بهدف المساهمة في إعادة الإعمار، وتعزيز التجارة البينية والاستثمارات، وإعادة بناء الاقتصاد والبنية التحتية في سوريا، عُقدت “قمة التعاون الاقتصادي المشترك بين تركيا وسوريا” في 6 فبراير 2025، في مركز المؤتمرات التابع لبلدية شاهين بيه بمدينة غازي عنتاب التركية.
جمعت القمة رجال الأعمال الأتراك والسوريين، بمن فيهم أعضاء جمعية “الموصياد” التركية، وأعضاء منتدى الأعمال الدولي (IBF)، إلى جانب نخبة من رجال الأعمال من كلا البلدين.
كما حظيت القمة بمشاركة رسمية بارزة من الحكومة التركية، حيث حضرها وزير التجارة التركي عمر بولوط، ووالي غازي عنتاب كمال تشبر، ورئيسة بلدية غازي عنتاب فاطمة شاهين، في خطوة تعكس اهتمام أنقرة بتعزيز التعاون الاقتصادي مع سوريا في المرحلة المقبلة.
كلمات بروتوكولية وتصريحات رسمية
افتُتحت الجلسة بكلمة رئيس منتدى الأعمال الدولي، إيرول يرار، الذي تحدث عن إعداد دراسة لإنشاء منطقة تجارة حرة بين سوريا وتركيا، بهدف تعزيز الاستثمار ورفع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 10 مليارات دولار.
تبع ذلك كلمة محمد طهماز أوغلو، رئيس بلدية “شاهين بيه”، الذي استهل حديثه بشكر جميع من ساهم في توطيد أواصر الأخوة بين سوريا وتركيا، مشددًا على أهمية تطوير العلاقات بين البلدين في الجوانب العسكرية والاقتصادية. كما أشار إلى الدور الكبير الذي لعبته تركيا في إنهاء الحرب في سوريا، مؤكدًا أن قوة البلدين مترابطة ببعضها البعض.
من جانبه، أكد يامن الشامي، رئيس جمعية رجال الأعمال من أجل سوريا العاملة في الداخل السوري، خلال كلمته، على أهمية إعادة بناء سوريا وتعزيز قوتها الاقتصادية. كما استغل خطابه لدعوة رجال الأعمال السوريين والمستثمرين الآخرين إلى التخلي عن الانتظار والبدء بالعمل.
وقال الشامي: “إلى كل من يؤمن بأن الاستثمار هو مفتاح التغيير، وإلى كل من يرى في سوريا فرصة للنمو والنجاح، أقول: الوقت الآن ليس وقت انتظار، بل وقت عمل“.
أما هاكان جنكيز، القنصل العام للجمهورية التركية في حلب، فقد اقتصرت كلمته على نقل رسالة من محافظي مدينتي حلب وإدلب السوريتين، مفادها: “نتمنى عودة رجال الأعمال السوريين، وتشجيع الإخوة الأتراك على الاستثمار داخل سوريا“.
بدوره، أكد محمود أصمالي، رئيس جمعية الصناعيين ورجال الأعمال المستقلين في تركيا (الموصياد)، أن تركيا ستظل كما عهدها السوريون داعمة لبناء سوريا الحرة، مشددًا على أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين ستُبنى على مبدأ الربح المشترك. كما أوصى التجار الأتراك بعدم غش إخوانهم السوريين، داعيًا إلى تعزيز الثقة في التعاملات التجارية.
وأشار أصمالي إلى أن جمعية الموصياد قامت خلال السنوات الماضية ببناء 5000 وحدة سكنية داخل سوريا، معلنًا عن إطلاق حملة جديدة لتوزيع سلال غذائية خلال شهر رمضان المبارك بالتعاون مع الهلال الأحمر التركي.
من جهتها، رحّبت فاطمة شاهين، رئيسة بلدية غازي عنتاب، برجال الأعمال السوريين القادمين للمشاركة في القمة، ووجهت شكرها للقائمين على تنظيم هذا الحدث. كما أكدت أن تركيا ستبقى صوتًا للمظلومين في كل مكان، مشددة على أهمية التعاون المشترك بين البلدين.
