أحدث الحراك الثوري الذي انطلقت شرارته الأولى في 19 ديسمبر الماضي زلزالًا كبيرًا في خارطة السودان السياسية، أفرز كيانات جديدة وأطاح بأخرى، وما كان بالأمس يتصدر المشهد بات اليوم خارج دائرة الضوء نهائيًا، الأمر الذي دفع الكثير من المحللين إلى إعادة قراءة الخارطة بشكل مختلف.
تغيرات جذرية في مرتكزات السودان السياسية والجماهيرية أرسى ملامحها الاتفاق الموقع مؤخرًا بين المجلس الانتقالي العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير، والذي نجم عنه تشكيل مجلس سيادي لإدارة المرحلة المقبلة وحكومة وبرلمان جاري تشكيلهما وفق أبجديات مختلفة ومحاصصة تستهدف في المقام الأول التخلص من الإرث القديم بكل تبعاته.
في هذه الإطلالة يسعى “نون بوست” إلى إلقاء الضوء على أبرز التغيرات التي طرأت على المشهد السياسي السوداني، مع إطلالة سريعة على أضلاعه الرئيسية، والأسماء البارزة التي قدمها الحراك للشارع، والتي من المرجح أن يكون لها دور فاعل خلال السنوات القليلة القادمة.
الشاشة الرئيسية للمسرح السياسي في السودان انقسمت مع توقيع الاتفاق إلى ثلاثة أقسام رئيسية، الأول: وهو القسم الداعم للحراك والمتبني له والممثل في الكيانات المنضوية تحت لواء قوى إعلان الحرية والتغيير، أما القسم الثاني فيتمحور حول الكيانات الرافضة للاتفاق، وإن كان بعضها داعمًا للحراك بداية الأمر، والتي اختارت لنفسها درب المعارضة، أما القسم الثالث فيتمثل في التيار الإسلامي والذي يمثّل محورًا هامًا لا يمكن تجاهله عند الحديث عن التشكيله الجديدة للمنتخب السياسي السوداني.
قوى الحرية والتغيير
تمثّل قوى الحرية والتغيير رأس حربة الخارطة السياسية السودانية الجديدة، فهي المظلة الرئيسية للقوى والحركات السياسية الداعمة لثورة ديسمبر، وتتشكل من عدد من المكونات على رأسها تجمّع المهنيين السودانيين، الجبهة الثورية وتحالف قوى الإجماع الوطني وكذا التجمع الاتحادي المُعارِض.
أولا: تجمع المهنيين
تأسس هذا الكيان في عام 2013 بعد الاحتجاجات التي عمت البلاد في سبتمبر/أيلول من ذلك العام على يد نخبة من أساتذة الجامعات والأطباء والمهندسيين والمحامين والنقابيين، إلا أن الإعلان الرسمي عنه كان في أغسطس/آب 2018 في ظل تعتيم على أعضائه وهيئاته لأسباب أمنية. كما أن للتجمع أهدافاً واضحة.
كان الهدف من بداية تدشينه التصدي لتدهور الأوضاع المعيشية في البلاد، خصوصاً ما يتعلق بالأجور، فأعد لذلك دراسات متعددة ساعياً للضغط على الحكومة لرفع الحد الأدنى للأجور، ثم قاد بعد ذلك الاحتجاجات التي ساهمت في الإطاحة بالبشير.
ووفق الإحصائيات شبه الرسمية فإن أعضاء هذا التجمع تتجاوز مئات الألوف، كما أنه يتكون من عدد من التنظيمات أبرزها: تحالف المحامين الديمقراطيين، شبكة الصحفيين السودانيين، لجنة الأطباء المركزية ولجنة المعلمين السودانيين.
ثانيًا: الجبهة الثورية
تأسست الجبهة الثورية عام 2012 من خلال عدد من الحركات المسلحة من عدة أقاليم سودانية، إلا أنها مؤخرًا سعت لضم ممثلين عن بعض الأحزاب السياسية وتنظيمات المجتمع المدني السوداني، وهو ما ساهم في توسعة رقعتها وتعزيز تأثيرها الميداني والسياسي.
