مع قرب الاستحقاق الرئاسي في تونس والمقرر إجراؤه في 15 من سبتمبر/ أيلول 2019، ارتفعت حدة التنافس بين المرشحين الساعين للتربع على كرسي قرطاج، وتسارعت الحملات الدعائية على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي مما ينذر بسباق محموم بين الأطراف السياسية، خاصة بعد الاتهامات الأخيرة التي طالت رئيس الحكومة يوسف الشاهد باستغلال مؤسسات الدولة لصالح حملته الانتخابية، وتصفية خصومه سياسيًا.
ينافس الشاهد على رئاسة تونس عدد من الشخصيات البارزة من بينها نائب رئيس حزب النهضة عبد الفتاح مورو ووزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي ورئيس الوزراء السابق مهدي جمعة، إضافة إلى المنصف المرزوقي الرئيس السابق ونبيل القروي رجل الأعمال وصاحب تليفزيون نسمة الخاص.
عقب اعتقال المرشح للانتخابات الرئاسية عن حزب “قلب تونس” نبيل القروي وشقيقه، بتهمة الفساد المالي (غسيل أموال) والتهرب الضريبي، وصفت قناة “نسمة” الخاصة التي يملكها القروي بأنه “تعرض لحالة اختطاف وهو حتى اللحظة مختف”
وتُلاحق رئيس الحكومة يوسف الشاهد والمرشح بدوره للانتخابات الرئاسية، تُهم استغلال نفوذ من أجل إقصاء منافسيه من سباق الرئاسيات، إمّا بتحريك جهاز القضاء أو باستعمال مؤسسات الدولة للترويج لحزبه وشخصه.
ملف القروي
وعقب اعتقال المرشح للانتخابات الرئاسية عن حزب “قلب تونس” نبيل القروي وشقيقه اللذين يديران شركات في قطاع الإعلام والاتصال في طريق مدينة “مجاز الباب” بمحافظة “باجة، بتهمة الفساد المالي (غسيل أموال) والتهرب الضريبي، وصفت قناة “نسمة” الخاصة التي يملكها القروي بأنه “تعرض لحالة اختطاف وهو حتى اللحظة مختف”، فيما قال القيادي بحزب قلب تونس ومستشار المرشح للانتخابات الرئاسية نبيل القروي، أسامة الخليفي:”كتيبة من الأمن قامت باختطاف القروي في أثناء عودته من باجة بعد تدشين مقرّ الحزب”.
ونشرت صفحة نبيل القروي على فيسبوك تدوينة جاء فيها: “تم اختطاف المرشح للرئاسة نبيل القروي في محطة الاستخلاص بمجاز الباب وإيداعه سجن المرناقية، الديكتاتورية الناشئة تبرهن اليوم ما كنا نقوله منذ أكثر من سنة وتكشف للشعب التونسي مشروعها الفاشستي”.
يرى مراقبون أن إعلان رئيس الحكومة التونسي يوسف الشاهد، الخميس، تفويض صلاحياته لوزير الوظيفة العمومية كمال مرجان مؤقتًا وذلك للتفرغ لحملة الانتخابات الرئاسية قبل يوم واحد من اعتقال نبيل القروي خطوة مدروسة للتملص من المسؤولية
وكانت قناة “نسمة”، قد اتهمت في يوليو حكومة يوسف الشاهد بـ”الوقوف وراء إجراء تجميد أموال نبيل القروي رئيس حزب قلب تونس والمرشح للانتخابات الرئاسية القادمة في خطوة مفضوحة أيّامًا قليلة بعد دخول البلاد في المرحلة الانتخابية بصفة رسمية إثر توقيع رئيس الجمهورية على الأمر المتعلق بدعوة الناخبين”، مشيرةً عبر موقعها الإلكتروني إلى أن “غاية حكومة الشاهد إقصاء نبيل القروي من السباق الانتخابي القادم بعد أن أثبتت كافة عمليات سبر الآراء أنه تفوّق على جميع منافسيه من مختلف التيارات السياسية”.
ويرى مراقبون أن إعلان رئيس الحكومة التونسي يوسف الشاهد، الخميس، تفويض صلاحياته لوزير الوظيفة العمومية كمال مرجان مؤقتًا وذلك للتفرغ لحملة الانتخابات الرئاسية قبل يوم واحد من اعتقال نبيل القروي خطوة مدروسة للتملص من المسؤولية والقصد منها التبرؤ من تهم استغلال أجهزة الدولة (القضاء) لإقصاء خصومه السياسيين.
