ترجمة وتحرير: نون بوست
قد تكون إسرائيل قد فشلت في القضاء على حماس من قطاع غزة، لكنها تواصل تنفيذ خطتها للقضاء على عدو معلن آخر، وهو وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وفقًا لما نقله مسؤولون أمميون وعاملون في المجال الإنساني لموقع “ميدل إيست آي”.
ففي يوم الخميس، دخل قانونان حيز التنفيذ يحدان فعليًا من قدرة الأونروا على العمل في القطاع الذي دمرته الحرب؛ حيث يحظر أحدهما عمل الوكالة داخل “المناطق الخاضعة للسيادة الإسرائيلية”، بينما يحظر الآخر أي اتصال مع الوكالة. وقد صرحت “كوجات”، الوحدة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن تنسيق إيصال المساعدات إلى غزة، بأنها ستلتزم بالقانون.
وكانت إسرائيل قد انتقدت الوكالة التابعة للأمم المتحدة لسنوات.
وبدأت محاولتها الأولى لحظر الأونروا منذ ما لا يقل عن عقدين من الزمن، عندما قامت الأونروا ببناء مجمع في القدس. ويصر الفلسطينيون على أن إسرائيل تعتبر الأونروا تهديدًا وجوديًا لأنها تعترف باللاجئين الفلسطينيين، وقد أعلنت دعمها لحق عودة أحفادهم.
وبعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول، صعدت إسرائيل من حملتها ضد الأونروا. فقد تعرضت المنظمة، التي تقدم المساعدات والرعاية الصحية والتعليم للملايين في الأراضي الفلسطينية والدول العربية المجاورة، لعدة ضربات قاسية.
اندلعت الحرب الإسرائيلية على غزة بعد هجمات 7 أكتوبر/ تشرين الأول، الذي قادتها حماس على جنوب إسرائيل. وردًا على ذلك، شنت إسرائيل هجومًا شرسًا على القطاع، مما أسفر عن مقتل أكثر من 47,487 شخصًا، غالبيتهم من النساء والأطفال.
وشنت إسرائيل هجمات دامية على منشآت منظمة الأونروا خلال حربها التي استمرت 15 شهرًا على غزة. وقالت الوكالة إن ما لا يقل عن 272 من موظفي الأونروا قُتلوا في الهجوم، وتعرض 205 مواقع تابعة للأونروا لأضرار.
وتصرّ إسرائيل على أن حماس استخدمت منشآت الأنروا كقواعد لها. وقد تم تحويل الغالبية العظمى من منشآت الأونروا، مثل المدارس والعيادات الصحية إلى ملاجئ لمئات الآلاف من الفلسطينيين النازحين خلال الحرب. وكانت الضربات الإسرائيلية هناك دموية بشكل خاص.
الأونروا تدين “حملة التضليل”
على سبيل المثال، أسفرت غارة إسرائيلية في يونيو/ حزيران عن استشهاد ما لا يقل عن 40 شخصًا في مدرسة تابعة للأونروا في مخيم النصيرات للاجئين في وسط غزة.
وعلى الرغم من الادعاءات الإسرائيلية بأن حماس كانت موجودة في المدرسة، فقد رفض الأشخاص الذين كانوا لجأوا إلى هناك هذه الادعاءات، مؤكدين أنه لم يكن هناك أي مسلحين في المدرسة.
وقال أحد الناجين من الهجوم لـ”ميدل إيست آي”: “هم يقولون إنهم استهدفوا مقاتلين. أي مقاتلين؟ نحن لا نملك أي أسلحة، جئنا هنا للبحث عن الأمان وليس معنا سوى خيامنا وملابسنا التي نرتديها.”
لقد حدث التدمير المادي لمرافق “الأونروا” في ظل ما وصفته جولييت تومبا، المتحدثة باسم الأونروا، بأنه “بيئة عدائية بشكل استثنائي” حيث تم استهداف الأونروا في “حملة تضليل شرسة”.
