على عكس المعتاد، يعتقد بعض المهتمين والمختصين في قطاع ريادة الأعمال أن الصعوبة الحقيقية لا تكمن فعليًا فقط في الخطوة الأولى، بل تظهر في منتصف الرحلة عندما لا تدري ما إذا كنت سوف تستمر أو سوف تستسلم وتصطف بجانب آلاف الشركات التي ينتهي عمرها تقريبًا بعد 15 عامًا من التأسيس، وهو انخفاض كبير مقارنةً مع عشرينيات القرن الماضي حين كان متوسط عمر الشركة يبلغ نحو 67 عامًا، وذلك بحسب دراسة حديثة من جامعة ييل الأمريكية.
بناء على ذلك، السؤال هنا: كم من الشركات الحالية ستكون هنا بعد عقدين من الآن؟ فمن الواضح أنها لن تكون كثيرة ولا سيما إذا اعتمدنا في توقعاتنا على الشركات في الولايات المتحدة الأمريكية، التي انخفض فيها متوسط عمر نحو 500 شركة بنسبة 80% خلال 8 عقود من الزمن، كما شهدت أيضًا اختفاء نحو 76% من الشركات في غضون الـ 30 عامًا الأخيرة.
جدير بالذكر، أن أحد أسباب هذه التغيرات هو تسارع موجات الاستحواذ بين الشركات، أي رغبة بعض رواد الأعمال في بناء مشاريع تشتريها الشركات الكبرى مقابل مبلغ من المال، ما يؤثر على العمر الافتراضي للشركات. ولكن بالنسبة لأولئك الذين يطمحون في تأسيس شركة ناجحة على المدى الطويل، نُعرفهم في هذا التقرير على أهم الاستراتيجيات والأسرار التي يمكن أن تقودهم للاحتفال بمئوية شركاتهم الخاصة.
ما السر؟
بصفةٍ عامة، يوجد حاليًا أكثر من 5 آلاف و500 شركة حول العالم يزداد عمرها عن 100 عام، حيث يوجد بعضها في اليابان بنحو 3 آلاف و146 شركة، وفي ألمانيا حوالي 837 شركة، وفي فرنسا 196 شركة، ولا شك أن لكل شركة تجربتها الخاصة التي استطاعت من خلالها خلق نجاحات متكررة ومتواصلة على مدار سنوات حياتها في السوق. فما الذي يمكن أن يتعلمه رجال ورواد الأعمال منها؟
5 عوامل رئيسية تساهم في بقاء الشركات لمدة قرن كامل، وأبرزها: لا تركز كثيرًا على العملاء وتتجاهل موظفيك؛ لا تستثمر في تطوير شركتك دون مساعدة مجتمعك؛ لا تتغير سريعًا لدرجة تنسى فيها احترام التقاليد التي أوصلتك إلى هذه النقطة، كما لا تتعثر في التقاليد التي لا يمكنك تغييرها.
يقول ويليام أوهارا في كتابه “قرون النجاح” إن الشيء الوحيد الذي يساعد الشركات على الصمود لعدة قرون هو ببساطة الحظ. ومع ذلك، يمكننا أن نلاحظ أيضًا أن الذين حالفهم هذا الحظ، عملوا أيضًا في صناعات خالدة، لا تموت مع الزمن وتقلباته، أي أن الناس دائمًا بحاجة لتناول الطعام والشراب وارتداء الملابس والعيش في مكان ما وما إلى ذلك، ما يعني أن هذه الصناعات تجعل بقاء الشركات على قيد الحياة أكثر احتمالًا من غيرها.
ليس سّرًا واحدًا
من جهة أخرى، بعد أكثر من 10 سنوات من دراسة شركات مختلفة في أمريكا واليابان، وجد الباحثون في جامعة ميجي غاكوين الأمريكية، 5 عوامل رئيسية تساهم في بقاء الشركات لمدة قرن كامل، وأبرزها: عدم التركيز على العملاء كثيرًا وتجاهل الموظفين؛ الالتفات إلى المصلحة الاجتماعية عند اتخاذ القرارات؛ التمهل في التغير كي لا تضيع التقاليد التي أوصلت الشركة إلى هذه النقطة، وحتى لا تتعثر الشركة فيها لدرجة التي تمنعها من التماشي مع التغيرات.
