ترجمة وتحرير: نون بوست
من منا لم يرفع يده أو لم يصرخ أبدا على أطفاله؟ يمكن أن يكون المشهد مألوفا، كأن يلعب طفل في غرفة الطعام بالكرة، ويذكّره والداه بأن اللعب بالكرة ينبغي أن يكون في الحديقة ويأمرانه بالتوقف عن ركلها تجنبا لكسر شيء ما. وفي هذا الصدد، يكرر الوالدان طلبهم بمعدل أربع أو خمس مرات، إلى أن يملان ويصرخان في وجهه.
تشير الأبحاث إلى أن الصراخ في وجه الأطفال يبث فيهم على المدى الطويل الخوف من والديهم دون أن يفهموا عواقب أفعالهم. وفي هذا السياق، خلصت دراسة نشرت مؤخرا في مجلة شيلد ديفلوبمنت، إلى أن الصراخ في وجه الأطفال الصغار يزيد من حدة المشاكل السلوكية والأعراض الاكتئاب خلال مرحلة المراهقة.
عندما يتجاهل الأطفال والديهم، من السهل على الآباء أن يغضبوا لينتهي بهم المطاف إلى الصراخ في وجه أبنائهم.
وفقا للبحث، عندما يفقد الآباء السيطرة، يتوجهون للصراخ في وجه أطفالهم في عدة مناسبات. ونتيجة لذلك، يمكنهم توجيه تعليقات مهينة أو التحدث بصوت عال، الأمر الذي ستكون له عواقب خلال السنوات الأولى من حياة الأطفال.
في الحقيقة، يجادل البعض بأن الصراخ في وجه الأطفال، يُجبرهم على الاستجابة لهم. وبمجرد رفع صوتنا يتم تنشيط النظام الحوفي لعقل الطفل، الذي يقترح عليه إما التصدي أو الفرار، وهو ما يؤكد لنا أنهم يشعرون بأن جسمهم مهدد. بالإضافة إلى ذلك، أظهرت دراسة أخرى أن الدماغ قد يواجه تغييرات بسبب التعرض للسلوكيات المسيئة في وقت مبكر، وعلى وجه التحديد عند استخدام اللغة العدوانية ضدهم.
توضح أخصائية علم النفس الأسري والمعالجة، إليسيندا باسكوال أن العدوانية بشكل عام تعد أمرا ضروريا لحياتنا
في حال كان الصراخ لا يفي بالغرض ويسبب الألم، وفي ظل شعور الوالدين بالرضا بعد الصراخ على طفلهم، لسائل أن يسأل؛ فلماذا يفعلون ذلك؟ ربما لأننا نشعر بالارتباك أو الغضب، وهذا بدوره يجعلنا نرفع أصواتنا. في المقابل، يتعلم الطفل أولا من سلوكنا ويقلد ما يقوم به الوالدين. لذلك، إذا كان الصراخ والعدوانية يشكلان جزءا من الحياة الطبيعية في حياتهم اليومية، فسينعكس هذا السلوك يوما ما على الطفل ويؤثر عليه.
من جانبها، توضح أخصائية علم النفس الأسري والمعالجة، إليسيندا باسكوال أن العدوانية بشكل عام تعد أمرا ضروريا لحياتنا. وفي هذا الصدد، صرحت باسكوال قائلة إن “إتباع هذا الأسلوب يعد أمرا ضروريا في بعض المواقف على غرار تحذير الطفل وإجباره على التوقف إذا ما كان يرغب في عبور الشارع بسرعة، أو طلب “النجدة” عندما تشتعل النيران في المنزل”.
إذا اعتاد الأطفال على الصراخ، فسينتهي بهم الأمر إلى إعادة إتباع هذا السلوك.
إذن، ما الذي يحدث عندما نصرخ أو نمارس العنف اللفظي تجاه هذه المخلوقات الصغيرة؟ توضح خبيرة النفس أنه “على الرغم من أننا نقوم بنفس الممارسة، إلا أنه يمكننا التمييز بين المشاعر المختلفة. وفي الحالات الأولى، نرى بوضوح أن الصراخ لا يعد مصدر ضرر لأحد، بل على العكس من ذلك، لأنه يُمارس بهدف السعي إلى الحصول على مزيد من الرفاهية أو الراحة أو البقاء على قيد الحياة”.
