لا تزال أصداء المقترح الوقح الذي أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن تهجير سكان غزة خارج الأراضي الفلسطينية، والسيطرة على القطاع بوصفه “ملكية طويلة الأمد” وتحويله إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”، تلقي بظلالها على المشهد العالمي، الذي اهتز أمام صدمة غير مسبوقة جرّاء هذا الطرح، الذي لم يجرؤ أي من رؤساء الولايات المتحدة السابقين على تبنيه.
وكان ترامب قد كشف عن مخططه العنصري تجاه غزة خلال مؤتمر صحفي عقده في البيت الأبيض يوم الثلاثاء 4 فبراير/شباط الجاري، بحضور رئيس وزراء الكيان المحتل، بنيامين نتنياهو، الذي يزور واشنطن للتباحث حول المرحلة الثانية من اتفاق غزة الذي دخل أسبوعه الثالث. وأوضح ترامب أن بلاده ستتولى السيطرة على القطاع بعد تهجير سكانه إلى عدد من الدول المجاورة، مع إطلاق خطة تنمية اقتصادية تحوله إلى منتجع عالمي مفتوح لجميع شعوب العالم، باستثناء الغزيين.
المقترح، الذي وصفه السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي بأنه لا يمكن أن يصدر إلا عن رجل فقد عقله تمامًا، قوبل برفض دولي واسع شمل دولًا ومنظمات وأفرادًا، سواء كانوا حلفاء للكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة أو خصومًا لهما. وفي المقابل، يزعم ترامب أنه يحظى بترحيب الجميع، دون أن يوضح من يقصد تحديدًا بهذا “الجميع”.
رفض دولي واسع النطاق
السعودية.. كانت السعودية الدولة العربية الأولى التي ردت رسميًا على تصريحات ترامب بعد دقائق قليلة من بثها، مؤكدة في بيان لوزارة خارجيتها نشرته صبيحة الأربعاء 5/2/2025 “أن موقف المملكة العربية السعودية من قيام الدولة الفلسطينية هو موقف راسخ وثابت لا يتزعزع، وقد أكد الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، هذا الموقف بشكل واضح وصريح لا يحتمل التأويل بأي حال من الأحوال”.
وأضاف البيان إن المملكة تؤكد “ما سبق أن أعلنته من رفضها القاطع المساس بحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، سواء من خلال سياسات الاستيطان الإسرائيلي أو ضم الأراضي الفلسطينية أو السعي لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه.. وتؤكد المملكة أن هذا الموقف الثابت ليس محل تفاوض أو مزايدات”.
الأردن.. ذكر البلاط الملكي الهاشمي في منشور على إكس أن “الملك عبدالله الثاني يؤكد ضرورة وقف إجراءات الاستيطان (الإسرائيلية) ورفض أية محاولات لضم الأراضي وتهجير الفلسطينيين”، وخلال استقباله رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس أبو مازن في عمان، أكد العاهل الأردني على الدعم الأردني الكامل للفلسطينيين.
مصر.. شدد وزير الخارجية والهجرة المصري، بدر عبد العاطي، على “أهمية المضي قدما في مشاريع التعافي بقطاع غزة، من دون أن يغادره الفلسطينيون”، مضيفًا خلال لقاء جمعه برئيس الوزراء وزير الخارجية الفلسطيني، محمد مصطفى، في القاهرة، الأربعاء 5/2/2025 على دعم مصر الكامل للحكومة الفلسطينية وخططها الإصلاحية”، مؤكدًا على “أهمية المضي قدمًا في مشروعات وبرامج التعافي المبكر وإزالة الركام ونفاذ المساعدات الإنسانية بوتيرة متسارعة، دون خروج الفلسطينيين من قطاع غزة، خاصة مع تشبثهم بأرضهم ورفضهم الخروج منها”.
الإمارات.. أعلنت وزارة الخارجية الإماراتية في بيان لها رفضها القاطع للمساس بحقوق الشعب الفلسطيني ومحاولة تهجيره، داعية إلى إيجاد حل سياسي يفضي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة، مؤكدة على التزام أبو ظبي “بدعم السلام والاستقرار في المنطقة”، وعلى موقفها “التاريخي الراسخ تجاه صون حقوق الشعب الفلسطيني”، كما شددت على رفضها “القاطع للمساس بالحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني ومحاولة تهجيره”، داعية إلى “وقف الأنشطة الاستيطانية (الإسرائيلية) التي تهدد الاستقرار الإقليمي وتقوض فرص السلام والتعايش”.
