“المينيماليزم”.. كل ما تريد معرفته عن ثقافة التخفف

تخيل أنك ذاهب للتسوق في مركز تجاري لشراء أشياء محددة تحتاجها، كقميص مثلًا – فقط لا غير -، في ميزانية لا تتعدى الـ20 دولارًا، لكن تجد نفسك مندفعًا بشكل تلقائي لشراء الجديد والمزيد من كل شيء، لمواكبة أحدث الصيحات، أو شراء المزيد من أدوات التجميل والعناية بالبشرة أو هاتف جديد أو أدوات مطبخ تزحم الأماكن، أي أنك تدخل للمتجر لشراء غرض واحد، فتخرج منه بعربة تسوق مكتظة بالأغراض، بتكلفة 300 دولار مثلًا وهذا ما يُعرفه الجميع بالـ”إسراف”.
لكن، هل هذه العادة الاستهلاكية في الشراء “الإسراف” التي تقود الناس إلى التبذير وبالتالي فقدان المال دون فائدة حقيقية وتكديس الأغراض في البيت، لها حل مضاد؟ وهل يُمكن العيش بهناء بعيدًا عن شراء كل ما هو جديد؟
التخفف هو الحل
في فترة الستينيات بالولايات المتحدة الأمريكية ظهرت حركة “المينيماليزم”، كتوجه في الفنون البصرية والموسيقى، واعتمدت على استخدام أبسط وأقل العناصر والألوان في تشكيل القطع الفنية لمنحها التأثير الأقصى، ثم انتقل المصطلح إلى العمارة والديكور، حيث اعتمد على استخدام خطوط بسيطة في البناء، واستخدام أقل عدد ممكن من قطع الأثاث، وكذلك قطع الأثاث متعددة الاستخدامات.
يقول عالم النفس بجامعة كورنيل في نيويورك: “إننا نشتري الأغراض لنشعر بالسعادة، وتنجح عملية الشراء في إسعادنا ولكن لفترة قصيرة، فسرعان ما نعتاد وجودها وتفقد تأثيرها”
وفي السنوات الأخيرة، انتشر مصطلح “المينيماليزم” Minimalism وهو مصطلح يرادفه بالعربية تعابير من قبيل التخفف أو التبسيط أو التقليل أو الحد الأدنى من الشراء، كنمط أو أسلوب حياة يهدف إلى تبسيط الحياة والتخلص من كل ما هو غير ضروري ومحاربة الاستهلاكية التي تدفع الإنسان لاقتناء ما لا يحتاج إليه والتخلص من الزائد عن الاحتياج، كما يمكن أن يُطبق المصطلح على أمور غير مادية مثل العلاقات على سبيل المثال، وهو ما سيؤدي بالتالي إلى تقليل الفوضى والتخلص من الزيادات، ليتيح الفرصة للتركيز على ما تمتلكه والاستمتاع به بشكل أفضل.
عام 2005، قُدّمت دراسة في جامعة إلينوي بشيكاغو عن “المينيماليزم”، وأشارت إلى أن اتباع هذا النمط يساعد على ارتفاع الشعور بالرضا والتخفف من الشعور بالضغط والتوتر، حين فرّق القائم بالدراسة بين ما تقدمه التجارب والخبرات (قيمة للإنسان) وما تقدمه الممتلكات والأشياء المادية.
يقول عالم النفس بجامعة كورنيل بنيويورك: “إننا نشتري الأغراض لنشعر بالسعادة، وتنجح عملية الشراء في إسعادنا ولكن لفترة قصيرة، فسرعان ما نعتاد وجودها وتفقد تأثيرها”، مضيفًا “إنك قد تحب تلك الأشياء المادية وقد تظن أن جزءًا من ذاتك مرتبط بها، إلا أنها تظل منفصلة عنك، أما التجارب التي تخوضها، فهي بالفعال تشكل جزءًا منك، لأننا في النهاية حصاد ما نخوضه من تجارب”.
