في صيف 2010، قضت محكمة جنايات الجيزة بالسجن 10 سنوات على رجل أعمال سعودي وغرامة 100 ألف جنيه، متهمةً إياه بالاستغلال الجنسي لفتاة لم يتجاوز عمرها 15 عامًا، كما عاقبت المحكمة الوالدين علاء محمد فرج وزوجته سحر صلاح سيد عبد الفتاح، من قرية طموة، التابعة لمحافظة الجيزة، بالحبس لمدة سنة مع إيقاف التنفيذ، وتغريمهما 50 ألف جنيه، حيث اعتبرت المحكمة هذه الواقعة استغلالاً جنسيًا للفتاة وتجارةً بها.
بالإضافة إلى معاقبة المحامي محمد سعيد عبد العال، بالحبس لمدة سنتين، وتغريمه 50 ألف جنيه، والسمسارة أمل ابراهيم بعقوبة مماثلة لتلك التي أصدرتها بحق المتهم السعودي، حيث اتضح أن المحامي والسمسارة كونا تشكيلاً لتزويج الفتيات المصريات القاصرات من رجال أعمال عرب، مقابل مبالغ مالية تراوحت بين 10 إلى 20 ألف جنيه.
بدأت القصة، كما كشفتها التحقيقات، حين وصل رجل الأعمال السعودي إلى مصر، ليطلب من السمسارة أمل إبراهيم سالم أن تبحث له عن فتاة يتراوح عمرها بين 12 و15 عامًا ليتزوجها، فرشحت له 7 فتيات اختار منهن ضحيته التي لا يزيد عمرها على 14 سنة، وتقاضى الأب 10 آلاف جنيه نظير الزواج، فى حين حصل كل من المحامي الذي كتب عقد الزواج والسمسارة على ألفي جنيه.
كانت التحقيقات قد أوضحت أن الضحية اتصلت بوالديها عقب الزواج، تهددهما بالانتحار، إذا لم ينقذاها من الجاني الذي كان يجبرها على ممارسات شاذة، وهو الأمر الذي أثبته تقرير الطب الشرعي الذي كشف تعرض الطفلة بالفعل لانتهاكات جنسية وممارسات شاذة بالقوة.
فتحت هذه القضية الباب لطرح مجموعة من التساؤلات عن أسرار تلك الصفقات المشبوهة ومَنْ يقف وراءها ومَنْ المستفيد منها، وما خيوط هذه الشبكات التي تدير ما يشبه “تجارة الرقيق” متدثرة بما يُسمى “الزواج السياحي”.
في هذا التحقيق، نبحث مجددًا عن عناصر هذه الشبكة التي ما زال ضحاياها في ازدياد مضطرد، وتمتلك الإجابة عن الأسئلة المطروحة السابقة.
يميل هذا النوع من الزواج في مصر إلى الارتفاع في فصل الصيف، عندما يتدفق الأثرياء من دول الخليج إلى مصر، وتُباع لهم الفتيات القاصرات (دون السن القانونية) من الآباء في “زيجات “مؤقتة” تدوم لبضعة أيام أو أسابيع
الفتاة مصرية والزبون خليجي
“زواج الأطفال” يعني بشكل عام الزيجات التي تحدث قبل سن 18 عامًا، ولكن بالنسبة للعديد من الفتيات، فإن الزواج يحدث قبل ذلك بكثير، ففي بعض البلدان، تُجبر الفتيات حتى سن 7 أو 8 سنوات على الزواج من رجال أكبر سنًا.
وبحسب التحالف الدولي لصحة المرأة، فإن واحدة من كل 7 فتيات وُلدن في العالم النامي تتزوج في سن الـ15، وتُباع عادة من أسرتها، لكن بعض الفتيات اللاتي يكبرن في المجتمعات الريفية الفقيرة في مصر يواجهن نوعًا أكثر ترويعًا من مجرد الزواج المبكر، وهو النوع المؤقت.