وأضافت الخبيرة قائلة: “عندما يكون الصراخ ممارسة متكررة في المنزل، مصحوبة بإهانات وكلمات مسيئة، إلى جانب مشاعر الغضب الجنوني وعدم الشعور بالراحة بالنسبة للبالغين، سيكون لدينا مزيج من العوامل السلبية التي يمكن أن تضر ليس فقط بالتطور العاطفي الصحي لدى هذه الكائنات الصغيرة، وإنما قد يجعلهم عرضة للمعاناة النفسية والسلوكيات غير المنتجة، والاكتئاب، وتدني تقدير الذات.
وضحت باسكوال أننا في معظم المناسبات نصرخ لأننا لم نعد نعلم ما الذي ينبغي فعله
بالإضافة إلى ذلك، يتعلم الفتيات والفتيان، منذ ولادتهم، فهم العالم من خلال شخصيات الأم والأب. وبهذه الطريقة، يمكن أن يؤدي الربط بين التربية والأبوة والأمومة وبين فعل الصراخ إلى حدوث تشويه لما هو صحي ومحترم، مما يجعل الأطفال يتعودون على هذه الممارسات”.
في هذا الإطار، وضحت باسكوال أننا في معظم المناسبات نصرخ لأننا لم نعد نعلم ما الذي ينبغي فعله. وتابعت باسكوال حديثها قائلة: “في بعض الحالات نفقد أعصابنا بسبب التعب أو الإرهاق أو اليأس. وينتهي الأمر بالعديد من العائلات إلى استخدام هذا الأسلوب في المواقف التي تطرقنا إليها سابقا وغالبا ما ينتاب الآباء بعد ذلك شعور بالذنب”.
مفاتيح لتجنب الصراخ في المنزل
تشير الخبيرة إلى بعض الاستراتيجيات لتحويل عائلتنا إلى بيئة خالية من الصراخ.
1. يستحسن تحديد اللحظات التي تدفعنا إلى الوقوع في هذه الممارسات بسهولة. وعلى ضوء ذلك، تشير الخبيرة إلى أن “معرفة التقلبات العاطفية لدينا، ومستويات طاقتنا على مدار الساعة فضلا عن مستوى الطاقة لدى أطفالنا يمكن أن يساعدنا على التخطيط بشكل أفضل للتحكم في طريقة تربية أطفالنا”.
2. يجب أن نفهم أن الصراخ المتكرر يضر بصحة الأسرة وخاصة الأطفال. في المقابل، إذا ارتكبت هذا الخطأ، فسيكون من الأفضل أن تفكر في الأمر وتوضح المطالب التي ترغب في تنفيذها، والسيطرة على الوضع في اللحظة ذاتها، فضلا عن تعزيز بيئات مناسبة لنمو الأطفال وتحديد حالتك المزاجية السيئة والتحكم فيها. وإذا تطلب الأمر، بإمكانك طلب مساعدة مختص.
3. ينبغي أن تحدد مجموعة من الإجراءات الواضحة والثابتة لتنفيذها عندما يتجاوز طفلك حدوده دون توجيه عقوبات أو تهديدات. فإذا تطرقنا من جديد إلى مثال اللعب بالكرة في غرفة الطعام، لابد أن نوضح له أنه لا يمكنه لعب الكرة في المنزل. وإذا أعاد الطفل الكرّة، فبإمكانك حينها إزالة الكرة والاحتفاظ بها حتى يعود إلى الحديقة.
4. من الأفضل الحرص على ضبط النفس خاصة عندما نلاحظ أننا على وشك فقدان السيطرة. لذلك، سيكون من الأفضل أن نهدأ ونمنح أنفسنا وقتا للتفكير قبل القيام بأية رد فعل. وبهذه الطريقة، سنمنح أنفسنا فرصة للتتخلص من التوتر والعودة بمزاج أكثر هدوءا”.
المصدر: لافانغوارديا