الحكومة المغربية التي تنتهي ولايتها بعد سنتين، مقبلة على تعديل، إذ يتعين على سعد الدين العثماني رئيس الحكومة أن يقدم مقترحات تهم تجديد مناصب المسؤولية الحكومية والإدارية وتعزيزها بكفاءات وطنية عالية المستوى، بأمر من العاهل المغربي محمد السادس، حيث أعلن في خطاب للشعب بمناسبة الذكرى العشرين لتوليه سدة الحكم، أن تشكيلة حكومة البلاد مقبلة على تعديل قبل افتتاح السنة التشريعية في البرلمان في الجمعة الثانية من شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
عين ملك المغرب في أبريل/نيسان 2017 الحكومة برئاسة سعد الدين العثماني، تتألف من ستة أحزاب بقيادة العدالة والتنمية
“زلزال سياسي”.. ليس هو الأول
ورد في الخطاب الملكي أن البلاد مقبلة على مرحلة جديدة ستعرف جيلاً جديدًا من المشاريع، ولكنها ستتطلب أيضًا نخبة جديدة من الكفاءات، في مختلف المناصب والمسؤوليات، وضخ دماء جديدة، على مستوى المؤسسات والهيئات السياسية والاقتصادية والإدارية، بما فيها الحكومة، ونفى العاهل المغربي أن يعني هذا “عدم توافر الحكومة الحاليّة والمرافق العمومية على بعض الكفاءات”.
الواقع أن الزلزال السياسي، كما يسميه البعض، ليس الأول من نوعه، لأن نفس الولاية الحكومية شهدت إعفاء عدد من الوزراء من مهامهم بسبب انعدام الكفاءة وفشلهم في أداء مهامهم في القطاعات المسندة إليهم
عادة ما يتخذ الحديث عن أي تعديل حكومي مجراه المعتاد، ويتطلع المتتبعون إلى معرفة من هؤلاء الوزراء الذين يرتقب أن يشملهم التعديل، وتتجه أعين الناس صوب من طالتهم انتقاداتهم، سواء كان ذلك في حديث المقاهي أم تصريحات الناس للإعلام أم على شبكات التواصل الإعلامي، حيث يجد الناس ضالتهم في التعبير بحرية عن استيائهم من أعضاء الحكومة وطريقة تدبيرهم لشؤون البلاد.
الواقع أن الزلزال السياسي، كما يسميه البعض، ليس الأول من نوعه، لأن نفس الولاية الحكومية شهدت إعفاء عدد من الوزراء من مهامهم بسبب انعدام الكفاءة وفشلهم في أداء مهامهم في القطاعات المسندة إليهم، وتعثر إنزال مشاريع محلية أبرزها مشروع المنارة المتوسط، حيث شمل تعديل سنة 2017 وزير التربية الوطنية محمد حصاد الذي شغل في الحكومة السابقة منصب وزير الداخلية، كما أعفي وزير الصحة الحسين الوردي، ووزير السكنى والتعمير نبيل بنعبد الله، وكاتب الدولة لدى وزير التربية الوطنية محمد العربي بن الشيخ.
قرر ملك المغرب كذلك إعفاء علي الفاسي الفهري كمدير عام للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، وطال الإعفاء أيضًا لحسن حدد بصفته وزيرًا للسياحة ووزير الشباب والرياضة أحمد السكوري، فضلاً عن وزير الثقافة أمين الصبيحي وحكيمة الحيطي التي كانت تشغل منصب كاتبة الدولة لدى وزير الطاقة والمعادن المكلفة بالماء.
التعليم والصحة.. مرة ثانية؟
من المرتقب أن يشمل التعديل كل من وزير التربية الوطنية سعيد أمزازي ووزير الصحة أنس الدكالي، خاصة أن الموسم الدراسي السابق لم يتخذ مساره الطبيعي، بعد أن أضرب أساتذة التعاقد شهرين متتالين، وعددهم 55 ألف أستاذ شارك منهم نحو 95% في الإضراب الذي جلب نقمة الآباء والأطفال تجاه الوزارة في طريقة تعاملها مع المشكل، وذهبت بعيدًا إلى تهديد الأساتذة بالطرد في حال عدم عودتهم إلى المدارس، وكانت شوارع الرباط قد امتلأت بأصحاب الوزرة البيضاء، وواجهتهم السلطات الأمنية بالقوة لتفريق مظاهرات علت أصواتها مطالبة بإلغاء التعاقد وإدماج الأساتذة الجدد في نظام الوظيفة العمومية أسوة بزملائهم.
تزامنت احتجاجات الأساتذة مع طلاب الطب، حيث أدت إلى إعلان سنة بيضاء، بعد امتناعهم عن حضور الدروس النظرية والتطبيقية لدورة كاملة ومقاطعتهم الامتحانات العادية والاستدراكية، وهددت وزارتا التعليم والصحة هؤلاء الطلبة بالطرد، وفوجئ ثلاثة أساتذة في كليات الطلب والصيدلة بقرار طردهم ووقف أجورهم بسبب “إخلالهم بالتزاماتهم المهنية”، في حين قالت مصادر جامعية إن السبب الرئيسي لتوقيف الأساتذة الموقوفين يعود لكونهم “ساندوا معركة الطلبة الأطباء بمواقف واضحة، إضافة إلى الانتماء السياسي لبعضهم”.
