وصلت المباحثات الأمريكية التركية بخصوص إقامة منطقة آمنة شرق الفرات على الحدود السورية التركية، إلى نقاط متقدمة خلال شهر أغسطس/آب الحاليّ، بعد اجتماعات عديدة بين الجانبين التركي والأمريكي، وذلك لتبديد مخاوف أنقرة من إنشاء كيان كردي تمثله الوحدات الكردية التي تعتبرها أنقرة امتدادًا لحزب العمال الكردستاني، وفي ذات الوقت يهدد أمنها القومي.
تمثَّل التقدم بتحليق جوي مشترك للطيران التركي والأمريكي في سماء مدينة تل أبيض على الحدود مع تركيا، وذلك عقب توصل طرفي الاتفاق لإنشاء غرفة عمليات مركزية تجمع ضباط عسكريين من واشنطن وأنقرة في ولاية شانلي أورفا جنوبي تركيا، دون تحديد العمق الجغرافي الذي سيتم إنشاء المنطقة الآمنة عليه، إلا أن هناك مؤشرات على الأرض توضح مدى التفاهم التركي الأمريكي حيال المنطقة الآمنة.
نقطة تحول
انتقلت المباحثات الأمريكية التركية لإنشاء منطقة آمنة شرق الفرات، إلى مرحلة التنفيذ بعد مماطلة من واشنطن، في إقامة المنطقة على حساب حليفتها “قوات سوريا الديمقراطية” التي تدعمها بشكل مباشر، وتوصلت أنقرة وواشنطن لاتفاق يقضي بإنشاء غرفة عمليات مشتركة في تركيا، في ختام المباحثات التي جرت في مقر وزارة الدفاع التركية بأنقرة خلال أيام 5 و7 من أغسطس/آب الحاليّ.
وقالت وزارة الدفاع التركية، في بيان لها الأربعاء 7 من أغسطس/آب: “تم التوصل إلى اتفاق لتنفيذ التدابير التي ستتخذ في المرحلة الأولى من أجل إزالة الهواجس التركية، في أقرب وقت”، وأكّدت الوزارة أنه تم الاتفاق مع الجانب الأمريكي على جعل المنطقة الآمنة ممر سلام، واتخاذ كل التدابير الإضافية لضمان عودة السوريين إلى بلادهم.
وبدأ عمل غرفة العمليات المركزية بين أنقرة وواشنطن، السبت 24 من أغسطس/آب الحاليّ، حيث تم تنفيذ أول تحليق جوي مشترك بين قادة أتراك وأمريكيين في سماء الأراضي السورية شرق الفرات، وقالت وزارة الدفاع في بيان: “جرى تنفيذ أول طلعة جوية مشتركة بين قادة أتراك وأمريكيين نفذتها مروحية، السبت، في إطار المرحلة الأولى من إقامة المنطقة الآمنة في سوريا”.
وأعلن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، السبت، بدء مركز العمليات المشتركة مع الولايات المتحدة، بالعمل في إطار تنفيذ خطوات المرحلة الأولى ميدانيًا لإقامة منطقة آمنة، كما أكد أنه تم البدء بتدمير مواقع وتحصينات لقوات سوريا الديمقراطية على الحدود مع سوريا.
من جهته المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية شون روبرتسون، علق على الطلعات الجوية الأولى السبت الماضي، قائلًا: “تنفيذ أول تحليق مروحي تركي أمريكي في أجواء الشمال السوري، يعد نقطة تحول ناجمة عن جهود مركز العمليات المشتركة لتنسيق جهود إنشاء المنطقة الآمنة شرق الفرات”، وأضاف “هذه الخطوة تظهر مدى إيلاء واشنطن اهتمامًا بمخاوف تركيا الأمنية على حدودها الجنوبية وإحلال الأمن في شمالي شرق سوريا”.
رغم بدء تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق الأمريكي التركي بخصوص المنطقة الآمنة، هناك هواجس تلاحق تركيا من المماطلة الأمريكية في التنفيذ فهي عادة ما تحاول المراوغة في تقديم تنازلات لتركيا وهذا ما ظهر في اتفاق منبج
وقامت ميليشيا قوات سوريا الديمقراطية بسحب أرتال من مدينتي رأس العين في الحسكة وتل أبيض في الرقة نحو المناطق بعمق سيطرتها، وكذلك أقدمت الميليشيات على نقل مخازن السلاح الثقيل من منطقة العالية جنوبي مدينة رأس العين بمسافة تقدر 10 كيلومترات.
ونشر البنتاغون صورًا على حسابه في تويتر تظهر قوات سوريا الديمقراطية تدمر التحصينات العسكرية التي أقامتها على الحدود السورية التركية، بعد تهديد أنقرة بشن معركة عسكرية، واعتبر البنتاغون أن عملية إزالة التحصينات العسكرية يوضح مدى التزام قوات سوريا الديمقراطية بتنفيذ الاتفاق.
