ترجمة وتحرير: نون بوست
أطلقت القوات شبه العسكرية العراقية النار على طائرة تجسس قرب العاصمة بعد فترة وجيزة من تعهدها بالدفاع عن المجال الجوي العراقي والتصدي لكل الأعداء الأجانب، ويأتي ذلك في أعقاب الهجمات الأخيرة التي حُملت مسؤوليتها لكل من “إسرائيل” والولايات المتحدة الأمريكية.
أظهر مقطع فيديو نشره الجناح الإعلامي لقوات الحشد الشعبي -وهي مجموعة من الميليشيات التي ترعاها الدولة والتي لها صلات بإيران- يوم الخميس، مقاتلي اللواء الثاني عشر وهم يطلقون النار على ما قيل إنه “طائرة استطلاع تحلق فوق مقر اللواء في أحزمة بغداد”، التي تربط العاصمة بالضواحي. كما، جاء في بيان مصاحب أنه “يبدو أن الدفاعات الجوية للحشد قد أحبطت مهمة أقدمت عليها طائرة العدو”.
في اليوم التالي، أكد مسؤولون أمريكيون مجهولو الهوية في تصريحات لهم إلى عديد المصادر الصحفية على غرار وكالة “أسوشيتيد برس” وصحيفة “نيويورك تايمز” و”وول ستريت جورنال” و”فوكس نيوز”، تورط “إسرائيل” في الهجمات الأخيرة التي استهدفت مواقع تابعة لقوات الحشد الشعبي. وقيل إن واحدة على الأقل من الضربات شنت من داخل العراق، مما زاد من الشكوك المحلية حول تورط الولايات المتحدة أيضًا.
استهدف مقاتلون من اللواء الثاني عشر التابع لقوات الحشد الشعبي طائرة مراقبة من خلال إطلاق النيران عليها خارج بغداد في 22 آب/ أغسطس.
إن بغداد، العدو اللدود السابق لكل من واشنطن وطهران، جددت اهتمامها بالحلفاء في السنوات التي تلت الغزو الذي قادته الولايات المتحدة سنة 2003، والذي أطاح بالرئيس العراقي صدام حسين. ومع تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، تعهدت الدولة مرارًا وتكرارًا بعدم السماح لنفسها بأن تتحول لساحة قتال للخصمين القدامى اللذين اتحدا لفترة وجيزة فقط من أجل مصلحتهما المشتركة في قتال تنظيم الدولة.
في حين ساعدت إيران في تعبئة قوات الحشد الشعبي، وهي جماعة شيعية إسلامية تضمنت أيضًا السنة والمسيحيين واليزيديين والأقليات الأخرى، أسست الولايات المتحدة تحالف دولٍ وأعادت نشر بعض القوات في محاولة لدحر القوات الجهادية. ومع إعلان هزيمة تنظيم الدولة في أواخر سنة 2017، انقلبت الولايات المتحدة وإيران مرة أخرى على بعضها البعض، بينما دخل عدو عراقي قديم آخر هذا النزاع متعدد الأطراف.
يوم الجمعة، أكد مجلس الأمن القومي العراقي هذا القرار الذي سيتم بموجبه “إلغاء موافقات الطيران على اختلاف أشكالها في المجال الجوي العراقي، باستثناء موافقة القائد الأعلى للقوات المسلحة أو ممثله المفوض”
في الوقت الذي اكتملت فيه ملامح الدراما الأمريكية الإيرانية في الخليج العربي في الأشهر الأخيرة، ضربت سلسلة من الانفجارات قواعد قوات الحشد الشعبي في جميع أنحاء البلاد. لعل آخرها هجوم جدّ يوم الثلاثاء بالقرب من قاعدة بلد الجوية في محافظة صلاح الدين بعد أيام قليلة من حدوث انفجار في قاعدة الصقر، والذي أسفر عن مقتل شخص واحد على الأقل وإصابة العشرات بالقرب من العاصمة، وهو ما دفع رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي إلى تشديد الحراسة الجوية.
يوم الجمعة، أكد مجلس الأمن القومي العراقي هذا القرار الذي سيتم بموجبه “إلغاء موافقات الطيران على اختلاف أشكالها في المجال الجوي العراقي، باستثناء موافقة القائد الأعلى للقوات المسلحة أو ممثله المفوض”. كما كرر المجلس دعم البلاد لقوات الحشد الشعبي لاسيما أنه بات من الجلي أن “إسرائيل” كانت المتسبب في هذه الهجمات.