#عاجل | وزيرة الخارجية الألمانية: غزة مثلها مثل الضفة الغربية والقدس الشرقية ملك للفلسطينيين pic.twitter.com/ZhXw3xR2Qk
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) February 5, 2025
تركيا.. وصف وزير الخارجية التركي هاكان فيدان مقترح تهجير ترامب بأنه “غير مقبول” مشيرًا إلى أن “طرد الفلسطينيين من غزة أمر لا يمكننا نحن القبول به ولا يمكن لدول المنطقة القبول به، ولا حاجة حتى لمناقشته”، فيما قال المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية (الحاكم)، عمر تشليك، إن المقترح “لا يهدف للحل بل لاغتصاب وطن الفلسطينيين”، واصفًا إياه في منشور له على منصة “إكس” بأنه “عملية تهجير ونفي وتطهير عرقي ومحاولة لاغتصاب الوطن الأصلي للشعب الفلسطيني”.
ألمانيا.. قالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، إن السلام في الشرق الأوسط يتطلب حلًا تفاوضيًا قائمًا على مبدأ الدولتين، مؤكدة أن غزة -كما هو الحال مع الضفة الغربية والقدس الشرقية- “أراضٍ فلسطينية”، محذرة في الوقت ذاته من أن طرد المدنيين بالقوة يعد انتهاكًا للقانون الإنساني الدولي، ويؤدي إلى نشر المزيد من الكراهية، مشيرة إلى أن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع تعارض باستمرار بناء المستوطنات الإسرائيلية.
فرنسا.. قالت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان لها إن التهجير القسري للفلسطينيين من غزة يشكل انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني، ويمثل عائقًا أمام تحقيق حل الدولتين، مضيفة أن القطاع يجب أن يكون جزءًا من الدولة الفلسطينية المستقبلية، محذرة من زعزعة استقرار المنطقة إذا تم تنفيذ مخططات ترامب.
بريطانيا.. أكد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر على حق الفلسطينيين في غزة في السماح بعودتهم لمنازلهم في القطاع بعد إعماره، مشددًا في تصريحاته أمام مجلس العموم البريطاني على ضرورة دعم المجتمع الدولي للفلسطينيين في هذه الجهود ضمن إطار حل الدولتين.
الصين.. قالت وزارة الخارجية الصينية، إن بكين تعارض نقل سكان غزة بشكل قسري، فيما شدد المتحدث باسم الوزارة قوه جيا كون في مؤتمر صحفي على أن “غزة للفلسطينيين وليست أداة مساومة سياسية ناهيك عن أن تكون هدفاً لقانون الغاب”، وأضاف أن بلاده تدعم بقوة الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني.
إسبانيا.. أعلن وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، رفض بلاده القاطع لمقترح ترامب وفكرة السيطرة الأميركية على غزة، وقال إن “غزة هي أرض الفلسطينيين، ويجب أن يبقوا فيها”، مؤكدًا على التزام إسبانيا بدعم إقامة دولة فلسطينية مستقبلية تشمل غزة كجزء من أراضيها.
بولندا.. أكد نائب وزير الخارجية، أندريه شاينا، على أهمية مشاركة الفلسطينيين في عملية السلام ودعمه حل الدولتين، مضيفًا في تصريحات له “كما في حالة أوكرانيا، إذ نقول إنه لا يمكن اتخاذ قرارات بشأنها دون الأوكرانيين فإن الأمر نفسه ينطبق على فلسطين، لا يمكن اتخاذ قرارات بشأن فلسطين دون الفلسطينيين”.
سلوفينيا.. وصفت وزيرة الخارجية، تانيا فايون، مخططات ترامب لغزة، بأنها تعكس جهلا عميقا بتاريخ الشعب الفلسطيني، مؤكدة في تصريحات لها على هامش زيارتها لبيروت أن هذه المقترحات قد تزيد الاضطرابات والعنف، مشيرة إلى رفض الفلسطينيين التام لفكرة التهجير القسري من وطنهم.
أسكتلندا.. وصف رئيس وزراء أسكتلندا، جون سويني، أي حديث عن تهجير الفلسطينيين بأنه “غير مقبول وخطير”، مشددًا على أن معاناة الفلسطينيين في غزة يجب ألا تتفاقم من خلال خطط التهجير، خاصة بعد الأشهر العصيبة التي شهدت تصاعد العنف وخسائر كبيرة في الأرواح.
