بعد ظهر يوم الإثنين 19 أغسطس حل الظلام على ساو باولو أكبر مدينة في البرازيل وذلك بسبب اتساع رقعة الحرائق المستعرة في غابات الأمازون، حيث واجه الدخان الناجم عن الحرائق موجة باردة في الجو وهو الأمر الذي أدى إلى تشكيل طبقة كثيفة من ضباب الدخان والذي غطى المدينة لمدة ساعة تقريباً عند الساعة الثالثة بالتوقيت المحلي في البرازيل.
ونشر مرصد وكالة الفضاء الأميركية “ناسا” صوراً على موقعه الإلكتروني ظهر فيها غطاء كثيف من الدخان يغطي مساحات كبيرة من غابات أمريكا اللاتينية في حين أعلنت ولاية أمازوناس البرازيلية حالة الطوارئ بسبب الحرائق، إذ امتدت طبقة الدخان على مساحة 3.2 مليون كيلومتر مربع فوق القارة اللاتينية.
وأظهرت بيانات الأقمار الصناعية الخاصة بالمعهد الوطني لأبحاث الفضاء زيادة الحرائق عن العام الماضي بنسبة 83% حيث سجل المعهد أكثر من 72 ألف حريق خلال عام 2019 اندلع منها 9500 حريق خلال الأسبوع الماضي وهو الرقم الأعلى منذ عام 2013 ذلك العام الذي بدأت فيه عملية تسجيل الحرائق في غابات الأمازون.
وقد حذرت منظمات حماية البيئة مثل الصندوق العالمي للطبيعة من وصول غابات الأمازون المطيرة إلى مرحلة اللاعودة حيث ستتحول الغابات المطيرة إلى السافانا الجافة وهو الأمر الذي يعني تحولها من مصدر لإنتاج الأكسجين إلى مصدر رئيسي لانبعاث غاز الكربون والذي يعتبر العنصر الرئيسي المسؤول عن ظاهرة تغير المناخ ما يعني أننا أمام كارثة بيئية حقيقية.
صورة من القمر الاصطناعي تظهر الحرائق التي تحصل في غابات الأمازون
غابات الأمازون المطيرة: ماذا نعرف عن رئة الأرض؟
يضم حوض الأمازون أكبر غابة استوائية مطيرة في العالم إذ تمتد هذه الغابة لتشمل أجزاء من تسع دول وهي: البرازيل وبيرو وغيانا وبوليفيا والإكوادور وسورينام وفنزويلا وكولومبيا وغويانا الفرنسية، وتتكون هذه الغابات من أعداد كبيرة من الأشجار والأنهار والحيوانات البرية التي لايوجد مثلها في أي مكان آخر في العالم هذا إضافة إلى نُظم إيكولوجية تتنوع بين السافانا الطبيعية والمستنقعات.
تقع ثلث غابات الأمازون في البرازيل وتشكل أكثر من نصف الغابات المطيرة في العالم إذ تبلغ مساحتها حوالي 6 ملايين و900 ألف كيلومتر مربع مما يجعلها أكبر من مساحة دولة الولايات المتحدة الأمريكية بحوالي 48 مرة
ويعود تاريخ غابات الأمازون إلى أكثر من 55 مليون سنة ظلت خلالها موطناً لنحو 400 من الشعوب الأصلية لسكان أمريكا اللاتينية وفي عام 1500 كان يتراوح عدد السكان المحليين والقبائل التي تقطن في هذه الغابات حوالي من 6 إلى 9 مليون نسمة أما في الوقت الحالي فيبلغ عدد السكان 250 ألف موزعين بين عدة قبائل يتحدثون أكثر من 170 لغة مختلفة إذ يُعتقد أن هناك خمسين قبيلة تسكن في غابات الأمازون لم تتصل أبداً بالعالم الخارجي.
وتقع ثلث غابات الأمازون في البرازيل وتشكل أكثر من نصف الغابات المطيرة في العالم، إذ تبلغ مساحتها حوالي 6 ملايين و900 ألف كيلومتر مربع مما يجعلها أكبر من مساحة دولة الولايات المتحدة الأمريكية بحوالي 48 مرة وتغطي الغابة 40% من قارة أمريكا الجنوبية وتعد من أهم مصادر الأكسجين عالمياً حيث تسهم ب20% من أكسجين الكوكب ولهذا يُطلق عليها اسم “رئة الأرض” كما أنها تخلص العالم من تريليون طن سنوي من ثاني أكسيد الكربون ما يجعلها أحد أهم الأماكن لمواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري.
