فيما يعتقد أنها أول حالة وفاة مسجلة وأول ضحيّة من ضحايا السجائر الإلكترونية، أعلنت سلطات الصحة في في ولاية إلينوي الأمريكية وفاة شخص مصاب بمرض خطير في الجهاز التنفسي نتيجة تعاطي السجائر الإلكترونية، وقال مدير مركز السيطرة على الأمراض روبرت ريدفيلد: “نشعر بالحزن لوفاة أول حالة تتعلق بتفشي مرض الرئة الحاد بين مدخني السجائر الإلكترونية أو أجهزة تبخير التبغ”، معتبرًا أن “هذا الموت المأساوي في ولاية إلينوي يعزز المخاطر الخطيرة المرتبطة بمنتجات السجائر الإلكترونية.”
ويأتي هذا الإعلان في وقت انتشر فيه مرض غامض في الولايات المتحدة يصيب الرئة ويرتبط بتدخين السجائر الإلكترونية، وبدأ الخبراء تحقيقًا موسعًا حوله وحول أضرار هذا النوع من التدخين. فيما أكدت المراكز الأمريكية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها أنها على علم بوجود 193 حالة محتملة من أمراض الرئة الحادة في 22 ولاية يمكن أن يكون سببها التدخين الإلكتروني.
ووفقًا لوزارة الصحة بولاية إلينوي فإن المرضى “عانوا من مجموعة متنوعة من الأعراض، بما في ذلك السعال وضيق التنفس والإرهاق والقيء والإسهال، التي تفاقمت على مدى أيام أو أسابيع قبل الدخول إلى المستشفى”، وقالت الوزارة “مع ذلك، لم يتم تحديد أي منتج محدد في جميع الحالات، ولم يرتبط أي منتج بشكل قاطع بالأمراض”، مضيفةً أنه على الرغم من أن الحالات تبدو متشابهة، فإنه ليس واضحًا ما إذا كانت هذه الحالات لها سبب شائع أو إذا كانت أمراضًا مختلفة لها أعراض مماثلة.
هذه الحادثة أثارت جدلًا عالميًا واسعًا، خصوصًا أنه في بداية الترويج لظاهرة التدخين الإلكتروني، كانت الفكرة الرائجة أنها ستتغلب على المخاطر والأمراض التي يسببها التدخين التقليدي.
الجدير بالذكر أنه في العام الماضي توفي شخص في الولايات المتحدة بسبب انفجار سيجارته الإلكترونية، حيث توفي تولمادج ديليا في منزله بولاية فلوريدا الأمريكية عندما انفجرت سيجارته الإلكترونية واخترقت شظاياها جمجمته، مع حروق في جسده.
طُرحت السجائر الإلكترونية في الأسواق بدعاية أنها بديل للتدخين التقليدي الذي يسبب السرطان، ولأن الترويج الذي رافق ظهورها كان كبيرًا ولافتًا للأنظار، انتشرت بسرعة كبيرة بين الأجيال كافة
ظهور التدخين الإلكتروني
ظهرت فكرة التدخين الإلكتروني عام 1963، كمحاولة لاستبدال السجائر العادية التي تعتمد على حرق التبغ بهواء ساخن بنكهات منوعة، إلا أن فكرة السيجارة الإلكترونية اخترعها الصيدلي الصيني هون ليك عام 2003 الذي قدم فكرة تبخير محلول البروبيلين جليكول باستخدام الموجات الفوق صوتية المنتجة عن طريق جهاز كهروضغطي، ثم بدأت في الظهور بالسوق الصينية مايو 2004 كبديل ومساعد للإقلاع عن التدخين.
طُرحت السجائر الإلكترونية في الأسواق بدعاية أنها بديل للتدخين التقليدي الذي يسبب السرطان، ولأن الترويج الذي رافق ظهورها كان كبيرًا ولافتًا للأنظار، انتشرت بسرعة كبيرة بين الأجيال كافة في مختلف أنحاء العالم، واختلفت أسباب الإقبال عليها إلا أن النسبة الكبيرة كانت للذين يريدون الإقلاع عن التدخين وهذا السبب هو أحد وسائل الدعاية للسجائر الإلكترونية.
يشمل هذا النوع من التدخين الحديث أشكالاً متعددة، منها الأقلام الإلكترونية والأنابيب الإلكترونية والنرجيلة الإلكترونية والسيجار الإلكتروني، وتعمل السجائر الإلكترونية عمومًا باستخدام البطاريات وتستخدم عنصر تسخين السائل الإلكتروني من عبوة قابلة لإعادة الملء، مما يؤدي إلى إطلاق البخار المملوء بالمواد الكيميائية.
