بعد تمدد الانقلاب المدعوم إماراتيًا إلى محافظة أبين، جددت الحكومة اليمنية الشرعية اتهام أبو ظبي بالضلوع في محاولة تمزيق وحدة البلاد وفصل الجنوب، وتعهدت بالتحرك لاستبعاد الإمارات من اليمن، فهل يعني أنه حان الوقت لتحركات عملية توقف الأمور عند حدها وتعيدها إلى نصابها مستقبلاً؟ وما مدى فاعلية التحركات التي تعتزم الحكومة اليمنية اتخاذها لكشف انتهاكات الإمارات في اليمن ولوقف دعمها للمجلس الانتقالي؟ ولماذا لم تتحرك السعودية لمواجهة انقلاب المجلس الانتقالي على الشرعية واكتقت بالدعوة إلى التهدئة والحوار؟
“نريد تحالفًا دون الإمارات”
استغرق الأمر 10 أيام لتسمية طرف رئيسي – هو الإمارات – في هذا التحالف بتمويل ودعم هذا الانقلاب، وتحكيم طرف آخر – هو السعودية – لإنهائه، ففي البيان الصادر عن الاجتماع الاستثنائي للحكومة اليمنية في الرياض، تحدثت المسؤولون بصوت واضح لا لبث فيه عن دور الإمارات الرئيسي في انقلاب عدن، الذي لا تزال تسميه “تمردًا”، وهو توصيف يقزِّم خطورة ما جرى وتأثيره على وجود السلطة الشرعية دورها دون أن يقربها ذلك من إمكانية القضاء عليه إن كان لا يزال تمردًا.
الحكومة رأت أن ما جرى في عدن يتعارض مع القانون الدولي وقرارت مجلس الأمن وأهداف تحالف دعم الشرعية، وهي صيغة مخففة تشير إلى أن دور التحالف في اليمن لم يعد شرعيًا من الأساس.
يبدو أن الأمر ليس اتهامًا فقط هذه المرة، بل مطالبة للرئيس عبدربه منصور هادي بوقف مشاركة الإمارات في التحالف الداعم للشرعية في اليمن وفق شعاره المعلن
بيان الحكومة الصادر عن اجتماعها الاستثنائي شدَّد على مواجهة التمرد المسلح بكل الوسائل التي يخولها الدستور والقانون لإنهاء ما اسمته “التمرد وتطبيع الأوضاع في العاصمة المؤقته عدن”، وحمَّل الإمارات المسؤولية عن التمرد المسلح لميليشيا ما يُسمى المجلس الانتقالي الجنوبي وما ترتب عليه من مساعٍ لفصل جنوب اليمن عن شماله، وطالبها بإيقاف كل أشكال الدعم والتمويل لهذه الميليشيات.
وخلال الاجتماع الذي عُقد في الرياض، تحدث مسؤولون عن إجراءات لإحالة انتهاكات الإمارات إلى الهيئات الدولية، ولضمان وقف دعمها للتمرد المسلح في عدن وأبين، واشترطوا لبدء أي حوار انسحاب قوات المجلس الانتقالي المدعومة إماراتيًا من المواقع التي سيطرت عليها، وتسليم السلاح الذي تم نهبه وعودة القوات الحكومية إلى مواقعها.
بالنظر إلى اتهامات سابقة بدعم أبوظبي للمجلس الانتقالي وقوات الحزام الأمني بالمال والسلاح بعد تنفيذ المجلس انقلابه في عدن، يبدو أن الأمر ليس اتهامًا فقط هذه المرة، بل مطالبة للرئيس عبدربه منصور هادي بوقف مشاركة الإمارات في التحالف الداعم للشرعية في اليمن وفق شعاره المعلن، وتحميلها المسؤولية الكاملة عن الأحداث التي جرت في جنوب البلاد.
هذه المسؤولية تنصلت منها الإمارات، وهاجمت خلال إنكارها لهذه الاتهامات الحكومة اليمنية، معربة عن “أسفها الشديد ورفضها القاطع جملةً وتفصيلاً لجميع المزاعم والادعاءات التي وُجهت إليها حول التطورات في عدن”، وذلك بحسب البيان الذي أدلى به سعود حمد الشامسي، نائب المندوبة الدائمة، والقائم بالأعمال لدى البعثة الدائمة للدولة بالأمم المتحدة، أمام مجلس الأمن الدولي.
