أيام قليلة تفصل تونس عن أحد أهم المواعيد الانتخابية في تاريخها المعاصر، انتخابات رئاسية مبكرة ثم تشريعية من شأنها أن تمنح مهد ثورات الربيع العربي خطوات إضافية في طريقها نحو الدول الديمقراطية، إلا أن هاجس المقاطعة والمال السياسي الفاسد ما زال يقلق العديد من التونسيين لخطورتهما على المسار الانتخابي، وإمكانية إفسادهما للعرس المنتظر.
المال السياسي يتصدّر المشهد
في تكرار لنسخة انتخابات 2014 التي شهدت مشاركة العشرات منهم، يستعد العديد من رجال الأعمال التونسيين، لخوض غمار الانتخابات الرئاسية والتشريعية، والانضمام إلى ركب المرشحين للفوز بثقة الناخبين والحصول على مناصب رسمية تمكّنهم من الحصانة.
هذا الأمر يثير مخاوف عديد التونسيين، خاصة في ظل تنامي استعمال “المال السياسي الفاسد” في الفترة الأخيرة من قبل أحزاب عدّة فضلا عن القائمات المستقلة والقائمات الائتلافية والشخصيات الوطنية، ما يجعله أحد أبرز العوامل التي يمكن أن تفسد الانتخابات المقبلة المقرر إجراؤها في الشهر المقبل.
ويخشى التونسيون من مشاركة رجال أعمال عرفوا بفسادهم في انتخابات بلادهم المقبلة، وإمكانية تأثير مشاركتهم على نزاهة الانتخابات ونتائجها التي تعتبر مصيرية للبلاد، ويرى هؤلاء أن ترشح رجال المال ضمن عديد القوائم دليلًا واضحًا على التزاوج بين السياسة والمال.
هذه المخاوف ازدادت حدّة بعد تحالف أصحاب المال الفاسد مع العديد من المرشحين للانتخابات سواء بصفة مستقلة أو حزبية أو ائتلافية، بغية الإمساك بحكم البلاد، في وقت تسعى فيه عديد القوى المدنية إلى ضمان حسن سير العملية الانتخابية.
هذه المظاهر الغريبة والمستهجنة ستفضي حتما لنتائج مشوهة وسينجر عنها عزوف فئة كبيرة خصوصا من الشباب
“الانتخابات كغيرها من القطاعات في البلاد بيد رجال الأعمال والمال الفاسد، لذلك سيدخل هذا المال فيها أو تقريبا بدأ التداخل بينهما”، تقول الصحفية التونسية خولة بن قياس. وتضيف لنون بوست: “نحن اليوم في عصر رجال الأعمال ومالهم الذي يضعونه في الإعلام وغيره من القطاعات سيؤثر في الانتخابات، كما أن أغلب المرشحين يشتركون في كونهم من خلفية رجال الأعمال أو من المقربين منهم”.
وسجّل عديد المتابعين للشأن العام في تونس، خلال الفترة الأخيرة فتح بعض الأحزاب الباب أمام رجال المال الذين يراهنون عليهم لكسب السباق وتحصيل مقاعد برلمانية أو دعم مرشحهم للرئاسة، فالحملات الانتخابية تستحق أموال كبيرة لا توفرها عادة إلا رجال أعمال يسعون إلى السلطة والتقرّب من الحكام خدمة لمصالحهم.
من جهته، يرى الناشط بالمجتمع المدني “سليم الهمامي” أن “المال السياسي الفاسد في تونس حقيقة لمسناها في أربعة انتخابات سابقة، سوى عبر أجندات أجنبية تستعمل أيادي في تونس أو عبر مساهمة رجال أعمال ذوي نفوذ ومصالح تحاول المحافظة عليها وتعزيزها.” ويؤكّد الهمامي أن انتخابات 2019 لن تحيد عما عاهدناه قبلا”.
خطورة المال الفاسد
حضور “المال السياسي الفاسد” في الانتخابات التونسية سيكون له تأثير كبير على حسن سير هذه العملية، حيث “سيؤثر على صوت الناخب بدرجة أولى ويجعلنا لا نخرج من عقلية الحزب القديم الذي حكم لسنوات بأصوات الناس الذين قبلوا بلعبة المال”، وفق خولة بن قياس.