بلجيكا.. قالت وزارة الخارجية في بيان لها نشرته على منصة “إكس” إن التهجير القسري للفلسطينيين في غزة والضفة الغربية يشكل انتهاكًا خطيرًا للقانون الإنساني الدولي، موضحة أن تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط يتطلب الالتزام الكامل بالقانون الدولي وتنفيذ حل الدولتين، كما أعربت عن دعم بلجيكا لجهود الوساطة التي تقودها الولايات المتحدة وقطر ومصر لضمان تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.
كولومبيا.. أعرب الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو عن رفضه خطة دونالد ترامب للاستيلاء على قطاع غزة وتهجير الفلسطينيين إلى دول مجاورة، مضيفًا في منشوره له على منصة “إكس” “سيبدؤون أسوأ الحروب، وذلك لأنهم يعتبرون أنفسهم شعب الله، ولكن شعب الله ليسوا من البيض الأميركيين أو الإسرائيليين، فشعب الله هم البشرية”.
إيران.. وصفت وزارة الخارجية الإيرانية مقترح ترامب بـ”الصادم” معلنة رفضها لتلك الخطة للسيطرة على غزة و”تهجير” الفلسطينيين قسرًا من القطاع، فيما قال الناطق باسم الوزارة إسماعيل بقائي إن “خطة إخلاء غزة وتهجير الشعب الفلسطيني قسرًا إلى دول مجاورة تعد استمرارًا لخطة الكيان الصهيوني الهادفة إلى إبادة الأمة الفلسطينية بالكامل، وهي مرفوضة ومدانة بشكل قاطع”.
ماليزيا.. حذرت وزارة الخارجية الماليزية في بيان لها من أن أي مقترح للتهجير القسري للفلسطينيين سيشكل تطهيرًا عرقيًا وانتهاكًا للقانون الدولي، وأضافت أن بلادها تدعم حل الدولتين باعتباره الطريق إلى السلام والاستقرار الدائمين.
إيطاليا.. قال وزير الخارجية الإيطالي أنتونيو تاياني “نؤيد حل الدولتين”، وتعليقًا على مسألة استيلاء أمريكا على قطاع غزة، قال: “لسنا مستعدين حتى لإرسال جنود إيطاليين لإعادة توحيد قطاع غزة والضفة الغربية”.
إسبانيا.. قال وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس إن “غزة أرض لفلسطينيين يجب أن يبقوا في غزة التي تشكل جزءا من الدولة الفلسطينية المستقبلية التي تدعمها إسبانيا والتي يجب أن تعيش وتتعايش مع ضمان أمن وازدهار دولة إسرائيل”.
روسيا.. قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف “سمعنا تصريحا لترامب لكننا سمعنا أيضا تصريحات من عمّان والقاهرة مفادها أن هناك رفضا لمثل هذه الفكرة”، مضيفا أن “أي تسوية في الشرق الأوسط لا يمكن أن تحصل إلا على أساس دولتين. نعتقد أن هذا الخيار الوحيد الممكن”.
البرازيل.. قال الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا إن مقترح ترامب لإعادة توطين الفلسطينيين خارج قطاع غزة والسيطرة على القطاع الذي مزقته الحرب “ليس منطقيا”، مضيفًا خلال مقابلة مع محطات إذاعة محلية “أين يعيش الفلسطينيون؟ هذا أمر لا يمكن لأي إنسان أن يفهمه.. الفلسطينيون هم الذين يتعين عليهم الاهتمام بغزة”.
إندونيسيا.. أعلنت وزارة الخارجية الإندونيسية أن جاكرتا “ترفض بشدة أي محاولة للنقل القسري للفلسطينيين أو لتغيير التركيبة الديمغرافية للمنطقة الفلسطينية المعنية”، داعية المجتمع الدولي إلى “احترام القانون الدولي” ولا سيما “حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم”.
أيرلندا.. قال وزير الخارجية الأيرلندي سايمون هاريس إن “شعب فلسطين وشعب إسرائيل لهما الحق في العيش في دولتين آمنتين جنبًا إلى جنب، وهذا هو الذي يجب أن ينصب عليه التركيز، وأي فكرة لتهجير سكان غزة إلى أي مكان آخر تتناقض بشكل واضح مع قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”.