لكن النفي الإماراتي لم يمنع وزير النقل اليمني صالح الجبواني من كيل الاتهامات مرة أخرى لأبوظبي، وتعهد، يوم أمس الأربعاء، في حديث لوكالة “سبوتنيك” بإعداد وتقديم ملفات سياسية وحقوقية للهيئات والمحاكم الدولية المعنية بهدف مقاضاة الإمارات وضباطها أمامها.
إماراتيون بمطار عدن بداية العمليات العسكرية للتحالف باليمن عام 2015
ستشمل الملفات وفق الجبواني كل ممارسات وانتهاكات أبوظبي منذ وطأت الأراضي اليمنية، من انتهاكات حقوقية وسجون سرية وإخفاء قسري، فضلاً عن التعدي على سيادة البلد واقتطاع جزء من أراضيه. وأخيرًا الترتيب لانقلاب عدن، الذي قال الجبواني بصدده إن المجلس الانتقالي الجنوبي “أداة إماراتية مائة بالمائة، ووُلد في غرفة مخابرات في أبوظبي”.
الوزير اليمني الذي اعتاد مهاجمة أبوظبي والقوات الجنوبية التي تدعمها في أكثر من مناسبة، ذهب إلى أبعد من حدود الدبلوماسية المعهودة في خطاب المسؤولين اليمنيين إلى حد التلويح بـ”إعلان الحكومة اليمنية التعبئة العامة لأبناء اليمن وانخراطهم في هذه المعركة الوطنية الكبرى لمواجهة التمرد في الجنوب والحفاظ على اليمن ووحدته واستقراره، وتعليم المرتزقة وأسيادهم درسًا لن ينسوه” حسب قوله.
وبحسب الجبواني، فإنه ليس أمام الحكومة اليمنية إلا مواجهة التمرد بكل ما يملك من قوة، مشيرًا إلى أن “الرئاسة اليمنية هي التي تقود المعركة العسكرية والسياسية على كافة الجبهات للحافظ على اليمن وإسقاط التمرد في عدن والانقلاب في صنعاء”.
هل انتهى وقت ردود الفعل الكلامية؟
في مسعى آخر لاستبعاد الإمارات من التحالف وملاحقتها، طالبت هيئة رئاسة البرلمان اليمني الرئيس هادي باستخدام صلاحيته الدستورية لمراجعة العلاقات مع التحالف العربي الذي تقوده السعودية، ودعته إلى اتخاذ القرارات المناسبة كافة لإسقاط التمرد وإعلاء سيادة الدستور، مؤكدةً أن أي تراخ أو تماه أو صمت من قِبل أي من دول التحالف حيال الأحداث الأخيرة يشكل رافدًا لاستمرار مليشيات المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيًا، في غيّها، حسب تعبير بيان الهيئة.
بيان البرلمان اليمني، الأول من نوعه، منذ الأحداث التي شهدتها مدينة عدن، جاء بالتزامن مع تصعيد وزارة الخارجية من تحركاتها الرافضة لانقلاب حلفاء الإمارات في الجنوب اليمني، ففي بيان لنائب وزير الخارجية اليمني، محمد الحضرمي، جاء فيه أن “الحكومة بصدد التحرك لاتخاذ الإجراءات اللازمة وفقًا لما يخوله القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة لضمان إيقاف الدعم الإماراتي الذي مكَّن عملية التمرد المسلح في عدن وأبين”.
مندوب اليمن في الأمم المتحدة، السفير عبد الله السعدي: “لولا الدعم الكامل الذي وفرته دولة الإمارات تخطيطًا وتنفيذًا وتمويلاً للانقلاب العسكري في مدينة عدن، ما كان له أن يحدث، ونحمل الإمارات تبعات التمرد المسلح على الحكومة الشرعية”
الحضرمي طالب أيضًا بإيقاف الدعم المالي وسحب الدعم العسكري المقدم من الإمارات للمجلس الانتقالي الجنوبي، وإيقاف الانتهاكات كافة بحق المواطنيين الأبرياء بمن فيهم الصحفيون والقادة العسكريون والأمنيون والمدنيون.