لقد ساعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تأجيج المضاربات القائمة بشأن تورط “إسرائيل” في الهجمات المستمرة، حيث أخبر المراسلين يوم الخميس الماضي أن “إيران لا تتمتع بأي حصانة في أي مكان”، وأن ” “إسرائيل” ستتخذ الإجراءات اللازمة ضدها إذ بات التحرك أمرا ضروريا”. وقد مثلت تصريحاته تذكيرا بتصاعد حملة “إسرائيل” الطويلة ضد الميليشيات المدعومة من قبل إيران في سوريا المجاورة.
أصدر نائب قائد قوات الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس بيانًا ألقى فيه اللوم على “إسرائيل”، مشيرا إلى أن القوات الأمريكية قد ساعدت في تهريب الطائرات المسيرة الإسرائيلية إلى قواعدها في العراق عبر أذربيجان
في الواقع، بدا الزعيم الإسرائيلي يوم الخميس وكأنه يؤكد على دور بلاده في الهجمات التي تحدث في العراق. وردا على سؤال قناة “كان تي في” حول فرضية تورط “إسرائيل” في هذه الهجمات، أجاب نتنياهو قائلا: “نحن نتصرف على نطاق واسع ضد دولة ترغب في إبادتِنا. بالطبع، أعطيت قوات الأمن كل الصلاحيات، بما في ذلك تعليمات للقيام بما هو ضروري لإحباط الخطط الإيرانية”.
يوم الأربعاء، أصدر نائب قائد قوات الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس بيانًا ألقى فيه اللوم على “إسرائيل”، مشيرا إلى أن القوات الأمريكية قد ساعدت في تهريب الطائرات المسيرة الإسرائيلية إلى قواعدها في العراق عبر أذربيجان. كما حذر قائلا: “ليس لدينا خيار سوى الدفاع عن أنفسنا ومقرنا بأسلحتنا الحالية واستخدام أسلحة أكثر تطورًا”.
في سياق متصل، أضاف أبو مهدي المهندس: “لقد انتظرنا هذه الفترة حتى يتم استكمال جميع التحقيقات بدقة”. وواصل النائب مؤكدا: “لقد أبلغنا قيادة العمليات المشتركة أنهم سيعتبرون أي طائرة أجنبية تحلق فوق مقرهم دون علم الحكومة العراقية طيرانا معاديا وسيتعاملون معها وفقًا لذلك باستخدام جميع وسائل الردع لمنع أي هجوم على مقرهم”.
مسيرة المقاتلين العراقيين من الجماعة الشيعية المدعومة من إيران، كتائب حزب الله، خلال مسيرة عسكرية للاحتفال باليوم الدولي للقدس “القدس في بغداد”، 31 أيار/ مايو.
في المقابل، رد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في تغريدة قائلا إن مهمته تتمثل في “تمكين شركاء قوات الأمن العراقية من الانتصار على تنظيم الدولة. نحن نقوم بهذه العمليات بدعوة من حكومة العراق مع الامتثال لقوانينها وتوجيهاتها”.
إن إيران، التي كشفت للتو عن نظام صاروخي أرضي خاص جديد، تعهدت أيضا بالدفاع عن العراق من العدوان الإسرائيلي مثلما فعلت ضد تنظيم الدولة. بينما واصلت “إسرائيل” شن غارات شبه منتظمة ضد القوات المشتبه في أنها إيرانية أو خاضعة للسيطرة الإيرانية في سوريا، أكد وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي خلال اجتماع عُقد في وقت سابق من هذا الأسبوع مع وزير الداخلية العراقي ياسين طاهر الياسري: “نحن نعتبر أمن العراق أمننا الخاص، ونحن نسعى جاهدين لتحقيق الاستقرار والأمن في العراق بقدر ما نفعل ذلك من أجل بلدنا”.
في هذه الأثناء، أصدرت مجموعة من قوات الحشد الشعبي تربطها صلات وثيقة بإيران، والتي صنفتها وزارة الخارجية بالفعل منظمة إرهابية، تهديدًا جديدًا للولايات المتحدة بسبب تورطها في الأحداث الأخيرة. وفي بيان صدر يوم الخميس، أرسلت كتائب حزب الله “تحذيرًا نهائيًا للعدو الأمريكي من أن أي استهداف جديد لأي موقع عراقي سيعاقب برد قاسي وساحق وشديد العنف”. وأضافت هذه المجموعة: “لن تحميك حصونكم، لأنها تقع جميعا في نطاق صواريخنا. لا يسعكم شيء سوى التشبث بأوهامكم، أما نحن فنفعل ما نقول. ويمكنكم التأكد من أنه إذا بدأت المواجهة، فلن تنتهي حتى نخرجكم نهائيًا من المنطقة، وستعرفون بعد ذلك الثمن الذي ستدفعونه”.
المصدر: نيوزويك