مساء أمس، الـ24 من الشهر الحاليّ نقلت وكالة “رويترز” عن المتحدث العسكري لجيش الاحتلال قوله إن طائرات إسرائيلية قصفت قوات إيرانية قرب دمشق كانت تخطط لضرب أهداف في “إسرائيل” بطائرات مسيرة مسلحة، وجاء في البيان الصادر عن الجيش “الضربة استهدفت قوة فيلق القدس وميليشيات شيعية كانت تخطط لشن هجمات تستهدف مواقع في “إسرائيل” انطلاقًا من داخل سوريا خلال الأيام الأخيرة”.
بعدها بساعات قليلة وفي صبيحة اليوم أفاد مسؤول بحزب الله أن طائرة إسرائيلية مسيرة سقطت في الضواحي الجنوبية لبيروت، كما انفجرت طائرة مسيرة ثانية قرب الأرض يوم الأحد في أول تطور من نوعه منذ أكثر من عشر سنوات، مضيفًا أنها تسببت في أضرار بالغة لدى تحطمها في أحد أحياء الضواحي الجنوبية قرب المركز الإعلامي للحزب، وذلك وفق ذات الوكالة.
روايتان لم يفصل بينهما إلا ساعات قليلة، إلا أن بطلهما واحد، الطائرات المسيرة، أو ما تسمى بـ”الدرون”، هذا السلاح الذي فرض نفسه على الساحة القتالية خلال السنوات الأخيرة، فبات رقمًا صعبًا في معادلة الصراع الإقليمي في الشرق الأوسط، الأمر الذي دفع المواجهات بين طهران وحلفائها من جانب وتل أبيب من جانب آخر، إلى أن تأخذ منحى آخر، تكون فيه هذه التقنية الجديدة، رخيصة الثمن، العامل الأكثر حسمًا للمعركة بعيدًا عن قدرات الجيوش النظامية.
تفوق إيراني
رغم حداثة هذا النوع من السلاح، متعدد الاستخدامات، فإن لطهران باعًا طويلاً في استخدامه، دفعها لذلك حزمة من الظروف على رأسها خضوعها لحظر الأسلحة في أعقاب العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، ما أدى إلى فشلها في تجديد سلاحها الجوي، الأمر الذي كان يتطلب معه البحث عن سلاح جديد، متاح ورخيص الثمن.
لجأت إيران لهذه الطائرات في الثمانينيات، حيث كان الاستخدام على نطاق محدود، لكنه انتشر بصورة غير مسبوقة خلال السنوات الأخيرة، حتى باتت الدولة الأكثر استخدامًا وتوظيفًا لهذا السلاح في الشرق الأوسط، بحسب تقرير لموقع NPR الأمريكي الذي أوضح أن “الطائرات دون طيار مثالية (بالنسبة لإيران).. إنها توفر قوة جوية بتكلفة بسيطة مقارنة بالطائرات المقاتلة”.
التقرير كشف امتلاك الإيرانيين لنوعين من تلك الطائرات: الأول ذو أنظمة متقدمة يتم تشغيله عن بعد بواسطة طيارين على الأرض، وهو المستخدم حاليًّا في سوريا ولبنان، ونوع آخر أقل في الإمكانات والمستوى، يكتفي فقط بتوجيه الطائرة إلى هدف ما دون التحكم فيها، وهو الذي يستخدمه الحوثيون ضد أهداف سعودية.
هذا النوع من السلاح البسيط يتناغم بشكل كبير وفعال مع الإستراتيجية الدفاعية الشاملة لإيران من حيث استخدامه في الحروب غير المتكافئة، وتوفيرها لوكلائها بالمنطقة لمواجهة أعدائها بعيدًا عن حدودها، وهو ما حقق نجاحًا ملحوظًا على أرض الواقع، ساهم في تعزيز طهران لنفوذها رغم التضييقات الممارسة ضدها.
في مارس الماضي، استعرضت إيران قدراتها المتقدمة في هذا المضمار، موجهة رسالة قوية للعالم بصفة عامة وخصومها في المنطقة بصورة خاصة، عبر إطلاقها لواحدة من أكبر المناورات العسكرية الخاصة بهذا السلاح الجديد، إذ شارك فيها 50 طائرة من دون طيار، ضمن مناورات تعرف باسم “إلى بيت المقدس 1“.
