ترجمة وتحرير: نون بوست
كان شهر آب/أغسطس زاخرا بالأحداث في قطاع غزة المحاصر، حيث نفذ الفلسطينيون سلسلة من الهجمات على القوات الإسرائيلية المتمركزة على طول السياج الفاصل بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. ويبدو أن تسعة فلسطينيين مشاركين في هذه الهجمات قد لقوا حتفهم، في حين أصيب جنديان “إسرائيل” يان وقائد عسكري.
يوم الخميس الماضي، قصفت الطائرات الإسرائيلية عددًا من القواعد التي قالت إنها تابعة لحماس في جميع أنحاء غزة، وذلك ردا على الصواريخ التي أطلقت من الأراضي الفلسطينية خلال الليل، إلا أنها لم تُسفِر عن أي إصابات في صفوف المدنيين. ولقد قادت هذه الطفرة في عدد العمليات التي نفذها الفلسطينيون في الأسابيع الأخيرة إلى ظهور موجة من التكهنات، وذلك في الوقت الذي شن خلاله مقاتلو الفصائل المسلحة هجمات مستقلة.
كان ما لا يقل عن تسعة من الفلسطينيين الذين قُتلوا أثناء تنفيذ ثلاث هجمات هذا الشهر منتمين إلى جماعات المقاومة الفلسطينية، لاسيما كتائب القسام التي تمثل الجناح العسكري لحركة حماس
برز تأثير هذه المواجهات جليا في وسائل الإعلام الإسرائيلية، حيث سأل المعلقون عما إذا كانت حماس قد فقدت السيطرة على الوضع بعد مرور 13 سنة من فوزها بالانتخابات التشريعية ومعركة السلطة وتحولها إلى الحاكم الفعلي للقطاع. وفي حديثه إلى موقع ميدل إيست آي البريطاني، قال الناطق الإعلامي باسم حركة المقاومة الإسلامية حماس، حازم قاسم، إن الوضع في غزة تحت السيطرة، لكنه حذر من أن المنطقة الصغيرة المحاصرة مثل بركان على وشك أن ينفجر في وجه الاحتلال الإسرائيلي.
تكهنات وسائل الإعلام
كان ما لا يقل عن تسعة من الفلسطينيين الذين قُتلوا أثناء تنفيذ ثلاث هجمات هذا الشهر منتمين إلى جماعات المقاومة الفلسطينية، لاسيما كتائب القسام التي تمثل الجناح العسكري لحركة حماس، إلا أنهم تصرفوا بشكل شخصي. ولقد أدى احتمال فقدان حماس للسيطرة على غزة إلى حدوث موجة من التكهنات، خاصة وأنها كانت الجهة الفاعلة الرئيسية في السياسة والعمليات العسكرية وسط صراع على السلطة مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية والحصار الذي تقوده “إسرائيل” .
بالنسبة لبعض المراقبين، تتعدد السيناريوهات التي قد تؤول إلى فقدان حماس لسيطرتها على غزة، على غرار شن “إسرائيل” هجوم عسكري جديد يقود إلى اجتياح بري لقوات الاحتلال في القطاع الساحلي. أما بالنسبة للسيناريو الثاني، فهو يتمثل في استعادة السلطة الفلسطينية لزمام الأمور في غزة عن طريق التعويل على التدخل الإسرائيلي أو تحقيق تقدم غير مسبوق في محادثات الوحدة المتوقفة منذ فترة طويلة. ويتمثل السيناريو الثالث في تعرض حماس لعدة ضغوطات شعبية وحزبية متزامنة من شأنها ترك غزة في مواجهة فراغ قوة لا يمكن التنبؤ به.
في أيار/مايو الماضي، توصلت “إسرائيل” وحماس إلى اتفاق هدنة ينص على توسعة “إسرائيل” لنطاق الصيد البحري المخصص لغزة بمقدار يتجاوز 27 كم والسماح بنفاذ برامج الأمم المتحدة التي تقدم المال مقابل قيام المدنيين ببعض الأعمال
بالنسبة لمنافذ الأخبار الإسرائيلية، فإن حقيقة أن العمليات الأخيرة حدثت ظاهريًا دون علم حماس أو موافقتها قد وضعت جماعة المقاومة في معضلة حقيقية، فهي عالقة بين مسؤوليتها كحزب حاكم في المنطقة وكونها محاور سياسي رئيسي في أي من جهود الهدنة وبين مهمتها للمقاومة ضد الاحتلال. وفي حديثه إلى إذاعة الجيش الإسرائيلي، قال الصحفي التابع لجريدة معاريف، جاكي هوجي، إن حماس في موقع حساس الآن بسبب وعودها “غير الحقيقية” لتخفيف الحصار الإسرائيلي على غزة.