يقدر تحقيق أجرته وحدة مكافحة الاتجار بالأطفال بالمجلس القومي للطفولة والأمومة (هيئة حكومية مصرية) أن الغالبية العظمى من المشترين جاءوا من دول الخليج: 81% من المملكة العربية السعودية، و10% من الإمارات العربية المتحدة، و4% من الكويت
يميل هذا النوع من الزواج في مصر إلى الارتفاع في فصل الصيف، عندما يتدفق الأثرياء من دول الخليج إلى مصر، وتُباع لهم الفتيات القاصرات (دون السن القانونية) من الآباء في “زيجات “مؤقتة” تدوم لبضعة أيام أو أسابيع، لدرجة أن بعض الفتيات تزوجن 60 مرة عند بلوغهن سن 18 عامًا، بحسب ما نقلت وكالة “إنتر برس” عن مسؤول حكومي في مصر يعمل في هذه القضية.
في هذا التحقيق، غالبًا ما يظهر طرف الخيط الأول من خارج المطارات، حيث يقف سائقو التاكسي في انتظار زبائنهم الوافدين من دول الخليج، ومن خلال أحد هؤلاء السائقين الموثوق بهم من طرف “السماسرة”، الذي قرر مساعدتنا، بدأت الخطوة الأولى التي فتحت أمامنا الأبواب المغلقة.
السائق الذي رفض ذكر اسمه، وفضَّل الإشارة إليه بالحروف الأولى من اسمه “م. ع”، تحدث عن الأثرياء العرب الراغبين في الزواج من فتاة مصرية طوال فترة إقامتهم المحدودة في مصر، وقال لـ”نون بوست” إن بعضهم يتحدث إليه شخصيًا عند ركوبهم معه، أو يوكلون أحد المصريين الذين يعملون معهم بهذه المهمة قبل وصولهم بأيام.
“م. ع” تحدث عن المرة الأولى التي خاض فيها هذه المغامرة، وكانت تلك بداية دخوله هذه الشبكة، وبحسب قوله، بدأ ذلك منذ عامين، عندما ركب معه شخص بدا من جلبابه الأبيض وعِمَّته أنه خليجي، وأنه – كما بدا من ملامحه – في الخمسينيات من عمره، وثري أيضًا، وأنه كما أخبره اسمه “أبو مالك” ويمتلك شركة استيراد وتصدير ويأتي مصر مرة أو أكثر كل عام.
الفتيات المراهقات في المناطق ذات الدخل المنخفض في مصر معرضات للاتجار
وقد نجحت السينما المصرية بالفعل في تقديم صورة نمطية عن السائحين الخليجيين في مصر، فغالبًا ما يظهرون بالزي الخليجي التقليدي في الملهى وأمامهم شتى أنواع الخمور والعديد من الفتيات اللواتي يتراقصن حولهم ويلبّين جميع طلباتهم لكي يغدقون عليهن من مالهم الوافر، وهو ما جعل هذه الصورة تترسخ في ذهن مواطن مصري عند سؤاله عن السائحين الخليجيين.
تحدث سائق التاكسي عما أخبره به الثري الخليجي، قائلاً: “طلب مني أن أبحث له فتاة مصرية لا يزيد عمرها على 16 عامًا، فظننت أنه يمتلك شقة ويحتاج إلى خادمة لتهتم بشؤونها، لكنني فؤجئت عندما أخبرني أنه يريد الزواج منها”، ويضيف: “أغراني بالمبالغ المالية التي سأحصل عليها، واتفقت معه على أن أخذ عمولتي رغم أنني لا أعلم كيف أحضر له ما يريد”.
يقول “م. ع” إن هذا الأمر تكرر معه بعد ذلك كثيرًا، وما زال يحدث حتى الآن، وفي أغلب المرات، يُطلب منه فتاة بكر “عذراء”، للزواج منها طوال فترة وجوده في مصر، التي قد تصل إلى أسبوعين أو أكثر، أو قد يصحبها معه إلى بلده للخدمة المنزلية أو للدعارة، وهو ما سبق أن جاء على لسان رئيس المجلس القومى للطفولة والأمومة عزة العشماوي.