وتعد تلك المناورات الأولى من نوعها في إيران، من حيث حجم مشاركة الطائرات المسيرة، وبمدى يتجاوز 1000 كيلومتر، كذلك من حيث نوعيتها المستخدمة، حيث شاركت فيها طائرات RQ170 من دون طيار، تلك الطائرات أمريكية الصنع في الأصل، التي تصنعها شركة لوكهيد مارتن الأمريكية، وحاولت طهران تقليدها بعدما استولت على إحداها عقب سقوطها في ديسمبر/كانون الأول 2011، هذا بخلاف طائرات مشابهة لطائرة MQ1 الأمريكية، حسبما ذكر قائد القوات الجوفضائية التابعة للحرس الثوري الإيراني.
إطلاق طائرة مسيرة خلال مناورة تدريبية إيرانية
“إسرائيل” أكثر الدول المصدرة في العالم
وفي الجهة الأخرى، تمتلك “إسرائيل” تقنية متقدمة فيما يتعلق بالدرون، أهلتها لأن تتصدر قائمة دول العالم الأكثر تصديرًا لهذا السلاح، فوفق بحث أجرته شركة الاستشارات “بروست أند ساليفان” أظهر أن “إسرائيل” أكبر مصدر للطائرات من دون طيار وأنها صدرت خلال الفترة من 2006 -2013 عشرات الطائرات لعدة دول في العالم بمبلغ إجمالي وصل إلى 4.6 مليار دولار.
البحث كشف أن تصدير هذه الطائرات يشكل قرابة 10% من الصادرات الأمنية الإسرائيلية، ومعظم هذه الطائرات استخدمت لأغراض عسكرية وقسم صغير منها لأغراض أمنية مثل وزارات أمن داخلي ولأغراض الحراسة داخل المدن.
وتسعى دولة الاحتلال بين الحين والآخر لتطوير هذه الطائرات، وهو ما أفصحت عنه وسائل إعلام عبرية مؤخرًا بشأن إجراء مختبر الروبوتات الطبية الحيوية في جامعة بن غوريون بالنقب، تطورات جديدة على الدرون يمكنها التحليق والسير على الأرض لمسافات معينة، فعلي سبيل المثال تم تزويد الطائرة فلاينغ ستار (إف ستار) بمراوح وعجلات تعمل بذات المحركات.
كما يمكنها أن تطوي عجلاتها لأعلى بمقدار 55 درجة بما يجعل قاعدتها أقصر ليتسنى لها المرور عبر ممرات ضيقة، علاوة على إمكانية أن تطير بسرعة 54 كيلومترًا في الساعة، لكنها أبطأ على الأرض حيث تسير بسرعة تبلغ 10 كيلومترات فقط في الساعة.
ورغم تعدد الاستخدامات الإسرائيلية لهذه الطائرات، بعضها يأتي في صورة مساعدة الجيش المصري في سيناء، فضلاً عن المكتسبات الاقتصادية المتوقعة من وراء تنشيط هذه الصناعة، إلا أن الاستخدام الأبرز يتمحور حول تتبع وملاحقة أي تقدم إيراني يذكر في المناطق الساخنة التي يحقق فيها الإيرانيون مكتسبات على أرض الواقع، على رأسها اليمن وسوريا والعراق ولبنان، التي من المتوقع أن تتحول سماءها خلال الفترة المقبلة لساحة حرب مشتعلة بين الدرونز متعددة الجنسيات.
وفق تقديرات رسمية أمريكية فإن طهران تسير حاليًّا طائرتين مسيرتين أو ثلاثة فوق مياه الخليج يوميًا، مما يجعلها جزءًا أساسيًا من جهود إيران لمراقبة مضيق هرمز الذي يمر عبره خُمس إمدادات النفط العالمية
قلق واشنطن
الضغوط الأمريكية الممارسة على إيران خلال السنوات الأخيرة، تلك الضغوط التي ساهمت في خنق الإيرانيين على أكثر من مسار، دفعت طهران إلى تبني إستراتيجيات متباينة للتحايل والالتفاف عبر استحداث أدوات جديدة، أقل كلفة، تحافظ على النقطة التي تقف عليها الدولة الإيرانية في صراعها مع واشنطن.