تضيف خولة: “هذا الأمر سيؤثر بشكل ثاني على منظمات معينة داخلية وخارجية تعمل باسم حقوق الإنسان ومنظمات مراقبة انتخابات لكن في الحقيقة هي منظمات تخفي تحت جلبابها أموالا لا نعرف مصدرها”، وفق قولها.
ارتفاع عدد المسجلين لا ينفي نية عدد كبير من الشباب في مقاطعة الانتخابات
بدورها أكّدت الصحفية التونسية إشراق بن حمودة خطورة المال الفاسد، حيث قالت في تصريح لنون بوست، “المال الفاسد يهدد نزاهة الانتخابات وأظن أبرز مثال على ذلك هو رجل الأعمال نبيل القروي الذي أمضى سنوات باستغلال قناته التلفزيونية لبث برنامج لمساعدة المواطنين وفي الأخير ترشح للرئاسة وتبين أن كل ما قام به هو دعاية وحملة انتخابية صامتة وهنا يبرز الخلل والإشكال الحاصل بخصوص القانون الانتخابي والجدل حوله.”
ودأب رجل الأعمال نبيل القروي، وغيره من رجال الأعمال المشاركة في هذه الانتخابات، على زيارة الأحياء الفقيرة والمهمّشة والقرى النائية لتوزيع مساعدات مختلفة، بهدف كسب دعم شعبي أكبر يوم الانتخابات.
فقدان الأمل ينمي سياسة المقاطعة
هذه المظاهر الغريبة والمستهجنة ستفضي حتما لنتائج مشوهة وسينجر عنها عزوف فئة كبيرة خصوصا من الشباب، تقول بن حمودة، وهو ما يهدّد المسار الانتخابي ويزيد الشكوك حول نجاحه ونجاح البلاد في عملية الانتقال الديمقراطية، وفق قولها.
يرى العديد من التونسيين –خاصة الشباب- أن لا فائدة من الذهاب إلى صناديق الاقتراع سواء في الانتخابات التشريعية أو الرئاسية، ما دامت النتيجة معروفة من الآن، فمنظومة الحكم القديمة لن تتخلى عن الامتيازات التي تتمتع بها منذ عقود لفائدة الشعب.
“شباب تونس لا يريد حلولا سحرية لمشاكل البلاد لكنه أيضا لا يريد من يستغله”
يشعر المواطن التونسي، بدرجة كبيرة من الإحباط، نتيجة عجز السلطات الحاكمة 2011 على الاستجابة لتطلعاته وتحقيق مطالبه وحقوقه المشروعة، خاصة من الناحية الاجتماعية والاقتصادية، رغم الوعود الكبيرة التي ما فتئ يسمعها في كلّ محطة انتخابية، حتى أنه فقد الأمل من تحقيق أهداف الثورة من قبل الطبقة السياسية التي لم تفي بما وعدت به.
في حديثه لنون، يشير الناشط بالمجتمع المدني “سليم الهمامي” إلى وجود فئة غاضبة ستقاطع الانتخابات سوى بخلفية غضبها من الطبقة السياسية لعدم استطاعته الخروج من الأزمات المتتالية، أو بخلفية أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي متردّي جدا وما سبب ذلك إلا هذه الطبقة، ولا يرى أي جدوى في انتخابهم مجدّدا.
فقد العديد من التونسيين الأمل في التغيير
إلى جانب هذه الأسباب السابق ذكرها، يرى “الهمامي” أن “ضعف التأطير المدني والسياسي سبب مباشر لعزوف عدد هام من الشباب عن الانتخابات، وهذا تقصير من الفاعلين السياسيين والمجتمع المدني”، وفق تصريحه لـ “نون بوست”.
“شباب تونس لا يريد حلولا سحرية لمشاكل البلاد لكنه أيضا لا يريد من يستغله”، تقول خولة بن قياس، وترى محدّثتنا أن “الدافع الذي سيجعل الشباب يتوجّه إلى مكاتب الاقتراع يوم الانتخابات غير موجود، فهذه الفئة هنا تعطي درسا جديدا بأن صوتهم ليس للبيع”.