“نكتةٌ مُرة مضحكة مبكية تثير الاستهجان وكثيرًا من نقاط التعجب عن تعاطي الأمم المتحدة والمجتمع الدولي مع الانتهاكات الخطيرة والواسعة والمستمرة من الحكومة المصرية لحقوق الإنسان”، هكذا نظرت المنظمات الحقوقية المحلية والدولية بامتعاض واستنكار لاعتزام الأمم المتحدة عقد مؤتمر لمناهضة التعذيب في القاهرة التي تُتهم سلطاتها بأنها حولتها إلى عاصمة لأشد وأقسي ممارسات التعذيب والتنكيل بمعارضي النظام وبعامة الناس الذين يقعون في قبضتها الأمنية.
مؤتمر لمناهضة التعذيب في دولة تمارسه!
كان هذا خبر كافٍ حتى قبل أسابيع من وقوعه لإثارة كثير من الدهشة والاستنكار، فمناهضة التعذيب ومصر طرفا نقيض، كالليل والنهار أو كالنار والماء، بالنظر إلى شهادات وتقارير دولية لا يمكن الاستهانة بها عن واقع التعذيب في مصر السيسي منذ انقلاب عام 2013.
منظمات حقوق الإنسان المستقلة التي وثقت ممارسات التعذيب في البلاد ستغيب، ولن يتمكن أي حقوقي مصري مستقل لا يخضع لنفوذ السلطة المصرية من حضور فعالياته
لكن اتهام الحكومة المصرية بأنها مسؤولة عن “وباء التعذيب” في البلاد، لم يمنع الأمم المتحدة من تنظيم مؤتمر إقليمي بشأن الانتهاكات في القاهرة، كان من المقرر أن تنظمه المفوضية السامية لحقوق الإنسان، وتحديدًا مكتبها الإقليمي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بالشراكة مع المجلس القومي لحقوق الإنسان التابع للحكومة المصرية، على مدار يومي 4 و5 من سبتمبر/أيلول المقبل.
وفقًا لمكتب الأمم المتحدة، كان من المقرر انطلاق المؤتمر بحضور نحو 80 مشاركًا من مؤسسات حكومية وغير حكومية ومهنيين إعلاميين من 19 دولة عربية، إلا أن منظمات حقوق الإنسان المستقلة التي وثقت ممارسات التعذيب في البلاد ستغيب، ولن يتمكن أي حقوقي مصري مستقل لا يخضع لنفوذ السلطة المصرية من حضور فعالياته، وهو ما يعني بحسب حقوقيين أن تغيب عنه أصوات الضحايا وتهيمن عليه أصوات جلاديهم.
العنوان المعلن يدور حول تعريف وتجريم التعذيب في تشريعات المنطقة العربية، حيث دخلت اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللإنسانية أو المهينة حيز التنفيذ في يونيو 1987، أي منذ أكثر من نحو 30 عامًا، وحتى الآن، أصبحت 166 دولة طرفًا في الاتفاقية، بما في ذلك 20 دولة من المنطقة العربية.
مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان من جهتها بررت اختيار القاهرة لعقد المؤتمر بأن ذلك “نوعًا اعتياديًا تمامًا من المؤتمرات”، كما جاء على لسان المتحدث باسم المفوضية الأممية روبرت كولفيل، الذي قال في فبراير/شباط الماضي إن التعذيب منتشر في مصر، وعبَّر عن قلقه إزاء محاكمات أدَّت إلى إعدام 15 شخصًا في مصر في نفس الشهر، وقال إنها ربما تكون غير عادلة، وقال إن التعذيب ربما استخدم لانتزاع اعترافات.
يأتي المؤتمر قبل المراجعة الدورية الشاملة أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وهي عملية تعلن فيها الدول الأعضاء الإجراءات التي اتخذتها من أجل تحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان، ويبدو أن السلطات المصرية كانت تعول كثيرًا على مرور هذا الاستعراض بسلام، طلبًا لمزيد من ترسيخ قدم النظام دوليًا.