Within 24 hours of the phone call between U.S. SECDEF and Turkish MINDEF to discuss security in northeast Syria, the SDF destroyed military fortifications, Aug 22. This demonstrates SDF's commitment to support implementation of the security mechanism framework. pic.twitter.com/7OwGELGzoQ
— U.S. Central Command (@CENTCOM) August 23, 2019
وعلى الرغم من بدء تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق الأمريكي التركي بخصوص المنطقة الآمنة، هناك هواجس تلاحق تركيا من المماطلة الأمريكية في التنفيذ، فهي عادة ما تحاول المراوغة في تقديم تنازلات للتركيا وهذا ما ظهر في اتفاق منبج الذي وصل إلى طريق مسدود، ولعل الإصرار التركي على إنشاء غرفة عمليات مركزية مع الولايات المتحدة، صائبًا للتحول إلى العمل الميداني في تنفيذ المنطقة الآمنة التي تشكل أهمية بالغة لأنقرة التي تتطلع إلى حماية حدودها مع سوريا، وتحطيم حلم الوحدات في إقامة دولة على حدودها.
قسد: إدارة المنطقة الآمنة تقع على عاتق قواتنا
كيف ترى قسد المنطقة الآمنة؟
تطمح قوات سوريا الديمقراطية إلى إدارة المنطقة الآمنة عبر مجالس محلية وعسكرية تابعة لها تتمتع بحكم ذاتي، ريزان كلو مستشار قوات سوريا الديمقراطية قال خلال اجتماع ضم المجالس العسكرية التابعة لقسد الأحد 25 من أغسطس/آب: “الإدارات الذاتية ستكون موجودة والقوى التي ستدير هذه المنطقة هي عائدة لقوات سوريا الديمقراطية، مع تسيير دوريات تركية وأمريكية، ويتم إبعاد الأسلحة الثقيلة لأجل تضمين القلق التركي”، بينما لم توضح الدول الفاعلة في الاتفاق هوية القوات التي ستدير المنطقة أمنيًا.
وتدعم قسد التوافق مع الحكومة التركية بحسب ما أكد مظلوم عبدي القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية قائلًا: “قوات سوريا الديمقراطية تسعى إلى بذل الجهود لتحقيق التوافق مع الدولة التركية بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية”، مشيرًا إلى اتفاقيات مبدئية لترسيخ الأمن في المنطقة، وستكون قواته طرفًا إيجابيًا.
وناقشت المجالس العسكرية في قسد خلال اجتماعها السنوي الطرق الوقائية والأمنية خلال إنشاء المنطقة الآمنة، وقال المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية كينو غبرييل: “جميع المفاوضات والمباحثات تتم بتنسيق كامل ومستمر مع قواتنا، وهي مطلب رئيسي لقوات سوريا الديمقراطية”، واعتبر مدير المكتب الإعلامي في قسد مصطفى بالي أن قوات التحالف تمثل قسد، ولذلك تتجه إلى إنشاء حلول أمنية في المنطقة.
أنقرة على عجلة
تركيا على عجالة في تنفيذ خطوات المنطقة الآمنة شرق سوريا
تعتبر أنقرة أن المنطقة الآمنة نقطة تحول كبيرة في العلاقات التركية الأمريكية، وفي آن معًا تحقق أمنها القومي على حدودها مع سوريا، إذ تسعى إلى الحصول على الضوء الأخضر الأمريكي في إقامة المنطقة الآمنة شرق الفرات إلا أن تمسك الأخيرة بقوات سوريا الديمقراطية ودعمها العسكري واللوجستي لها شكل نوعًا من اضطراب العلاقات بين الحليفين.
من جانبها الولايات المتحدة تسعى إلى امتصاص غضب تركيا، من خلال القبول بإنشاء المنطقة الآمنة، لكن ليس بما يرضي الأتراك، فهي ليست على عجلة من أمرها، فالمتابع لتصريحات السياسيين الأتراك يرى أنهم يحاولون إنشاء المنطقة خلال مدة زمنية قصيرة، كما يظهر من إعلان الرئيس التركي رجل طيب أردوغان، أمس الإثنين، من أن دخول القوات البرية التركية إلى المنطقة الآمنة بات قريبًا جدًا، موضحًا أنه على الرغم من التقدم البطيء في إقامة المنطقة الآمنة ووضعوها على المسار.
وفي السياق ذاته أكد وزير الدفاع التركي، الإثنين 26 من أغسطس/آب، أن القوات التركية تعمل على تسيير دوريات مع جنود أمريكيين خلال وقت قريب جدًا، وأشار أن الأيام القادمة ستشهد تحليق مروحيات تركية فوق المنطقة الآمنة شمالي سوريا، ومن ثم دوريات مشتركة مع الجنود الأمريكيين.
وعلى الرغم من العجلة التركية في تنفيذ الخطوات الأولى من المنطقة الآمنة، فإن معالم المنطقة الآمنة لم تظهر إلى الآن، ولكن أنقرة تحاول الحصول على عمق داخل الأراضي السورية يقدر بـ30 أو 40 كيلومترًا، بطول 460 كيلومترًا، بينما ترى الولايات المتحدة أن المنطقة الآمنة يجب أن تنفذ ضمن 5 إلى 15 كيلومترًا، بطول يقدر نحو بـ150 كيلومترًا، وتندرج العجلة التركية في محاولات الوحدات الكردية التواصل مع قوات النظام السوري، للاعتراف بالإدارة الذاتية ضمن حكومة النظام.