كثّفت اليابان خلال السنوات الأخيرة، جهودها الرامية إلى اقتحام القارة الإفريقية ومنافسة أبرز القوى الإقليمية والدولية هناك على رأسها الصين، رغبة منها في الاستفادة قدر الإمكان من الإمكانيات والثروات المتاحة في القارة السمراء، فهذه المنطقة ما زالت منطقة خصبة رغم تعدّد الطامعين.
“تيكاد” وفرص الالتحاق بالركب
هذه الجهود ظهرت جلية خلال افتتاح اليابان الأربعاء الماضي النسخة السابعة من مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية في إفريقيا، حيث استقبلت عشرات القادة الأفارقة في محاولة لتعزيز حضور شركاتها في القارة الغنية بالموارد الطبيعية، ومن المنتظر أن ينتهي هذا المؤتمر غدًا الجمعة في يوكوهاما جنوب غرب العاصمة اليابانية.
ويحضر هذا الاجتماع الذي يعقد كل ثلاث سنوات بعد أن كان كلّ خمس سنوات من 1993 إلى 2013، زعماء اليابان وأكثر من 30 دولة إفريقية لمناقشة مساعدات التنمية والروابط الاقتصادية بين الطرفين.
يقدر عدد الشركات اليابانية أو فروعها العاملة في إفريقيا بقرابة 800 شركة على غرار العملاق “ياماها”، مقابل 520 فقط سنة 2010
رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي أكّد في كلمته الافتتاحية، على “التغييرات في العلاقات بين اليابان وإفريقيا”، كما أطلق مبادرة تحت اسم “من أجل نهج جديد للسلام والاستقرار في إفريقيا “، تهدف إلى النهوض بالقارة الإفريقية وفق قوله.
وأشار آبي إلى وجود حاجة ملحة للاستثمار في القارة الإفريقية التي بلغ متوسط نموها 4.3 ٪ سنويا بين عامي 2000 و 2017 والتي من المتوقع أن يصل عدد سكانها إلى 2.5 مليار في عام 2050 ، مقابل 1.3 مليار في عام 2019 .
ويعد “تيكاد” الذي تنظمه الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والبنك الدولي واليابان، فرصة لترسيخ موقعها في السوق الإفريقية، رغم أن وجودها في هذه المنطقة من العالم يعتبر متأخرا مقارنة بعديد الدول التي أحكمت سيطرتها على إفريقيا ومواردها المختلفة.
استثمارات جديدة
تسعى اليابان من خلال هذا المؤتمر إلى تعزيز وجودها في إفريقيا، وذلك بمنح الأولوية للاستثمار عوض المساعدة المالية، يذكر أن القيمة الإجمالية لجميع الاستثمارات اليابانية المباشرة في القارة السمراء ، قد بلغت 7.8 مليار دولار في نهاية عام 2017، إلا أنه رقم يبقى ضعيف مقارنة بالصين التي بلغت استثماراتها هناك 43 مليار دولار.
من المتوقع أن تعلن طوكيو خلال فعاليات هذا المؤتمر عن قرض بقيمة 400 مليار ين (3.4 مليار يورو) لتمويل الطاقة المتجددة، بما في ذلك تمديد معدات الرياح في مصر ووحدات الطاقة الحرارية الأرضية في كينيا أو جيبوتي. من المتوقع أن تعلن كل من الدولة اليابانية وبنك التنمية الإفريقي عن مشروعات تزيد قيمتها على 300 مليار ين لصالح البنية التحتية “الشفافة والجودة”.
حضور إفريقي كبير في القمة اليابانية
تنوي اليابان تعزيز عمل شركاتها هناك قصد السيطرة على السوق الإفريقية في العديد من المجالات، إذ يقدر عدد الشركات اليابانية أو فروعها العاملة في إفريقيا بقرابة 800 شركة على غرار العملاق “ياماها”، مقابل 520 فقط سنة 2010، كلّها نشطة في مجال قطاعات البنوك والصحة والزراعة والبناء والتعمير وقطاعي التجارة والاستثمار ومعالجة منتجات الموارد والتصنيع والدعم اللوجستي التجاري، هذا بالإضافة إلى الخبراء اليابانيين.
وكانت اليابان قد صدرت في عام 2018، منتجات بقيمة 8.1 مليار دولار (حوالي 7.1 مليار يورو) إلى إفريقيا واستوردت 8.9 مليار دولار، يذكر أن معظم واردات اليابان من المواد الخام: فحم وغاز والحديد فيما تصدر السيارات والإلكترونيات.
