يستقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، نظيره السوري أحمد الشرع، في ثاني زيارة خارجية له بعد السعودية، منذ تولي مهام منصب الرئاسة في المرحلة الانتقالية، إضافةً إلى أنها الزيارة الأولى من نوعها على مستوى رؤساء البلدين الجارين سوريا وتركيا منذ عام 2009.
وكشف رئيس دائرة الاتصالات في الرئاسة التركية، فخر الدين ألتون، يوم أمس الإثنين، عن موعد زيارة الشرع إلى تركيا، خلال تغريدة نشرها على حسابه في منصة “إكس”، جاء فيها: “سيقوم الرئيس الانتقالي للجمهورية العربية السورية، أحمد الشرع، بزيارة إلى أنقرة يوم الثلاثاء، بدعوة من رئيسنا رجب طيب أردوغان”.
وتهدف الزيارة التي ستعقد في المجمع الرئاسي في العاصمة التركية أنقرة، إلى بحث التطورات السورية على كافة الأصعدة، وتقييم الخطوات المشتركة التي يتخذها البلدان في إطار التعافي الاقتصادي والاستقرار الأمني في سوريا.
ويحدد مسار ملفات التباحث بين الرئيسين التركي والسوري العلاقات المستقبلية بين سوريا وتركيا، بعد قطيعة دامت أكثر من 12 عامًا على التوالي، بسبب قمع الرئيس المخلوع بشار الأسد لشعبه وانحياز أنقرة صوب المعارضة ودعمها لها، فما الملفات المطروحة على طاولة المباحثات؟
“قسد” شمال شرق سوريا
يتصدر قائمة جدول أعمال المباحثات التركية السورية بين الرئيسين، رجب طيب أردوغان، وأحمد الشرع، الملفين الأمني والعسكري في سوريا، بما يخدم تطلعات البلدين الجارين جغرافيًا بحدود برية تقدر بـ 909 كيلومترات بهدف ترسيخ الاستقرار الأمني في كلا البلدين.
وسيتناول اللقاء الأمن والقضاء على التنظيمات الإرهابية، بما فيها تنظيم “داعش” كونه يشكل خطرًا أمنيًا، ووحدات حماية الشعب الكردية (PYD) ووحدات حماية المرأة (YPG) وهما قوتان تشكلان العمود الفقري لـ “قسد” التي تسيطر على مناطق شمال شرقي سوريا، حسب ما أكدت صحيفة ميلييت التركية.
يرى الباحث في مركز الحوار السوري، أحمد القربي، أن المباحثات بين أنقرة وإدارة دمشق ستتضمن ملفات أمنية وعسكرية واقتصادية، لكنها تختلف بحسب الأولويات، إذ يشكل ملف قسد أولوية لدى تركيا، بينما الملفان الاقتصادي والخدماتي يشكلان أولوية لدى دمشق.
وقال خلال حديثه لـ “نون بوست”: “إن المباحثات حول ملف “قسد” معقدة لأن دور واشنطن يعد الأساس، ويبنى عليه في الحل العسكري والسياسي”، وأضاف، أنه إذا كان موقف واشنطن متمسكًا بـ”قسد” ستكون المقاربة نحو الحل السلمي، لكن إذا كان هناك نوع من التساهل والتنازل بين واشنطن وأنقرة فستتغلب المقاربة العسكرية (الحل العسكري)، مشيرًا إلى أن ما يحصل حاليًا هو مفاوضات تتجه نحو مقاربة سياسية أكثر من أنها عسكرية.
كما يعد مصير القواعد التركية المنتشرة في الأراضي السورية على قائمة المباحثات بين أردوغان والشرع، وهي قواعد ارتبط وجودها بهدف حماية الأمن القومي التركي من تنظيمي “داعش” و”قسد”، فضلًا عن وجود قواعد تركية بموجب اتفاقيات تركية روسية إيرانية تهدف إلى مراقبة وقف إطلاق النار بين قوات النظام السابق وفصائل المعارضة السورية.
وتنتشر قوات الجيش التركي في 126 موقعًا عسكريًا ضمن الأراضي السورية، بينها 12 قاعدة، و114 نقطة عسكرية، بينها 58 موقعًا في محافظة حلب، و53 موقعًا في محافظة إدلب، وموقعان في اللاذقية، و10 مواقع في محافظة الرقة، و4 مواقع في محافظة الحسكة.