يبدو الأمر من خلال حديث الفتاة الضحية أن الأمر أشبه بالتجارة، وأبعد ما يكون عن الزواج التقليدي المعروف لدى المصريين، وهذا ما بدا جليًا في استخدامها لكلمة “السمسار”
ويقدر تحقيق أجرته وحدة مكافحة الاتجار بالأطفال بالمجلس القومي للطفولة والأمومة (هيئة حكومية مصرية) أن الغالبية العظمى من المشترين جاءوا من دول الخليج: 81% من المملكة العربية السعودية، و10% من الإمارات العربية المتحدة، و4% من الكويت.
لم يكن “م. ع” على دراية بما يفعله حتى لا يفوت هذه الفرصة من بين يديه، فاُضطر مع قرب انتهاء الفترة التي حددها للرد على “أبو مالك” إلى أن يحكي ما حدث لسائق آخر رفض ذكر اسمه، وقال إنه لم يكن مندهشًا حين سمع كلامي، بل كان أعلم بما هو مطلوب، كونه تعرض لهذا الموقف أكثر من مرة، ما يجعله في هذا التوقيت واحدًا من خيوط هذه الشبكة.
عرض السائق الثاني على “م. ع” أن يساعده مقابل أن يكون له نسبة من “العمولة” التي سيحصل عليها الأخير، الذي وافق على عرضه، بالفعل، حصل “م. ع” على رقم هاتف ما سمَّاه “السمسار”، وهو أهم عضو من أعضاء هذه الشبكة، الذي يمتلك بين يديه كل الخيوط، فأبلغه أنه من طرف زميله السائق الآخر، لتتكشف بعدها الكثير من الأسرار.
عندما تُباع البراءة مقابل المال
على الجهة الأخرى، كان لا بد من الوصول لفتيات تعرضن لهذا النوع من الزواج، لكن الأمر بدا أشبه بالمهمة المستحيلة، لأسباب عديدة كان منها الخوف من الأهل والفضيحة والمقاضاة القانونية، فضلاً عن العادات والتقاليد، حيث ينتشر هذا النوع من الزواج في المناطق الريفية بشكل أكثر نسبيًا بثلاثة أضعاف عن المناطق الحضارية بحسب ممثل المجلس القومي للطفولة والأمومة جمال الخطيب.
يستهدف “السماسرة” الفتيات اللاتي ينتمين للأسر الفقيرة أو الجاهلة أو التي تعول أكثر من فتاة، الأمر الذي يزيد الأعباء المالية على الأسرة
في نهاية الأمر، وافقت إحدى الفتيات اللاتي كان أحد السماسرة سببًا في شقائها فيما تبقى من سنوات حياتها التالية التي كادت تنتهي لمحاولتها الانتحار أكثر من مرة كما قالت.
الفتاة التي تبلغ من العمر الآن 20 عامًا، واشترطت عدم ذكر اسمها لحساسية الأمر، كانت تأمل أن يغير حديثها لـ”نون بوست” الواقع الذي عاشته وتعيشه الآن آلاف الفتيات اللاتي يقعن ضحية لجشع والديهن والسماسرة والزوج الثري.
بلغة عامية ركيكة ونبرة صوت هادئة ملأها الحزن، تحدثت الفتاة الضحية، قائلة إنها لم تكمل تعليمها لظروف أسرتها المادية، مضيفةً أنها عندما كان عمرها 16 عامًا، تردد على منزلهم أكثر من مرة ما تسميه “سمسارًا”، وعرض على أهلها الزواج بشخص من خارج مصر، قال إنه غني، لكنها كانت ترفض في كل مرة يزورهم فيها السمسار ويعرض الأمر على والداها، وتحت الضغوط الأسرية والإغراءات المادية اضطرت إلى الموافقة للتخلص من الضغوط التي مورست عليها.
