لا يجادل أحد اليوم بأن البرمجة واحدة من أهم العلوم والمهن والتي تشهد طلبا متزايدا في السوق، ومن المتوقع أن تحفل السنوات القليلة القادمة بما يزيد عن مليون ونصف وظيفة تتعلق وتتطلب ذوي الخبرة بمجالات STEM ولغات البرمجة.
وتشير بعض التقارير إلى أن العمل كمطور برامج هو واحد من أكثر الوظائف التي يشغلها الطلب في سوق العمل الأمريكية، على سبيل المثال. ويقول مكتب إحصاءات العمل الأمريكية إنه “من المتوقع أن ينمو توظيف مطوري البرمجيات بنسبة 17 في المائة في الفترة من 2014 إلى 2024، وهو أسرع بكثير من المتوسط لجميع المهن، والسبب الرئيسي لهذا النمو السريع هو زيادة الطلب على برامج الكمبيوتر”.
هذا ما يقودنا إلى أهمية تعليم البرمجة للأطفال، لا بوصفها وظيفة محتملة مطلوبة في المستقبل فحسب، بل أيضاً منهجية تعليمية تنمي الإدراك وتطور منهجيات تفكير سليمة.
البرمجة بمفهومه الصحيح وتأثير تعلمه على الأطفال
لم تكن البرمجة لغة مستحدثة، فقد ظهرت منذ أكثر من خمسين عامًا، ويعني تحويل المعلومات إلى رموز يسهل التعامل معها دون الحاجة إلى استخدام الكلمات، وتعتمد جميع التطبيقات الإلكترونية على البرمجة؛ فالأمر يشبه المعادلات الكيميائية التي تستخدم بعض الرموز دون الحاجة إلى ذكر اسمها بالكامل، وهذا هو الأمر ذاته مع لغات البرمجة بالنسبة للتعامل مع التطبيقات الإلكترونية.
فالبرمجة بشكل مبسط مصطلح يشير إلى مجموعة من المهارات التي يمكن للطلاب استخدامها للمستقبل المهني في عالم يعاني من نقص المبرمجين المهرة، فيمكن أن يساعد البرمجة الطلاب في موادهم الأخرى أيضًا، مثل تحسين بعض المهارات كالمثابرة وحل المشكلات بالإضافة إلى إتقان مهارات القراءة والكتابة.
يتعلم الطفل في سن صغيرة بشكل أسرع، لذا إذا اهتممنا بدمج تعلم البرمجة في الحياة اليومية للطفل سيتمكن من إتقانها في أقصر وقت مما يساعده على الإلمام بأهم قواعد ومبادئ البرمجة مبكرًا
وتعتمد تعلم البرمجة على تقديم ألعاب إلكترونية تساعد الأطفال الصغار على تعلم البرمجة والتي تساهم بشكل كبير في تنمية مهارات العقل لدى الأطفال وتطوير ذكائهم لمساعدتهم على التفكير بطريقة منطقية لتسريع عملية التعلم والتطور.
أهمية تعلم لغة البرمجة للأطفال
يتعلم الطفل في سن صغيرة بشكل أسرع، لذا إذا اهتممنا بدمج تعلم البرمجة في الحياة اليومية للطفل سيتمكن من إتقانها في أقصر وقت مما يساعده على الإلمام بأهم قواعد ومبادئ البرمجة مبكرًا. قد نظن للوهلة الأولى أن عقل الطفل صغير ولا يمكنه استيعاب تعلم أمر معقد مثل البرمجة، إلا أن الحقيقة أن تعلم البرمجة أسهل لدى الأطفال ويمكن البدء بشكل متدرج عبر تعلم البرمجة باللعب.
ويمكن تعداد بعض من أهم الأسباب التي من شأنها إلى دفعك لعليم طفلك البرمجة:
1. زيادة الطلب على مهارات البرمجة في الوظائف الحالية ووظائف المستقبل؛ فصناعة التكنولوجيا في حاجة دائمة للعمال، وهي لا تقتصر على المبرمجون أو التخصصات الرئيسية في علوم الكمبيوتر – بل تحتاج إلى مصممي الغرافيك ومطوري البرمجيات ومهندسي الكمبيوتر واللغويين وعلماء الرياضيات وغيرهم، ووظائف التقنية ليست وفيرة فحسب، بل إنها أيضًا مربحة.