يضاف إلى ذلك عامل آخر وهو خلق ثقافة خاصة بالشركة، إذ لاحظت الدراسة أن الشركات التي احتفلت بمرور 100 عام على العمل، لديها مجموعة من المعتقدات والقيم التي تتوارثها الأجيال المتعاقبة على مكاتبها ومقاعدها، فهي تُشعر موظفيها بارتباط أعمق بمكان العمل حين تؤسس قيمًا واضحة تساعدهم في توضيح “لماذا” يفعلون ما يفعلونه، وبالتالي تجعلهم أكثر إنتاجًا ومشاركةً. أما إذا كانت ثقافة مكان العمل خانقة، فمن الصعب أن تشجعهم الأجواء على العمل بكامل إمكانياتهم.
عندما تنظر الشركات إلى الموظفين كعامل مهم في نجاحهم وصمودهم في السوق، فإن استقرارهم في الشركة لفترة طويلة يسمح بالنمو والابتكار ويغرس نوعًا من الولاء والتفاني تجاه الشركة
في هذا الخصوص، يقول البروفيسور ماكوتو كاندا، إن الشركات اليابانية أفضل مثال على ذلك ولا سيما أن معظم شركاتها تديرها العائلة، ما يسهل تركيز إدارتها على معتقد أو قيمة جوهرية لا ترتبط فقط بجني الأرباح والمصالح الشخصية. إلى جانب ذلك، أشار تقرير آخر إلى وجود ظاهرة في الشركات اليابانية التي تعتمد أساسًا في نظامها ولوائحها الداخلية على التقاليد القائمة على الاحترام والآراء المتبادلة.
من جانب آخر، قد لا تساعد هذه السياسات الشركة على استغلال وقتها بالصورة المثالية، إلا أنها من المؤكد سوف تساعدها في الحصول على موظفين منتظمين يوصون معارفهم وأصدقاءهم بالتعامل معها أو الشراء منها، وهو أفضل أنواع الإعلانات وأساليب التسويق التي يمكن أن تحلم به الشركات.
تأسست شركة “جولكيت” لصناعة معجون الأسنان في الولايات المتحدة سنة 1873م،
جدير بالذكر أنه عندما تنظر الشركات إلى الموظفين كعامل مهم في نجاحهم وصمودهم في السوق، فإن استقرارهم في الشركة لفترة طويلة يسمح بالنمو والابتكار ويغرس نوعًا من الولاء والتفاني تجاه الشركة لدرجة قد تدفعهم لوصف علاقتهم بالعمل على أنها “عائلية”، وذلك عدا عن تمتعهم بمشاعر الثقة والدعم التي يصعب العثور عليها في أماكن العمل الجديدة.
بالنهاية، لا يوجد دليل قاطع على أن أرباح الشركات القديمة أو المعمرة هي أكثر من أرباح الشركات الأصغر سنًا، وليس من الضرورة أن يكون ذلك إشارة إلى مصداقيتها وجودة منتجاتها. إذ يرى البعض أن العمر قد يكون عقبة أحيانًا، إذ تصاب بعض الشركات بأمراض الشيخوخة التي تفقدها مرونتها في التجاوب مع تغيرات السوق ومتطلبات المستهلكين، خاصةً إن كانت تقاليدها التي تأسست عليها لا تلائم التطورات العصرية ولا تتماشى مع صورتها وسمعتها التي رسمتها في الأذهان منذ سنوات طويلة.
وإلى ذلك، يمكننا أن نستنتج بأن طريقة تعامل الشركة مع الموظفين والعلاقة التي تصنعها معهم هي أساس ثباتها في السوق لمدة قرن من الزمن، فحين تنظر كل شركة إلى موظفها على أنه استثمار افتراضي في سنوات عمرها ونجاحاتها لن يصبح الوصول إلى عمر المئة أمرًا مستحيلًا.