يتصدر تحالف “نداء السودان” قائمة الكيانات التي تشكل الجبهة، ويرأسه الصادق المهدي، زعيم حزب الأمة الذي يعتبر المكون الأبرز للتحالف، يليه حزب “المؤتمر السوداني” بزعامة عمر الدقير، وهو من الأحزاب السياسية الصاعدة في المسرح السياسي في الفترة الأخيرة، وبات منافساً قوياً للأحزاب التقليدية، ثم يأتي بعد ذلك حزب “التحالف السوداني”.
رغم غيابهم عن المشهد الراهن إلا أن الإسلاميين سيظلوا ورقة سياسية هامة في الخارطة وإن تراجع دورهم مؤخرًا، لما لهم من قاعدة جماهيرية كبرى، نجحت على مدار عقود طويلة مضت من ترسيخ أركانها
يذكر أن “نداء السودان” امتداد لبعض الكيانات المعارضة التي تشكلت منذ تسلم البشير الحكم قبل 30 عامًا، أشهرها “التجمع الوطني الديمقراطي” في العام 1995، الذي تفكك بعد توقيع عدد من أحزابه اتفاقيات منفصلة مع النظام، مثل حزب “الأمة” في العام 1999 و”الحركة الشعبية” في 2005. وخلال الانتخابات العامة، عادت الأحزاب للتحالف من جديد تحت اسم “تحالف جوبا”، وحين فشل أنشأت تحالفاً جديداً باسم “قوى الإجماع الوطني”، لكن أحزاباً منها انشقت مجدداً، لتجتمع مع حركات مسلحة وتتفق معها في العام 2014 على تأسيس جسم جديد باسم النداء.
أما عسكريًا فتضم الجبهة عددًا من الحركات المسلحة أبرزها 3 حركات، الأولى: حركة “العدل والمساواة” (تقاتل في إقليم دارفور)، بقيادة جبريل إبراهيم التي تأسست في العام 2003، وانشق معظم قادتها، ومنهم القيادي المؤسس خليل إبراهيم، عن صفوف نظام البشير، اعتقاداً منهم بأنه يهمّش أقاليم السودان، خصوصاً دارفور.
أما الثانية فهي حركة “تحرير السودان” (تقاتل الحكومة في إقليم دارفور/غرب)، بزعامة مني أركو مناوي، الذي سبق له في العام 2006 أن دخل في تفاوض مع نظام البشير ووقعا على اتفاق قاده إلى القصر مساعداً للبشير، لكن سرعان من توترت الأجواء بينهما مرة أخرى، نتيجة شعور مناوي بعدم جدوى خطواته مع الرئيس آنذاك.
وتأتي “الحركة الشعبية قطاع الشمال” فصيل مالك عقار، لتكمل أضلاع المثلث الثلاثة، ، ومنها يبرز دور رئيسي لنائب رئيس الحركة، ياسر عرمان، في تحريك الأوراق داخل الجبهة أما الفصيل الآخر لـ”قطاع الشمال”، بزعامة عبد العزيز الحلو، فقد نأى بنفسه عن المشاركة السياسية.
حضور فعال لقوى الحرية والتغيير خلال المرحلة الانتقالية
ثالثًا: قوى الإجماع الوطني
يعد هذا التحالف خليط من أحزاب المعارضة السودانية التي رفضت المشاركة في الحياة السياسية إبان حكم البشير، اعتراضا على بقاءه في الحكم، تأسس أواخر عام 2009، متكونًا من 17 حزبًا معارضًا (4 رئيسية و9 يسارية صغرى) تحت قيادة فاروق أبو عيسى.
يتصدر هذا التحالف حزب” الأمة” الذي تأسس عام 1945 بقيادة الإمام عبد الرحمن المهدي ليكون أول حزب سياسي شعبي يهدف إلى التخلص من الحكم الثنائي، البريطاني والمصري، وبناء دولة واحدةٍ تقوم على أسس المساواة والعدل والحرية، وقد واجه محطات عدة في تاريخه أبرزها بعد تسلم البشير السلطة.