رفض منظمي أممي حركي
رفض مقترح ترامب لم يقتصر على الدول والحكومات وفقط، بل تجاوز إلى إعراب العديد من المنظمات والحركات عن استنكارها لهذا المقترح:
الأمم المتحدة.. قال المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة فولكر تورك إن “الحق في تقرير المصير هو مبدأ أساسي في القانون الدولي ويجب أن تصونه جميع الدول”، مؤكدا أن “أي نقل قسري أو ترحيل للسكان من الأراضي المحتلة محظور تمامًا”، فيما اعتبرت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيزي أن خطة ترامب “غير قانونية” و”غير منطقية بتاتًا”.
الاتحاد الأوروبي.. قال المتحدث باسم السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي إن قطاع غزة يتعين أن يكون جزءًا أساسيًا من الدولة الفلسطينية المستقبلية، مضيفًا أن التكتل ملتزم بحل الدولتين للاسرائيليين والفلسطينيين، وتابع: “اطلعنا على تعليقات الرئيس ترامب. الاتحاد الأوروبي لا يزال ملتزمًا بقوة بحل الدولتين، ويعتقد أنه المسار الوحيد للسلام طويل الأمد لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين”، مختتما حديثه قائلًا: “غزة جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية المستقبلية”.
جامعة الدول العربية.. قالت الأمانة العامة للجامعة، في بيان لها، إنها وإذ “تُعرب عن ثقتها في رغبة الولايات المتحدة ورئيسها في تحقيق السلام العادل في المنطقة، فإنها تؤكد على أن الطرح الذي تحدث به الرئيس ترامب ينطوي على ترويج لسيناريو تهجير الفلسطينيين المرفوض عربيا ودوليا، والمخالف للقانون الدولي”.
وأضافت أن “هذا الطرح يُمثل وصفة لانعدام الاستقرار ولا يُسهم في تحقيق حل الدولتين الذي يُمثل السبيل الوحيد لإحلال السلام والأمن بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وفي المنطقة بأسرها”، فيما جددت المطالبة بتنفيذ حل الدولتين، مشددة على أن “الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين، يشكلان معا إقليم الدولة الفلسطينية المستقبلية”.
حركة حماس.. قالت الحركة في بيان لها إن “تصريحات ترامب عدائية تجاه شعبنا وقضيتنا، ولن تخدم الاستقرار في المنطقة، وستصب الزيت على النار”، مضيفة أن “الشعب الفلسطيني وقواه الحية لن يسمحا لأي دولة في العالم باحتلال أرضنا أو فرض وصاية على شعبنا”، فيما وصف القيادي بها سامي أبو زهري تلك التصريحات بأنها “سخيفة وعبثية، وأي أفكار من هذا النوع كفيلة بإشعال المنطقة”.
منظمة التحرير الفلسطينية.. أعلن أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ إن القيادة الفلسطينية “ترفض تهجير الشعب الفلسطيني”، مضيفًا في تصريح عبر حسابه على إكس “القيادة الفلسطينية تؤكد رفضها كل دعوات التهجير للشعب الفلسطيني من أرض وطنه، هنا ولدنا وهنا عشنا وهنا سنبقى، ونثمّن الموقف العربي الملتزم بهذه الثوابت”.
أما مندوب فلسطين لدى الأمم المتحدة رياض منصور فقال إن “من يريدون إرسال الفلسطينيين في قطاع غزة إلى مكان أكثر سعادة وجمالًا يجب أن يسمحوا لهم بالعودة إلى ديارهم الأولى في إسرائيل”، وفي السياق ذاته رفض الرئيس الفلسطيني محمود عباس “بشدة دعوات الاستيلاء على قطاع غزة وتهجير الفلسطينيين خارج وطنهم”، وقال إن “الشعب الفلسطيني لن يتنازل عن أرضه وحقوقه ومقدساته، وقطاع غزة هو جزء أصيل من أرض دولة فلسطين إلى جانب الضفة الغربية، والقدس الشرقية المحتلة.. الحقوق الفلسطينية المشروعة غير قابلة للتفاوض”.
