يدور الحديث عن قاعدة تركية جديدة في قطر تم إنشاؤها بجوار قاعدة طارق بن زياد التي توجد بها القوات التركية مع القوات القطرية حاليًّا تحت إطار قيادة القوات التركية القطرية، ومن المعروف أن وصول القوات بدأ بشكل بارز عام 2017 بعد إعلان مجموعة من الدول بقيادة السعودية حصار قطر مع تصاعد احتمالات التهديد بهجوم عسكري عليها من هذه الدول، حيث كان هناك وجود محدود منذ أكتوبر 2015.
نشرت الصحفية التركية هانده فرات مقالاً في صحيفة حرييت هذا الشهر ذكرت فيه أنها زارت القاعدة العسكرية في الدوحة والتقت مع قيادات عسكرية وتابعت التدريبات المشتركة هناك وأخبرها القادة الأتراك ومنهم العقيد في القوات البرية مصطفى إيدن أن عدد القوات التركية سوف يزداد قريبًا، ومع أن الصحفية تحفظت على ذكر الأرقام إلا أنها ألمحت أن الأرقام ليست قليلة، كما أن هناك نقطة مهمة أوردتها في التقرير وهي أن قاعدة جديدة يتم إنشاؤها حاليًّا بجوار قاعدة طارق بن زياد وأقسام هذه القاعدة التي تأخذ أسماء الأحرف اللاتينية من A-Z اكتملت، وتحدثت الصحفية عن افتتاح كبير يتم الاستعداد له بحضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد.
تركيا أعلنت أن إرسال الجنود لا يستهدف دولاً خليجية بعينها بل للمساهمة في تحقيق أمن الخليج، وبادرت من خلال تقديم نفسها كوسيط ولكن في النهاية اكتفت بدعم جهود الكويت
نذكر جميعًا كيف رتبت تركيا بشكل سريع مصادقة البرلمان على اتفاق عسكري مع قطر يسمح بنشر الجنود الأتراك داخل القاعدة التركية في الدوحة بناء على اتفاق تم في العام 2015، وأظهرت هذه السرعة أن تركيا اصطفت مع قطر ضد خصومها الخليجيين، ولكن تركيا في نفس الوقت كانت حريصة على استمرار العلاقة الجيدة مع السعودية، وأعلنت أن إرسال الجنود لا يستهدف دولاً خليجية بعينها بل للمساهمة في تحقيق أمن الخليج وبادرت بتقديم نفسها كوسيط، ولكن في النهاية اكتفت بدعم جهود الكويت لأن إغلاق القاعدة التركية كان أحد المطالب الـ13 التي طالبت بها دول الحصار على قطر.
لكن من المهم الإشارة إلى أن القاعدة العسكرية التركية في قطر تتعدى العلاقة التقاربية المتزايدة بين تركيا وقطر، فهي تأتي أيضًا ضمن إستراتيجية تركية أوسع تشمل القاعدة العسكرية في الصومال والاتفاق الدفاعي مع الحكومة الليبية في طرابلس والوجود العسكري في سوريا وقبرص والعراق وحتى عمليات التنويع العسكرية التي شملت مؤخرًا الحصول على نظام الدفاع الروسي إس 400.
قطر هي الأخرى تحتاج كدولة صغيرة إلى تأمين أمنها من خلال الاعتماد على شبكة من العلاقات وقد كان موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من حصار قطر مؤشرًا مهمًا على أن الاعتماد على وجود القاعدة الأمريكية ليس كافيًا
كما يأتي الحديث عن توسيع القاعدة العسكرية في ظل التوترات في الخليج والحديث عن ترتيبات أمريكية وأوروبية للوجود في المنطقة والمساهمة في أمنها وخاصة أمن الناقلات والتجارة في أحد أهم المناطق في العالم وبالتالي فإن الوجود التركي مرتبط بالأساس بإستراتيجية تركية طموحة كقوة إقليمية في المنطقة ابتداءً، ومن المرجح أن وجودًا عسكريًا تركيًا في المنطقة سيكون مهمًا، وتتميز تركيا بأنها تعتبر تقريبًا أقوى قوة بحرية في المنطقة وبالتالي قد يكون لها مساهمة في أمن الخليج.