ما معنى أن يقام مؤتمر ضد التعذيب ويناهضةفى بلد تستورد آلات ومعدات للتعذيب ويبتكرنظامه وسائل وأساليب التعذيب ويصدر ها لبلاد برا غير أن هذا النظام وأعوانه بيطلعوالسنانهم لمعترضين فى الداخل والخارج
— شهده (@anhaaar19) August 20, 2019
ويبدو بحسب مراقبين أن توقيت استضافة مؤتمر سبتمبر ليس مصادفة، بل يأتي في هذا السياق، ولعله – كما رأى البعض – فرصة لنظام السيسي لتعزيز مكانته في الخارج قبل المراجعة في جنيف وتبييض صورته التي أسودت في أعين المنظمات الحقوقية، وكذلك كي يغسل عن كفيه وصمة التعذيب، ولكن بمناديل الأمم المتحدة.
وتتعاظم الدهشة بخصوص واجهة انطلاق مؤتمر كهذا في مصر التي قالت عنها لجنة مناهضة التعذيب بالأمم المتحدة، في منتصف 2017، إن التعذيب ممارسة منهجية فيها، لهذا كان السؤال يدور عن مدى قدرة حقوقيّ الأمم المتحدة على تذكير المسؤولين المصريين داخل المؤتمر المرتقب بحقيقة كهذه.
استهجان واستنكار وسخرية
العديد من التساؤلات أثارها قرار اختيار المنظمة الدولية لمصر لعقد مؤتمر بشأن مناهضة التعذيب، رغم سجلها الحافل في انتهاك حقوق الإنسان، وخاصة السنوات الستة الماضية، ما دفع نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي لوصف الأمر بـ”الكوميديا السوداء”، وتساءل آخرون بسخرية: هل تم اختيار مصر باعتبارها أكبر دولة تُمارس التعذيب؟! وما مصداقية التقارير الدولية التي تنتقد التعذيب في مصر ليل نهار؟
من الكوميديا السوداء ان تجد مصر تستضيف مؤتمر ضد التعذيب في دولة المقر الرئيسي للتعذيب!!
أنتحار المنطق!
— سمية الجناينى (@somayyaganainy) August 19, 2019
وتصاعدت الاعتراضات منذ إعلان عقد المؤتمر في العاصمة المصرية، حيث رأى كثيرون أن التعاون بين المفوضية السامية لحقوق الإنسان والسلطات المصرية يعني استمرار التواطؤ الدولي بخصوص انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، وقالوا إن الرئيس عبد الفتاح السيسي ترأس أسوأ حملة قمع للحريات في تاريخ مصر الحديث.
ومنذ إعلانه الشهر الماضي المشاركة في الحدث الإقليمي، واجه مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان انتقادات واسعة، حيث قال عضو لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة فيليس غاير إن لجنة مناهضة التعذيب – التي ترصد تنفيذ اتفاقية مناهضة التعذيب الموقعة عليها مصر – وجدت أن مصر تمارس “التعذيب المنهجي”، وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللإنسانية تحت حكم السيسي.
جمال عيد: أضاف “السخرية الأكثر أن هذا يجري عن طريق المجلس القومي الذي ينحصر دوره طوال الوقت في تلميع صورة الحكومة والتواطؤ على حالة حقوق الإنسان”
كما أثار قرار الأمم المتحدة غضب نشطاء حقوق الإنسان، وقالت عايدة سيف الدولة، مديرة مركز النديم الذي يعمل على توثيق مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان وعلاج ضحايا التعذيب: “قرار استضافة المؤتمر في مصر غريب، وكأنهم يكافئون مصر على مقدار التعذيب الذي يحدث فيها”، ففي 2017، داهمت السلطات مركز النديم وأغلقته.