حركة السلام الآن.. اعتبرت حركة السلام الآن الإسرائيلية أن مقترح ترامب يعني الدعوة إلى تنفيذ تطهير عرقي بواسطة الاقتلاع والترانسفير والتهجير لنحو مليوني إنسان، وأنه “خريطة طريق” لنكبة ثانية ضد الفلسطينيين سكان قطاع غزة، واصفة إياه بأنه “فكرة هوجاء وخسيسة وبغض النظر عن إمكانيات تطبيقها، فإن مجرد عرضها يشكل وصمة عار أخلاقية لا يمكن محوها على جباه جميع الضالعين فيها. وستشكل محاولة إخراجها إلى حيز التنفيذ انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي”.
استنكار من الداخل الأمريكي
يبدو أن المقترح الصادم لم يحظى حتى بقبول الداخل الأمريكي الذي انقسم بشأنه ومدى قدرته على التنفيذ على أرض الواقع:
– نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن مستشارين لترامب قولهم إن المخطط غير قابل للتطبيق وأنه بعيد جدًا عن الواقع، وعليه يتوقعوا أن تختفي فكرة ملكية الولايات المتحدة لغزة والتي كان قد طرحها الرئيس في المؤتمر الصحفي، فيما نقلت الصحيفة كذلك عن السفير الأمريكي السابق بـ”إسرائيل” دان شابيرو قوله إن المقترح ليس جادًا وأن وطرحه قد يؤدي لمزيد من التطرف.
– قال السيناتور الجمهوري في مجلس الشيوخ راند بول عبر منصة “إكس” إن السعي لتحقيق السلام يجب أن يكون بين الإسرائيليين والفلسطينيين، مضيفًا “ظننت أننا صوّتنا لصالح مبدأ أميركا أولًا (الذي اتخذه ترامب شعارًا لحملته الانتخابية)، ليس لنا مصلحة في الانخراط بمغامرة احتلال أخرى تهدر مواردنا وتسفك دماء جنودنا”.
– اعتبر النائب الديمقراطي في مجلس النواب بيت أغيلار أن مخططات ترامب لغزة “ليست استراتيجية مدروسة”، مضيفًا في حديثه للصحفيين إنه “من الواضح جدًا أن ما تحدث عنه الرئيس سيجعل بلدنا أقل أمانًا، غزو القوات الأميركية لغزة لن يجعل الأميركيين أكثر أمانًا، بل سيجعلهم هدفًا”، ساخرًا من هذا المقترح بقوله “سأخمن تخمينًا جريئًا: خطط الرئيس تشمل فنادق ومنتجعات وكازينوهات، هذه هي طبيعته، لكن هذه ليست استراتيجية من شأنها حماية أمن الأميركيين أو تقليل نفقات وزارة الدفاع”.
-السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي علق على المتقرح بقوله إن “غزو غزة سيؤدي إلى مذبحة للجنود الأمريكيين وحرب طويلة الأمد”، بينما اعتبر النائب جيك أوشينكلوس أن الاقتراح “متهور وغير منطقي”.
– قالت عضوة مجلس النواب الديمقراطية الفلسطينية-الأميركية رشيدة طليب إن “الفلسطينيون لن يذهبوا إلى أي مكان، لا يستطيع هذا الرئيس إلا أن يبث هذا الهراء المتعصب بسبب الدعم من الحزبين في الكونغرس لتمويل الإبادة الجماعية والتطهير العرقي. لقد حان الوقت لرفاقي (المؤيدين لحل الدولتين) أن يرفعوا أصواتهم لدعم حل الدولتين”.
– نواب غربيون من خارج أمريكا رفضوا المقترح أيضًا من بينهم البرلمانية البريطانية، من أصل فلسطيني، ليلى موران، التي دعت المملكة المتحدة والمجتمع الدولي بأكمله إلى الوقوف ضد خطة ترامب للاستيلاء على قطاع غزة وتهجير الفلسطينيين منه بالقوة، مشيرة في منشور على حسابها في “إكس” أن الرئيس الأمريكي لم يتحدث مع فلسطيني واحد عن هذه الخطة، وقالت “غزة أرضنا، فلسطين وطننا، ولا يمكن تحقيق السلام على حساب وطننا”.
خطوة للخلف.. محاولة لترميم المقترح
موجة الرفض العالمي لهذا المقترح العنصري الذي يتعارض جملة وتفصيلًا مع أبجديات القانون الدولي ويضرب بالقرارات الأممية والمواثيق الحقوقية عرض الحائط، وهو ما يناقض بطبيعة الحال مزاعم الرئيس بالترحيب العالمي بمخططه، دفع الإدارة الأمريكية للتدخل من أجل محاولة تخفيف حدة تلك الانتقادات وتجميل المقترح من خلال إلباسه ثوب الإنسانية البحتة وتجريده من غبار العنصرية الذي غطى كافة ملامحه.
