وقع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عددًا قياسيًا من الأوامر التنفيذية خلال أول أسبوع له بعد عودته إلى البيت الأبيض، مقارنةً بإدارته الأولى، بل ومع أي رئيس أمريكي سابق، حيث بلغ عددها نحو 36 أمرًا تنفيذيًا، تناولت مواضيع متنوعة في قطاعات مختلفة مثل التكنولوجيا والاقتصاد والهجرة والتعليم وغيرها.
حظيت هذه القرارات باهتمام إعلامي واسع، وأثارت مخاوف كبيرة لدى بعض الحكومات من جهة، وبعض شرائح المجتمع الأمريكي من جهة أخرى، ما يدفعنا إلى محاولة فهم ماهية هذه الأوامر، وآلية عملها، وموقعها في الدستور الأمريكي ومدى شرعيتها، وعلاقتها بالكونغرس، وحدود سلطات الرئيس في إصدارها.
نوضح في هذا التقرير ما إذا كان توقيع هذه القرارات يعني أنها دخلت حيز التنفيذ تلقائيًا، وما إذا كانت تتمتع بسلطة أعلى من القانون.
ما هو الأمر التنفيذي؟ وكيف يختلف عن القانون؟
الأمر التنفيذي هو توجيه مكتوب يصدره الرئيس الأمريكي استنادًا إلى صلاحياته الدستورية، ويهدف إلى توجيه عمل الحكومة الفيدرالية وتنفيذ السياسات أو القوانين الفيدرالية. بموجب هذا الأمر، يملك الرئيس القدرة على إصدار تعليمات للوكالات الحكومية بشأن كيفية تطبيق القوانين أو تنفيذ أهداف محددة، دون الحاجة إلى موافقة الكونغرس.
مع ذلك، لا يمكن للأوامر التنفيذية أن تتجاوز القوانين الفيدرالية، إذ لا يمكن للرئيس سن قانون جديد من خلالها، بل يمكنه تعديل طريقة تنفيذ القوانين الحالية.
مثال: أصدر ترامب أمرًا تنفيذيًا في عام 2017، يوقف دخول مواطني بعض الدول ذات الأغلبية المسلمة إلى الولايات المتحدة (المعروف بـ “حظر السفر”)، فرفعت عدة ولايات، مثل واشنطن وهاواي، دعاوى قضائية ضد القرار على اعتبار أنه تمييزي وغير دستوري. في البداية، أوقفت المحاكم الفيدرالية تنفيذ الحظر، لكن بعد تعديلات على القرار، أيدت المحكمة العليا في عام 2018 النسخة الثالثة من الحظر جزئيًا، معتبرة أنه يدخل ضمن صلاحيات الرئيس في حماية الأمن القومي.
هل يمنح الدستور الأمريكي الرئيس سلطة إصدار قرارات تنفيذية؟
الدستور الأمريكي لا يذكر “القرارات التنفيذية” بشكل صريح، لكنه يمنح الرئيس سلطة تنفيذ القوانين بموجب المادة الثانية، القسم الأول، التي تنص على أن “السلطة التنفيذية يجب أن تُمنح لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية”، كما ينص القسم الثالث من نفس المادة على أن الرئيس “يجب أن يحرص على تنفيذ القوانين بأمانة”.
هذه الصياغة العامة فسّرها الرؤساء على أنها تخولهم إصدار قرارات تنفيذية لتنظيم عمل السلطة التنفيذية وضمان تطبيق القوانين الفيدرالية، خاصة عندما يكون هناك غموض أو نقص في التوجيه التشريعي.
هل تحتاج القرارات التنفيذية إلى موافقة الكونغرس لتصبح سارية المفعول؟
لا، إذ يمكن أن يصدر الرئيس قرارات تنفيذية من تلقاء نفسه، دون الحاجة إلى موافقة الكونغرس، لأنها تعتبر جزءًا من سلطاته التنفيذية. ومع ذلك، فإن هذه القرارات يجب أن تستند إلى سلطات ممنوحة للرئيس بموجب الدستور أو قوانين سابقة أقرها الكونغرس.
على سبيل المثال، أصدر الرئيس الأسبق باراك أوباما في عام 2014 أمرًا تنفيذيًا بشأن حماية المهاجرين غير المسجلين من الترحيل، من خلال تمديد برنامج “دريمر” (DACA)، دون موافقة الكونغرس، وظل هذا الأمر ساريًا رغم الطعون القضائية المتكررة ضده.