وبالفعل كان استخدام الطائرات المسيرة على رأس تلك الإستراتيجيات التي نجحت من خلالها طهران في توسعة نفوذها على حساب أمريكا وحلفائها في المنطقة، ومع تزايد استخدام هذا السلاح الجديد في أكثر من ميدان تزايد قلق الأمريكان بصورة دفعتهم للتحذير من هذا الانتشار الذي بات يهدد مصالحها في الشرق الأوسط.
يقول مسؤولون أمريكيون إن بلادهم تعتقد أن فصائل مسلحة على صلة بإيران في العراق زادت في الفترة الأخيرة مراقبتها للقوات والقواعد الأمريكية في البلاد باستخدام طائرات مسيرة متاحة تجاريًا، يأتي هذا في وقت تصاعدت فيه التوترات مع إيران، ويلقي الضوء على الطرق العديدة التي تعتمد بها طهران والقوات التي تدعمها على الطائرات المسيرة في أماكن مثل اليمن وسوريا ومضيق هرمز والعراق.
ووفق تقديرات رسمية أمريكية فإن طهران تسير حاليًّا طائرتين مسيرتين أو ثلاثة فوق مياه الخليج يوميًا، مما يجعلها جزءًا أساسيًا من جهود إيران لمراقبة مضيق هرمز الذي يمر عبره خُمس إمدادات النفط العالمية، ولعل في هذا بعضًا من الإجابة عن التساؤل بشأن دوافع حرب الناقلات الأخيرة.
“إسرائيل” الأولى عالميًا في تصدير الطائرات المسيرة
سوريا واليمن.. ساحة اختبار
الاستخدامات الأولى لتلك الطائرات كانت تقتصر على النطاق الجغرافي الداخلي للدول التي تملكها، وكانت في الغالب تتمحور حول استخدامات غير عسكرية، معظمها له أبعاد بحثية وعلمية وبيئية، إلا أنه ومع مرور الوقت وفي ظل التطورات التي شهدتها المنطقة خلال السنوات العشرة الأخيرة، تغيرت خريطة الاستخدام لهذا النوع من الطائرات.
إيرانيًا.. احتفظت طهران بطائراتها المسيرة حتى قبل بضع سنوات، لكن سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على أراضٍ في المنطقة دفعها لنشر هذه الطائرات خارج حدودها، لكن ومع نشوب الأزمة السورية ودخول إيران كطرف أصيل في دعم نظام بشار الأسد، لم يجد الإيرانيون أفضل من الأرض السورية لاختبار هذا السلاح الجديد.
النجاح الذي حققه السلاح الجديد أغرى كيانات أخرى غير نظامية في استخدامه، حيث لجأت إليه تنظيمات مسلحة وأخرى إرهابية على رأسها تنظيم الدولة الذي استخدم تلك الطائرات لإسقاط متفجرات على أهداف في العراق وسوريا
الإستراتيجية الدفاعية الإيرانية الجديدة تتمحور حول تحقيق ما يمكن تحقيقه من أهداف عسكرية دون الدخول في مواجهات مباشرة، تجنبًا لدفع فاتورة أكبر ربما لا تتحملها الدولة في الوقت الراهن، ومن ثم كان الاستهداف عن بعد هو الحل الأمثل، ليس لإيران وحدها لكن لكل أطراف النزاع في المناطق الساخنة وعلى رأسها سوريا واليمن.
التجربة على مدار السنوات الأربعة الأخيرة على الأقل فيما يتعلق بالساحة اليمنية أثبتت التأثيرات القوية لتلك الطائرات في إلحاق الخسائر في الأرواح والممتلكات في صفوف قوات التحالف لا سيما السعودية، حيث نجح الحوثيون في استهداف عمق الدولة السعودية، وليس خاصرتها الجنوبية فحسب، فقد استهدفوا قلب العاصمة الرياض ذاتها، وكانت الطائرات المسيرة التي تزود بها إيران حلفاءها الحوثيين كلمة السر في هذا التأثير.
الأمر كذلك ينطبق على دولة الاحتلال التي رأت في سوريا ساحة مناسبة لاختبار وتقييم ما لديها من طائرات، وبالفعل نجحت في تكبيد جيش الأسد والميليشيات الداعمة له خسائر بالجملة، ساهمت بشكل كبير في دفعه للتراجع أكثر من مرة، خاصة في تلك المنطقة الملاصقة لهضبة الجولان.