-البيت الأبيض قال على لسان المتحدثة باسمه، كارولين ليفيت، إن ترامب كان يدعو إلى إعادة توطين “مؤقت” للفلسطينيين من قطاع غزة، مضيفة أن الرئيس درس الخطة لبعض الوقت وأنه “كان صريحًا جدًا أنه يتوقع من شركائنا في المنطقة، وخاصة مصر والأردن، قبول اللاجئين الفلسطينيين مؤقتًا حتى نتمكن من إعادة بناء منازلهم”.
وحين سُئلت عما إذا كانت الخطة تعني “أن جميع الفلسطينيين الذين يريدون البقاء في غزة على أرضهم سيُسمح لهم بذلك”، كررت التأكيد على أن ترامب يبحث عن إعادة توطين مؤقت فقط، وأعادت التأكيد مجددًا: “أستطيع أن أؤكد أن ترامب ملتزم بإعادة بناء غزة ونقل أولئك الموجودين هناك مؤقتًا، لأنه موقع هدم، ولا يوجد به ماء، ولا كهرباء”.
تتضارب تلك التصريحات مع ما قاله ترامب خلال مؤتمره الصحفي مع نتنياهو، إذ أكد أن تهجير الغزيين لبلدان مجاورة ومناطق أخرى سيكون دائمًا وأنه لن يٌسمح لهم بالعودة إلى القطاع مرة أخرى، وأن بلاده ستسيطر على غزة لفترات طويلة بهدف تحويلها إلى منتجع يعيش فيه كل شعوب العالم.
– وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، حاول هو الآخر تجميل تصريحات ترامب، حين أشار في تصريحات مطولة له أن الهدف الرئيسي من هذا المقترح هو إنقاذ أهل غزة من الواقع المؤلم الذي يعيشون فيه، حيث المنازل المدمرة ومقومات الحياة المعدومة، مبررًا الحديث عن التهجير بأنه عملية مؤقتة تستهدف إبعاد الفلسطينيين عن القطاع لحين إعماره وتحويله إلى مناطق ملائمة للعيش فيها.
ووصف روبيو المقترح بأنه “عرض فريد من نوعه، إذ لم تتقدم أي دولة أخرى في العالم بعرض مماثل، أعتقد أنه ينبغي أن يفكر الناس في هذا العرض جديًا. لم يكن العرض خطوة عدائية، بل خطوة سخية جدًا لإعادة الإعمار وتحمل مسؤولية إعادة إعمار مكان دمرت أقسام كثيرة منه.. ولن يجد السكان مكانًا للعيش بأمان، حتى لو عادوا إليه، وذلك بسبب الذخائر غير المنفجرة والركام والأنقاض”.
تجدر الإشارة هنا إلى أن ترامب وإدارته لم يتوقعا مطلقًا أن يقابل هذا المقترح بكل تلك الانتقادات، حتى من قبل حلفاء أمريكا أنفسهم، أوروبيين كانوا أو شرق أوسطيين، الأمر الذي قد يعرض مصالح الولايات المتحدة للخطر، فضلًا عن سمعتها الدولية التي باتت على المحك جراء هذا الدعم المطلق للاحتلال وجرائم الإبادة التي يشنها ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، وهو ما دفع الإدارة الأمريكية لإبداء بعضٍ من التراجع النسبي تحت شعار “تعديل وتوضيح” عدد من النقاط المثيرة للجدل في المقترح، هذا التراجع الذي من الممكن أن يتطور من محاولة لامتصاص الغضب الدولي إلى ماهو أكبر من ذلك إذا ما لاقى معارضة حقيقية خاصة من الجانب العربي، يُخرج فيها العرب أوراق الضغط التي بحوزتهم من ثلاجة المقاربات والحسابات التي أودت بهم إلى هذا المنحدر من التبعية والتهميش.
أخيرًا.. يتعامل ترامب مع القضية الفلسطينية كـ “سمسار” يمارس أقصى أنواع الضغط لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب، مستغلًا قدرته الفائقة في الابتزاز وأوراق الضغط التي تمتلكها بلاده لإرضاخ الأنظمة العربية المشتبكة مع قضية العرب الأولى.