واتهمت الحكومة جماعة العدل والإحسان الإسلامية (المحظورة) بالوقوف وراء هذه الاحتجاجات التي ترفض خصخصة قطاع التكوين الطبي، ويدعو الطلاب إلى تحسين ظروف دراستهم والتدريب الذي يخضعون له في المستشفيات الجامعية.
كتاب الدولة معنيون بالإعفاء
كتاب الدولة لدى الوزارات معنيون بهذا الإعفاء الوشيك، ورجح موقع “هسبريس” نقلاً عن مصادر وصفها بالمطلعة، أن يتم حذف منصبي الوزير المنتدب المكلف بالتعاون الإفريقي، الذي يوجد على رأسه محسن الجزولي، ومنصب كاتبة الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي الذي تتولاه مونية بوستة، وأضافت نفس المصادر أن التغييرات في الوزارة السيادية ستبقي على وزير واحد على رأس وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، بعدما أظهرت تجربة تسيير الخارجية بثلاث رؤوس عدة مشاكل.
تقدم وزير من حزب العدالة والتنمية بطلب إعفائه من مهامه الحكومية، وإلى الآن، ما زال الحسين الداودي يمارس مهامه في وزارة الشؤون العامة والحكامة
قال المحلل السياسي عمر الشرقاوي: “ما يجب تغييره في الهندسة الحكومية الحاليّة واضح للعيان، ولا يحتاج لجهد كبير لإظهار أنه أحد أسباب فشل الحكومة، ويتمثل في كثرة عدد الوزراء”، يعتقد الأستاذ الجامعي أن لا مبرر لاستمرار 12 كاتب دولة، و40 وزيرًا، إلى جانب تسيير قطاع واحد من طرف أكثر من وزير، فهذه الكثرة لها كلفة مالية وسياسية.
تسريبات كشفها موقع “بلبريس” تفيد إمكانية خروج حزب التجمع الوطني للأحرار من الحكومة، وتعويضه بحزب الاستقلال، ولعل زعيم الأحرار عزيز أخنوش يرغب بشدة في لعب دور المعارضة السياسية والشعبية لما تبقى من عمر الحكومة، كتكتيك سياسي لأجندة انتخابات 2021.
في العام الماضي، تقدم وزير من حزب العدالة والتنمية بطلب إعفائه من مهامه الحكومية، وإلى الآن، ما زال الحسين الداودي يمارس مهامه في وزارة الشؤون العامة والحكامة، لأنه لم يتوصل بأي قرار يبث في استقالة قدمها إلى رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، إثر الضجة التي أثارتها مشاركته في الوقفة الاحتجاجية.
“عطش القرى” تسبب في غضبة ملكية
بأكثر من الضعف تزداد حاجيات القرى للماء خلال فصل الصيف، لكن البرنامج الوطني للماء لم يستكمل بعد تزويد مناطق الخصاص المزمن، وهو ما عجل بعقد جلسة عمل ترأسها العاهل المغربي في أبريل الماضي، وتلقى وزراء القطاعات المعنية تحذيرات بخصوص برمجة الإجراءات العاجلة الهادفة إلى تزويد مناطق الشمال والشمال الشرقي بمياه الشرب، وكان من ضمن الحاضرين في اللقاء إلى جانب رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات عزيز أخنوش الذي يشغل منصبه الوزاري منذ 2017.
تعليمات ملكية بتشييد عدة سدود في ربوع المملكة ومواصلة برنامج اقتصاد الماء في المجال الفلاحي، لم تنفذ في آجال مضبوطة، حيث كشفت مصادر حكومية ليومية الصباح تأخر ورش تشرف عليها وزارة التجهيز والنقل واللوجيستيك والماء ووزارة الطاقة والمعادن والتنمية المستدامة التي يتقاسم المسؤولية عليها عبد القادر عمارة وعزيز الرباح ونزهة الوافي من حزب العدالة والتنمية.
الحصول على شربة ماء تحول إلى قطعة من عذاب
هي قرى لا تبعد كثيرًا عن ثاني أكبر سد في إفريقيا، يبذل أهلها مشقة في الحصول على الماء وينتظرون في طابور طويل تعمه الفوضى للحصول على مياه للشرب من حنفيات البرنامج الوطني، فما بالك بقرى الجنوب المغربي ذي المناخ الصحراوي، حيث يتحول الحصول على شربة ماء إلى قطعة من عذاب يومي، ولا يجد الناس في القرى النائية مجالاً للحديث عن تعديل حكومي وشيك، بينما هم منشغلون بتأمين قوتهم اليومي في الزراعة ورعي الأغنام في انتظار السوق الأسبوعية ليبيعوا ما أنتجته قوة سواعدهم ويشتروا ما يحتاجون لموسم فلاحي قادم.