تروي الفتاة تفاصيل اللقاء الأول بزوجها المستقبلي، وتقول الفتاة إن الأمر كان أشبه بشراء جارية، حيث طلب منها خلع الحجاب لرؤية شعرها ورؤية يديها وقدميها، واللافت هنا أن الفتاة يُسمح لها بالجلوس مع شخص غريب بعيدًا عن أعين أهلها، وهو ما لا يتم عادة لدى الفلاحين في القرى المصرية.
تضطر الفتاة إلى الموافقة على الزواج للتخلص من الضغوط التي تُمارس عليها.
يبدو الأمر من خلال حديث الفتاة الضحية أن الأمر أشبه بالتجارة، وأبعد ما يكون عن الزواج التقليدي المعروف لدى المصريين، وهذا ما بدا جليًا في استخدامها لكلمة “السمسار”.
وبحسب حديثها، فإن السماسرة الذين ينتشرون في المناطق الريفية والعشوائية يعتمدون على هذه المهنة كمصدر رزق كما فعل أهلها. في سبيل ذلك، يستهدف الفتيات اللاتي ينتمين للأسر الفقيرة أو الجاهلة أو التي تعول أكثر من فتاة، الأمر الذي يزيد الأعباء المالية على الأسرة التي تحتاج إلى عشرات الآلاف من الجنيهات لتجهيز الفتيات للزواج، وفي كل مرة، يحصل السمسار على نسبة تصل إلى 50% مما تتقاضاه الأسرة.
ممارسة الدعارة تحت غطاء الزواج العرفي
بعد الاستماع لشهادة الفتاة الضحية، كان لزامًا مقابلة هذا الشخص “السمسار” الذي يتوقف عليه إتمام العملية، ويتولى عملية التعارف بين العريس العربي وأهل الفتاة.
جرى ترتيب الأمر مع سائق التاكسي الذي أصبح بعد سنوات من تجربته عضوًا بارزًا في هذه الشبكة، الذي أوصلنا إلى سمسار قال إن اسمه “إبراهيم”.
بعد مكالمة أجراها “م. ع” مع هذا السمسار، وأبلغه فيها أن شخصًا من طرف رجل أعمال قادم من السعودية خلال أيام، وأنه في حاجة لفتاة مصرية، ورغم أنه رفض في بداية الأمر المقابلة، فإنه وافق في النهاية على المقابلة بعد إبداء ثقته في السائق الذي كان حلقة الوصل في الكثير من العمليات السابقة.
أكدت الباحثة عزة الجزار أن الزواج السياحي يُصنف كنوع من أنواع الاتجار بالبشر، لأنه يوقع على الاستغلال الجنسي للفتاة للحصول على منفعة مادية عن طريق إجبارها أو خداعها أو إكراهها على الزواج
في اللقاء الأول الذي دار في مكان حدده شعبان، في أحد المقاهي الشعبية بالقرب من قرية الشوبك الغربي التابعة لمركز البدرشين في محافظة الجيزة، قال شعبان – بعد إبلاغه بالمبلغ المالي – إن لديه طلب الرجل السعودي أيًا كان، سواء فتاة في عمر 14 عامًا أم في عمر الـ40، مطلقة أو أرملة أو غير ذلك.
لفت شعبان الانتباه إلى نقطة مهمة بسؤاله: “هو عايزها تقيم معاه هنا ويروح وييجي عليها ولا عايز يتجوزها كام يوم طول فترة وجوده في مصر ويسيبها ولا ممكن يأخدها معاه تعيش في بلده؟”، وعند الاستفسار عن الغرض من السؤال، أجاب أن ذلك سيتوقف عليه نوع العقد خلال إتمام إجراءات الزواج.
ويمكن الاستنتاج من حديثه أن الصفقة تتم عن طريق توثيق عقد الزواج في الشهر العقاري في حال سفر الزوجة معه، أو توقيع عقد عرفي أو دون عقد نهائيًا في حال بقاء الفتاة في مصر.
