في الوقت الذي كان ينظم فيه متظاهرون وقفة احتجاجية أمام السفارة الهندية في العاصمة السويدية ستوكهولم، تنديدًا بسياسات نيودلهي بحق مسلمي كشمير، ومن قبلها أمام سفارتها في لندن، كان ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، في استقبال ناريندرا مودي رئيس الوزراء الهندي في قصر الوطن بقلب العاصمة.
الزيارة تأتي في إطار جولة خارجية يقوم بها مودي وتشمل بجانب الإمارات كل من البحرين التي من المقرر أن يزورها خلال يومي 24 و25 من أغسطس/ آب الحاليّ، وهي الزيارة الأولى في التاريخ لرئيس حكومة هندي، ثم ينطلق بعدها إلى العاصمة الفرنسية، باريس، للمشاركة في مجموعة الدول السبعة.
ورغم ما تتعرض له نيودلهي من انتقادات دولية جراء ممارساتها القمعية بحق الكشميريين، تمنح أبو ظبي رئيس الوزراء الهندي، أرفع وسام في البلاد، وهو الوسام الذي يحمل اسم “الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان” وفق ما قالت الخارجية الهندية في بيان لها.
تأييد قرار كشمير
كانت الإمارات من أوائل الدول التي أعربت عن تأييدها لقرار نيودلهي القاضي بإلغاء المادة 370 من الدستور التي تمنح الحكم الذاتي لما يسمى ولاية جامو وكشمير (الشطر الهندي من الإقليم) مما دفع باكستان لطرد السفير الهندي لديها وتعليق الاتفاقات التجارية الثنائية.
يعد مودي، العضو السابق في المجموعة الهندوسية المتشدّدة “راشتريا سوايامسيفاك سانغ” الذي كان الوزير الأول في غوجارات عام 2002 عندما أودت أعمال شغب بأكثر من ألف شخص معظمهم من المسلمين، أحد أبرز الشخصيات المثيرة للقلق في الهند بالنسبة للمسلمين البالغ عددهم 170 مليونًا
أبو ظبي اعتبرت أن هذا القرار – رغم ما يحمله من مستقبل مظلم بحق مسلمي الإقليم – خطوة تشجع على “الاستقرار والسلام” وتحسين ظروف السكان، حيث نقلت صحيفة “جلف نيوز” الإماراتية بالإنجليزية عن أحمد البنا سفير أبو ظبي في نيودلهي قوله: “الخطوة التي اتخذتها الهند لإلغاء الحكم الذاتي لكشمير ستشجع على المزيد من الاستقرار والسلام”، مؤكدة أن المسؤولين الإماراتيين بالهند قدموا دعمهم لهذا القرار.
السفير الإماراتي ذكر أن بلاده تتوقع أن تؤدي هذه الخطوة إلى تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقة بالحكم المحلي لدى شعب “ولاية جامو وكشمير”.
يذكر أن سكان الإقليم ذي الغالبية المسلمة يطالبون بالانفصال والانضمام لباكستان، منذ استقلال البلدين عن بريطانيا عام 1947، وقد أدى الصراع بين الجارين النوويين اللدودين إلى اندلاع ثلاثة حروب منها اثنتان بسبب كشمير، ومع تولي مودي زمام الأمور زاد قلق الإسلاميين من مستقبلهم الذي بات غامضًا في ظل ما يتنباه رئيس الحكومة من سياسات قمعية بحق المسلمين.
يعد مودي العضو السابق في المجموعة الهندوسية المتشدّدة “راشتريا سوايامسيفاك سانغ” (هيئة المتطوعين القوميين) التي تطبق أساليب شبه عسكرية، الذي كان الوزير الأول في غوجارات عام 2002 عندما أودت أعمال شغب بأكثر من ألف شخص معظمهم من المسلمين، أحد أبرز الشخصيات المثيرة للقلق في الهند بالنسبة للمسلمين البالغ عددهم 170 مليونًا.