دخل الحزب في توافق نسبي مع البشير، بعد لقاءت عقدها الصادق المهدي معه في 1999، خارجا من صفوف المعارضة، لكن سرعان ما عاد للعمل المعارض مرة أخرى بعد انهيار الاتفاق مع السلطة الحاكمة آنذاك، ليوقع وثيقة في يناير 2013 يدعو فيها لإسقاط البشير وإقامة فترة انتقالية لمدة خمس سنوات يتم فيها وضع دستورٍ للبلاد يفصل الدين عن الدولة.
ثم تأتي الحركة الشعبية لتحرير السودان، الجناح السياسي لجيش التحرير الشعبي السوداني، الذي وضع بذرتها الأولى جعفر النميري، عام 1983 حين أرسل قوة لقمع تمرد قام به 500 جندي في جنوب السودان، أما الكيان الثالث لهذا التحالف فهو حزب المؤتمر الشعبي، الذي أسسه الدكتور حسن الترابي عام 1999، بعد الانشقاق عن حزب المؤتمر الوطني الحاكم.
أما رابع الأحزاب فهو الحزب الشيوعي السوداني، الذي تأسس عام 1946، ويعد ثاني أكبر الأحزاب الشيوعية في العالم العربي، عُرف بداية تأسيسه باسم «حستو» اختصارًا للحركة السودانية للتحرر الوطني، لكن بعد عشر سنوات تم اعتماد اسمه الحالي.
رابعًا: التجمع الاتحادي
يعد هذا التجمع امتداد لمشوار “الحزب الاتحادي الديمقراطي” وهو أحد أكثر الأحزاب شعبية في السودان، إذ يضم الطرق الصوفية وزعماء القبائل وصفوة من خريجي الجامعات السودانية، وكان له دور محوري في قيادة البلاد نحو الاستقلال من الاستعمار البريطاني عام 1956.
ومع مرور الوقت شهد الحزب حالات انقسام حادة، خاصة بعد أن آلت الزعامة فيه لمحمد عثمان الميرغني لسنين طويلة، أنهاها في العام 2012 بتحالف مع نظام البشير والمشاركة في سلطته، وهو ما رفضته القاعدة الشبابية التي كانت تمثل المحور الأكثر تأثيرًا، ومع تصاعد الخلاف برزت مجموعة من الفصائل والتيارات، اجتمعت وأسست “التجمع الاتحادي” المعارض، الذي انضم إلى ميثاق “الحرية والتغيير”، وانخرطت قواعده في الحراك الثوري منذ 19 ديسمبر الماضي.
ومن أبرز الفصائل التي انضمت لتدشين هذا التحالف “الوطني الاتحادي الموحد”، و”الحزب الاتحادي الديمقراطي – العهد الثاني”، و”الوطني الاتحادي”، و”الاتحادي الموحد”، و”الحركة الاتحادية”، و”الاتحاديون الأحرار”، و”التيار الحر”، إضافة إلى معارضين لا ينتمون لأي من تلك الفصائل.
لا تمثل القوى المنضوية تحت إعلان الحرية والتغيير كافة أطياف الشعب السوداني، فهي لا تعبر إلا عن حفنة قليلة من القوى الساعية للحصول على السلطة.. هكذا يرى تحالف “تنسيقية القوى الوطنية” السودانية المشهد الحالي
التيار الإسلامي
رغم غيابهم عن المشهد الراهن إلا أن الإسلاميين سيظلون ورقة سياسية هامة في الخارطة وإن تراجع دورهم مؤخرًا، لما لهم من قاعدة جماهيرية كبرى، نجحت على مدار عقود طويلة مضت من ترسيخ أركانها، شهدت العلاقات بينها وبين السلطة موجات متتالية من المد والجذر.
وتربط التيار الإسلامي علاقة مرتبكة مع قوى الحرية والتغيير، فهي تطالب بحل المؤسسات والكيانات التي تعبر عن هذا التيار وتدعمه وإن كانت لا تنتمي إليه بصورة مباشرة، باعتبارها تمثل الدولة الموازية للإسلاميين التي نشأت برعاية حزب المؤتمر الحاكم، ويتصدر 3 تكتلات سياسية قائمة تلك المؤسسات.