في دراسة بحثية تحت عنوان “العبودية المعاصرة.. الزواج السياحي في مصر”، أكدت الباحثة عزة الجزار أن الزواج السياحي يُصنف كنوع من أنواع الاتجار بالبشر، لأنه يوقع على الاستغلال الجنسي للفتاة للحصول على منفعة مادية عن طريق إجبارها أو خداعها أو إكراهها على الزواج.
وبسؤاله عن التكلفة المقدرة للحالات الثلاثة، رد بأنه يمكن أن يرتب زواج ليوم واحد أو ساعات محدودة، وهو ما يُطلق عليه زواج”المتعة”، مقابل مبلغ يصل إلى ألف جنيه، ويجري تقسيم المال بين السمسار وأهل الفتاة.
وبالنسبة للنوع الثاني، وهو الزواج العرفي، فهو عبارة عن ورقة من نسخة واحدة يبرمها المحامى مقابل “حفنة من المال” ويضعها في جيب الثري العربي الذي يمكنه أن يمزقها في أي وقت شاء بعد أن يقضي معها فترة محددة بين أيام وشهور.
وعن تكلفة هذا النوع من الزواج، قال “شعبان” إن سعر الزواج لفترة الصيف يتراوح من 50 ألف إلى مئة ألف جنيه مصري، وينتهي العقد غير الملزم قانونًا عندما يعود الرجل إلى بلاده، لتصبح الفتاة معه سلعة مستهلكة في انتظار عرض آخر.
وفي محاولة لاستقصاء المكسب المادي الذي يعود عليه، قال إنه يأخذ “اللي فيه النصيب، يعني اللي بيطلع من ذمة أهل العروسة والزبون برضى بيه”، وهذا ما يناقض ما جاء في أحد الدراسات التي تحدثت عن أن السماسرة هم أكبر الفائزين في “الصفقة”، حيث يتقاضى بعضهم مبالغ تصل إلى 40 ألف جنيه في الزيجة الواحدة، ومنح أهل العروس 5 آلاف جنيه فقط لا غير.
سوق المتعة في قرى مصر الفقيرة
تشير إحصاءات المجلس القومي للأمومة والطفولة إلى أن أكثر من 45% من حالات الزواج هذه يتم تحت مسمى الزواج العرفي، وتشير البيانات الرسمية إلى أنه جرى في عام 2017 عقد 149 ألف عقد تصادق، وهو تسجيل زواج عرفي تم بين زوجين بتاريخ حدوثه بينهما مهما طالت مدته لتكتسب الزوجة حقوقها الشرعية.
في تلك الحالة، تعجز الفتاة عن إثبات إن كان هذا الزواج تم فعلاً، خاصة بعد أن يتركها هذا الرجل ويعود إلى بلده، وتتفاقم المشكلة بوجود حمل بعد هذا الزواج وعدم وجود عقد رسمى، فتتجه إلى رفع دعوى قضائية لإثبات النسب، وقد يلجأ بعض الآباء إلى تسجيل أحفادهم بأسمائهم، في حين تضطر الفتيات إلى تناول أدوية منع الحمل، لتجنب العواقب الناتجة عن هذا الزواج.
وفي إطار تقصي خطورة الزيجات التي تحدث بين الفتيات المصريات من الأجانب والعرب بشكل خاص، أُجريت دراسة مصرية بالتعاون بين وزارة التضامن الاجتماعي مع منظمة “اليونيسيف”، وكشفت أن حالات الزواج من الأثرياء العرب وصلت إلى ما يزيد على 40 ألف سيدة مصرية تواجههن مشاكل يومية، بالإضافة إلى أبنائهن البالغ عددهم أكثر من 150 ألف ولد وبنت.