أما عن حركة “المينيماليزم” في اليابان، فتجدها أكثر انتشارًا والتزامًا بشكل يصفه الباحثون بالمتطرف، حيث تتزايد أعداد اليابانيين الذي يتبعون منهج التبسيط، ويرفعون شعار Less is more “الأقل هو الأكثر” للتخلي عن أشياء في المنزل وتوفير الوقت لأشياء أهم في حياتهم.
عندما تبدأ في التخلص من الأشياء التي تملأ الأدراج والخزائن والغرف، ستتوسع الأماكن في الغرف، وستجد مساحة أكبر في منزلك، تتيح لك المجال في الحركة والتنقل
إن هذا الالتزام التقليلي في اليابان خاصة، يعود لأسباب أكثر بُعدًا من الوعي الاقتصادي، أبرزها العادات والمعتقدات الدينية البوذية التي ترفع شعار الزهد و”الرغبة في البساطة”، كما أن طبيعة اليابان الجغرافية التي تتعرض للزلازل بشكل منتظم، تحتم على اليابانيين اتباع “المينيماليزم”، فليس من المنطقي أن يمتلك الشخص الأشياء الكثيرة في منزله، ليخسرها في لمح البصر بسبب زلزال، علاوة على أن أغلب الإصابات في الزلازل تكون الأجسام الساقطة – من أثاث وغيره – هي السبب فيها.
فوائد “المينيماليزم” في الحياة.. من وجهة نظر روادها
يقول رواد “المينيماليزم” إنه إذا أخبرت أي شخص أنه يتعين عليه التخلي عن كل شيء، واقتناء ضرورات الحياة فقط، فمن المحتمل أن يسألوا عن السبب، ولماذا لا يستفيدون من الاختراعات والكماليات المتوفرة؟ سيقولون إن لديهم كل الحق في عيش حياتهم بالطريقة التي يريدونها، وهم على حق في هذا، لكن ما لا يعرفونه أن الذين يعيشون حياة بسيطة “المينيماليزم” يستفيدون منها بطرق عديدة قد لا يدركونها.
يُساعدك على التنفس والعيش بحرية
عندما تبدأ في التخلص من الأشياء التي تملأ الأدراج والخزائن والغرف، ستتوسع الأماكن في الغرف، وستجد مساحة أكبر في منزلك، تتيح لك المجال في الحركة والتنقل، والأهم من ذلك أنك سوف تتخلى عن الأشياء التي كنت تمسك بها، الأمر الذي سوف يمنحك الحرية ويسهل عليك التنفس دون أن تحمل على عاتقك أثقال الماضي.
تعمل على إعادة التركيز
عندما يكون لديك الكثير من الأشياء المتراكمة من عفش أو أجهزة كهربائية وغيرها، يمكن أن يكون تركيزك في كل مكان، بمعنى أنك قلق بشأن فواتير الكهرباء أو تشغل بالك في ترتيب هذه الأغراض التي ليس لها مكان، لكن عندما تختفي الأشياء غير الضرورية وتقل فواتير المنزل، يصبح من الممكن تركيز الوقت والطاقة على الأشياء المهمة مثل الأشخاص من حولك والأمور والواجبات التي تقوم بها.
أقل الأشياء يساوي المزيد من المال
عندما تتخلص من ما ليس لك به حاجة من الكماليات وغيره، تتاح الفرصة أمام الأمور الأخرى، فالأموال التي تنفق في شراء الأشياء أو الحفاظ عليها، والتأكد من أن لديك أفضل الأغراض سينتهي بها الأمر في الجيب بدلاً من المتجر، أي أنه عندما يكون لديك عدد أقل من الأشياء، يمكنك استخدام أموالك لسداد الديون وهذا سيؤدي في النهاية إلى توفير المزيد من الأموال.
