في خطابه أمس الثلاثاء بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب الـ66 دعا العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى تجاوز المعوقات التي تحول دون تحقيق نمو اقتصادي عالٍ ومستدام، والنهوض بالتكوين المهني والانكباب على النموذج التنموي الجديد.
العاهل المغربي في خطابه أشار إلى أنه “وبغض النظر عن النقاش بشأن مستويات وأرقام النمو، فإن الأهم هو العمل على تجاوز المعيقات، التي تحول دون تحقيق نمو اقتصادي عالٍ ومستدام، ومنتج للرخاء الاجتماعي”، مشددًا على دور الطبقة الوسطى التي تشكل قوة إنتاج وعامل تماسك واستقرار داخل المجتمع”.
تأتي توجيهات الملك في وقت يعاني فيه الاقتصاد المغربي من أزمات خانقة، ألقت بظلالها القاتمة على مستوى الحياة العامة للشعب المغربي الذي يعيش ما يقرب من 60% منه فقراء، فيما تجاوز 8 ملايين مواطن حاجز خط الفقر، وفق ما ذكرت الإحصاءات الحديثة الصادرة عن الأمم المتحدة.
تباطؤ في النمو
في الوقت الذي تسعى فيه المملكة لصياغة “نموذج تنموي” جديد يحرك عجلة الاقتصاد ويتيح تقليص الفوارق الاجتماعية، تخرج التقارير والمؤشرات الرسمية التي تكشف تباطؤ حجم النمو لتدفع لإعادة النظر في السياسات المتبعة التي أثبتت التجربة فشلها في ضخ الحياة مجددًا إلى جسد الاقتصاد المهلهل بالأمراض.
المندوبية السامية للتخطيط، وهي هيئة الإحصاءات الرسمية في المغرب، كشفت في أحدث تقاريرها أن معدل النمو المرتقب هذا العام لن يتعدى 2.7% مقارنة بمعدل 3% سنة 2018 و4% سنة 2017، وهو نفس ما ذهب إليه “بنك المغرب” المركزي في أحد تقاريره.
التقرير أضاف أن النمو الاقتصادي في المغرب سيظل “مرتهنًا بدرجة كبيرة بمردودية القطاع الزراعي، وما زال هذا الأخير رهينًا بالتقلبات المناخية رغم الجهود التي بذلت لتقليص ارتباطه بالتساقطات المطرية”، بحسب ما ذكر المندوب السامي للتخطيط أحمد الحليمي.
يذكر أن القطاع الزراعي يمثل أكبر نسبة في إجمالي الناتج الداخلي في المغرب (14%)، متقدمًا على قطاعي السياحة والصناعة، ما يجعل النمو الاقتصادي عمومًا رهينة تقلبات الأحوال الجوية.
علاوة على ذلك فقد ارتفع معدل العجز في الميزانية العامة إلى 21.8 مليار درهم (2.28 مليار دولار) في الأشهر الست الأولى من 2019، ارتفاعًا من 20.4 مليارات درهم في الفترة نفسها من العام الماضي، وفقًا لأرقام رسمية، فيما بلغ الإنفاق الحكومي 182.5 مليار درهم في الفترة من يناير/كانون الثاني إلى نهاية يونيو/حزيران، بزيادة قدرها 15.4% على أساس سنوي.
هناك مؤشرات إيجابية تطرق إليها التقرير منها انخفاض التضخم إلى 0.8% في 2019 من 1.1% في 2018، قبل أن يرتفع إلى 1% في 2020
ووفقًا للمندوبية فإن العجز في الميزانية سيبلغ 4.5% في 2019 دون حساب إيرادات الخصخصة، ارتفاعًا من 3.7% في العام الماضي، ومن المنتظر أن يضيق العجز إلى 3.6% في 2019 مع حساب إيرادات الخصخصة، كما يتوقع أن ترتفع ديون الخزينة المغربية بشكل طفيف إلى 65.3% من الناتج المحلي الإجمالي في 2019، من 64.9% في 2018.
في المقابل، هناك مؤشرات إيجابية تطرق إليها التقرير منها انخفاض التضخم إلى 0.8% في 2019 من 1.1% في 2018، قبل أن يرتفع إلى 1% في 2020، إضافة إلى أنه من المتوقع أن يتراجع عجز الميزانية إلى 3.5% في 2020 من 3.6% متوقعة للعام الحاليّ.