الفتيات القاصرات في المتوسط يُجبرن على الزواج المبكر
اللافت للانتباه أن العدد الأكبر من حالات الزواج هذه يتم لفتيات قاصرات تتراوح أعمارهن بين 10 و17 سنة، وهن الأكثر طلبًا من جانب العرب. هنا، تكشف رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة الدكتورة نهاد أبو القمصان، وفقًا للأرقام الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، 120 ألف حالة زواج قاصرات سنويًا، معظمها من رجال كبار في السنّ، وترى أن زواج القاصرات شبيه بالاتجار بالفتيات وبيعهن لمن يدفع أكثر، خصوصًا من عرب دول الخليج، لافتة إلى أن “مصر تحولت إلى محطة ترانزيت للاتجار بالفتيات أو الزواج السياحي”، وتوضح أن “القوانين التي تضعها الحكومة صارت غير كافية، كذلك فن طرق التحايل كثيرة ومنها الزواج العرفي”.
وعن الآثار السلبية لانتشار هذا النوع من الزواج، يتحدث أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس طارق سعد، عن أن إجبار الفتاة على استخدام وسائل منع الحمل يعرِّضها لانعكاسات سلبية على صحتها الإنجابية، مضيفًا لـ”نون بوست” أن عدم خضوع الفتيات للفحص قبل الزواج يزيد خطر إصابتهن بالأمراض الجنسية مثل الزهري والإيدز وفيروس سي، ووفقًا لقانون 126 لعام 2008، يُشترَط الحصول على شهادة مِن منشأة صحية حكومية تشير إلى أن الزوجين خضعا إلى فحص طبي.
بالنسبة للنوع الآخر من الزواج، الذي يعتمد على عقد موثق في الشهر العقاري، فإنه غالبًا ما ينطوي على “مهور” يقول نشطاء الاتجار بالبشر إنها أقرب إلى سعر الشراء، الذي يستعد الرجال الخليجيون لدفعه لممارسة الجنس مع الفتيات الصغيرات، هو مغناطيس قوي للأسر المصرية الفقيرة في بلد يعيش ثلث سكانه على الأقل تحت خط الفقر بحسب ما أعلنه مؤخرًا “الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء” في مصر (حكومي).
جذب مركز الحوامدية التابع لمحافظة الجيزة بشهرته في هذا المجال المئات من سكان المراكز المجاورة مثل أبو النمرس والبدرشين، حيث تركزت في هذه المدن الثلاثة 74% من حالات الزواج
وبحسب أستاذ القانون العام الدكتور مصطفى حسين، تتم هذه الزيجات في الكثير من الأحيان الأخرى بطريقة قانونية، ويضيف في تصريحات لـ”نون بوست” أن ذلك قد يتم عن طريق محامين من الدرجة الثانية يقومون بدور “السماسرة”، ويعمدون إلى استغلال الثغرات القانونية أو التلاعب بالأوراق الرسمية عن طريق تزوير شهادات الميلاد أو تغيير بيانات الفتاة بأختها الأكبر سنًا تجنبًا لوجود قوانين تعاقب في حالة إذا كانت الفتاة تحت السن القانوني.
من جهته، يرفض المأذون الشرعي الشيخ عبد الكريم جاد الحق أن تُسمى هذه الصفقات زواجًا شرعيًا، لأن أغلبية العقود تكون عرفية، ويقول في حديثه لـ”نون بوست”، إنه كمأذون شرعي لا يجوز له قانونيًا أن يعقد زواجًا فيه طرف أجنبي.
الباحثون عن الثراء السريع
السمسار ليس حلقة الوصل الوحيدة لإتمام صفقة الزواج، فثمة طرق أخرى للوصول إلى الفتاة المطلوبة، ففي بعض الأحيان يلجأ بعض الأثرياء العرب إلى الإعلانات في بعض القنوات أو المواقع عن طلب فتيات تحت مسميات مختلفة، وقد يصل الأمر إلى توزيع أوراق ملونة يُطلب فيها فتاة بمواصفات معينة للزواج من ثري خليجي.