لديك المزيد من الوقت
عندما تقضي احتياجاتك بأموال أقل، فذلك يعني أنه لا يتعين عليك العمل بنفس القدر من الوقت الذي كنت مضطرًا إليه في السابق، وهذا بدوره يعطيك حرية في وقتك، علاوة على أنك لن تقضي الكثير من الوقت في التعامل مع جميع الأشياء الإضافية والكمالية في حياتك، وبالتالي يمكنك تسخير وقتك على الأشياء التي تحتاج إليها واستثمار الوقت الإضافي الذي منحك إياه اتباع التقليلية على الأمور التي تستمتع بها.
لديك المزيد من الطاقة
بدلًا من هدر طاقتك على كل هذا الفوضى والكراكيب في حياتك، ستوفر على نفسك كل هذه الطاقة التي ستستخدمها في أنشطة أخرى، وبطبيعة الحال الناس الذي يتبعون نمط البعد عن تراكم الأشياء المادية وملاحقتها، يكونون أكثر صحة وأقوى من غيرهم نتيجة لذلك.
إن الشيء العظيم في “المينيماليزم” حسب ما يرى رواده هو أنه خيار، حيث يمكن للناس اختيار ما إذا كانوا يريدون أن يعيشوا هذا النمط من الحياة أم لا، ويمكنهم اختيار الحد الذي يريدون الانطلاق إليه، وبذلك لا توجد طرق صحيحة أو خاطئة في التقليلية كأسلوب حياة، وكل شخص مختلف عن الآخر في إدارته لهذه النمط، لكن ما سيجده معظم الناس بمجرد أن يبدأوا رحلة نحو الحد الأدنى، ستنمو التجربة وتصبح الفوائد أكبر وأكثر.
شخصيات شهيرة تتبع “المينيماليزم”
مارك زوكربيرج
يعتبر من أكثر الشخصيات المتبعة لنظام التقليلية، وذلك يتضح من خلال خزانة ملابسه التي تحتوي على القمصان الرمادية فقط التي يظهر بها دائمًا، فهو يقول “السبب وراء ارتدائي القمصان الرمادية أن العديد من الأبحاث تظهر أن اتخاذ القرارات الصغيرة المتعلقة بماذا تلبس هذا الصباح أو ماذا تتناول على الإفطار متعبة ومضيعة للوقت، بينما يمكنني استغلال هذا الوقت بأمور أفضل وأنفع للمجتمع”.
باراك أوباما
كان يرتدي دائمًا بدلة رمادية أو زرقاء مع ربطة عنق زرقاء، ويعقب على ذلك بقوله: “أحاول أن أقلص القرارات التي أتخذها في يومي، لا أريد اتخاذ قرارات بشأن ما آكله أو أرتديه، لأن لدي الكثير من القرارات الأخرى التي يجب اتخاذها”.
التقليلية والإسراف في الدين الإسلامي
يُعرف علماء المسلمين الإسراف بأنه تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان، وهو في الإنفاق أشهر، يقول تعالى: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (31) سورة الأعراف، فالإسراف يشمل كلُّ تجاوز في الأمر، وقد جاء في القرآن الكريم على معانٍ متقاربة ترجع جميعها إلى الأصل اللغوي، وهو التجاوز في الحد، كما وردت دعوة عدم الإسراف والتبذير في العديد من الأحاديث النبوية، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: «كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة».
فالإسلام يرى أن مال كل فرد هو مال الأمة، وهو في الأصل مال الله أعطاه للإنسان وديعة لينفقه على نفسه ومجتمعه في سبيل الخير، وهذا ما صرح به القرآن: (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) النور:33، (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) الحديد:7.
فيما حذر العلماء من خطورة تفشي مظاهر الإسراف والتبذير في المجتمعات العربية والإسلامية، مؤكدين أن الإسراف يُخشى على الجميع منه لأن فتنته وضرره يصل الجميع داخل المجتمع، مشيرين إلى أن الإسلام الحنيف لم يُحرم زينةَ الحياة الدنيا والطيبات من الرزقِ، وإنما حرم الاعتداء والطغيان والإسراف والتبذير في الاستمتاع بها وفي نفسه الوقت، حرم التقتير والشح.