ويستبعد الباحث، قربي، سحب القواعد التركية من الأراضي السورية في الوقت الرَّاهن بسبب استمرار وجود الخطر الذي يهدد الأمن القومي التركي المتمثل بـ “قسد”، مضيفًا، أنه من الممكن أن يعاد تموضع القواعد لا سيما في مناطق شمال شرقي سوريا، لكنه يبقى قرارًا مؤجلًا إلى ما بعد الانتهاء من ملف “قسد”.
تشكل “قسد” المدعومة من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، تهديدًا للأمن القومي التركي، ذلك أنها -وفق أنقرة- تسعى لإقامة كيان كردي على حدودها الجنوبية ويرتبط بحزب العمال الكردستاني (PKK)، وتحظر أنقرة نشاطاتها على أراضيها وتصنفها على قوائم الإرهاب.
وفي وقت سابق، دعت إدارة دمشق، القائد العام لـ “قسد”، مظلوم عبدي، إلى حل قواته ودمجها تحت مظلة وزارة الدفاع كباقي الفصائل بهدف تشكيل الجيش السوري، إلا أن عبدي واجه الدعوات ببرود ومماطلة شديدة، كما وضع شروطًا تمنحهم امتيازات وخصوصية في مجالي الإدارة والاقتصاد، إلا أنها لم تلق استحسان دمشق، وسط استمرار المفاوضات.
الاعتماد الاقتصادي والعسكري
لعبت أنقرة دورًا بارزًا في دعمها للمعارضة السورية قبل سقوط النظام السابق لأكثر من 13 عامًا على التوالي، لكن في عام 2016 تدخلت عسكريًا في الأراضي السورية، حيث شنت ثلاث عمليات عسكرية، واحدة ضد تنظيم “داعش”، واثنتين ضد وحدات حماية الشعب (PYD) العمود الفقري لـ “قسد”، كما دخلت عسكريًا إبان هجمة النظام وحلفاؤه خلال عام 2020 تحت مسمى عملية درع الربيع.
بعد سقوط النظام، كانت أنقرة أولى الواصلين إلى دمشق، حيث استقبلت دمشق رئيس جهاز الاستخبارات التركية، إبراهيم قالن، ولاحقًا وزير الخارجية التركية، هاكان فيدان، فيما زار وفد سوري العاصمة التركية أنقرة برئاسة وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، ووزير الدفاع، مرهف أبو قصرة، ورئيس جهاز الاستخبارات، أنس خطاب.
وساهمت أنقرة في تصدير إدارة دمشق سياسيًا للخارج، ما يؤكد بعد العلاقات والمصالح المشتركة بين البلدين، لا سيما أن أنقرة تبحث إعادة الاستقرار في سوريا وضمان أمن حدودها وتحريك عجلة الاقتصاد بينما تتجه دمشق إلى النهوض في واقع البلاد المنهار.
كما أبدت أنقرة استعدادها لتقديم الدعم في مختلف القطاعات الحيوية في البلاد: العسكرية، الثقافية، الاقتصادية (الصناعة والتجارة)، الخدماتية (الطاقة، النقل، التعليم، الأمن)، حيث افتتحت السفارة التركية في دمشق والقنصلية في حلب، وأرسلت وفودًا من وزارات النقل، الطاقة، الزراعة، الصحة، البيئة، الدفاع.
وافتتحت مكاتب لمنظمات إنسانية وثقافية في دمشق، بينها منظمة الهلال الأحمر التركي، ووكالة تيكا، ومكتب لإدارة الكوارث والطوارئ التركية ومكتب لمركز يونس إيمرة، مع توجه إلى تعيين مستشارين من الوزارات في سياق التعاون بين البلدين، حسب وسائل إعلام تركية.
وسيناقش الرئيسان ملف التنمية الاقتصادية باعتباره من أولويات إدارة دمشق في ظل الوضع الراهن، بهدف النهوض بالإرث الاقتصادي والخدماتي الذي خلفه النظام البائد، طيلة السنوات الماضية.
اعتبر الباحث، أحمد قربي، أنه لا يمكن أن تتقدم سوريا في الملفين الاقتصادي والعسكري دون دعم أنقرة، لأنها أكبر دولة محيطة في سوريا من حيث الحدود والإمكانيات، كما أنها نافذة سوريا نحو أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
وأضاف، أن أنقرة هي الأقرب للمحرك الاقتصادي السوري، حلب، فضلًا عن موقفها السياسي الداعم للمعارضة السورية، لذلك ستصب دمشق اعتمادها على أنقرة في هذين الملفين كونها تمتلك أوراقًا كثيرة تعطيها قيمة مضافة.