وفي موقف هو الأقوى في مواجهة انقلاب عدن المدعوم إماراتيًا، قال مندوب اليمن في الأمم المتحدة، السفير عبد الله السعدي، في الجلسة التي عقدها أعضاء مجلس الأمن يوم الثلاثاء الماضي، إنه “لولا الدعم الكامل الذي وفرته دولة الإمارات تخطيطًا وتنفيذًا وتمويلاً للانقلاب العسكري في مدينة عدن، ما كان له أن يحدث، ونحمل الإمارات تبعات التمرد المسلح على الحكومة الشرعية”، وشدَّد على أن التمرد حرَّف البوصلة وخالف الهدف الرئيسي لتحالف دعم الشرعية.
رد عليه نائب مندوبة الإمارات في مجلس الأمن سعود الشامسي بأنه من غير اللائق أن تعلق الحكومة اليمنية شمَّاعة فشلها السياسي والإداري على دولة الإمارات، فهل فشلت الحكومة أم جعلوها تفشل وقوَّضوا سلطتها بقوة السلاح خارج القانون وفق تقارير دولية.
حاجز لقوات الحزام الأمني المدعومة إماراتيًا
وفي حين تتحدث مصادر يمنية عن مفاوضات لتسليم مؤسسات الدولة في شبوة إلى المجلس الانتقالي والنخبة الشبوانية المدعومة إماراتيًا، قال رئيس الهيئة الشعبية بمحافظة شبوة اللواء أحمد مساعد حسين إن فشل التحالف وتحويله الحرب إلى حرب يمنية داخلية أمر مرفوض، وطالب التحالف بإعلان فشله في الحرب والدعوة إلى مفاوضات.
وبشأن ما قام به المجلس الانتقالي في عدن، رأي اللواء حسين أن ما حدث في عدن في الـ10 من أغسطس/آب “انقلاب مكتمل الأركان، ولم يتبق للمجلس الانتقالي إلا إعلان مجلس رئاسي وتشكيل الحكومة وترسيم الحدود”، مضيفًا أن التحالف السعودي الإماراتي الذي وعد العالم واليمنيين بالقضاء على الحوثي في أسابيع أو شهور أمضى في الحرب أكثر من 4 سنوات ثم حوَّل المعركة إلى الجنوب.
لم يعد العالم إزاء هذه الاتهامات يمتلك فرصة لتغطية الدور التخريبي للإمارات في اليمن، فبعد أن واجهت شكوى عن دورها في تهريب السيادة اليمنية على محافظة أرخبيل سقطرى، ها هي اليوم تظهر أمام المجتمع الدولي بصورة أكثر وضوحًا طرفًا معرقلاً لمهمة استعادة الشرعية والاستقرار في اليمن، ومحركًا أساسيًا لانقلاب ثانٍ يجري تحت نفوذ التحالف ويتغذى من دعمه اللامحدود.
هل تنجح مساعي استبعاد الإمارات؟
ربما لا يبدو ما هو جديد في كل ما سبق من اتهامات سوى اعتزام الحكومة ومجلس النواب العمل على وقف مشاركة الإمارات في التحالف، لكن هل تقدر الشرعية اليمنية على ذلك فعلاً؟ وما أدواتها المؤهلة لذلك، وخاصة بالنظر لما يُثار طويلا حول ارتهان قرارها لدى المضيف السعودي؟
كانت طائرة الرئيس هادي تُمنع من الهبوط في عاصمته المؤقتة عدن، التي باتت الآن في قبضة انقلابي المجلس الانتقالي، وعندما اجتمع هادي بحكومته أول مرة بعد الانقلاب الأخير، نُقلت أنباء عن ضغوط سعودية لعرقلة التصعيد ضد الإمارات، التي اتهمتها الحكومة اليمنية صراحةً بدعم الانقلاب من أول يوم.
