مؤخرًا بدأ الكثير من الأشخاص في البحث عن بدائل للملح باعتباره سمًا أبيض، وذلك نظرًا للكثير من المخاطر المترتبة على تناوله بكميات كبيرة. لا يلجأ الناس في العادة إلى البدائل الصحية مثل الليمون أو الخل، بل يحاولون العثور دائمًا على نوع جديد من الملح ليكون أقل ضررًا أو ليس له مخاطر صحية، وتلك هي اللعبة التي يجيدها فن التسويق والدعاية، إنها العمل على إيهام الزبائن المحتملين بأن هذا هو الخيار الأكثر صحة، وبالتالي لن يضير دفع القليل من الجنيهات في سبيل الحصول على خيار صحيّ.
ما أنواع الملح المتاحة إذًا؟
هناك بالطبع ملح الطاولة العادي الخالي من اليود وهو ليس الخيار الأكثر صحة، وهناك ملح الطاولة أيضًا المضاف إليه يود، ويفضل استخدامه رغم ارتفاع سعره قليلًا، أما الملح البديل فهو النوع الذي يعطي نفس طعم الملح، لكنه يحتوي على أقل كمية من كلوريد الصوديوم، وهو أفضل الخيارات الصحية لمرضى القلب والأوعية الدموية، وهناك الملح الرمادي المستخرج من فرنسا الذي يحتوي على كمية أقل من الصوديوم من ملح الطعام العادي أيضًا، ويمثل خيارًا أصح قليلًا، لكن بالطبع ثمنه مرتفع، وغير متوافر بشكل كبير.
هناك ملح طعام البحر العادي الذي يستخرج من البحر، ورغم أن هناك من يدعي أنه خيار صحي لكنه في الحقيقة ليس كذلك! وفي النهاية يوجد الملح الوردي الذي يُشاع أن لديه فوائد صحية خارقة! إذا تجنبنا ارتفاع ثمنه بشكل مبالغ.
الملح في العادة يستخدم كمادة حافظة أو في الطعام أو في بعض الوصفات الخاصة بالعناية بالجسم، لكن المشكلة هنا تكمن في استخدام الملح الوردي كبديل لملح الطاولة، لعدة أسباب أهمها.. ثمنه!
دعونا أولًا نتعرف على الملح الوردي.
الملح الوردي.. ما هو؟
يُعتبر ملح الهيمالايا الوردي أحد أغلى وأنقى أنواع الملح في العالم، فملح الطاولة العادي غالبًا ما تتم صناعته عن طريق حفر الأرضية في قاع البحار، مما يؤدي إلى ضخ المياه المالحة، ثم تكريرها في محطات تنقية، هذه التنقية تُنتج لنا الملح الذي نعرفه عادةً، لكنه أيضًا خاليًّا من المعادن الطبيعية الأخرى مثل المغنيسيوم أو البوتاسيوم.
أما بالنسبة للملح البحري، فيُصنع عن طريق تبخير مياه البحر باستخدام أشعة الشمس أو السخانات الداخلية، ولا يُعالج مثل ملح الطاولة، وكذلك لا يضاف إليه أي مواد كيميائية، لذلك تظل معادنه طبيعية كما هي.
خلال السنوات القليلة الماضية استحوذ الملح الوردي على المستهلكين الأمريكيين، وأصبح شائعًا في الأطعمة ومراكز العناية بالجسم، وحتى تصميم المنازل، حيث يصنعون منه مصابيح وأباجورات، ويباع في متاجر التجزئة بأسعار تصل إلى أكثر من 20 ضعف سعر ملح الطاولة، ويصل سعر المئة جرام منه إلى 8 دولارات وأكثر!
ثم بشكل ما انتقل هذا الهوس بالملح الوردي من أمريكا إلى العديد من الدول الأخرى، ليصل في نهاية المطاف إلى العالم العربي ناشرًا خزعبلاته.
مصباح مصنوع من الملح الوردي صغير الحجم يفوق سعره الـ40 دولارًا
ما الذي يجعل هذا الملح مميزًا؟
منذ نحو 200 مليون سنة، غُمرت أحواض الملح المتبلورة في جبال الهيمالايا بالحمم البركانية، لذلك بقي الملح مدفونًا تحتها وتحت الجليد لآلاف السنين، مما أدى إلى حمايته من التلوث في العصر الحديث.
الملح الوردي المستخرج في العصر الحاليّ به بعض المعادن، ففيه ما يقارب 80 معدنًا مختلفًا، بما في ذلك الفوسفور والبروم والبورون والزنك، نظرًا لأن الأرض بلورته، كما أنه يحتوي على كمية أقل من الصوديوم.