جدل
أثارت عملية اعتقال المرشح الرئاسي جدلًا واسعًا في صفوف المجتمع التونسي بتنوعه (عامة ونخب)، بين مؤيد لقرار دائرة الاتهام بالقطب القضائي المالي (مجمع مختص بمكافحة الفساد) باعتبار أنّ نبيل القروي وشقيقه مطلوبين للعدالة في قضايا غسيل أموال وتهرب ضريبي ويحق للنيابة العامة اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة، واتهموا صاحب تليفزيون “نسمة” باستغلال مؤسسته الإعلامية وجمعية “يرحم خليل” (اسم ابنه المتوفي في حادث سير) لأهداف وطموحات شخصية بما يتعارض مع القوانين المنظمة لقطاع الإعلام، وتأتي في إطار الحملات الانتخابية في غير مواقيتها، وآخرون يرون أن القرار سياسي بامتياز ويهدف إلى إقصاء القروي من سباق الانتخابات الرئاسية.
أذن وزير العدل التونسي محمد كريم الجموس للتفقدية العامة (هيئة رقابية على المحاكم) بالتعهد بالبحث في ملابسات إصدار بطاقتي الإيداع في حق كلّ من نبيل وغازي القروي والتثبت من سلامة الإجراءات القانونية المتبعة
يعتبر الشق الأخير أن الاعتقال وإن كان بقرار قضائي بتهم تتعلق بالتهرب الضريبي وغسيل أموال إلا أن الإجراءات كانت غير قانونية ومنافية للفصل 38 من القانون الأساسي للقضاة لسنة 1967 الذي يُعطل العمل في المحاكم طيلة العطلة القضائية من 16 من يوليو/تموز إلى 15 من سبتمبر أيلول من كل سنة ولا تنظر الدائرة الصيفية للاتهام إلا في مطالب الإفراج عن الموقوفين والبت في وضعية من نفذت فيه بطاقة جلب صدرت من قبل.
وفي رده على الجدل القانوني، أذن وزير العدل التونسي محمد كريم الجموس للتفقدية العامة (هيئة رقابية على المحاكم) بالتعهد بالبحث في ملابسات إصدار بطاقتي الإيداع في حق كلّ من نبيل وغازي القروي والتثبت من سلامة الإجراءات القانونية المتبعة، ونقلت وكالة تونس إفريقيا للأنباء (الوكالة الرسمية)، عن مصدر مسؤول، أنه سيتم تقديم المعطيات لإنارة الرأي العام بخصوص الواقعة.
أصدرت الجبهة الشعبية بيانًا حذرت فيه من “مغبة توظيف القضاء والأجهزة الأمنية ووسائل الدولة لتصفية الخصوم السياسيين بتعلة مكافحة الفساد”
ورغم انقسام التونسيين بشأن قانونية إجراءات اعتقال مرشح الانتخابات الرئاسية، فإنهم أجمعوا على ضرورة تحييد القضاء ومؤسسات الدولة وعدم الزج بها في الصراعات الانتخابية وتصفية الحسابات السياسية والحزبية خاصة أن البلاد مقبلة على امتحان ديمقراطي جديد يلزمه مناخ سياسي مستقر.
إدانات وشكوك
وفي سياقٍ ذي صلة، أصدرت الجبهة الشعبية بيانًا حذرت فيه من “مغبة توظيف القضاء والأجهزة الأمنية ووسائل الدولة لتصفية الخصوم السياسيين بتعلة مكافحة الفساد”، ومن “تداعيات هذه الممارسات على المناخ السياسي والعملية الانتخابية بشكل خاص“، وأكدت ضرورة تطبيق القانون في نطاق حماية الحقوق والحريات.
ودعا بدوره حزب “آفاق تونس”، السلطات القضائية إلى توضيح هذا الإجراء “خاصة أنه يثير إشكاليات ومخاوف جدية بخصوص استقلالية السلطة القضائية، وإمكانية استعمال الحكومة لأجهزة الدولة لإقصاء المنافسين السياسيين”، فيما اعتبر أمين عام حركة الشعب، زهير المغزاوي، أن إيقاف المرشح للانتخابات الرئاسية نبيل القروي، محاولة من رئيس الحكومة يوسف الشاهد، لاستهداف الخصوم السياسيين له قبيل الانتخابات الرئاسية المبكرة، وأن القضاء أصبح يستعمل لتسوية الخصوم السياسيين، وهذا خطر كبير سيهدد التجربة الديمقراطية.