تساعد الطفل وتمرنه على استخدام مبادئ التفكير المنطقي لتحليل كافة الأمور من حوله، بالإضافة إلى إعانته على كيفية حل المعادلات الحسابية، الأمر الذي يطور ذكائه ومهاراته العقلية.
2. يتمكن الطفل من فك شفرات البيانات التي تم ترميزها وكيفية تكويد المعلومات بطريقة صحيحة.
3. تساعد الطفل وتمرنه على استخدام مبادئ التفكير المنطقي لتحليل كافة الأمور من حوله، بالإضافة إلى إعانته على كيفية حل المعادلات الحسابية، الأمر الذي يطور ذكائه ومهاراته العقلية.
4. يتعلم الطفل الترتيب المنطقي للسبب والنتيجة.
5. تساعده على إتقان تقنيات حل المشكلات.
6. تساعده على الإبداع؛ فبتعلم لغة البرمجة يمكن للطفل أن يقوم بإنشاء لعبة فيديو أو موقع ويب أو تطبيق خاص به بنفسه.
7. تمكنه من تقسيم المهام والأفكار الكبيرة لمهام صغيرة ومحددة.
8. تعزز عملية التعاون والمشاركة مع الآخرين.
9. تعينه على تحمل النقد وتحديد الأخطاء وإصلاحها.
تعلم البرمجة مهارة حاسمة مدى الحياة؛ فحتى لو أراد الطفل أن يفعل شيئًا ما خارج علم الكمبيوتر عندما يكبر، فإن مهارات البرمجة الخاصة به ستفيده بلا شك في جميع المجالات
10. تساعده على تعلم المثابرة لمواجهة الصعوبات والتحديات.
11. توفر البرمجة ميزة تنافسية عند التقدم إلى الكليات أو بعض الوظائف.
12. تعلم البرمجة مهارة حاسمة مدى الحياة؛ فحتى لو أراد الطفل أن يفعل شيئًا ما خارج علم الكمبيوتر عندما يكبر، فإن مهارات البرمجة الخاصة به ستفيده بلا شك في جميع المجالات، فالبرمجة تعلم حل المشكلات، والتنظيم، والرياضيات، ورواية القصص، والتصميم، وأكثر من ذلك! ولعل أهم ما يبرز روعة البرمجة هو أنها مفيدة في جوانب مختلفة من الحياة وتسمح للأطفال بالتعبير عن أنفسهم بشكل خلاق.
ومع زيادة اعتماد الكثير من الصناعات على التكنولوجيا، يحتاج طلاب اليوم إلى الاستعداد لأنهم الجيل القادم من العمال في العالم. ولكن لسوء الحظ، لا ينتشر البرمجة في معظم المناهج الدراسية، وخاصة على أساس منتظم.
تعتبر Scratch واحدة من أكثر لغات برمجة الأطفال جاذبية بصريًا في القائمة، لكن السبب الحقيقي الذي يجعلها مميزة حقًا هو حرية التعبير التي تتيحها للطلاب
وانطلاقًا من أهمية تدريس الأطفال علم البرمجة، وندرة تعليم البرمجة للأطفال بالمدارس، ظهرت المنظمة الدولية Code.org عام 2013 لإقامة مشروع غير ربحي يهدف إلى نشر وتمويل إمكانية الولوج إلى تدريس علوم الكمبيوتر في المدارس لكل طالب، لتنظيم حملة ساعة برمجة سنوية وتقديم المنهج الأكثر انتشارًا لتدريس كافة علوم الكمبيوتر بالمدارس بكافة المراحل التعليمية وذلك من خلال مبادرة الكثير من المتطوعين لتقديم دورات وترجمة دروس لإيصال فكرة تعلم علوم الكمبيوتر والبرمجة والبرمجة إلى كل دول العالم.