النجاح الذي حققه السلاح الجديد أغرى كيانات أخرى غير نظامية لاستخدامه، حيث لجأت إليه تنظيمات مسلحة وأخرى إرهابية على رأسها تنظيم الدولة الذي استخدم تلك الطائرات لإسقاط متفجرات على أهداف في العراق وسوريا، فضلاً عن أغراض التجسس الأخرى.
حطام طائرة مسيرة إسرائيلية سقطت في جنوب لبنان
آفاق مستقبلية
يعود بداية ظهور أول طائرة دون طيار إلى عام 1917 في إنجلترا التي أحدثت عليها بعض التطورات خلال عام 1924، وكانت ساحة الحرب العالمية الأولى والثانية أول استخدام عسكري لها عن طريق الولايات المتحدة وألمانيا والمملكة المتحدة، ثم لحق بها الاتحاد السوفياتي في ثلاثينيات القرن الماضي.
تُصنَّف هذه الطائرات من حيث الشكل إلى ثلاثة أشكال: ذات أجنحة ثابتة، على شكل طائرة مروحية، على أشكال خداعية، ويجري التحكم بإقلاعها وهبوطها بواسطة أدوات تحكم مختلفة، وعبر موجات الراديو، هذا بالنسبة لتلك التي تطير لمسافات قريبة، أما الأخرى المتخصصة في مسافات بعيدة فيتم التحكم فيها عن طريق الأقمار الصناعية.
قدمت هذه التقنية حلولاً لكثير من المخاطر والتكاليف البشرية والمادية ذات الصلة بالعمليات العسكرية، كما وفرت من ميزات قتالية تتعلق بالحصول السهل والوافر والسريع على المعلومات بواسطة ما تحمله معدات، هذا بينما أحدث استخدامها فروقًا جوهرية، إستراتيجية وتكتيكية، أمام ما تحققه الجيوش على الأرض، من حيث الرصد والتعقب وغيرها من المهام، ولعل دورها في أفغانستان واليمن والعراق وليبيا وسوريا أكبر دليل على ذلك.
يُتوقع أن يقترب الإنفاق العالمي عليها من 100 مليار دولار مع نهاية العام الحاليّ 2019
ورغم ما وصل إليه التطور في مجال الدرون، فإنها لا تزال تواجه مشكلات فنية وتقنية تسببت بكثير من الحوادث، فقد كشفت تقارير صادرة عن البنتاغون عام 2010، تحطم 38 طائرة منها خلال العمليات بأفغانستان والعراق، هذا بخلاف أنها عرضة للإسقاط وارتكاب الأخطاء البشرية والتنفيذية وتعذر تتبعها.
علاوة على وجود عيوب في التصميم وأخطاء في التجهيز وعدم موثوقية المعلومات المتلقاة من العملاء المحليين في مناطق الاستهداف، إضافة إلى ما يمكن أن تحدثه سوء الأحوال الجوية مثل السحب والأمطار من تأثيرات سلبية على النتائج المحققة.
بلغ عدد الدول التي تستخدم هذه الطائرات والدول التي تعمل على تطويرها، أكثر من 40 دولة، تتصدرها الصين التي تمكنت من صنع 25 نوعًا منها، تليها إيران ثم تركيا، أما عربيًا فلا تزال تلك الصناعة محدودة باستثناء الإمارات التي شرعت في ذلك منذ عام 2008 من خلال طائرات “يبهون يونايتد 40” وعدد من نظائرها، تليها الجزائر ثم السعودية ومصر.
وفي المجمل يبدو أن المستقبل سيكون أكثر انفتاحًا أمام هذا النوع من الطائرات التي اختصرت العديد من المتغيرات في الحروب، مثل التكلفة البشرية والمادية، والزمان والمكان، ومفهوم القوة، علاوة على أنها وفرت تسهيلات مختلفة لكل من تقع في قبضته هذه التقنية، ولعبت دورًا بارزًا ومتنوعًا في كثير من الحروب، الأمر الذي معها يُتوقع أن يقترب الإنفاق العالمي عليها من 100 مليار دولار مع نهاية العام الحاليّ 2019.