هل هو صحي؟
يظن بعض المتحمسين مثل الدكتورة أوز أن الملح الوردي تتوافر فيه فوائد صحية لا تُصدق للجهاز التنفسي والجيوب الأنفية والعظام، وحتى الرغبة الجنسية، وذلك لتوافر كل تلك المعادن فيه، مع ذلك خبراء التغذية لهم رأي مخالف تمامًا.
في إحدى المقابلات مع Yahoo Health قالت رينيه فيسيك كبيرة خبراء التغذية في “سياتل ساتون” للأكل الصحي: “الملح الوردي يحظى بشعبية كبيرة في الوقت الحاليّ حول العالم، ولكن الحديث عن فوائده الصحية مبالغ فيه بشكل كبير، ولا يخلو من الادعاء”.
ثم تابعت قولها “الحقيقة أن كمية المعادن التي يتحدثون عنها ضئيلة للغاية، حيث إنها لا تحدث فارقًا ملموسًا، كما أننا نستهلك بالفعل الكثير من العناصر الغذائية نفسها وإن كان مصدرها عناصر أخرى موجودة بالفعل في نظامنا الغذائي مثل الحبوب والخضراوات واللحوم”.
تلك المعادن الموجودة في الملح الوردي موجودة بنسبة ضئيلة لا تكاد تصل إلى 2% من تكوينه، وهذه النسبة هي ما تعطيه شكله الوردي المميز، لكنه في الحقيقة لا يختلف كثيرًا عن ملح الطعام العادي من ناحية القيمة الغذائية، والاختلاف الوحيد أن ملعقة واحدة منه تكلف الكثير من الدولارات.
سوق ملح الطعام العالمي
ملح الطعام في العادة يركز على الكمية والسعر، كمية أكبر وسعر أقل، لذلك لم يهتم الكثيرون بنوعية الملح أو الفرق بين ملح الطعام العادي وملح الطعام البحري، فلم يبدُ ظاهرًا لهم إلا أن الاثنين متشابهان في الشكل، والطعم لا يفرق كثيرًا.
لذلك عندما ظهر ملح الطعام الوردي بدأ التسويق له كبديل صحي وأكثر فخامة، كما أنه يعطي الطعام طعمًا مختلفًا، فكان المظهر والشكل البلوري هما عنصر الجذب الأهم، خصوصًا للنساء!
قد يبدو الأمر غير مهم لبعض الأشخاص، لكنهم بالتأكيد لا يعلمون أن استهلاك الملح العالمي من المتوقع أن يصل إلى 14.1 مليار دولار بحلول العام القادم.
صورة توضح أسعار الملح المختلفة
هل طعم الملح الوردي أفضل ويستحق هذا الفارق الرهيب في السعر؟ أم عملية التعدين والاستخراج هي ما تجعله باهظًا؟
استخراج الملح يدويًّا في منجم “كيروا” في باكستان
تقع معظم مناجم الملح الوردي في باكستان، حيث تكلفة التعدين المنخفضة نسبيًا، كما أن هناك وفرةً في المواد الخام، ويُعتبر منجم “كيروا” هو الأكبر من نوعه، حيث ينتج أكثر من 350 ألف طن من الملح الوردي سنويًّا، وعلى الرغم من استخراج تلك الكمية الكبيرة، فإنها تتم بطريقة تقليدية للغاية.
غير ذلك تستطيع استخراج الملح الوردي من أماكن أخرى قليلة جدًا حول العالم مثل نهر “موراي” في أستراليا، وحقول الملح في “ماراس” في بيرو.
يدعي البعض أن هذا الملح النادر له خواص علاجية، وأكثر المدعين بذلك بالطبع منتجي مصابيح الملح باهظة الثمن، فيدعون أن له فوائد خاصة بتنقية الجو وتحسين وظائف التنفس، بينما غرف الملح في المنتجعات تدعي إزالتها للسموم من الجسد!
غرفة كاملة من الملح الوردي في أحد المنتجعات
ولكن كل هذا بالطبع مجرد ترهات يضحكون بها على عقول مالكي الأموال، كذلك طعمه لا يختلف مطلقًا عن طعم الملح العادي، بالتالي الملح الوردي ليس إلا تجارة محضة هدفها بيع هواء في زجاجات لأشخاص يشترون أي شيء.
وهذا ما حدث لدينا في العالم العربي، فجأة امتلأت به المتاجر، ونرى إعلاناته في كل مكان، ويُرَوَّج له وكأنه الشافي من كل الأمراض، ورغم زعم البعض أنه يعالج الجيوب الأنفية، فإن استنشاقه قد يسبب مضاعفات كبيرة لمرضى حساسية الصدر، لكننا لا نهتم بكل هذا، فقط نشتري كل ما يبدو جميلًا دون البحث عن الفوائد والأضرار الحقيقية.