من جهته، أوضح كمال تشبر، والي غازي عنتاب، أن نسبة السوريين المتواجدين في المدينة تبلغ 5% من إجمالي السكان، مؤكدًا أن العلاقة بين الشعبين التركي والسوري قائمة على الأخوة الإسلامية ومبدأ المهاجرين والأنصار. وأضاف تشبر: “نحن نعيش منذ 14 عامًا حاملين نفس المشاعر ونقول نفس الكلام، أن سوريا للسوريين، وأنهم من أفضل الشعوب ويستحقون الأفضل. نرحب بالسوريين سواء الباقين هنا أو الذين يخططون للعودة في الأيام القادمة“.
من جانبه، استحوذت كلمة وزير التجارة التركي عمر بولوط على الحصة الأكبر من اللقاء، حيث تطرق إلى سبل التعاون الاقتصادي بين سوريا وتركيا، وخطط تعزيزها في المرحلة المقبلة.
وأشار بولوط إلى نية الحكومة التركية فتح معابر تجارية جديدة مع سوريا خلال الأيام القادمة، إضافة إلى تعزيز الدوائر الجمركية على الحدود السورية-التركية. كما أعلن عن إطلاق مركز استشاري في كل من حلب ودمشق، بتوجيه مباشر من الحكومة التركية، حيث سيتولى مستشارون تجاريون تقديم الاستشارات الاقتصادية بشكل موسع.
كما تناول بولوط موضوع التعرفة الجمركية الجديدة التي فرضتها الحكومة السورية على المعابر الحدودية، مؤكدًا لرجال الأعمال الأتراك أن هذه التعرفة ليست موجهة ضد المنتجات التركية كما يروج البعض، بل تشمل جميع المنتجات المستوردة إلى الداخل السوري، موضحًا أنها مطابقة للتعريفات الجمركية المتعارف عليها في غرفة التجارة العالمية.
وتابع بولوط أن إعادة تفعيل ومناقشة اتفاقية التجارة الحرة بين سوريا وتركيا، الموقعة عام 2007 والمعلقة منذ عام 2011، تعد إحدى الأولويات الرئيسية في هذه المرحلة. وأوضح أن الجانب التركي قدم تقييمات اقتصادية متعلقة بالتضخم إلى الحكومة السورية، كما اقترح تخفيض التعرفة الجمركية على المواد الأولية التي تلبي احتياجات الشعب السوري.
وأشار إلى أن الحكومة السورية استجابت لهذه المقترحات، حيث قامت بتخفيض الرسوم الجمركية على أكثر من 250 صنفًا بنسبة 70%. في المقابل، أكد أن الحكومة التركية اتخذت إجراءات تجارية جديدة، تضمنت رفع الحظر عن معظم المنتجات الممنوع إدخالها إلى سوريا، باستثناء ثلاثة أصناف فقط، كما ستعمل تركيا على إلغاء قيود التصدير (الترانزيت) من سوريا عبر الأراضي التركية، بما يسهم في تعزيز الحركة التجارية بين البلدين.
من جهة أخرى، أعلن وزير التجارة التركي عمر بولوط عن تسهيلات جديدة للراغبين في العبور إلى سوريا، سيتم الإعلان عنها رسميًا بعد إجراء السلطات الأمنية تقييمًا أمنيًا في المدن السورية الحدودية. وأوضح أن أذونات العبور ستصدر عن محافظي الولايات التركية المتاخمة للحدود السورية، بعد تقديم الأوراق اللازمة.
كما استعرض بولوط إطلاق نظام تأشيرة خاصة تحت اسم “تأشيرة استئذان“، مخصصة لرجال الأعمال السوريين الراغبين في زيارة تركيا لإجراء محادثات تجارية. وأوضح أن التأشيرة ستُمنح عبر تقديم طلبات مرفقة بتراخيصهم التجارية، مصدقة من غرف التجارة السورية، إلى السفارة التركية في دمشق أو القنصلية التركية في حلب.