ودعا بعض الحقوقيين لمقاطعة المؤتمر، بسبب استمرار جرائم التعذيب داخل السجون المصرية، ففي وقت سابق من هذا الأسبوع، قال الباحث في معهد القاهرة لدراسات حقوق الإنسان (غير حكومي) محمد زارع: “من غير المنطقي بالنسبة لبلد يكون فيه التعذيب منظمًا استضافة مؤتمر عن التعذيب”، وأضاف “يجب استبعاد مصر كمكان أو النظام المصري من استضافة أي منتدى أو حدث متعلق بحقوق الإنسان داخل مصر”.
مزارع قال في تصريحات لموقع “ميدل إيست آي” إن منظمته لم تتم دعوتها لحضور المؤتمر لأن أعضاءها سيستخدمون المنبر للتحدث علانية ضد انتهاكات السلطات المصرية، مما يضر صورة الحكومة. تم حظر منظمة زارع، مثل معظم منظمات حقوق الإنسان المستقلة في البلاد، كما تم منع أعضائها، بمن فيهم هو نفسه، من السفر منذ عام 2016.
وعلى الصعيد المحلي أيضًا، أثار القرار انتقاد ودهشة عدد من النشطاء الحقوقيين الذين اعتبروا هذه الخطوة مثيرة للسخرية، وقال مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان جمال عيد إن فكرة أن تستضيف مصر مثل هذا الحدث “مزحة”، وأضاف “السخرية الأكثر أن هذا يجري عن طريق المجلس القومي الذي ينحصر دوره طوال الوقت في تلميع صورة الحكومة والتواطؤ على حالة حقوق الإنسان”.
الضغوط الحقوقية تؤجل المؤتمر وتُبقي على “وباء التعذيب”
يبدو أن الاحتجاج والسخرية نجحا هذه المرة، حيث أعلنت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عصر أمس الثلاثاء تأجيل المؤتمر الإقليمي، وهو قرار اتخذ بعد ردة فعل عنيفة من جماعات حقوق الإنسان ونشطاء انتقدوا سجل الحكومة المصرية في مجال حقوق الإنسان وقالوا إن التعذيب منتشر في مصر.
تأجيل المؤتمر جاء بعدما بعث 80 من الحقوقيين والناشطين خطابًا للمسؤولين الدوليين أكدوا فيه أنه “لا يجب على الأمم المتحدة أن تساهم في تجميل صورة النظام المصري”، وأعربوا عن صدمتهم الشديدة من عقده بمصر.
الحقوقيون طالبوا بتغيير مكان المؤتمر لدولة “تتمتع بالحد الأدنى من احترام حقوق الإنسان” وليس مصر لأنها “تمارس التعذيب الممنهج وتلاحق المنظمات الحقوقية”، وأكدوا أن مصر مسجل بها من 2014 إلى 2018 قرابة 1723 شكوى من تعذيب فردي و677 تعذيبًا في أقسام الشرطة والسجون ووفاة 534 في أماكن الاحتجاز منهم 189 نتيجة التعذيب.
رغم الانتقادات التي تلت إعلان المؤتمر، رأى آخرون أن المؤتمر إجراء روتيني بحت، مبررين ذلك بكون مصر رئيسة الاتحاد الإفريقي في دورته الحاليّة التي بدأت في 9 من فبراير/شباط الماضي وتنتهي بعد عام
المتحدث باسم حقوق الإنسان بالأمم المتحدة روبرت كولفيل، أكد قرار التأجيل بقوله: “نحن ندرك جيدًا القلق المتزايد في بعض أجزاء مجتمع المنظمات غير الحكومية باختيار المكان، نتيجة لذلك قررنا تأجيل المؤتمر”، ورغم أنه لم يشر إلى تحديد الموعد القادم لانعقاد المؤتمر والوجهة التي ستستضيفه، فقد ألمح إلى الاحتفاظ بعقد المؤتمر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وقال في حديثه لقناة “الجزيرة” يوم أمس الثلاثاء: “لأسباب واضحة، من المحتمل أن يكون للمؤتمر تأثير أكبر داخل المنطقة نفسها مما لو كان في مكان بعيد في أوروبا أو في أي مكان آخر”، مضيفًا “الأمم المتحدة سوف تفتح عملية التشاور على نطاق واسع مع المنظمات غير الحكومية والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان قبل أن تقرر أين ومتى ستعقد الآن”.