هل يمكن أن تكون القرارات التنفيذية أقوى من القوانين التي يقرها الكونغرس؟
لا، إذ تحظى القوانين التي يقرها الكونغرس بأولوية على القرارات التنفيذية، فإذا أصدر الكونغرس قانونًا يتعارض مع قرار تنفيذي، فإن القانون الفيدرالي يُلغي القرار التنفيذي.
على سبيل المثال، بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول، أصدر جورج بوش أوامر تنفيذية بإنشاء محاكم عسكرية استثنائية لمحاكمة المعتقلين في غوانتانامو، بمن فيهم سليم حمدان، سائق أسامة بن لادن، لكن محامو حمدان طعنوا في القرار، على اعتبار أنه ينتهك قوانين الحرب والحقوق الدستورية. في النهاية، قضت المحكمة العليا بعدم قانونية هذه المحاكم لأنها لم تحصل على تفويض من الكونغرس، وبالتالي تم إلغاء القرار التنفيذي.
لكن الأمر ليس بهذه البساطة دائمًا، فإذا لم يكن هناك قانون صريح يمنع الرئيس من اتخاذ إجراء معين، فقد يظل قراره التنفيذي ساريًا حتى يتم الطعن فيه قضائيًا أو يقرر الكونغرس إلغاؤه عبر تشريع جديد، بشرط أن يتمكن من تجاوز حق الفيتو الرئاسي.
كم يستغرق تنفيذ الأوامر التنفيذية؟
بعض الأوامر التنفيذية تصبح سارية المفعول فور توقيع الرئيس عليها، لكن في الغالب لا يكون للأمر التنفيذي أي تأثير حتى تتخذ الوكالات الحكومية إجراءات إضافية، فقد يتطلب الأمر التنفيذي من وكالة فيدرالية إعداد تقرير، أو إجراء تحقيق، أو إصدار لوائح جديدة، وهو ما قد يستغرق شهورًا أو حتى سنوات.
في بعض الحالات، قد يحدد الأمر التنفيذي موعدًا نهائيًا (مثل مطالبة وكالة بإعداد توصية خلال 60 يومًا)، ولكن هذا الموعد ليس ملزمًا.
هل تُعتبر بعض الأوامر التنفيذية خرقًا للسلطات الممنوحة للرئيس؟
يُسيء الرئيس استخدام السلطة التنفيذية إذا أصدر أوامر تلزم الحكومة باتخاذ إجراءات غير مسموح بها دستوريًا أو تخالف القوانين الفيدرالية. في مثل هذه الحالات، يجب على المحاكم التدخل لحماية سيادة القانون. ومع ذلك، قد يكون الأمر التنفيذي قانونيًا، لكنه يسبب ضررًا، خاصة عندما يهدد الحريات المدنية وحقوق الإنسان.
على سبيل المثال، يرى الكثيرون أن الأوامر التنفيذية الصادرة مؤخرًا من إدارة ترامب الثانية تؤدي إلى الفوضى، وتضعف العملية الديمقراطية، وتلحق الضرر بالفئات الأكثر ضعفًا في المجتمع، لا سيما أنها تستهدف جهود التنوع والشمول وحقوق المواطنة بالولادة.
هل يمكن إيقاف الأوامر التنفيذية؟
نعم، وهناك عدة طرق لإلغاء الأوامر التنفيذية:
- يمكن للكونغرس إصدار قانون يعكس أثر الأمر التنفيذي، شريطة أن يكون للكونغرس السلطة الدستورية لتنظيم القضية.
- يمكن للمحكمة اعتبار الأمر التنفيذي غير قانوني إذا خالف الدستور أو قانونًا فيدراليًا.
- يمكن لأي رئيس قادم إصدار أمر تنفيذي جديد يلغي أو يعدل أمرًا تنفيذيًا سابقًا.
الخلاصة، تُعد القرارات التنفيذية أداة قوية وفعالة في يد الرئيس لمعالجة القضايا العاجلة أو عند انسداد الكونغرس أمام تمرير تشريعات جديدة، لكنها ليست مطلقة ولا تتجاوز القانون، إذ يمكن إلغاؤها إذا تجاوزت سلطات الرئيس أو خالفت الدستور، وذلك عن طريق الكونغرس، أو الطعن فيها قضائيًا، أو تعديلها من قبل الرؤساء اللاحقين.