قال أمين عام حزب التيار الديمقراطي، محمد عبو: “نحن نطالب بتطبيق القانون ضد كل شخص تحوم حوله شبهات جدية في جرائم مالية ومن المفروض أن يُحال على القضاء لكن لا يجب أن تكون هناك استثناءات”
من جانبه، قال القيادي بحركة نداء تونس رضا بلحاج: “تونس اليوم ليست بين أيدي أمينة، لتأمين الانتقال السلس”، متابعًا في تصريح إعلامي: ”هناك شخص مغامر يلعب بالبلاد وبمؤسسات الدولة والقضاء”.
من جهته، قال أمين عام حزب التيار الديمقراطي، محمد عبو: “نحن نطالب بتطبيق القانون ضد كل شخص تحوم حوله شبهات جدية في جرائم مالية ومن المفروض أن يُحال على القضاء لكن لا يجب أن تكون هناك استثناءات”، وأضاف المرشح لرئاسيات تونس “الشاهد تميز في فترة حكمه بأمرين وهما التدخل في القضاء لعدم تطبيق القانون وثانيًا التدخل في القضاء لتطبيق القانون حسب مصالحه هو (..) هذان الأمران خطيران ولا بد أن يعرفهما المواطنون”.
حركة النهضة بدورها علقت على الواقعة على لسان مرشحها عبد الفتاح مورو واعتبرت أن “إيقاف نبيل القروي حدث خطير جدًا”، وعبرت عن مخاوفها من تداخل الأجندة القضائية مع الأجندة السياسية الانتخابية، مؤكدة أن هذه “مرحلة توحيد الجهود، وجمع الكفاءات ورص صفوف التونسيين وتجنب كل ما من شأنه أن يضر بمصلحة البلاد”.
كما أصدرت الحركة بيانًا أكدت فيه “حرصها الشديد على استقلال القضاء والنأي به عن المناكفات السياسية وعن كل شبهة توظيف تمس من مصداقيته واستقلاليته”، وطالبت الجهات المعنية بـ”تقديم التوضيحات الضرورية لإنارة الرأي العام بشأن مبررات الإجراء المتخذ (التوقيف) وخلفياته”.
وصف الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي في يناير الماضي، محاولة الشاهد تأسيس حزب سياسي بأن “هذا الحزب سيكون تأخيرًا في التمشي الديمقراطي”، وهي إشارة ضمنية بأن رئيس الحكومة انصرف عن إدارة الحكم وحل الأزمات التي تعيشها البلاد إلى تأسيس حزب جديد
وبالتزامن مع قرار إيقاف الشقيقين “قروي”، اتهم نجل الرئيس التونسي الراحل الباجي قائد السبسي (حافظ) قوات أمن مطار قرطاج الدولي (الجمارك) بالتنكيل به والعبث بأغراضه وتعمد تعريضه لإجراءات تفتيش استثنائية “غير لائقة بمواطن”، عند عودته من الخارج، وقال في تدوينة على صفحته الخاصة على “الفيسبوك”، إنه “يدرك جيدًا أن هذه الممارسات جاءت بتعليمات شخصية من المترشح للانتخابات الرئاسية يوسف الشاهد”، معتبًرا إياها “استنساخًا رديئًا لما كانت تمارسه سلطة الاستبداد قبل 14 يناير ضد معارضيها والمختلفين معها”.
إلى ذلك، فإن استعمال يوسف الشاهد لأدوات الدولة لم يكن حديثًا أو أمرًا طارئًا تعلّق بظرف استثنائي (الانتخابات)، إذ وصف الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي في يناير الماضي، محاولة الشاهد تأسيس حزب سياسي بأن “هذا الحزب سيكون تأخيرًا في التمشي الديمقراطي”، وهي إشارة ضمنية بأن رئيس الحكومة انصرف عن إدارة الحكم وحل الأزمات التي تعيشها البلاد إلى تأسيس حزب جديد.
وكان الكاتب التونسي عادل عبد الله وصف الشاهد في مقال بأنه “ذئب سياسي منفرد” في الظاهر، وهو مثل كل الذئاب المنفردة يشتغل لفائدة جهة عليا تعطي لفعله السياسي معنى ووجهة، وقال: “لعل ما يثير المخاوف المشروعة لشريحة واسعة من التونسيين هو وجهة مشروعه السياسي الشخصي والحزبي، خاصةً أن العديد من القرائن تشير إلى رغبته في التحول إلى زعيم حزبي ومن ثم إلى زعيم وطني، لكنها زعامة تستنسخ العقل السياسي للمخلوع ونظامه”.