رغم الانتقادات التي تلت إعلان المؤتمر، رأى آخرون أن المؤتمر إجراء روتيني بحت، مبررين ذلك بكون مصر رئيسة الاتحاد الإفريقي في دورته الحاليّة التي بدأت في 9 من فبراير/شباط الماضي وتنتهي بعد عام، وعبَّر عن وجهة النظر هذه مدير منظمة السلام الدولية لحقوق الإنسان علاء عبد المنصف، مضيفًا أن عقد المؤتمر في مصر لا يعني بالضرورة اعتراف المفوضية السامية بأن ملف حقوق الإنسان في مصر يسير بصورة جيدة.
وفي حين يقول نشطاء حقوق الإنسان إن الرئيس عبد الفتاح السيسي أشرف على حملة قمع للحريات في مصر منذ أن وصل للسلطة في 2014، يقول أنصار السيسي إن الإجراءات الصارمة ضرورية لاستقرار البلاد بينما تتعافى من الفوضى السياسية وتواجه التحديات الاقتصادية وهجمات المتشددين في شمال سيناء.
مناهضة التعذيب ومصر.. طرفا نقيض لا يجتمعان
بدأت شواهد التعذيب في مصر بحكم التواتر الذي لم يسع القضاء المصري تجاهل بعض وقائعه والحكم في بعضها لصالح الضحايا رغم كل ما يُوجَّه للقضاء نفسه ورغم النفي الرسمي الكامل لتورط قوات الأمن في جرائم التعذيب، بل تنفي السلطات وجود تعذيب أصلاً، وتردد دائمًا أن مصر دولة تلتزم بالقانون، وأي انتهاكات للحقوق مجرد حالات فردية وتتم محاسبة مرتكبيها.
الشهر الماضي، كشف تقرير لوكالة “رويترز” للأنباء، جاء تحت عنوان “هكذا تحقق مصر العدالة في عهد السيسي”، أنه تم إعدام ما لا يقل عن 179 شخصًا على الأقل في مصر منذ عام 2014 إلى مايو 2019، وصدور 3 آلاف حكم بالإعدام خلال نفس الفترة، بناءً على اتهامات بـ”تشكيل جماعة إرهابية واستخدام المتفجرات” ضمن حملة السيسي الموسعة على الإسلاميين، وذلك مقارنةً بإعدام 10 أشخاص فقط في الأعوام الست السابقة.
منذ انقلاب يوليو/تموز، جرى التوسع على نحو غير مسبوق في اتخاذ مقار أمنية لاحتجاز الموقوفين سياسيًا، منها أقسام شرطة أو معسكرات تدريب أمني أو عسكري
وفي مطلع شهر أغسطس/آب الحاليّ، أصدرت المفوضية المصرية للحقوق والحريات (منظمة حقوقية مستقلة) تقريرًا بعنوان “كابوس التعذيب في مصر: عقبات قانونية وقضائية تحول دون إنصاف ضحايا التعذيب”، قدمت فيه تحليلاً ورصدًا للإشكاليات والعوائق التي تواجه ضحايا جريمة التعذيب في التماس سبل الإنصاف المختلفة والوصول للعدالة، ووثقت خلاله 86 حالة تعذيب ممنهج داخل مقرات الأمن الوطني ومقرات الاحتجاز، خلال الفترة ما بين من شهر يونيو/حزيران 2017 وحتى يونيو/حزيران 2018.
ورغم أن الدستور المصري لعام 2014 حظر التعذيب حظرًا مطلقًا واعتبره “جريمة لا تسقط بالتقادم”، في مادته رقم 52، فإن التقرير خلص إلى وجود قصور في التشريعات القانونية في كلٍ من قانون العقوبات والإجراءات الجنائية، الأمر الذي يحول دون إنصاف ضحايا التعذيب ومعاقبة مرتكبيه.