كما ارتفعت الاستثمارات العمومية التي تنجزها الدولة عبر الموازنة من 17 مليار دولار في 2011 إلى نحو 19.5 مليار دولار في 2017، ثم أكثر من 20 مليار دولار في العام الحاليّ، بينما زاد إجمالي الإيرادات الضريبية 4.5% إلى 110 مليارات درهم في النصف الأول من هذا العام، ارتفاعًا من 106 مليارات درهم في الفترة نفسها من 2018.
جدير بالذكر أن موازنة 2019 بنيت على فرضية معدل نمو اقتصادي بنسبة 3.2%، وهو ما كذبته الأرقام الرسمية، الأمر الذي ربما ينعكس على نسب الإنفاق الحكومي، وهو ما سيلقي بظلاله على معدلات الأداء العام، فضلاً عن التضخم ومعدلات الأسعار.
وقد تبنت المملكة منذ العام 2008 مخططًا طموحًا حمل عنوان “المغرب الأخضر”، يسعى لتطوير القطاع الزراعي من خلال تحديث وسائل الإنتاج وزيادة مداخيل المزارعين الصغار، لكن حصيلة هذا المخطط لا تزال دون الطموحات ولم تمكن بعد من تجاوز تأثير التقلبات المناخية.
إضافة إلى ذلك فقد أطلقت الحكومة المغربية إستراتيجية صناعية للفترة ما بين 2014 و2022 تعول على صناعة السيارات والطيران، إلا أن “القطاع الصناعي الذي يعد قاطرة للنهوض بالاقتصاد الوطني لا يزال عاجزًا عن رفع حصته في الناتج الداخلي الخام” كما توضح المندوبية السامية للتخطيط، وذلك رغم الاستثمارات الجديدة في “مهن صناعية عالمية” مثل السيارات والطيران.
تباطؤ النمو الاقتصادي المغربي
تحديات ومخاطر
يواجه الاقتصاد المغربي الذي يعاني بطبيعة الحال من أزمات تلو الأخرى عدة تحديات، تساهم بشكل كبير حال التعاطي معها في إحداث نقلة نوعية في مساره، من بينها ضرورة ترسيخ قيم الشفافية والتحكم في التمدن السريع وإتمام الانتقال الطاقي (نحو الطاقات النظيفة) والدخول الناجح للمرحلة الرقمية، والتخفيف من المعوقات التي تواجه تمويل الاقتصاد. ويعتمد المغرب على واردات الوقود الأحفوري بنحو 93%، وذلك بحسب التقرير الاقتصادي والمالي المرافق لمشروع الموازنة.
الخبير الاقتصادي المغربي المهدي لحلو، استعرض في تصريحات له أبرز التحديات التي تواجه اقتصاد بلاده، سواء على المستوى الداخلي أم الخارجي، هذا في الوقت الذي يرى فيه أن اعتماد فرضية نمو اقتصادي بنسبة 3.2% (في 2018 قدرت بـ3.4% وفي 2017 قدرت بـ4.7%) يعتبر مؤشرًا على سنة اقتصادية بيضاء، وفق تعبيره.
لا تزال شكوك متعددة تحيط بالتوقعات العالمية منذ ربيع 2018، حسب تقارير دولية تنذر بعدد من المخاطر الناتجة عن ارتفاع الممارسات الحمائية وارتفاع التوترات التجارية
لحلو أشار إلى أن أبرز التحديات الداخلية التي تواجه الاقتصاد المغربي هي البطالة – خصوصًا وسط الشباب – وما يصاحبها من هجرة غير شرعية وجرائم، بالإضافة إلى اتساع دائرة الفقر والهشاشة لتشمل فئات في الطبقة المتوسطة، نتيجة التراجع الفعلي للدخل.
أما عن التحديات الخارجية فلا يستبعد الخبير المغربي في حديث نقلته “الجزيرة” الظرفية الدولية والمخاطر الخارجية التي تهدد المملكة مثل الإرهاب والهجرة السرية، هذا بجانب مخاطر أخرى مرتبطة بالانفتاح على أسواق كبرى، في حين لا يتمتع الاقتصاد المغربي بالمناعة الكافية لتحمل المنافسة، مما يعمق العجز المستمر للميزان التجاري، وفق المتحدث ذاته.
وفي المجمل لا تزال شكوك متعددة تحيط بالتوقعات العالمية منذ ربيع 2018، حسب تقارير دولية تنذر بعدد من المخاطر الناتجة عن ارتفاع الممارسات الحمائية وارتفاع التوترات التجارية التي تؤدي إلى ارتفاع التعريفات الجمركية، وهو ما من شأنه أن يؤثر على الاقتصاد العالمي بشكل عام والمغربي بشكل خاص في ظل حزمة التحديات التي تتطلب إستراتيجية جديدة في التعامل معها.