تحتوي السيجارة الإلكترونية على بطارية تقوم بتسخين سائل يحتوي على النيكوتين ومادتي الغليسيرول وبروبلين الغليكول، بالإضافة إلى نكهات يستنشق المدخن بخارها، ولأنه لا يوجد احتراق فهي لا تنتج أول أوكسيد الكربون أو القطران، وهما الأشد ضررًا في سجائر التبغ.
أضرار
وجدت دراسة حديثة من جامعة نورث كارولينا، أنه من المرجح أن يؤدي استنشاق المكونين الأساسيين الموجودين في السجائر الإلكترونية (البروبيلين جليكول والجلسرين النباتي) إلى تعريض المدخن لمستوى عالٍ من السموم، ولم تُعرف حتى الآن الآثار المترتبة على السجائر الإلكترونية على المدى المتوسط والطويل، لأنها منتج جديد.
وفي العام الماضي أصدرت الأكاديميات الوطنية للعلوم والهندسة والطب في الولايات المتحدة، تقريرًا يقول إن استخدام السجائر الإلكترونية يسبب مخاطر صحية، وخلص إلى أن السجائر الإلكترونية تحتوي على عدد من المواد السامة التي تنبعث منها، ويشير تقرير الأكاديميات أيضًا إلى وجود أدلة معتدلة على أن الشباب الذين يستخدمون السجائر الإلكترونية معرضون بشكل متزايد لخطر السعال والصفير وزيادة في تفاقم الربو.
من جهتها شدد منظمة الصحة العالمية في تقرير لها عن مخاطر التبغ، على أن “السجائر الإلكترونية وأجهزة تسخين التبغ لا تساعد في مكافحة السرطان”، وحثت المدخنين والحكومات على عدم الوثوق بما تردده شركات السجائر عن أحدث منتجاتها، وأوضح فيناياك براساد مدير برنامج وحدة مكافحة التبغ بالمنظمة، أن “تطوير منتجات جديدة يهدف فقط إلى توسيع أسواق شركات التبغ”، وتشير أحدث بيانات منظمة الصحة العالمية إلى أن التدخين يتسبب في وفاة أكثر من 7 ملايين شخص في العالم سنويًا.
في يونيو الماضي، صوت مجلس المراقبين في مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية على فرض حظر مؤقت على بيع السجائر الإلكترونية في المدينة في أول خطوة من نوعها في الولايات المتحدة، وحينها قال النائب العام لمدينة سان فرانسيسكو دينيس هيريرا، إنّ “السجائر الإلكترونية منتج غير مسموح ببيعه في الأسواق بموجب القانون دون مراجعة إدارة الغذاء والدواء”، مضيفًا “تدخين الشباب الآن للسجائر الإلكترونية بات وباءً، إن لم تتحرك الحكومة الاتحادية لحماية أطفالنا، فسوف تتحرك سان فرانسيسكو”.
منافسة اقتصادية
بسبب السجائر الإلكترونية والتشريعات المتعلقة بالتدخين، أفادت تقارير أن شركات صناعة السجائر التقليدية تكبدت خسائر بأكثر من 128 مليار دولار، وجاءت شركة صناعة التبغ البريطانية الأمريكية في مقدمة الخاسرين، بينما سجلت شركة “إمبريال براند” لصناعة التبغ انخفاضًا في قيمتها السوقية بلغ نحو 25%، في حين سجلت شركتا ألتريا وفيليب موريس خسائر في قيمتهما بلغت نحو 30%.
من جهتها استثمرت بعض شركات التبغ العملاقة الكثير في صناعة التدخين الإلكتروني بقصد التحكم بنموها، وتتخذ القرارات والسياسات المهمة المؤثرة على هذه الصناعة لضمان عدم تقدمها، فمثلاً شركة “جول” التي تربطها علاقات مع مصنع التبغ العملاق فيليب موريس، استخدمت السالت نيكوتين الذي يستخدم في جهازها الشهير البود Pod، الذي يعتبر تدخلاً مضرًا على الذين يستخدمون هذا النوع من النيكوتين.
رغم تضارب الآراء إلى وقتنا الحاليّ بشأن التدخين الإلكتروني، وتحيّر الأطباء في إصدار أحكام واضحة عنه، فإن هذا النوع من التدخين ينتشر بقوة وخاصة بين فئة الشباب، ولا يُعرف إلى الآن ما إذا كان التقليل من خطر هذه السجائر هو لمقصد تجاري ربحي فقط أم لأمر صحي.