الضرب والصعق بالكهرباء حتى في أماكن حساسة والاغتصاب الفعلي أو التهديد به للمتهم أو لأهله والإبقاء في وضعيات مجهدة وزنازين انفرادية لسنوات، فضلاً عن الحرمان من الزيارة لسنوات أيضًا، والإهمال الطبي المفضي إلى الموت البطئ، جميعها ممارسات روتينية في مقار الاحتجاز المصرية، شهدت بذلك منظمة “هيومان رايتس واتش” في تقرير من 63 صفحة، وثقت فيه تعذيبًا واسعًا ومنهجيًا على أيدي قوات الأمن المصرية يمكن أن يكون بمثابة جريمة ضد الإنسانية.
كانت المنظمة الدولية المعنية بحقوق الإنسان – التي حجبت السلطات المصرية موقعها بعد يوم من نشر تقرير عن تعذيب منهجي في السجون المصرية – قدرت أن أكثر من 60 ألف سجين سياسي تم احتجازهم منذ تولي السيسي السلطة عام 2013، وقد أبلغ العديد منهم عن التعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة في أثناء الاحتجاز.
في ذلك الوقت، قال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في “هيومن رايتس ووتش”: “الرئيس عبد الفتاح السيسي أعطى فعليًا ضباط الشرطة والأمن القومي ضوءًا أخضر لاستخدام التعذيب متى شاؤوا”، مضيفًا “الإفلات من العقاب على الاستخدام المنهجي للتعذيب لم يترك للمواطنين أي أمل في العدالة”.
توثق المنظمات الحقوقية استمرار جرائم التعذيب داخل السجون المصرية
وفي الآونة الأخيرة، دعت منظمة العفو الدولية “أمنستي” السلطات المصرية إلى التحقيق في مزاعم التعذيب وغيره من الانتهاكات ضد السجناء السياسيين في سجن العقرب بطرة، جنوب العاصمة المصرية، معتبرة أن الحملة على حرية التعبير في عهد السيسي في أسوأ حالاتها في تاريخ البلاد الحديث، حيث وصلت إلى مستويات لم يسبق لها مثيل.
وفي فبراير/شباط من هذا العام، دعت “هيومن رايتس ووتش” إلى إجراء تحقيق مستقل في التعذيب، عقب ما قالت الجماعة إنه فشل السلطات المصرية في وضع حد للتعذيب أو سوء المعاملة في مقرات الاحتجاز أو إجراء تحقيق جزئي فيها، ودعت المنظمة مصر بصفتها طرفًا في اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، أن تسمح لمقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالتعذيب وغيره من خبراء الأمم المتحدة ذوي الصلة بزيارة البلاد، بما في ذلك مقرات الاحتجاز.
ولعل مصطلح “مقار الاحتجاز” على غموضه يسلط جانبًا من الوضع الحقوقي المتردي في مصر، فمنذ انقلاب يوليو/تموز، جرى التوسع على نحو غير مسبوق في اتخاذ مقار أمنية لاحتجاز الموقوفين سياسيًا، منها أقسام شرطة أو معسكرات تدريب أمني أو عسكري، ومنها ما لا يعلمه الضحايا بعد عودتهم – إن عادوا – من رحلة الاختفاء القسري الرهيبة.
خلال فترة الاحتجاز القسري التي قد تمتد أيامًا وربما سنوات، يتعرض المحتجز – رجلاً كان أم امرأةً – لما لا يعلمه أحد من الانتهاكات، فلا يُسمح لأحد بأي مراقبة مستقلة كما تشكو دائمًا المنظمات الحقوقية الدولية.
كانت حملة “اوقفوا الاختفاء القسري“ قد وثقت 1530 حالة خلال 5 سنوات من الانقلاب العسكري، منها ما لا يقل عن 230 حالة بين أغسطس/آب 2017 وأغسطس/آب 2018. لا يزال مكان 32 شخصًا على الأقل ممن اختفوا عام 2018 مجهولاً حتى أغسطس/آب 2018، والأعداد في ازدياد يومي.