للتطبيق في منطقة الاتحاد الأوروبي، ومن ثم وبموجب القانون الأوروبي تم إعطاء الضوء الأخضر للناقلة بالعبور وبالفعل باتت الآن باتجاه الشواطئ اليونانية.
كانت وزارة العدل في الولايات المتحدة قد قدمت طلبًا إلى سلطات جبل طارق لمصادرة ناقلة النفط الإيرانية “غريس1” المحتجزة لديها، بدعوى أنها كانت تقدم المساعدة للحرس الثوري الإيراني الذي تعتبره واشنطن “منظمة إرهابية” عبر نقلها النفط من إيران إلى سوريا عندما تم ضبطها الشهر الماضي.
قرار بريطاني بامتياز
رغم أن قرار الإفراج عن الناقلة صادر بشكل مباشر من محكمة سلطات جبل طارق، كذلك قرار رفض الطلب الأمريكي بالاحتجاز، فإنه في حقيقته قرار بريطاني من الدرجة الأولى، ولو كانت لندن تريد غير ذلك لفعلت، وهو ما يأخذ بالملف برمته إلى آفاق أخرى.
البعض ربما يشير إلى أن حكومة بوريس جونسون من احتجزت الناقلة في الأساس قبل ستة أسابيع استجابة للضغوط الأمريكية كما تناقلت بعض المصادر الإعلامية والرسمية في الجانب الإيراني، وهي خطوة تتعارض مع قرار الإفراج، بما يوحي أن خلافًا بين حكومة لندن وسلطات جبل طارق، وهو أمر مستبعد ميدانيًا وسياسيًا.
اللجوء إلى استهداف الناقلة التي ترفع العلم الإيراني بحثًا عن انتصار يداوي جراح ما جرى ربما يشعل فتيل حرب الناقلات مجددًا
ربما كانت خطوة الاحتجاز إرضاءً لواشنطن لكن التصعيد الإيراني لم يكن متوقعًا بالنسبة للسلطات البريطانية التي فوجئت برد قوي من طهران باحتجاز ناقلتها “ستينا إمبيرو” وتهديد الخط الملاحي البريطاني في الشرق الأوسط، وعليه ارتأت لندن أن ترجع خطوة للخلف تجنبًا لحدوث أي صدامات عسكرية مع إيران وأذرعها العسكرية في المنطقة.
ربما لم يعمد جونسون إلى استفزاز حليفه بإعلان رفضه رسميًا للطلب الأمريكي ومن ثم تستر خلف محكمة سلطات جبل طارق التي أفرجت عن الناقلة ولم تستجب لطلب محاصرتها وتوقيفها في المياه البريطانية، وهي الخطوة التي وصفها البعض بـ”الحكيمة”.
سلطات جبل طارق ترفض طلب أمريكا احتجاز الناقلة البريطانية
واشنطن تأسف وطهران تحذر
أسفت واشنطن لرفض طلبها باحتجاز “غريس1″، فكما جاء على لسان وزير خارجيتها مايك بومبيو، تعليقًا على هذا الأمر “من المؤسف أن هذا قد حدث”، محذرًا الحكومة اليونانية والسلطات المسؤولة عن موانئ البحر المتوسط من التعاون مع ناقلة النفط الإيرانية.
التحذير الأمريكي قوبل بتحذير إيراني مماثل، حيث قالت طهران إن أي تحرك أمريكي جديد ضد الناقلة سيكون له “عواقب وخيمة” وسط ما يبدو أنه محاولة من وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف للتقليل من أهمية مخاوف نشوب صراع عسكري مع واشنطن، بحسب ما ذكرت “بي بي سي“.
وقد أبحرت ناقلة النفط الإيرانية التي تحمل اسمًا جديدًا هو “أدريان داريا1″، مرسى جبل طارق الأحد الماضي في الحادية عشرة مساءً بالتوقيت المحلي للمنطقة، وفقًا لبيانات تتبع السفن الصادرة عن مؤسسة “ريفنتيف” لبيانات الأسواق والبُنى التحتية، وهي الآن في طريقها إلى اليونان.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون
العلاقات البريطانية الأمريكية إلى أين؟
لا أحد يستطيع التنبؤ برد الفعل الأمريكي تجاه هذا الموقف الذي يصفه البعض بهزيمة سياسية نكراء لإدارة ترامب، لا سيما فيما يتعلق بالخطوة الاستفزازية القادمة تجاه الناقلة الإيرانية، فاللجوء إلى استهداف الناقلة التي ترفع العلم الإيراني بحثًا عن انتصار يداوي جراح ما جرى ربما يشعل فتيل حرب الناقلات مجددًا.
هذا السيناريو استبقته طهران بالرد عليه، حيث أعلن قائد القوات البحرية فيها اللواء حسن خانزادي أنها مستعدة لإرسال أُسطولها لمُرافقة الناقلة، وأنها لن تسكُت على أي “قرصنة” أمريكية في هذا الإطار، وسترُد بالقدر نفسه إن لم يكُن أكثر، وتجارب الأشهر الماضية ما زالت ماثِلةً في الأذهان، الأمر الذي يدفع الأمريكان لإعادة النظر في هذا الخيار قبل تمريره.
لا شك أن العلاقات البريطانية الأمريكية ستكون على طاولة المراجعة بعد الصفعتين اللتين تلقاهما الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومُستشاره جون بولتون، من حليفه الأوروبي
واشنطن ليس من مصلحتها في هذا الوقت سكب الزيت على نار التصعيد مع إيران، سواء كان ذلك في مياه الشرق الأوسط أم المياه الأوروبية، خاصة أن ترامب على أبواب انتخابات رئاسية جديدة، لا يريد أن يعكر صفوها بمواجهات ربما تنتقص من رصيده حال تكبده أي نوع من الخسائر فيها.
لا شك أن العلاقات البريطانية الأمريكية ستكون على طاولة المراجعة بعد الصفعتين اللتين تلقاهما الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومُستشاره جون بولتون، من حليفه الأوروبي، الأولى حين أفرجت سلطات جبل طارق البريطانية عن الناقلة، والثانية حين رفضت الطلب الأمريكي بمصادرتها.
أصوات عدة ترى – بعد هذه التطورات – أن نسب احتمالات انضمام بريطانيا للتحالف البحري الذي يسعى الرئيس الأمريكي لإنشائه لحماية المِلاحة البحَريّة في الخليج، باتت ضعيفة للغاية، بل ذهب آخرون إلى أنها شبه معدومة، في ظل ما تراه لندن من مخاطر نتيجة سياسة ترامب المتهورة التي تفتقد للحكمة والذكاء السياسي.