غابات الأمازون تحترق سنويا ولكن لماذا يعد الوضع كارثياً هذا العام؟
في هذه الفترة من كل عام “شهري يوليو وأغسطس” تدخل غابات الأمازون موسم الجفاف ولهذا تحدث حرائق الغابات بشكل شائع حيث تبلغ ذروتها في شهر سبتمبر وذلك وفقاً لما تؤكده وكالة الفضاء الأمريكية ناسا ولكن هذا العام اندلعت الحرائق بشكل مصطنع وانتشرت على نطاق واسع للغاية بسبب الأعمال غير القانونية لإزالة الأشجار من أجل تربية الماشية والتي تعد السبب الرئيسي لإزالة الغابات إذ تمثل وحدها 80% من دوافع إزالة تلك الغابات وذلك لأن أمازون البرازيل تعد موطناً لأكثر من 200 مليون رأس من الماشية وأكبر مصدر عالمي لها مقداره حوالي ربع الإنتاج العالمي وعليه فالمزارعون يشعلون النار في الغابات بهدف غزالة مساحات واسعة منها لإفساح المجال أمام تربية الماشية.
هل السلطات البرازيلية متورطة في هذا الأمر؟
تبادلت منظمات حماية البيئة الاتهامات مع الرئيس البرازيلي جائير بولسونارو وذلك بشأن المسؤلية عن تلك الحرائق الهائلة؛ حيث قال المدافعون عن حقوق البيئة أن الرئيس البرازيلي أعطى الضوء الأخضر للأنشطة غير القانونية المتعلقة بإزالة الغابات في حين أكد الرئيس البرازيلي أن عملية إشعال الحرائق تمت عمداً من قبل منظمات الدفاع عن حقوق البيئة وذلك من أجل إلقاء اللوم عليه خاصة وأنه قد سبق وصرح بأن حماية الغابات المطيرة ليست من أولوياته كما قامت حكومته بخفض تمويل تلك المنظمات.
يُذكر أن الرئيس بولسونارو لطالما شكك في المخاوف البيئية ولديه طموح لتطوير منطقة الأمازون دون التفكير في حمايتها بيئياً
وفي تصريح له قال أوسفالدو ستيلا الخبير في منظمة “جرين إنيشياتيف” الأهلية إن تصريحات بولسونارو هي وسيلة من أجل تشتيت الانتباه عن القضية الرئيسية وهي الحاجة الماسة لتعزيز الرقابة على غابات الأمازون والوصول إلى وسيلة للحد من إزالة تلك الغابات إضافة إلى إقامة اقتصاد قائم على حماية غابات الأمازون وليس تدميرها، يُذكر أن الرئيس بولسونارو لطالما شكك في المخاوف البيئية ولديه طموح لتطوير منطقة الأمازون دون التفكير في حمايتها بيئياً حيث ذكر لدول أخرى أبدت قلقاً من تآكل غابات الأمازون منذ توليه السلطة أن عليها أن تهتم بشئونها الداخلية.
وفي سياق متصل كشفت وثيقة نشرتها منصة Democracia Abierta -وهي منصة عالمية تهتم بنشر القضايا الخاصة بحقوق الإنسان في أمريكا اللاتينية وأوروبا- مخطط حكومي برازيلي يهدف إلى تقليص قوة الأقليات التي تقطن في منطقة الأمازون وينفذ مشروعات خطرة على الطبيعة قد يكون أثرها مدمراً على البيئة وهو مشروع “Triple A” والذي يتمثل في إقامة سد كهرومائي وجسر وطريق سريع يخترق غابات أمازون البرازيل.
غابات الأمازون وتغير المناخ: هل دخلت الأرض مرحلة الخطر؟
ترتبط غابات الأمازون وتغير المناخ ارتباطاً لا ينفصل؛ فمن جانب يُجهد تغير المناخ الغابات عبر ارتفاع متوسط درجات الحرارة السنوية وبفعل تبدل أنماط هطول الأمطار ومن جانب آخر فإن للغابات دوراً كبيراً في الحد من ظاهرة تغير المناخ وذلك لأنها تبتلع غاز ثاني أكسيد الكربون مما ينهض بدور كبير في التخفيف من حدة تغير المناخ ولكن في حال تدمير الغابات أو استغلالها بما يفوق طاقتها الطبيعية فإن هذا من شأنه أن يجعل منها مصدراً رئيسياً ومتواصلاً لإطلاق غاز الدفيئة أي ثاني أكسيد الكربون.
وفي الوقت ذاته فإن أشجار الأمازون تتألف من 20% كربون في تكوينها ونتيجة لذلك فإن هذه الغابات تخزن كمية هائلة من الكربون فطبعاً لدراسات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة تخزن غابات الأمازون أكثر من تريليون طن من الكربون وتدمير تلك الغابات سوف يطلق تلك الكمية الهائلة في الجو إضافة إلى ست مليان طن من غاز ثاني أكسيد الكربون وهو الأمر الذي سيغير شكل الحياة للأبد على كوكب الأرض إذا ستمرت عملية حرائق غابات الأمازون على نفس الوتيرة.