اضطرت وزيرة الثقافة الجزائرية المثيرة للجدل مريم مرداسي للاستقالة على خلفية مقتل 5 أشخاص في حادث تدافع خلال حفل لمغني الراب العالمي عبد الرؤوف دراجي المعروف باسم “سولكينغ”، في حادث عرى من جديد الفوضى والفساد الذي ينخر قطاع الثقافة منذ عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة أو أكثر، فهل ستكون هذه الاستقالة بداية لرحيل حكومة الوزير الأول نور الدين بدوي المرفوضة شعبيًا خاصة أن القرار رافقه إنهاء مهام المدير العام للشرطة؟
نادرًا ما يقدم المسؤولون الجزائريون استقالتهم، فقد عهد الجميع الرحيل بعد إقالتهم وإنهاء مهامهم خاصة في عهد الرئيس السابق الذي كان يهوى أداء هذه المهمة ليبدو في شخص الرجل الحازم، ولم يفشل في ذلك إلا مع رئيس الحكومة الأسبق في ولايته الأولى لما استقال عقب عدم اتفاق الرجلين على السياسة المتبعة.
فاجعة
قصة الاستقالة الاضطرارية للوزيرة مرداسي بدأت مساء الخميس الماضي، إثر وفاة 5 شباب أغلبهم قصر خلال تدافع لدخول حفل مغني الراب الجزائري “سولكينغ” ذي الصيت العالمي الذي فاقت نسب مشاهدة أغلب أغانيه على موقع “يوتيوب” 100 مليون مشاهدة.
لم تحضر الوزيرة الحفل إلا قبل بدايته، وغادرته بعد أن لم تلق اهتمامًا كبيرًا من المغني “سولكينغ”، وفق ما تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي
وجرى الحفل في ملعب 20 أوت ببلدية بلوزداد وسط العاصمة الجزائر، الذي شهد إقبالاً كبيرًا خاصة من الشباب، ما جعله غير قادر على استيعاب الجماهير الغفيرة التي جاءت لحضور صاحب أغنية “الحرية” التي تُردد خلال مسيرات الحراك الشعبي، ورددت أيضًا من لاعبي المنتخب الوطني الجزائري لدى مشاركتهم في نهائيات كأس أمم إفريقيا التي جرت بين يونيو ويوليو الماضيين بمصر، وتوج بها الخضر.
لم تحضر الوزيرة الحفل إلا قبل بدايته، وغادرته بعد أن لم تلق اهتمامًا كبيرًا من المغني “سولكينغ”، وفق ما تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتتحمل الوزيرة مسؤولية أخلاقية، كون إدارتها مكلفة بأي نشاط يتعلق بالثقافة، ما جعل شبكات التواصل تلتهب بتغريدات تنادي بإقالة مريم مرداسي، خاصة أن منظمي الحفل أصروا على تنظيمه رغم أن سقوط الضحايا كان قبل بدئه، ولم يعلموا منشطه بهدف عدم إلغائه حتى ولو كان ملطخًا بجثث 5 شبان.
وأثبت هذا الحفل أنه بالنسبة للمسؤولين في السلطة، فإن حياة المواطن الجزائري لا تزال رخيصة في أعينهم حتى بعد حراك 22 فبراير، لأن تحقيق مآربهم الشخصية أولى وأهم دائمًا من أي شيء آخر حتى ولو تعلق الأمر بروح بشرية.
استقالة
ذكر بيان للرئاسة الجزائرية أن وزيرة الثقافة مريم مرداسي قدمت استقالتها لرئيس الدولة عبد القادر بن صالح من منصبها كوزيرة للثقافة وقبلها.
أثار إسناد حقيبة الثقافة لمرداسي الكثير من اللغط بالنظر إلى خبرتها المتواضعة في المجال الثقافي، رغم تجربتها القصيرة في تسيير دار نشر للكتب تمتلكها
وكانت مرداسي قد عينت وزيرة للثقافة في 31 من مارس الماضي من الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة قبل استقالته مضطرًا تحت ضغط الحراك الشعبي، وأثار إسناد حقيبة الثقافة لمرداسي الكثير من اللغط بالنظر إلى خبرتها المتواضعة في المجال الثقافي، رغم تجربتها القصيرة في تسيير دار نشر للكتب تمتلكها.
وقبل حادثة سولكينغ، لم يكن حظ مرداسي أحسن من هذا فهي تنتمي إلى حكومة الوزير الأول نور الدين بدوي المطالب بالرحيل وطاقم وزرائه من قبل الحراك الشعبي، كونهم محسوبون على النظام السابق.
ورغم الاستهجان الذي تلقاه على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي المهرجانات، أكدت مرداسي في تصريحات صحفية قائلة “لست مرفوضة شعبيًا”.
قبل يوم من استقالة الوزيرة، أقال الوزير الأول نور الدين بدوي مدير الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة سامي بن شيخ، بالنظر إلى أن المؤسسة التي يترأسها أشرفت على تنظيم “الحفل المجزرة”
وألقت مرادسي خطاباتها في مهرجاني تيمقاد وجميلة الفنيين تحت تصفيرات الجمهور الداعين لاستقالتها ورحيلها رفقة حكومة الوزير الأول نور الدين بدوي، وقبل يوم من استقالة الوزيرة، أقال الوزير الأول نور الدين بدوي مدير الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة سامي بن شيخ، بالنظر إلى أن المؤسسة التي يترأسها أشرفت على تنظيم “الحفل المجزرة”، كما أمرت النيابة العامة بفتح تحقيق ابتدائي في ملابسات الحادث.