وشدد الوزير على أهمية تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، معتبرًا أن تركيا ستكون بوابة سوريا إلى أوروبا، فيما ستكون سوريا بوابة تركيا إلى دول الخليج. وأضاف: “هدفنا هو رفع مستوى التبادل التجاري بيننا إلى أعلى المستويات، من خلال نموذج تعاون ناجح، يعكس عمق العلاقة بين البلدين، ويستفيد من جهود رجال الأعمال السوريين الذين أتقنوا اللغة التركية خلال فترة إقامتهم هنا“.
واختُتمت القمة بندوة تشاورية حضرها وزير التجارة التركي، ورئيس جمعية الموصياد، ورئيس منتدى الأعمال الدولي، حيث ناقشوا عددًا من القضايا وأجابوا عن استفسارات رجال الأعمال الأتراك والسوريين. وقرر القائمون على الندوة أن تكون مغلقة أمام الإعلام، دون السماح بنقل تفاصيلها.
لقاءات بين الشركات B2B ومعرض تجاري:
بهدف تعزيز التشبيك التجاري بين الشركات الحاضرة والزائرين، خصص منظمو القمة جناحًا خاصًا لعقد الاجتماعات التجارية الثنائية، مما أتاح الفرصة للشركات لعرض منتجاتها والتواصل مع المهتمين باستيرادها إلى سوريا. كما تم تخصيص جناح آخر كمعرض تجاري ترويجي، انضمت إليه مئات الشركات التركية الراغبة في تصدير منتجاتها إلى سوريا.
تميزت الأجنحة المعروضة بتنوع واسع في المنتجات، كان من أبرزها الآلات الخاصة بإعادة تدوير الأنقاض، ومواد البناء، ومنتجات الطاقة البديلة، إلى جانب مجموعة واسعة من السلع والخدمات الأخرى. كما شهد المعرض مشاركة بعض الشركات السورية العاملة داخل سوريا، والتي قدمت عروضًا وخدمات استثمارية للمهتمين بتوسيع أعمالهم داخل البلاد.
وفي حديثة لـ نون بوست قال محمود الأسود، العامل في إحدى الشركات التركية المشتركة في المعرض المتخصصة بقطاع الألمنيوم، أن هدفهم من المشاركة هو دراسة متطلبات السوق السوري بهدف إعداد دراسة لإمكانية تصدير منتجاتهم إلى سوريا أو فتح فرع خاص بشركتهم داخلها.
وتباينت آراء المشاركين والزائرين حول نتائج هذه القمة حيث عبر أحمد الطوقة مدير التصدير في إحدى الشركات المتخصصة في إنتاج القرطاسية في تركيا عن استيائه لعدم الوصول إلى الإفادة المرجوة من هذه المشاركة بسبب قلة عدد الحضور من رجال الأعمال السوريين من داخل سوريا، وبحسب رأيه لو أن هذا الفعالية كانت داخل سوريا لكانت نتائجها أكبر نفعاً للمشاركين بحسب تعبيره.
فيما تحدث محمد العلوي لـ نون بوست وهو أحد الزائرين عن أهمية عقد مثل هذه الاجتماعات التجارية حيث أن نتائج هذه الاجتماعات لا يمكن عكس نتائجها على المدى القريب، واعتبرها أنها فرصة كبيرة لتشبيك وبناء علاقات جديدة بين رجال الأعمال الأتراك والسوريين بهدف بناء تعاقدات تجارية واستثمارية تعود بالنفع على كلى الطرفين.
من المتوقع أن يشهد التبادل التجاري بين سوريا وتركيا نموًا غير مسبوق، ما من شأنه أن يعود بالفائدة على كلا البلدين. وتسعى الحكومة التركية إلى رفع حجم التبادل التجاري مع سوريا ليصل إلى 10 مليارات دولار، في إطار تعزيز العلاقات الاقتصادية والتعاون المشترك بين الجانبين.