بينما يرى الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، أسامة الشيخ علي، أنه بين سوريا وتركيا علاقات ومصالح مشتركة للبلدين، وتركيا منخرطة أساسًا في المشهد السوري ولا يمكن الاستغناء عن الدور التركي في مختلف المجالات الاقتصادية والعسكرية.
وتابع، أن تركيا تسعى للمشاركة في إعادة بناء الاقتصاد السوري، فضلًا عن دورها في إعادة الإعمار كونها دولة رائدة وتمتلك خبرات في هذا المجال، في حين رجح أن يتباحث الرئيسان موضوع إنشاء قواعد تركية ترتبط بملفات اقتصادية مثل ملف إنتاج الغاز ونقله.
وأفادت وكالة “الأناضول” التركية، أن تركيا وسوريا تناقشان إعادة تفعيل اتفاقية التجارة الحرة الموقعة عام 2007، مما رفع حجم التجارة الثنائية بين البلدين إلى 2.3 مليار دولار أمريكي 2010، لكنها علقت عام 2011، مما خفض التجارة الثنائية إلى 565 مليون دولار عام 2012.
وتسعى سوريا وتركيا إلى رفع حجم التبادل التجاري بينهما إلى 10 مليارات دولار مع انطلاقة مشاريع إعادة الإعمار، حيث تعد أنقرة أن التغيرات الاقتصادية فرصة مهمة نحو تعزيز الاستقرار الإقليمي، وتسعى إلى تقديم دعم إعادة الإعمار وتطوير البنية التحتية في سوريا مما ينعكس على مصالح البلدين.
تصنيف العلاقة بين أنقرة ودمشق
التوجه التركي نحو دعم الإدارة السورية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية والخدمية، والزيارات المكوكية التي تجريها الوفود الوزارية إلى سوريا، تفسح المجال أمام تساؤلات عديدة، أهمها طبيعة العلاقات السورية التركية الراهنة والمستقبلية، حيث يعد البعض أن إدارة دمشق تابعة لأنقرة، في وقت تسعى إدارة دمشق إلى إثبات وجودها والحفاظ على المصالح السورية وإعادة إحياء العلاقات العربية والإقليمية.
ويرى الباحث، أسامة الشيخ علي، أن الإدارة السورية لا تريد أن تظهر لدى القوى الاقليمية والدولية، على أن سوريا حديقة خلفية لتركيا، وإنما تحاول أن تكون علاقاتها الخارجية متوازنة مع البلدان العربية والإقليمية والغربية، بحيث تعيد موضعها الطبيعي بين البلدان العربية والعلاقات الإقليمية.
وقال خلال حديثه لـ “نون بوست”: إن دمشق تسعى لبناء علاقات متوازنة بحيث تضع المصلحة السورية في مقدمة المباحثات مع جارتها أنقرة”. وأضاف، أن الشرع وفريق عمله، كانوا يديرون إدلب سابقًا، لكن تعاملهم مع أنقرة كان بندية، حيث تعد هيئة تحرير الشام تركيا حليفة، ولا ترى نفسها تبعًا لها، مؤكدًا، أن العلاقات المتوازنة تصب في مصلحة البلدين الجارين.
بينما يرى الباحث، قربي، أن العلاقات التركية السورية يجب أن تبنى على المصالح المتبادلة، وليس من مصلحة تركيا أن تجعل دولة مثل سوريا تابعة لها، كما أنه ليس من مصلحة الإدارة السورية أن تضع نفسها في هذا الموقف.
وتابع، أن موقع سوريا الجيوسياسي يشكل نوع من التوازن في المنطقة مما يساهم في نجاح العلاقات بين أنقرة ودمشق بناءً على المصالح المتبادلة، وإعادة تدوير نموذج شمال سوريا السيء من الناحية الاجتماعية والأمنية والعسكرية والإدارية، غير مرغوب، لأنه لم يعط تركيا أي هامش، لذلك تبنى العلاقات بين الطرفين بناءً على المصالح المشتركة.
ختامًا.. يحدد تعاطي الجانبين التركي والسوري مع الملفات المطروحة على طاولة المباحثات مسار تطوير علاقات أنقرة ودمشق في المستقبل القريب، لكن ما يجمع البلدين مصالح استراتيجية مشتركة في شتى المجالات، وتقريبًا، لا يوجد ما يفرقهما.