في أيار/مايو الماضي، توصلت “إسرائيل” وحماس إلى اتفاق هدنة ينص على توسعة “إسرائيل” لنطاق الصيد البحري المخصص لغزة بمقدار يتجاوز 27 كم والسماح بنفاذ برامج الأمم المتحدة التي تقدم المال مقابل قيام المدنيين ببعض الأعمال. علاوة على ذلك، اشترطت حماس السماح للأدوية والمساعدات المدنية الأخرى بالدخول إلى القطاع المحاصر وبدء محادثات غير مباشرة حول الأمور المتعلقة بالكهرباء والمعابر الحدودية والرعاية الصحية والتمويل القطري لغزة.
في المقابل، وافقت حماس على كبح جماح مسيرة العودة الكبرى، وهي حركة احتجاجية مستمرة تقوم على التجمع على طول الجدار الفاصل بين غزة و “إسرائيل” منذ آذار/مارس 2018 للمطالبة برفع الحصار وتنفيذ حق العودة للاجئين الفلسطينيين. وكجزء من هذه الهدنة، وافقت حماس على مراقبة المظاهرات للتأكد من بقاء المحتجين خارج منطقة عازلة طولها 300 متر بالقرب من السياج والتوقف عن إطلاق البالونات الحارقة ووضع حد لجميع الاحتجاجات البحرية.
بالنسبة للمتحدث باسم حركة حماس، فإن الرواية التي دفعتها وسائل الإعلام الإسرائيلية في الشهر الماضي حول فقدان حماس لشعبيتها في غزة كانت مبالغة فيها وبشدة
ألقى كل من أعضاء الجيش الإسرائيلي والمعارضة السياسية الإسرائيلية باللوم على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لعدم اتباعه سياسة ردعية ضد غزة ودعوته إلى شن هجوم كبير في القطاع لوقف إطلاق الصواريخ المتقطع ومحاولات التسلل. ويبدو أن نتنياهو وحزب الليكود كانا على ما يبدو أكثر ترددًا في الدفع للحرب قبل أسابيع فقط من الانتخابات التشريعية.
من جهته، قال هوجي إن أنصار جماعات المقاومة الفلسطينية لم يشعروا بأي تحسن على أرض الواقع منذ الاتفاق على الهدنة، وهو ما جعلهم قريبين من الانقلاب على حماس. وفي واقع الأمر، غضب الكثير من الفلسطينيين في غزة من عدم تنفيذ الإسرائيليين لجانبهم من الصفقة، كما أكدت الحشود التي حضرت جنازة لثلاثة مقاتلين فلسطينيين أن حماس تفقد قدرًا من الدعم الشعبي في المنطقة المحاصرة.
حرب الدعاية الإعلامية
بالنسبة للمتحدث باسم حركة حماس، فإن الرواية التي دفعتها وسائل الإعلام الإسرائيلية في الشهر الماضي حول فقدان حماس لشعبيتها في غزة كانت مبالغة فيها وبشدة. وأضاف المصدر ذاته أن وسائل الإعلام الإسرائيلية “تسلط الضوء على قضايا ليست حقيقية أو تلك التي لا تمتلك علاقة بالقضايا الواقعية من أجل التستر على الجرائم الإسرائيلية ضد الأماكن المقدسة الفلسطينية”.
وفقا للصحفي الفلسطيني المخضرم مصطفى الصواف، فإن مزاعم فقدان حركة حماس للسيطرة على قطاع غزة غير معقولة بالنظر إلى “التنسيق القوي” القائم بين الفصائل الفلسطينية المختلفة. وفي حديثه إلى موقع ميدل إيست آي، قال الصحفي إن “توافق ووحدة فصائل المقاومة الفلسطينية من خلال غرفة العمليات المشتركة يمنعها من المشاركة في أي مواجهات غير متوقّعة مع الاحتلال الإسرائيلي”.
امرأة تلتقط صورة سيلفي خلال تجمّع الفلسطينيين في مسيرة بمناسبة الذكرى الحادية والثلاثين لتأسيس حركة حماس في مدينة غزة، في 16 كانون الأول/ديسمبر.
نتيجة لما سبق، افترض الصواف أن الهجمات الأخيرة التي نفذها المقاتلون الفرديون قد “حصلت على الموافقة” على الأغلب من قبل مجموعات المقاومة، من أجل “توجيه رسالة حقيقية للاحتلال الإسرائيلي مفادها أن المماطلة في تنفيذ شروط الهدنة من شأنه أن يخلّف عواقب وخيمة”، بما في ذلك الحرب. وفي حين أكّد قاسم لميدل إيست آي أن الهجمات الأخيرة نُفّذت من قبل أفراد يعملون وفق شروطهم الخاصة، أدرك أن معظم المقاتلين الذين قُتلوا خلال الهجمات كانوا ينتمون إلى الجناح العسكري التابع لحركته.
