“رئتا العالم تحترق”، هكذا تفاعل مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي مع صور ومقاطع الفيديو التي تُظهر أعمدة ضخمة من الدخان الكثيف والنيران المتصاعدة من حرائق غابات الأمازون التي سجلت رقمًا قياسيًا في شدتها بعد أن ذكر المعهد الوطني البرازيلي لأبحاث الفضاء (INPE) وجود أكثر من 72 ألف حريق في الغابات التي يقع الجزء الأكبر منها في البرازيل، حيث يرتفع هذا الرقم بنسبة 83% عن الحرائق التي حدثت في الفترة نفسها من العام 2018، وهو الأعلى منذ بدء التسجيل عام 2013.
على إثر هذه الكارثة، غرقت أكبر مدن البرازيل، ساو باولو، بالظلام الدامس لمدة ساعة تقريبًا وأعلنت حالة الطوارئ في جميع المناطق التي تأثرت بشكل مباشر بالحريق. ووسط هذه المعمعة، سعى عدد من رواد المواقع الافتراضية لتوعية الآخرين بهذا الجزء من العالم، وكانت أكثر المعلومات إثارة للاهتمام أن هذه الغابات تنتج 20% من الأكسجين الذي نتنفسه، ما يجعلها تلعب دورًا رئيسيًا في تنظيم مناخ الأرض.
عدا عن احتضانها لـ10% من التنوع البيولوجي في العالم، على اعتبارها موطنًا لأنواع لا حصر لها من الحيوانات والنباتات، ما يعني أن اختفاءها سيؤثر بشكل سلبي على القطاع الزراعي والثروة المائية في العالم، ورغم تلك الحقائق المذهلة، فإن النيران ما زالت مستمرة في التهام هذه الغابات، إذ يفيد المعهد البرازيلي بأنه يتم تدمير ما يعادل مساحة ملعب كرة قدم في كل دقيقة تمر من كل يوم.
وبعيدًا عن الخسائر البيئية والحيوية، نتساءل في هذا التقرير عن حجم الأعباء والخسائر الاقتصادية التي تُكلف المناطق المنكوبة بسبب ما تتعرض له من كوارث طبيعية مدمرة.
خسائر اقتصادية وتأثيرات مستمرة
عواصف ثلجية، انهيارات جليدية، فيضانات، أعاصير، موجات تسونامي، زلازل، انهيارات طينية، براكين، موجات حرارة وجفاف، ضربات البرق، حرائق الغابات، وغيرها من الكوارث الطبيعية التي تكلف العالم مليارات الدولارات وخاصةً بالنسبة لشركات التأمين وأصحاب المنازل والحكومات.
تهيمن الكوارث المرتبطة بشكل مباشر بالمناخ على الصورة، حيث تمثل 91% من جميع الأحداث المسجلة الكبرى البالغ عددها 7 آلاف و255 كارثة
فوفقًا لمركز ميونخ للأبحاث، كان عام 2018 أغلى عام في تاريخ الكوارث الطبيعية، إذ كلف حينها نحو 225 مليار دولار، حيث جاءت أسوأ الأضرار من الأعاصير الأمريكية مثل مايكل الذي ضرب مدينة فلوريدا الساحلية ودمر البنية التحتية وعطل حركة النقل وأضر قطاع الطاقة، وذلك إضافة إلى حرائق كاليفورنيا التي كلفت وحدها 24 مليار دولار، وفيضانات يوليو في اليابان التي تعد الأسوأ منذ 36 عامًا.
وبحسب التكهنات، ليس من المتوقع أن تقل هذه الكوارث، فلقد وجدت المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة أن عدد الكوارث الطبيعية قد تضاعف خلال العشرين سنة الماضية بالتزامن مع الاحترار العالمي، متسببةً بارتفاع هائل في الخسائر الاقتصادية بنسبة 151%، ورأت أن تأثيرها يستمر بعد عقود من وقوعها، ففضلًا عن إبطاء النمو الاقتصادي المحلي، يتم تدمير الجسور والطرق والمرافق ويفلس ويتشرد الكثير من مالكي المنازل.
على سبيل المثال، عندما ضرب إعصار – أعنف الأعاصير المدارية على الإطلاق – تشيتاجونج جنوب شرق بنجلاديش، أصبح ما يقدر بنحو 10 ملايين شخص بلا مأوى، ما يفسر إصابة ما بين 30% إلى 60% من الناجين من الكوارث باضطراب ما بعد الصدمة.
كما قال تقرير المنظمة إنه خلال الفترة 1998-2017، تكبدت الولايات المتحدة الأمريكية أكبر الخسائر الاقتصادية من الكوارث، حيث بلغ حجمها 944.8 مليار دولار أمريكي مقارنةً مع الصين (492.2 مليار دولار)، واليابان (376.3 مليار دولار)، والهند (79.5 مليار دولار)، وبورتوريكو (71.7 مليار دولار). وبطبيعة الحال، كانت 3 دول أوروبية ضمن المراكز العشر الأولى من حيث الخسائر، وأولهم فرنسا (48.3 مليار دولار) ثم ألمانيا (57.9 مليار دولار)، وتليها إيطاليا (56.6 مليار دولار)، ويضاف إليهم دول أخرى مثل تايلاند والمكسيك.