وزعمت إسرائيل السنة الماضية أن موظفين في شركة أونروا شاركوا في هجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول. وقد فتحت منظمة “أونروا” تحقيقًا في هذا الشأن، وردًا على ذلك قامت بفصل تسعة موظفين قالت إنهم “ربما كانوا متورطين في الهجوم”.
وتعد منظمة الأونروا أكبر منظمة إنسانية في قطاع غزة، حيث لديها حوالي 13,000 موظف وأكثر من 300 منشأة.
منشآت الأونروا المهجورة
تعرضت الوكالة لمزيد من الضغوط هذا الأسبوع بعد أن كتبت والدة رهينة إسرائيلية تم تحريرها حديثًا على منصة “إكس” أن ابنتها أخبرت رئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر بأنها كانت محتجزة في منشأة تابعة للأونروا.
وردت الأونروا على هذا الادعاء في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي يوم الأحد؛ فقد قال فيليب لازاريني، رئيس منظمة “الأونروا”، إن “الأونروا” اضطرت إلى إخلاء جميع منشآتها في شمال قطاع غزة ولم يكن لديها “أي سيطرة” عليها. كما اضطر موظفوها إلى إخلاء منشآت “الأونروا” عندما أصدرت إسرائيل أوامر بالتهجير القسري، ووصف الادعاء بأنه “مؤلم ومقلق للغاية”.
قامت إسرائيل نفسها بتحويل المدارس التي كانت تديرها الأونروا سابقًا إلى قواعد عسكرية لجنودها، مما يبرز افتقار الأونروا للسيطرة على منشآتها في ظل الهجوم الإسرائيلي.
وقال أحد العاملين الغربيين الكبار في المجال الإنساني، الذي عمل سابقًا في قطاع غزة، لـ “ميدل إيست آي” إن حركة حماس كانت لترغب في ضمان عدم معرفة الرهائن بمكان احتجازهم، ولكن الحركة كان بوسعها أن تسعى إلى حماية الرهائن من خلال الاحتفاظ بهم في منشأة تابعة للأمم المتحدة. وكجزء من اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في يناير/ كانون الثاني، تم الإفراج عن العشرات من السجناء الفلسطينيين مقابل رهائن منفردين.
وقال مسؤول في الأمم المتحدة لـ”ميدل إيست آي” إن هذا الادعاء لن يؤدي إلا إلى زيادة الضغط على “الأونروا” في وقت تكافح فيه من أجل البقاء على صلة بقطاع غزة.
الدول العربية تتسابق لدعم الأونروا
لقد قامت الولايات المتحدة بالفعل بقطع المساعدات عن الأونروا في سنة 2024. ويتسابق وزراء خارجية الدول العربية من شركاء الولايات المتحدة الرئيسيين، وهم مصر والأردن والإمارات والسعودية وقطر، لدعم “الأونروا”.
وفي اجتماع عُقد في القاهرة يوم السبت، قالوا إن الأونروا تلعب “دورًا محوريًا وضروريًا ولا غنى عنه”، وأضافوا أنهم “يرفضون بشكل قاطع أي محاولات لتجاوزها أو تقليص دورها”.
ومن جانبها، حذرت الأونروا من أن القوانين الأخيرة لإسرائيل قد تؤدي إلى تقويض اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، مما يعقد عملية إيصال المساعدات في وقت يجب فيه تكثيفها إلى القطاع.
وأشار لازاريني على منصة “إكس” إلى أنه خلال الأيام الثلاثة الأولى من وقف إطلاق النار في غزة، قامت الأونروا بإدخال كمية كافية من الطعام لإطعام مليون شخص، وقام عمالها بتوزيع الحصص على 300,000 شخص.
وحذر قائلاً: “منع الأونروا من العمل قد يهدد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة. مما يُفشل مرة أخرى تحقيق آمال الناس الذين مروا بمعاناة لا توصف”.
المصدر: ميدل إيست آي