الأول: قوات الدفاع الشعبي، التي أسسها نظام الإنقاذ بمنأى عن قيادة الجيش، وقد لعبت هذه القوات دورًا كبيرًا في قمع الاحتجاجات في بداياتها، واصطدمت في أحيانٍ كثيرة بالقوات النظامية التي كان يحتمي بها المتظاهرين، هذا بخلاف الدور الذي لعبته في الحرب الأهلية السودانية التي بدت وكأنها صراع بين دولة الإسلام والكفار، وبالفعل اُستخدمت شعارات الجهاد لتعبئة وحشد الشباب لقتال الجنوبيين، وانتهى دورها في هذه الحرب بانفصال جنوب السودان في عام 2011.
الثاني: الاتحاد الوطني للشباب، وهو المغذي الأول لحزب المؤتمر الحاكم بالكوادر الشبابية، وينظر إليه على أنه مدرسة قادة المستقبل الذي تساهم في تخريج قادة الدولة خلال السنوات القادمة، يغلب على قيادات هذا الاتحاد ومنتسبيه الطابع الإسلامي المميز، ومن ثم تصاعدت دعوات قوى الحرية لتفكيكه.
الثالث: الحركة الإسلامية، وهي الذراع الديني لحزب المؤتمر الوطني. وتأسست الحركة عام 1954، واحتفظت باسمها الحالي منذ عام 2004، وقد تعرضت مقاراتها للمداهمة من قبل الأمن السوداني بعد عزل البشير إبريل الماضي، وتم اعتقال عدد من عناصرها.
هذا بالإضافة إلى تحالف القوى الإسلامية المسمى بـ “تيار نصرة الشريعة” وهو تيار مكون من كيانات وشخصيات وشباب يولون قضية تحكيم الشريعة أهمية بالغة، ورغم دعمهم بداية الأمر للحراك الثوري، إلا أنهم يحذرون مما أسموه “اختطاف ” قوى الحرية والتغيير الثورة ومحاولة إمتطائها بهدف طمس الهوية الإسلامية للشعب السوداني على حد تعبيرهم.
قاعدة شعبية كبيرة للإسلاميين في السودان
تنسيقية القوى الوطنية
لا تمثل القوى المنضوية تحت إعلان الحرية والتغيير كافة أطياف الشعب السوداني، فهي لا تعبر إلا عن حفنة قليلة من القوى الساعية للحصول على السلطة.. هكذا يرى تحالف “تنسيقية القوى الوطنية” السودانية المشهد الحالي، معتبرين أن معارضة الاتفاق المبرم هدفهم في المرحلة المقبلة رغم مشاركتهم في الاحتجاجات الشعبية المطالبة بإسقاط حكم البشير.
وتضم التنسيقية قرابة 179 حزباً وحركة مسلحة وتحالفاً شبابياً في 7 كتل سياسية كبيرة، وتعتبر أن “الثورة السودانية يتم اختطافها عبر ثلة من قادة الأجهزة العسكرية الطموحين بالتعاون مع شلة من الأحزاب تسمت بقوى الحرية والتغيير، وهي ليست بقوى حرية ولا تغيير بل هي الوجه المدني للانقلاب العسكري على الثورة”.
وتابعت في بيان لها “ذلك الانقلاب الذي تم بدعم وتنسيق من قوى إقليمية ودولية ظلت تعمل علي فرض أجندتها الأمنية والسياسية والاقتصادية على السودان منذ مبارحة المستعمر لأرض السودان، لاسيما المحور الإقليمي المعروف بإجهاضه لثورات الربيع العربي”.