طرد الإمارات من التحالف لا بدّ أن يتم بمباركة سعودية، فالرياض هي من يقود التحالف منذ كان عربيًا موسعًا وحتى أمسى ثنائيًا موصومًا بالكثير من الانتهاكات الكارثية بحق اليمنيين، فهل تقبل السعودية بإبعاد شريكتها الوحيدة حاليًا
وفي التفاصيل التي نقلتها وكالة “سبوتنيك” عن مصدر حكومي يمني، كان الرئيس هادي بصدد اتخاذ إجراءات صارمة بعد اليوم الأول للاشتباكات في عدن، إلا أن السعودية تدخلت لثنيه عن تلك الإجراءات، وطلبت مهلة لإنهاء الانقلاب، وإعادة الأمور إلى طبيعتها وسحب المليشيات من كامل المقار الحكومية والمعسكرات التي احتلتها المليشيات الانقلابية، غير أن المهلة انتهت السبت ولم تلتزم الميليشيات الانقلابية بالانسحاب وتسليم ما تم احتلاله، وهذا يحرج السعودية”.
كان الغموض السعودي دافعًا حتى ترتفع أصوات المسؤولين اليمنيين – من وزراء ونواب ومحافظين – مجاهرةً بالتصعيد ضد الإمارات، لكنه بالتأكيد ليس الدافع الوحيد، ففي حين تتكاثر الاتهامات التي تطال التحالف الإماراتي السعودي كثيرًا، يحل رئيس المجلس الجنوبي الانتقالي عيدروس الزبيدي، ضيفًا على جدة، فقد استجاب بعد تأجيلٍ لدعوة الرياض باعتباره وفق المعلن حاله كحال الحكومة الشرعية في النزاع الأخير.
قبل وصول الزبيدي بساعات إلى السعودية، كانت قواته تتمدد من عدن إلى أبين، لتفرض أمرًا واقعًا جديدًا في إطار ما اُعتبر مخططًا لتمزيق وحدة اليمن، بدأ بسيطرة قوات المجلس الانتقالي على كل مقار وقواعد الحكومة اليمنية في عدن، وانتهى باحتلالها معسكرات الشرطة العسكرية وقوات الأمن الخاصة والجيش في محافظة أبين، مسقط رأس الرئيس هادي.
هكذا إذًا يترسخ دور التحالف المؤثر في دعم انقلاب عدن كمعرقل رئيسي أمام استعادة الاستقرار رغم أن السلطة الشرعية لا تزال تفرق بين طرفي هذا التحالف على صعيد التورط في الانقلاب المكتمل الأركان الذي قوَّض مصداقية التدخل العسكري في الرياض وأبوظبي، وكشف عن مخططاتهما القديمة الجديدة لتمزيق اليمن والهيمنة على مقدراته ومزاياه الجيوستراتيجية.
هنا يتردد السؤال: أي إنجاز سيتحقق بعد محادثات سترعاها السعودية التي تسوي بين الشرعية والانقلابيين؟ ومَنْ سيتحاور مع مَنْ؟ فقد كانت السعودية تتابع عن قرب ما تفعله الإمارات منذ بدأت تغدق المال والمعتاد على قوات غير نظامية أشرفت على تأسيسها وتدريبها، ثم تسمى الرياض انقلاب ميليشيا مدعومة من الإمارات التي يُفترض أنها شريك في تحالف دعم الشرعية “نزاعًا بين طرفين”.
بديهيًا، طرد الإمارات من التحالف لا بدّ أن يتم بمباركة سعودية، فالرياض هي من يقود التحالف منذ كان عربيًا موسعًا وحتى أمسى ثنائيًا موصومًا بالكثير من الانتهاكات الكارثية بحق اليمنيين، فهل تقبل السعودية بإبعاد شريكتها الوحيدة حاليًا لتبقى وحيدة تقريبًا فيما يصفه مراقبون بـ”المستنقع اليمني”؟ وهل ترفع يدها الثقيلة عن الشرعية اليمنية الحبيسة لديها؟
يجيب المسؤولون اليمنيون بأنهم سيستندون في مسعاهم لما يخوِّله القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وكلا المستنَدَين حبر على ورق ما لم تدعمهما إرداة دولية فاعلة. تلك الإرادة الدولية لا تبدو نشيطة سوى في جلسات التنديد وإبداء القلق، وما وقعت تلك الانتهاكات الإماراتية في اليمن إلا تحت سمع تلك الإرادة الدولية وبصرها وصمتها في الأغلب.