ورغم أن هذه الاستقالة كانت مطلوبة وواجبة بعد الحادث المأساوي، فإن البعض حيا على الأقل خطوة وزيرة الثقافة بتقديمها استقالتها في سلوك استثنائي لم يتعود عليه المسؤولون الجزائريون، لكن البعض رجح أن الوزيرة أجبرت على تقديم استقالتها تفاديًا لسقوط رئيس الدولة المؤقت عبد القادر بن صالح في أخطاء دستورية، كون أن القانون يمنع إقالته للوزراء، وهذا الحق لا يملكه إلا الرئيس المنتخب.
حتى مدير الشرطة
يبدو أن حادث حفل سولكينغ لم يتوقف عند قطاع الثقافة، فقد عين السبت رئيس الدولة عبد القادر بن صالح أونيسي خليفة مديرًا عامًا جديدًا للأمن الوطني، خلفًا لعبد القادر قارة بوهدبة الذي أنهيت مهامه بهذه الصفة.
بعثت هذه الإقالات إمكانية إقدام السلطة على دفع بدوي لرمي المنشفة مثل مرداسي
ولم يذكر بيان الرئاسة الجزائرية سبب إقالة بوهدبة الذي كان إلى وقت قريب من المرضي عنهم لدى السلطة الحاليّة، غير أنه يبدو أن حادث حفل سولكينغ أظهر تقصيرًا أمنيًا تسبب في التدافع الذي حدث، ويتحمل مسؤوليته المدير العام للشرطة.
وصدر قرار إنهاء مهام بوهدبة من منصبه كمدير للأمن الوطني وهو في زيارة ميدانية بولاية الطارف شرق البلاد لمعاينة مركزي المراقبة لشرطة الحدود البرية بأم الطبول والعيون بالطارف على الحدود مع تونس، أي أن الرجل لم يكن على دراية بقرار إنهاء مهامه مسبقًا، ما يدعم فرضية إقالته بسبب حفل “سولكينغ”.
وإلى أن يتأكد في الأيام المقبلة إن كان سبب إقالة بوهدبة حفل سولكينغ أو أمر آخر قد يتعلق بالتقصير الأمني خلال مسيرات الحراك، يبقى هذا الاحتمال هو الأقرب إلى الحقيقة في الوقت الراهن.
إرهاصات؟
استقالة وزيرة الثقافة وقبله إنهاء مهام وزير العدل السابق سليمان براهمي في 31 من يوليو الماضي وتعيين بلقاسم زغماتي خلفًا له، رغم المانع الدستوري المتعلق بصلاحيات رئيس الدولة في إقالة وزراء من الحكومة أو الجهاز التنفيذي كله قد يفتح المجال لأمل رحيل الوزير الأول نور الدين بدوي وطاقمه كاملاً في الأيام المقبلة.
سواء كانت استقالة مرداسي بدايةً لمغادرة نور الدين بدوي وطاقمه قصر الحكومة أم لا لحل الانسداد الذي تعيشه البلاد، فإن ما يجب تأكيده أنه بعد حراك 22 فبراير أصبح حقًا أن كل من يخطئ من المسؤولين لن يبقى دون عقاب وحساب
وبعثت هذه الإقالات إمكانية إقدام السلطة على دفع بدوي لرمي المنشفة مثل مرداسي، خاصة في ظل الرفض الشعبي المتواصل لشخصه، وكذا إصرار المشاركين في الحوار الوطني أو الرافضين للمشاركة فيه على ضرورة رحيل الوزير الأول للتوجه نحو مشاورات تقود إلى انتخابات رئاسية شفافة يشرع بموجبها الرئيس الجديد في تنفيذ الإصلاحات التي ينادي بها الحراك منذ انطلاقه قبل 6 أشهر من الآن.
وما يرجح أن هذا الحل قد يصبح ممكنًا أن الأوراق التي قدمتها لحل الأزمة قد سقطت أغلبها في الماء، فحتى هيئة الحوار والوساطة التي يقودها كريم يونس فشلت حتى اليوم في مهمتها وتبقى نتائجها دون المستوى الذي كان منتظرًا منها، وهو ما قد يجعل الحل الأخير والنهائي في رحيل الحكومة لنقل الكرة إلى ملعب الحراك الذي لن يكون له بذلك مبررًا لعدم التجاوب مع ما تقدمه السلطة لحل الأزمة.
سواء كانت استقالة مرداسي بدايةً لمغادرة نور الدين بدوي وطاقمه قصر الحكومة أم لا لحل الانسداد الذي تعيشه البلاد، فإن ما يجب تأكيده أنه بعد حراك 22 فبراير أصبح حقًا أن كل من يخطئ من المسؤولين لن يبقى دون عقاب وحساب، ومن ثم فصار لزامًا على كل من يقبل بتقلد منصب أن يعلم أن مقصلة المحاسبة الشعبية على الأقل جاهزة عند أدنى خطأ يرتكبه.