علاوة على ذلك، رفض المحلل السياسي الفلسطيني والمحاضر في جامعة الأمة، حسام الدجاني، الفكرة التي تفيد بأن حماس فقدت السيطرة على غزة، لكنه أخبر ميدل إيست آي أن هناك سخطًا قائما بين الأجنحة العسكرية التابعة للفصائل الفلسطينية فيما يتعلق “بالجهود التي تبذلها الفروع السياسية في غزة والضفة الغربية”. ومن جهة أخرى، أحبط فشل حماس في إنهاء الحصار الإسرائيلي وتجاهل الإجراءات العقابية التي فرضتها السلطة الفلسطينية العديد من سكان غزة، الذين عبّر بعضهم عن غضبهم من الحكم الرديء لحركة حماس.
أصر الدجاني على أن السبب الرئيسي وراء الغضب القائم بين المدنيين الفلسطينيين والفصائل المسلحة يعود إلى أن “إسرائيل” هي المسؤولة عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي والإنساني المنتشر على أراضي غزة
وفي هذا الشأن، صرّح سعيد، وهو طبيب يبلغ من العمر 33 سنة، لميدل إيست آي أن “الفلسطينيين غاضبون من “إسرائيل” بسبب الحصار الذي تفرضه على غزة، لكن حماس والسلطة الفلسطينية تتحملان اللوم أيضًا بسبب الانقسام الداخلي القائم بينهما، والذي يسمح لـ “إسرائيل” بزيادة تسليط عدوانها نحوهم ويسمح للعالم بمواصلة تجاهلهم”. وأضاف سعيد: “نعتقد أن حماس، التي انتخبناها، تتمسّك بالمبادئ الفلسطينية، ولكن في الوقت ذاته يجب عليها التحلي بالبراغماتية والتعامل مع “إسرائيل” ، على الأقل من أجل تخفيف ظروف عيش سكان غزة. وفي حال لم تستطع ذلك، فعليها التنحي جانبا”.
أصر الدجاني على أن السبب الرئيسي وراء الغضب القائم بين المدنيين الفلسطينيين والفصائل المسلحة يعود إلى أن “إسرائيل” هي المسؤولة عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي والإنساني المنتشر على أراضي غزة، والذي دام 12 سنة وشمل ثلاث حروب في ظلّ الحصار. وأضاف دجاني أن انتهاكات “إسرائيل” “المستمرة” للقانون الدولي وحقوق الإنسان على الأراضي الفلسطينية المحتلة قد حوّلت غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية إلى “بؤر توتّر” تهدّد بالثوران في أي لحظة.
في الواقع، يشاطر خالد، البالغ من العمر 37 سنة والقاطن في مدينة غزة، الدجاني الرأي، إذ أفاد بأن “الفلسطينيين غاضبون من الاحتلال الإسرائيلي الذي فَرض حصارًا على غزة لأكثر من عقد من الزمن. وحماس ليست مسؤولة عن هذا الوضع، لأنها مقيّدة من قبل السلطة الفلسطينية والدول العربية والمجتمع الدولي”.
“الوسطاء الضعفاء”
وسط التوترات المستمرة وخطر الصراع المباشر، اعترف قاسم بأن مبعوث مصر والأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، كان له دور مهم كوسيط في تهدئة الوضع في غزة، بما في ذلك تقديم اتفاق الهدنة الأخير. وبينما أشار قاسم إلى أهمية اجتماع الوسطاء مع جميع الفصائل الفلسطينية، وضّح أيضا أن “حماس تعتمد مبادئها التوجيهية الخاصة في التعامل مع الوضع وإدارة المقاومة الفلسطينية” مقارنة بالفصائل الفلسطينية الأخرى.
دعا الدجاني “إسرائيل” لرفع الحصار عن غزة وطلب من المجتمع الدولي أن يؤدي “دورا أكثر إيجابية” من أجل الحفاظ على هدوء الوضع، من قبيل اتخاذ موقف أقوى ضد الانتهاكات الإسرائيلية في غزة
في المقابل، أصرّ الصواف على أن الدور الهام للوساطة كان “غير متوازن”، مشيرا إلى أنه على الرغم من تعرّض الفلسطينيين للضغط، إلا أن الوسطاء “يلتزمون الصمت كلما اجتمعوا في تل أبيب”. وفضلا عن ذلك، ألقى الدجاني باللوم على تقاعس المجتمع الدولي في التعامل مع تدهور الوضع في غزة والأجزاء الأخرى من الأراضي الفلسطينية، معربًا عن قلقه من امكانيّة فقدان حماس لسيطرتها على غزة بسبب “الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة” التي لا تُقابل إلا “بالرفض الدولي الصامت”.
علاوة على ذلك، دعا الدجاني “إسرائيل” لرفع الحصار عن غزة وطلب من المجتمع الدولي أن يؤدي “دورا أكثر إيجابية” من أجل الحفاظ على هدوء الوضع، من قبيل اتخاذ موقف أقوى ضد الانتهاكات الإسرائيلية في غزة. وقال الدجاني: “هذا من شأنه أن يحسن صورة حماس أمام شعبها ويمنحها مزيدا من السلطة لفرض سيطرتها على قطاع غزة”.
المصدر: ميدل إيست آي