ومن أبرز القوى المنضوية تحت لواء التنسيقية، حزب المؤتمر الشعبي بقيادة الدكتور على الحاج، الجبهة الوطنية للتغيير بقيادة الدكتور غازي صلاح الدين وتضم 22 حزبًا، تحالف نهضة السودان، تحالف أحزاب وحركات شرق السودان بقيادة شيبة ضرار، حزب الاتحاد الديمقراطي، تيار القوى الفيدرالية، التنسيقية العامة للحركات المسلحة، تجمع الاتحاديين الديمقراطيين، بالإضافة إلى تحالف القوى الوطنية الديمقراطية برئاسة فضل السيد عيسى شعيب ويضم 21 حزبًا.
يعد الفريق محمد حمدان دقلو “حميدتي” أحد أبرز الوجوه التي فرضت نفسها مع بداية الاحتجاجات
عسكريون يقودون المرحلة
تصدر عدد من العسكريين المشهد السياسي بعد الإطاحة بالبشير، بعضهم ربما كان بعيدًا عن الأضواء، وأخرين لم يتجاوز دورهم الحد المرسوم، فيما تم الإطاحة بالشخصيات البارزة التي ظلت لسنوات طويلة تحت دائرة الضوء، على رأسها الفريق أول صلاح قوش، رئيس الأمن القومي السوداني الأسبق، ومستشار الرئيس السوداني حتى أغسطس 2009، كذلك الفريق أحمد عوض بن عوف وزير الدفاع السابق.
ويعد الفريق محمد حمدان دقلو “حميدتي” أحد أبرز الوجوه التي فرضت نفسها مع بداية الاحتجاجات، فهو قائد قوات الدعم السريع، ( قوات شبه عسكرية يعتقد أنها تتألف من عشرات الآلاف من الجنود وتواجه اتهامات بالإبادة الجماعية في حرب دارفور) كما أنه عضو المجلس السيادي، ويصنفه البعض بأنه رجل السعودية والإمارات في البلاد، ويمكن القول إنه أقوى رجل في السودان
ورغم الاتهامات التي وجهات للقوات التي يرأسها بفض اعتصام القيادة العامة قبل أشهر وأسفر عن مقتل ما يزيد عن مائة معتصم سوداني، إلا أن الرجل استطاع تجاوز تلك الاتهامات ليتصدر بورصة التكهنات السياسية بإدارة المرحلة الانتقالية مدعوما من قبل العديد من القوى الخليجية والإقليمية المجاورة.
شهر
ثم ياتي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس المجلس العسكري الانتقالي سابقًا، ورئيس المجلس السيادي حاليًا، كان يشغل منصب المفتش العام للقوات المسلحة السودانية، ويعد ثالث أكبر قائد عسكري في الجيش.
أشرف على القوات السودانية الداعمة لقوات التحالف بقيادة السعودية في اليمن، كما أن له صلات وثيقة بكبار القادة العسكريين في الخليج بحكم مسؤوليته عن تنسيق المشاركة العسكرية السودانية في الحرب، ألا أن حياته العامة لايُعرف عنها الكثير، ورغم أنه رئيس المجلس السيادي إلا أن تأثيره ربما لم يبلغ مستوى حميدتي الطامع في الكرسي منذ الوهلة الأولى.
وينضم الفريق ركن شمس الدين كباشي، الناطق الرسمي باسم المجلس العسكري الانتقالي، وعضو المجلس السيادي الحالي، إلى بورصة العسكريين أصحاب الكلمة العليا في المرحلة المقبلة، ويشغل نائب رئيس أركان القوات البرية والتدريب السودانية، ويتمتع بشعبية قوية داخل الجيش.
هذا بخلاف كلا من أعضاء المجلس العسكري، الفريق أول عمر زين العابدين محمد، الفريق أول شرطة الطيب بابكر، مدير عام قوات الشرطة، الفريق أمن جلال الدين الشيخ، نائب المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات الوطني، والفريق ركن ياسر عبد الرحمن العطا، الذي قاد الفرقة 14 مشاة، وتولى مواجهة التمرد في جنوب كردفان. والذي يشغل حاليا منصب قائد قوات حرس الحدود، ويعتبر من الشخصيات المؤثرة في القوات المسلحة السودانية.