أفضل لغات البرمجة في العالم التي تناسب مرحلة الأطفال
تتعدد لغات البرمجة، ولذلك أوضح الخبراء مجموعة من لغات البرمجة المناسبة لتعلم الطفل البرمجة في سن مبكرة وأهمها:
1- سكراتش
تعتبر Scratch واحدة من أكثر لغات برمجة الأطفال جاذبية بصريًا في القائمة، لكن السبب الحقيقي الذي يجعلها مميزة حقًا هو حرية التعبير التي تتيحها للطلاب، حيث كانت الفكرة الكاملة وراء ذلك تبسيط عملية إنشاء الرسوم المتحركة، وتصميم الألعاب، وبناء قصص تفاعلية، بحيث يمكن لأي شخص حرفيًا فعل ذلك من الألف إلى الياء، فيشعر الأطفال وكأنهم مصممو ألعاب حقيقيين يستخدمون Scratch، وحتى المبتدئين الأكبر سنًا يمكنهم إنشاء ألعاب بسيطة ومخصصة تمامًا في دقائق.
يضم Scratch أيضًا مجتمعًا كبيرًا على الإنترنت يضم أكثر من 15 مليون مستخدم مسجل من كل ركن من أركان العالم ويمكن لأي شخص أن يصبح عضوًا فيه، طالما أنه يمتثل للقواعد الودية والاحترام التي وضعها فريق MIT Scratch.
وما تضيفه لغة سكراتش بشكل أساسي للأطفال، هي فهم البرمجة، أي كيف تتم الأمور، أو لنقل فلسفة البرمجة، وهذا مهم للغاية.
2- بايثون
Python هي لغة برمجة أخرى سهلة التعلم ولديها بعض الميزات المفيدة حقًا لمبرمج مبتدئ؛ فيسهل قراءة الأكواد عند مقارنته بلغات البرمجة الأخرى، بالإضافة إلى أنها تحتوي على بعض الميزات التي تزيد من عملية التعلم بشكل كبير وتتيح لك وضع رسوم متحركة بسيطة لإنشاء ألعابك.
3- جافا سكريبت
تعد JavaScript خيارًا رائعًا للأطفال لأن كل شيء تقريبًا يعمل الآن على لغة البرمجة هذه. Google Chrome و Mozilla Firefox و Internet Explorer – كل هذه المتصفحات تستخدم JavaScript. إذا كان أطفالك يتقنون هذه اللغة المحددة، فسيتعلمون كيفية تحويل مستندات الويب البسيطة إلى تطبيقات وألعاب تفاعلية مذهلة.
لكن هذا ليس كل شيء، حيث أن JavaScript لا يتعلق فقط بإنشاء صفحات الويب، بل يمكنك تشغيله على خوادم الويب لإنشاء مواقع جديدة تمامًا، أو حتى استخدامها للتحكم في أنواع الأجهزة الأخرى، مثل الروبوتات.
عادةً ما تأتي JavaScript كمهارة في المستوى الأعلى للأطفال الذين لديهم بالفعل بعض الخبرة في البرمجة في Scratch أو Python. وعادةً ما يوصى به للأطفال الذين تزيد أعمارهم عن 10 سنوات، لكننا رأينا أطفالًا لا تتجاوز أعمارهم 8 سنوات يقومون بتطوير الألعاب باستخدام مسارات JavaScript.
تعد Java Script لغة الويب بشكل أساسي، وهي لغة البرمجة ممتازة للطلاب الذين هم على استعداد للبرمجة النصية.
4- (C# (Unity
Unity هو محرك ألعاب شهير يمكنه تعليم الأطفال كيفية البرمجة أثناء إنشاء ألعاب ذات جودة احترافية، حيث إنه تطبيق مطور للألعاب عبر نظام أساسي مفتوح المصدر ويمكن كتابة النصوص في لغة C # وهي لغة مشابهة تمامًا لـ Java.