وتهدف اليابان إلى الاستفادة قدر الإمكان من إمكانيات القارة الإفريقية التي تتشكّل من 54 دولة، يتكلم سكانها أكثر من 800 لغة، وتأتي اللغة العربية في صدارتها، وتعتبر أكبر سوق واعدة في العالم، إذ يزيد عدد سكانها على مليار ومئة مليون نسمة، وتبلغ مساحتها 30 مليون كيلزمتر مربع، وتشكل 20% من مساحة اليابسة في الكرة الأرضية.
منافسة الصين
خلال هذا المؤتمر، أكدت اليابان أن استثماراتها في القارة الإفريقية ستتسم بـ”نوعية جيدة” مع “تطوير للموارد البشرية المحلية” والحد من أعباء شروط الاستدانة، في إشارة إلى جارتها الصين التي تتهم باستغلال حاجة الأفارقة إلى المال.
وتتهم اليابان الصين باستغلال الأفارقة دون أن تقدّم لهم مقابل لذلك، وتستدلّ على هذا الأمر بمشروع “طرق الحرير الجديدة” الذي أطلقته بكين عام 2013 لربط آسيا وأوروبا وإفريقيا بالصين، حيث ترى طوكيو أن بكين تفضل الشركات والعمال الصينيين على حساب الاقتصاديات المحلية لدفع البلدان المضيفة إلى الديون.
تسعى اليابان إلى استغلال الثقة الكبيرة التي تحظى بها في إفريقيا، في جهودها نحو دعم مكانتها في هذه القارة، رغم تأخرها في ذلك وتركها المجال شاسعا أمام باقي القوى
تمتلك القارة الإفريقية، نحو 124 مليار برميل من احتياطي النفط، وهو ما يشكل ما يقارب 12% من الاحتياطي العالمي وتتركز الثروة النفطية في دول نيجيريا والجزائر ومصر وأنجولا وليبيا والسودان وغينيا الاستوائية والكونغو والجابون وجنوب إفريقيا، فيما تبلغ احتياطاتها من الغاز الطبيعي نحو 10% من إجمالي الاحتياطي العالمي، حيث تملك نحو 500 تريليون متر مكعب من احتياطي هذه المادة.
كما تحتوي القارة الإفريقية على موارد طبيعية وأولية ضخمة أخرى، حيث تنتج ما يقارب 90% من البلاتين المنتج في العالم، و40% من إنتاج الألماس، وتحوز 50% من احتياطي الذهب، و30% من اليورانيوم المهم في الصناعات النووية، وتنتج 27% من إجمالي كمية الكوبالت المنتجة، أما خام الحديد فتنتج القارة ما نسبته 9% من إجمالي إنتاجه حول العالم.
وتعتبر الزراعة أحد أهم الأنشطة الاقتصادية في القارة السمراء، لتنوع المناخ وكثرة الأنهار، حيث يعمل ثلثا سكانها بالزراعة تقريبًا، كما تتميز القارة بامتلاكها ثروة سمكية هائلة، يساعد قطاعها على توفير الدخول لنحو 10 ملايين إفريقي يعمل بمهنة صيد الأسماك، فيما تبلغ قيمة الأسماك التي يتم تصديرها 2.7 مليار دولار أمريكي.
تمتلك الصين في إفريقيا مشاريع كبرى
تسعى اليابان إلى استغلال الثقة الكبيرة التي تحظى بها في إفريقيا، في جهودها نحو دعم مكانتها في هذه القارة، رغم تأخرها في ذلك وتركها المجال شاسعا أمام باقي القوى وفي مقدمتهم الصين الشعبية التي أحسنت استغلال حاجة الأفارقة للدعم دون أن يتم ربط ذلك بحقوق الإنسان.
تصرّ اليابان على أهمية ضمان حرية الملاحة وحكم القانون في المياه المحيطة بأفريقيا على ضوء تنامي الحضور البحري الصيني، فهي تعتقد أن الصين تحكم قبضتها على جلّ موانئ إفريقيا نتيجة إغداقها القارة بالقروض، ما جعل قرار تلك الدول رهينة عند الصين.
لا تستطيع طوكيو مجابهة الصين في إفريقيا في مسألة الاستثمارات، إلا أنها تسعى أن تقدّم بديلا عن الصين يضمن للأفارقة تنمية مستدامة دون أن يتم استغلال ثرواتهم والتحكم في قرارهم السيادي، وإثقالهم بالديون.