يتمتع “حميدتي” بعلاقات قوية بالسعودية والإمارات
سياسيون مدنيون
يتصدر رئيس الحكومة الجديد، عبدالله حمدوك، قائمة السياسيين الفاعلين في المشهد السوداني المرحلة الحالية، إذ يتمتع رئيس الوزراء الحاصل على بكالوريوس الشرف من جامعة الخرطوم، وعلى ماجستير ودكتوراه في علم الاقتصاد من كلية الدراسات الاقتصادية بجامعة مانشستر في بريطانيا، بسجل حافل من الخبرات الاقتصادية، حيث عمل في أكثر من كيان اقتصادي، محلي وإقليمي ودولي.
عمل الرجل خبيرًا اقتصاديًا وخبيرًا في مجال إصلاح القطاع العام والحوكمة والاندماج الإقليمي وإدارة الموارد وإدارة الأنظمة الديمقراطية والمساعدة الانتخابية، بدايته المهنية كانت عام 1981 حين التحق بالعمل في وزارة المالية السودانية وظل فيها حتى 1987، وابتعث بعدها إلى بريطانيا لنيل الماجستير.
وفي 1995 التحق بشركة مستشارين خاصة في زيمبابوي، ومن ثم عمل مستشارًا في منظمة العمل الدولية في ذات البلد حتى العام 1997، بعد ذلك التحق ببنك التنمية الإفريقي في ساحل العاج، ليبقى هناك قرابة 4 سنوات، قبل أن ينضمّ للجنة الاقتصادية لإفريقيا التابعة للأمم المتحدة بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، في عدة مواقع حتى أصبح نائبًا للأمين التنفيذي.
فرض محمد ناجي الأصم، المتحدث باسم تجمع المهنيين السودانيين وممثل قوى إعلان الحرية والتغيير، في مراسم حفل توقيع الوثيقة الدستورية، نفسه كواحد من الكوادر الشبابية الواعدة
ثم يأتي الصادق المهدي، رئيس حزب الأمة القومي المعارض، في موقع متصدر من القائمة، لما للرجل من تاريخ سياسي طويل، أهله لتقلد العديد من المناصب، هذا بخلاف ما يتمتع به من سمعة طيبة بين الأوساط السياسية السودانية، الداعمة للحكومة أو حتى المعارضة.
وقد عاد المهدي الحاصل على الماجستير في الاقتصاد من جامعة أوكسفورد عام 1957، من منفاه في لندن بعد أن أندلعت احتجاجات في السودان، في 19 من شهر ديسمبر/ كانون الأول الجاري، بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية ورفض قرار الحكومة برفع سعر الخبز، ليشارك في الحراك الثوري الذي أطاح بالنظام السابق.
انتخب رئيسا لوزراء السودان بين عامي 1966 و1967 وعامي 1986 و1989 ، في عام 2014 وجه انتقادات للسلطات السودانية وتعرض للاعتقال وكان قد سجن عدة مرات سابقا في الاعوام 1969 و1973 و1983 و 1989، و منذ مارس الماضي يرأس “قوى نداء السودان”.
كما فرض محمد ناجي الأصم، المتحدث باسم تجمع المهنيين السودانيين وممثل قوى إعلان الحرية والتغيير، في مراسم حفل توقيع الوثيقة الدستورية، نفسه كواحد من الكوادر الشبابية الواعدة، التي يتوقع أن يكون لها دور محوري في إدارة المرحلة المقبلة، لما يتمتع به من حنكة وذكاء سياسي.
كذلك السفير طه أيوب، الذي ارتبط اسمه بمقعد نائب رئيس المجلس السيادي المخصص للمدنيين، وهو قيادي بتحالف قوى الحرية والتغيير، تعرَّض للاعتقال خلال الأيام الأولى التي أعقبت اندلاع الثورة السودانية، حيث اقتادته قوات أمنية من منتدى النادي العائلي بالخرطوم إلى جهة غير معلومة، قبل أن يتم الإفراج عنه لاحقاً.