C # هو برنامج قوي ويمكن استخدامه لأي شيء تقريبًا. بالطبع، لها نقاط قوة خاصة بها، فبفضل دعم .NET، أصبح C # هو الخيار الأول لكل مطور لإنشاء تطبيقات سطح مكتب Windows.
أهم المصادر لتعليم الطفل البرمجة
والآن وبعد أن تعرفنا على أهم لغات البرمجة، لا بد من الإشارة لبعض المصادر التي تتيح للطفل تعلم البرمجة بكل سهولة من خلال مجموعة من الدورات أو من خلال التطبيق المباشر على بعض المواقع.
فلنبدأ بأشهر المواقع التي تقدم دورات دريبية بالفيديو لتعلم البرمجة، ومن أهمها:
– أكاديمية خان KhanAcademy: تقدم دورات برمجة الكمبيوتر التي تساعد على تعلم كيفية برمجة الرسومات والرسوم المتحركة والألعاب باستخدام JavaScript و ProcessingJS، أو تعلم كيفية إنشاء صفحات ويب باستخدام HTML & CSS.
– أكاديمية CodeAcademy: توفر مراحل تعليمة خطوة بخطوة لتعلم البرمجة في محرر WSYWYG.
– موقع Tynker: هو موقع ويب آخر يوفر دورات ذاتية للأطفال لتعلم أساسيات البرمجة باستخدام الألعاب ويوصي موقع الويب الخاص بهم باستخدام للأطفال من سن 7 إلى 14 عامًا؛ حيث يوجد الكثير من الدورات التدريبية المدفوعة، بالإضافة إلى عدد قليل من الدورات المجانية على موقع Hour of Code الخاص بهم.
أما الكتب الجيدة بالمجال، وهي بالإنجليزية، فأشهرها: Hello World (computer programming for kids and other bigenners)، وTeach your kids to code، وCoding games in Scratch.
كما تتوفر الكثير من التطبيقات التي تساعد الأطفال على تعلم البرمجة خطوة خطو، لعل من أشهرها وأفضلها:
كذلك يمكن تعلم البرمجة عن طريق الألعاب، ولعل أشهر الألعاب المفيدة لهذا الغرض، الروبوت Cozmo، و Code-a-Pillar، Cubetto.
الخطوة الأولى؟
الآن، بعد أن تطلعنا إلى أهم المصادر والتطبيقات التي تساعد الطفل على تعلم البرمجة بكل سهولة، فعلينا تحديد أولى خطوات البدء الفعلية:
– على الوالدين اختيار مدرب مناسب ليساعد الطفل على اختيار لغة برمجة تناسبه للبدء فورًا بالتعلم.
– ننصح بالبدء بتعلم لغة البرمجة Scratch للأطفال الأصغر سنًا، والتدرج بلغة Python لمن هم أكبر.
– قراءة الكتب وحدها ليست كافية، فالتدريب والممارسة تُظهر نتائج تعليمية فعالة على الطفل.
– دع الطفل يتعلم بنفسه ولا تتسرع بالكبس على لوحة المفاتيح أو النقر فوق قائمة، فيمكنك مساعدته من خلال الإشارة على الشاشة بواسطة أصابعك فالطفل بحاجة إلى التطبيق والممارسة بيده.
– لا تضغط على الطفل في حالة عدم رغبته باستكمال ما يقوم به من عمليات التكويد في الوقت الذي تقوم فيه بتدريسه، بل كن مرنًا وامنحه الوقت الكافي للتعلم بالمزيد من المرح والدعابة.
أخيرًا: لم يعد أمر إعداد الطفل لمواكبة الثورة الرقمية وتعلم البرمجة “Coding” أمرًا كماليًا أو أستثنائيًا قاصرًا على فئة أو شريحة معينة، بل أصبح ضرورة مثل تعلم القراءة والكتابة والحساب، أو على الأقل؛ مثل تعليم طفلك لغة منطوقة جديدة كالإنجليزية، أو مهارة العزف على آلة موسيقية أو قيادة المركبات.