من المهم الإشارة إلى أن الحصار المستمر على قطر منذ عام 2017 لم يكن ذا تأثير كبير على قطر التي تجاوزت الحصار، كما أنه لا يوجد تهديد وشيك يهدد قطر من دول الحصار، ولهذا فإن توسيع الوجود التركي في قطر في هذا الوقت يشير أن الأمر يتعدى الأزمة الخليجية الحاليّة ويرتبط بإستراتيجية إقليمية لتركيا التي تحرص على الوجود في هذه المنطقة المهمة وتسعى لتطوير علاقاتها مع كل من الكويت وعمان في ظل التوتر مع السعودية والإمارات، وكانت قطر خيارًا مثاليًا بسبب تقارب السياسات الخارجية خلال العقد الأخير في قضايا المنطقة كافة.
القوات الأمريكية جاءت لقطر بعد هجمات 11 سبتمبر بعد أن طلب السعوديون من القوات الأمريكية مغادرة السعودية بسبب الرأي العام الرافض لوجودها
أما قطر فهي الأخرى تحتاج كدولة صغيرة إلى تأمين أمنها من خلال الاعتماد على شبكة من العلاقات وقد كان موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من حصار قطر مؤشرًا مهمًا على أن الاعتماد على وجود القاعدة الأمريكية ليس كافيًا، بل إنه قد يكون مكمن الخطر، وقد حدث تطور مهم جدًا في الأشهر الأخيرة يرتبط أيضًا بأساس فكرة الوجود العسكري الأمريكي في قطر، وهو عودة القوات الأمريكية للسعودية مؤخرًا، فمن المعلوم أن القوات الأمريكية جاءت لقطر بعد هجمات 11 سبتمبر بعد أن طلب السعوديون من القوات الأمريكية مغادرة السعودية بسبب الرأي العام الرافض لوجود القوات الأمريكية.
ولكن بعد قرابة 16 عامًا من خروج القوات الأمريكية من السعودية والتقاط قطر هذه الفرصة من خلال تقديم قاعدة العديد التي أصبحت مقرًا للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط مع مزايا كبيرة جدًا، ذكرت تقارير أن “قوة أمريكية وصلت إلى القاعدة الجوية السعودية منتصف شهر يونيو 2019″، وأن معدات بناء ظهرت بنهاية المدرج الجوي في الـ27 من يونيو في إطار عمليات تحسين جارية على النمط ذاته الذي يستخدمه مهندسو القوات الأمريكية، وأكد حينها مسؤولان في وزارة الدفاع الأمريكية أن عمليات تحضير مبدئية تجري في القاعدة السعودية في الوقت الحاليّ، بهدف دعم منظومة صواريخ “باتريوت”.
ذكرت تقارير أن الإمارات استعدت لتقديم قاعدة بديلة للأمريكان عن قاعدة العديد، لكن حتى الآن لا يوجد قاعدة في الشرق الأوسط يمكنها أن تستقبل طائرات بي 52 الأمريكية إلا قاعدة العديد
كما تم كشف أيضًا أن العدد المحتمل من الجنود الأمريكان الذين من المتوقع أن يصلوا إلى القاعدة التي توجد بها قوة أمريكية صغيرة لعمليات الدعم يقدر بـ500 جندي، علمًا أن واشنطن أعلنت أنها سترسل 1000 عسكري إضافي إلى منطقة الشرق الأوسط في حال تصاعدت التوترات مع إيران.
وذكرت تقارير أخرى أن الإمارات استعدت لتقديم قاعدة بديلة للأمريكان عن قاعدة العديد، لكن حتى الآن لا يوجد قاعدة في الشرق الأوسط يمكنها أن تستقبل طائرات بي 52 الأمريكية إلا قاعدة العديد التي قامت قطر بتوسيعها وبناء مرافق وخدمات جديدة فيها، لكن التموضع الأمريكي الجديد في قاعدة الأمير سلطان بالسعودية يفتح الباب أمام كل الاحتمالات، ولهذا فإن أول ما قد يتبادر للذهن هو البديل الذي يمكن أن يعوض شيئًا من الأمن الذي قد يفقد، ولعل البديل المنطقي حاليًّا هو توسيع وجود تركيا الموجودة فعلاً، بالإضافة إلى التعاون مع قوى أوروبية وآسيوية، ومن الطبيعي جدًا أن تقوم قطر بمثل هذه التدابير وزيادة الوجود التركي في ظل تزايد التوتر في الخليج وخطط تأمين النقل البحري وفي ظل التطورات المتمثلة بتموضع القوات الأمريكية الجديد في قاعدة الأمير سلطان.