التحق بالعمل الدبلوماسي في وزارة الخارجية نهاية ستينات القرن الماضي، متدرجاً بوظائفها، كما عمل في عدد من سفارات السودان بالخارج، قبل أن يتم تعيينه وزيراً للخارجية في الحكومة الانتقالية التي أعقبت انتفاضة أبريل/نيسان 1985.
الأمر ذاته مع الدكتور مضوي إبراهيم، الأستاذ بكلية الهندسة جامعة الخرطوم، والذي كان مرشحا لرئاسة الوزراء، وهو يعتبر من الشخصيات المثيرة للجدل قبل سقوط النظام، حيث تم اعتقاله من قبل السلطات الأمنية في حقبة النظام السابق، وتعرَّض لمحاكمة بتهمة التجسس، قبل أن ينال براءته بواسطة المحكمة، ليذاع اسمه وزيراً للمعادن في عهد ذات الحكومة التي اتهمته بالتجسس، وألقت به في السجن، وهو المنصب الذي اعتذر عن تولّيه لاحقاً.
ومن الأسماء التي يتوقع أن يكون لها دور مستقبلي، رئيس حزب المؤتمر، عمر الدقير، الذي عمل استشارياً في مشاريع البنى التحتية في إمارة أبوظبي بدولة الإمارات، والأمين العام للنادي السوداني في أبوظبي لدورتين، ثم أصبح رئيساً لحزب المؤتمر خلفاً لرجل الأعمال إبراهيم الشيخ بعد اختياره عن طريق المؤتمر العام الخامس للحزب في 2016.
سُجن في فترة حكم جعفر النميري لأسباب سياسية، كما ولج “الدقير” سجون كوبر ودبك وسواكن في فترة البشير الذي وصل إلى سدة الحكم بعد انقلاب يعرف باسم “الإنقاذ” الذي أطاح حكومة الأحزاب الديموقراطية التي كان يرأسها في ذلك الوقت، الصادق المهدي، يونيو 1989.
المحور الداعم للثورات المضادة بذل قصارى جهده للإبقاء على الحكم العسكري بكامل هيئته لإدارة المشهد في الدولة صاحبة الموقع الاستراتيجي الهام للدول الثلاث
قوى خارجية
الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي السوداني لم تقتصر على الداخل فحسب، فالأزمات الاقتصادية والسياسية والأمنية التي تتعرض لها الدولة الإفريقية طيلة العقود الماضية أوقعتها في كثير من الأحيان أسيرة الضغوط الخارجية التي يأتي معظمها في صور اقتصادية.
ويمثل محور (السعودية، الإمارات، مصر) أكبر المحاور ذات التأثير في الداخل السوداني، إذ يقود ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد -إلى جانب محمد بن سلمان وعبد الفتاح السيسي- الجهود المبذولة لمحاربة الحركات الإسلامية السياسية التي يرونها تهديدا وجوديا لبلدانهم والمنطقة.
المحور الداعم للثورات المضادة بذل قصارى جهده للإبقاء على الحكم العسكري بكامل هيئته لإدارة المشهد في الدولة صاحبة الموقع الاستراتيجي الهام للدول الثلاث، وهو ما عكسته الجولات المكوكية لأعضاء المجلس العسكري الانتقالي، على رأسهم البرهان وحميدتي، لعواصم تلك الدول خلال الفترة الماضية.
ورغم ما كان يراه هذا المحور بأن المجلس العسكري هو الرهان الأكثر أمانا، خشية تكرار النموذج وتجاوزه الحدود السودانية، إلا أنها لم تغب عن مشهد الاحتفاء بتوقيع الاتفاق، والذي فرض عليها فرضا بعد نجاح الوسيط الإثيوبي في تقريب وجهات النظر بين الطرفين.
القبول بالوضع الراهن والظرفية الآنية لما آلت إليه التطورات في المسار السوداني لا يعني رفع الكف عن التدخل في الشأن الداخلي، وهو الأمر الذي يفسره خبراء بأنها خطوة للوراء في محاولة لإعادة قراءة المشهد وفق مستجداته، بما يحقق مصالح تلك الدول وفتح صفحات جديدة مع السلطة الحالية.