ترجمة وتحرير نون بوست
تفاقم الصراع المحموم بين السعودية وإيران للهيمنة الإقليمية على الشرق الأوسط، هذا التفاقم ظهر بشدة في كل أنحاء المنطقة مع تشجيع وتمويل وتسليح البلدين لحلفائهما وخصوم الطرف الآخر.
لكن الخبر المفاجئ للكثيرين أنه مع استمرار الاضطرابات في المنطقة، هناك دلائل تشير إلى أن كلا القوتين الكبيرتين تسعيان إلى تهدئة الخصومة المدمرة مع غريمتها.
وبينما يعطي مسئولون في الرياض وطهران تلميحات عن الانفراجة بينهما، يقول خبراء إن الحقيقة هي أن الطرفين يحاولان التكيف مع التحولات الإقليمية الجديدة، ففي الوقت الحالي، لإيران اليد العليا، فقد استطاعت تثبيت حليفها بشار الأسد وسط حرب أهلية في سوريا، وفتحت حوارات مع الولايات المتحدة بخصوص برنامجها النووي.
قال مسؤول سعودي رفض ذكر اسمه لنيويورك تايمز إن “إيران أقوى من السعودية في الوقت الراهن، إن لديهم أوراقًا أكثر مما نمتلك”.
موقف إيران الحالي، وإن كان ضعيفًا، إلا أن له العديد من النتائج الهامة، فهو يعزز وضعها في العراق، ويعزز حلفاءها الذين يرفضون إسرائيل، ويعطي زخمًا للمعارضين للتواجد الأمريكي في المنطقة، على العكس من السعودية التي تتعاون مع إسرائيل والولايات المتحدة بشكل مباشر.
هذا التحول في المواقف أيضًا يعطي فرصة لإيران للاقتراب أكثر من دول الخليج العربي، التي تسعى السعودية للحفاظ عليها في صفها.
الآن، يفكر السعوديون في الكيفية التي هُزموا بها، فهناك خطر يشعر به آل سعود من الانسحاب الأمريكي من المنطقة، كما أن المعارضة السورية التي تدعمها، مفككة تمامًا وتخسر على الأرض، إلا أنها اكتسبت نفوذًا كبيرًا في مصر بعد دعم الانقلاب العسكري بمليارات الدولارات، لكن قيمة ذلك النفوذ تتضاءل بسبب تركيز القاهرة على استقرار الوضع الداخلي، وذلك مع استمرار تصاعد نفوذ إيران في العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن؛ وهو ما دعا السعودية لدعوة وزير الخارجية الإيراني لزيارة المملكة في موعد لم يتحدد بعد.
لكن محللين ومسئولين إقليميين يقولون إن الرغبة في الحوار لا تعني الرغبة في ردم الهوة بين الطرفين، فطبيعة الصراع السعودي الإيراني ترتبط بمعايير جيوسياسية وعرقية وطائفية وفكرية، وليست فقط ناتجة عن غياب الحوار بين الطرفين.
إيران تشعر بغرور القوة، وتركز على تلك الخلافات أكثر فأكثر، لاسيما في الحرب السورية، فخلال زيارة لإيران هذا الأسبوع، اتهم المرشد الأعلى أمام ضيفه أمير الكويت، السعودية ضمنًا بدعم التكفيريين في سوريا، قائلاً “إنهم يدعمون القتل في سوريا وعدد من الدول الأخرى” في إشارة واضحة للسعودية، التي سماها “دولاً إقليمية”.
من ناحية أخرى، فإن التشابهات بين السعودية وإيران تشحذان خلافاتهما بشكل أو بآخر، فكلا الدولتين لديهما ثروة نفطية ضخمة، وحكومة دينية تتوق للتفوق على الأخرى من حيث كونها قدوة للعالم الإسلامي.
صراع الطموحات تلك وضع السعودية السنية في حرب طويلة مع إيران الشيعية والتي تسعى لتخليص الشرق الأوسط من النفوذ الغربي منذ الثورة الإسلامية في 1979.
إيران في الفترة الأخيرة، ومنذ انتخاب “حسن روحاني” في العام الماضي، تسعى لتقليل عزلتها وتحسين اقتصادها من خلال الانضمام إلى المحادثات النووية وتعزيز علاقات طهران مع دول الخليج الأخرى، التي ترى فوائد في بناء علاقات مع إيران.
مثلاً، كان واحدًا من أهداف أمير الكويت في زيارته الأخيرة لطهران، هو التوصل إلى اتفاق لاستيراد الغاز الإيراني، وفي يناير الماضي قال الشيخ “محمد بن راشد آل مكتوم” حاكم دبي، لبي بي سي إنه “يجب تخفيف العقوبات على إيران”، مضيفًا “الجميع سيستفيد”.
السعودية استجابت للمبادرات الإيرانية بحالة من انعدام الثقة الشديدة، وزير الخارجية “سعود الفيصل” صرح أن “إيران دولة جارة، لدينا علاقات معًا، وسنتفاوض معًا”.
وبخصوص زيارة وزير الخارجية الإيراني للسعودية، فالدبلوماسيون من الجانبين يكافحون للاتفاق على جدول أعمال الزيارة، السعوديون لا يريدون أن يبدو الأمر انتصارًا في العلاقات العامة لإيران.
السعوديون أيضًا يقولون إن وزير الخارجية “جواد ظريف” أو حتى “حسن روحاني”، لا يمتلكان من الأمر الكثير، لأن مقاليد المواضيع الإقليمية في يد “قاسم سليماني” قائد فيلق القدس، نخبة الحرس الثوري الإيراني.
لكن الشعور المسيطر على السعوديين هو الخيانة من جانب الأمريكيين، فهم يشعرون أنهم يخوضون هذه المعركة وحدهم، ولذلك فقد بدأوا في زيادة التعاون الأمني في الخليج، كما أنهم شرعوا في عرض مناورات عسكرية وصواريخ باليستية قوية على التلفاز أكثر من أي وقت مضى، كما يشعر السعوديون بالقلق من تقديم أي تنازلات في صراع يرونه صراعًا صفريًا في النهاية.
يقول مسئولون سعوديون إنهم يشعرون بأنهم قد “فقدوا العراق”؛ حيث ينتهج “نوري المالكي” رئيس الوزراء الشيعي المدعوم من إيران، سياسات تثير غضب السنة الذين يمثلون أقلية نسبية في العراق، وهذا تحديدًا هو سبب عدم تخلي الرياض عن الثوار في سوريا، فالدولة ثلاثة أرباع سكانها من السنة، وتختلف كثيرًا عن العراق.