في إطار البحث عن الوثائق أو البحوث الميدانية التي تدعم الشهادات السابقة التي أدلى بها الأشخاص السابقين، بشأن صفقات الزواج، تبين أن معظم البحوث والأخبار المنشورة في وسائل الإعلام المحلية تشير إلى مركز “الحوامدية” التابع لمحافظة الجيزة (على بعد 20 كيلومترًا جنوب القاهرة)، تنتشر فيه تلك التجارة بشكل لافت، بل جذبت القرية بشهرتها في هذا المجال المئات من سكان المراكز المجاورة مثل أبو النمرس والبدرشين، حيث تركزت في هذه المدن الثلاثة 74% من حالات الزواج، وكلهن من الفتيات القاصرات، ووصل الأمر حد انتشارها في المحافظات المجاورة مثل محافظة الفيوم وبني سويف، لا سيما في المناطق التي تتميز بانتشار الفقر والبطالة والهروب من التعليم وقلة المرافق والخدمات.
الفقر والعنوسة وحاجة الأهل إلى المال السبب الرئيسي وراء جر الفتيات إلى هذا المستنقع الآثم، كما يقول المحامي الحقوقي مصطفى عباس
وتشير التقارير المنشورة عن هذه المناطق إلى ارتفاع عدد “السماسرة” في الحوامدية، حيث يمكن أن يكون في كل مربع سكني من 3 إلى 4 سماسرة على الأقل، وأن هناك وسطاء مصريين في الدول العربية نفسها على اتصال بسماسرة بالحوامدية يرسلون زبائنهم لهم، وهو ما يعزز ما تشير إليه الإحصاءات التي ذكرت أن 71% من حالات الزواج هذه يتم من خلال السمسار، بينما الزواج من خلال أحد الأقارب يأتي في المرتبة الثانية بنسبة 13%.
وقد وجدت دراسة أجرتها وحدة مكافحة الاتجار بالأطفال في المجلس القومي للطفولة والأمومة على ألفي أسرة في 3 مدن قريبة من القاهرة -الحوامدية وأبو النمرس والبدرشين – أن المبالغ “الضخمة” التي يدفعها السياح العرب هي الدافع الرئيسي لارتفاع معدل “الزواج الصيفي” في هذه المدن، فنحو 75% من المشاركين في استطلاع بالمناطق الريفية يعرفون فتيات تورطن في حبال هذه التجارة ومعظمهم يعتقد أن عدد الزيجات في ازدياد مستمر.
الفقر والعنوسة وحاجة الأهل إلى المال هما السبب الرئيسي وراء جر الفتيات إلى هذا المستنقع الآثم، كما يقول المحامي الحقوقي مصطفى عباس، وبالتالي يتعامل الأهل مع الفتاة على أنها وسيلة لتوفير الرزق، إذ يعتقد الآباء في بعض الأحيان أنه من خلال الزواج، يقومون بحماية بناتهم وزيادة فرصهن الاقتصادية.
يلجأ بعض الأثرياء العرب إلى الإعلانات في بعض المواقع للبحث عن فتيات تحت مسميات مختلفة
وخلال حديثه لـ”نون بوست”، أرجع عباس أسباب انتشار هذه الظاهرة إلى انخفاض مستوى دخل الأسرة المصرية مقارنة بالزيادة الملحوظة في الأسعار في الآونة الأخيرة، إضافة إلى كثرة عدد الأبناء ورغبة الفتيات في مساعدة أسرهن اقتصاديًا.
ووفقًا لدراسة أجراها مركز عيون لدراسات وتنمية حقوق الإنسان أشارت إلى أن 80% من العينة المفحوصة قالوا إن الفقر السبب الرئيسي، وأن 5% من العينة رأوا فيه حلاً سريعًا للثراء الفاحش دون مجهود، وأوضحت الدراسة أن 67% لا يعمل فيها رب الأسرة، ونسبة 7% لا تكون لديهم دراية بمخاطر هذا الزواج، و6% يقبلن بدافع الاعتياد على الأمر وتقليدهم لمن سبقوهم ممن تزوجن بأجانب، وأخطر ما جاء بالدراسة أن نسبة الفتيات ممن تزوجن لأكثر من 3 مرات 17% من إجمالي العينة المدروسة.