ففي عهده تزايدت أعمال العنف ضد المسلمين بسبب طقوسهم الدينية أحيانًا وأكلهم للحوم البقر أحيانًا أخرى، فيما أعيدت تسمية العديد من المدن التي تحمل أسماء إسلامية، وتم تغيير بعض الكتب المدرسية للتقليل من أهمية إسهامات المسلمين في الهند، هذا بخلاف التحريض الإعلامي الممارس ضدهم على مرأى ومسمع من سلطات الدولة.
تنديد من مسلمي كشمير بسياسات نيودلهي بحق الإقليم
الاقتصاد.. العامل الأبرز
بعيدًا عن الدور المثير للجدل الذي تقوم به أبو ظبي بحق الشعوب العربية والإسلامية، ومخططاتها المعارضة في معظمها لرغبات تلك الشعوب التحررية، ودعمها لأنظمة الحكم القمعية، التي تفتح لها أبواب الدعم على مصراعيها، فإن هناك بعدًا اقتصاديًا آخر ربما يمثل قوة دفع كبرى لتبني تلك المواقف الغريبة.
الرغبة في تحقيق المزيد من الامتيازات الاقتصادية مع دولة بحجم الهند تحتل المرتبة الخامسة عالميًا من حيث القدرات الاقتصادية، متفوقة على عمالقة بحجم فرنسا وبريطانيا، ربما يكون مبررًا لأبو ظبي لدعم سياسات نيودلهي حتى إن تضمنت قمعًا للمسلمين أو انتهاكات لحقوق الأقليات.
الأرقام الرسمية الإماراتية تشير إلى ارتفاع حجم التجارة الثنائية – غير النفطية – بين البلدين من 180 مليون دولار سنويًا، في سبعينيات القرن الماضي، إلى نحو 31.4 مليار دولار في 2018، بينما يستهدف الإماراتيون تجاوز هذا الرقم لحاجز الـ100 مليار خلال الأعوام القليلة المقبلة.
رجال الأعمال في الإمارات والهند يخططون لتعزيز هائل في حجم التجارة بين البلدين بنسبة 60% خلال السنوات الخمسة القادمة
هذا التطور في العلاقات الاقتصادية بين البلدين قفز بالإمارات لتصبح ثالث أكبر شريك تجاري للهند للعام المالي 2015-2016، بعد الصين والولايات المتحدة، وتسعى أبو ظبي مع قدوم 2020 لأن تكون الهند الشريك التجاري الأول لها، هذا في الوقت الذي تبلغ فيه قيمة الاستثمارات الإماراتية المباشرة في الهند نحو 8 مليارات دولار، ما يجعلها في المرتبة العاشرة بين أكبر المستثمرين في الهند من حيث الاستثمار الأجنبي المباشر.
رجال الأعمال في الإمارات والهند يخططون لتعزيز هائل في حجم التجارة بين البلدين بنسبة 60% خلال السنوات الخمسة القادمة، بقيادة التجارة غير النفطية عبر الاستفادة من العديد من الاتفاقيات الثنائية الإستراتيجية التي تم توقيعها بين البلدين في السنوات الأخيرة، وذلك عبر خطة ممنهجة.
الخطة التي أعلنها حمد بوعميم مدير عام غرفة تجارة وصناعة دبي، تعتمد أيضًا على عدة محاور من شأنها دفع التعاون الاقتصادي قدمًا بين البلدين، وعلى رأسها المشاركة الهندية في إكسبو دبي 2020، فضلاً عن محور تعزيز التعاون بين الشركات الناشئة الهندية والإماراتية، وتشمل العديد من القطاعات الاقتصادية والمجالات مثل التصنيع وتكنولوجيا المعلومات والطاقة المتجددة والبنية التحتية والتمويل.
وهكذا تواصل أبو ظبي استفزازها للمسلمين بتقليدها “قامع مسلمي كشمير” والحليف الإستراتيجي للكيان الصهيوني، أرفع وسام في البلاد، غير آبه بمستقبل 170 مليون مسلم داخل الإقليم جراء ما يتبناه رئيس الوزراء الهندي (المُكرم) من سياسات تهدد حياتهم التي باتت على المحك منذ نجاحه في الانتخابات البرلمانية الهندية 2014 وفوزه بولاية ثانية في 2019.