ومن حيث نوع الكوارث، تهيمن الكوارث المرتبطة بشكل مباشر بالمناخ على الصورة، حيث تمثل 91% من جميع الكوارث المسجلة الكبرى البالغ عددها 7 آلاف و255 كارثة، بينما تشكل الفيضانات نحو 43.4%، والعواصف 28.2% وهي أكثر الكوارث التي تحدث بشكل متكرر.
خلال هذه الفترة، فقد 1.3 مليون شخص حياتهم وأصيب 4.4 مليار شخص أو أصبحوا بلا مأوى أو مشردين أو بحاجة إلى مساعدة طارئة. فقد تسبب 563 زالزالاً، بما في ذلك تسونامي الذي ارتفعت أمواجه إلى 3 أمتار، بـ56% من إجمالي الوفيات أي نحو 747.234 ضحية، ويخلص التقرير إلى أن تغير المناخ يزيد من تواتر وشدة الأحداث المناخية القاسية، والكوارث ستظل عقبة رئيسية أمام التنمية المستدامة طالما أن مخاطر الكوارث تفوق الخطط الاقتصادية المتصورة.
ماذا عن منطقتنا؟
لسنواتٍ طويلة، ركزت الحكومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا انتباهها بالكامل على الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي تعاني منها، ولكن مع اشتداد تأثير التغير المناخي لم يعد ذلك ممكنًا، لا سيما أن هذا التحول البيئي يرهق ميزانيتها ويزيد حجم الضغوط عليها.
تسببت السيول في محافظتي حضرموت والمهرة في اليمن عام 2008 بأضرار وخسائر بقيمة 1.6 مليار دولار، وهو ما يعادل 6% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد
بشكل عام، لم تتوافر الكثير من المعلومات الدقيقة أو الحديثة عن هذا الموضوع، لكن بحسب ما يذكر تقرير صادر من البنك الدولي، فإن التجارب السابقة لكل من مصر والأردن وفلسطين وسوريا ولبنان والعراق وإيران ومنطقة الخليج، تنذر بعدم جاهزية هذه البلدان لمواجهة آثار الكوارث الطبيعية رغم تكررها وعواقبها الوخيمة التي تؤدي في أحيان كثيرة إلى تشريد الآلاف وتدمير الممتلكات وإغلاق الطرق والمطارات والمدارس.
وبحسب التقرير، فإن السيول والزلازل والفيضانات وموجات الجفاف المستمرة منذ عدة سنوات آخذة في الزيادة، فلقد تضاعف عددها إلى 3 أضعاف تقريبًا منذ عام 1980، ما يعني أن أضرارها الاقتصادية تزداد ثقلًا أيضًا، على سبيل المثال تسببت السيول في محافظتي حضرموت والمهرة في اليمن عام 2008 بأضرار وخسائر بقيمة 1.6 مليار دولار، وهو ما يعادل 6% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد.
واستنادًا إلى أحدث المعلومات المتوافرة، تسبب هطول الأمطار الغزيرة، خلال عام 2015، في حدوث فيضانات وانهيارات أرضية في عدة أجزاء من اليمن، مما أدى إلى تشريد ما يقرب من 30 ألف شخص وتدمير أكثر من ألف منزل، وهي الحادثة التي صنفتها الأمم المتحدة، كأخطر الكوارث الطبيعية المتكررة في اليمن منذ عام 1990 من حيث الأضرار الاقتصادية.
كما يشير التقرير إلى أن الزلازل تأتي في المرتبة الثانية من الكوارث الأكثر انتشارًا في المنطقة، ولكنها تتساوى مع السيول والفيضانات بحجم الأضرار التي تخلفها، ويضيف بأن الجزائر وإيران هما الأكثر تأثرًا والأكثر عرضة لخطر الزلازل، وهذا عوضًا عن موجات الجفاف التي تسبب ضغوط اقتصادية كبيرة مثل الموجة التي ضربت جيبوتي من 2008 إلى 2011 وأنهكت اقتصادها وقلصت 3.9% من إجمالي الناتج المحلي سنويًا.
ولم تكن جمهورية مصر غائبة عن القائمة، ففي عام 2007، قدر البنك الدولي أن 10.5% من سكان مصر قد يكونوا مشردين بسبب ارتفاع منسوب المياه المدفوع بالتغيرات المناخية، مشيرًا إلى أن مدينة الإسكندرية، ثاني أكبر مدينة في مصر، وواحدة من أكثر مدن الشرق الأوسط تعرضًا لهذا الخطر.
في المحصلة، تقول اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة أن العالم لديه 12 عامًا فقط للحفاظ على الزيادة في درجة الحرارة، بحد أقصى يبلغ 1.5 درجة مئوية، محذرةً من عدم اتخاذ إجراءات عاجلة وغير مسبوقة في هذا الشأن، وإلا “ستكون هناك مخاطر أكبر بكثير من الكوارث الشديدة المرتبطة بالمناخ”، بحسب ما أفادت.