في مايو 2013 أعلنت ألمانيا منح اللجوء لخمسة آلاف سوريًا، ثم رفعت الرقم ليصبح 10 آلاف. تقدم للدفعة الثانية 75 ألف طلب بدلًا من خمسة. في إبريل 2014 كان قد وصل لألمانيا 40 ألف سوري وتقدم 32 منهم بالفعل بطلبات اللجوء. في 2018 كانت ألمانيا الثالثة على ترتيب الجهات المانحة للمفوضية. في 2018 تلقت ألمانيا ما يقرب من 162 ألف طلب لجوء ليصل عدد اللاجئين فيها ما يتعدى المليون، ونصفهم من السوريين. يعيدنا اللجوء السوري إلى سؤال أساسي أكثر حول اللجوء الحديث وتاريخه…
اللجوء.. نظرة للوراء
بدأ لهيب ثمانية حروب عنيفة خاضها الفرنسيون كفرقتين متناحرتين، الكاثوليك والبروتستانت بدعم مملكة أسبانيا للفرقة الأولى وانجلترا للثانية في صراع عبثي على الهوية الدينية في العام 1562 ميلاديًا، تدخلت إنجلترا وأسبانيا بقصد إضعاف المملكة الفرنسية واقتطاع أجزاء من أراضيها. استمر الصراع لما يزيد عن الثلاثين عامًا حتى وقّع ملك فرنسا هنري الرابع مرسوم نانت بتاريخ 13 إبريل 1598 ميلاديًا، كأول اعتراف رسمي بحتمية التسامح الديني في أرجاء القارة الأوروبية. في العام 1685 ألغى الملك لويس الرابع عشر المرسوم، وغادر نحو 200 ألف هوغونوت (البروتوستانت الفرنسيين) فرنسا فرارًا من الاضطهاد الديني واستخدمت كلة “Refugee” بمعنى لاجيء لأول مرة في السياق الحديث. مع الوقت وفي بداية القرن الثاني عشر، اتخذت الكلمة موضعها في اللغة الإنجليزية وأصبحت تدل على معنى كل من هجر موطنه ليس فقط لأجل أسباب دينية، ولكن هربًا من الحرب والعنف وأنواع أخرى من الإضطهاد.
كانت الاستجابات العالمية تجاه حركة اللجوء خلال كل أوروبا بعيد الحرب تتباين على المستويين القانوني والمنظماتي. في العام 1948 أقر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بأن لكل فرد حق التماس ملجأ في بلدان أخرى والتمتع به خلاصًا من الاضطهاد
بنهاية الحرب العامية الثانية نتجت أكبر حركة لتجمع بشري في تاريخ أوروبا. ملايين من الألمان هجّروا أو تم نفيهم من أوروبا الشرقية. مئات الآلآف من اليهود الذين نجوا من الإبادة التي ارتكبها النازيون، ولاجئين آخرين فروا من كل دولة في أوروبا الشرقية هروبًا من الأنظمة الشيوعية التي كانت في طريقها للتثبت.
كانت الاستجابات العالمية تجاه حركة اللجوء خلال كل أوروبا بعيد الحرب تتباين على المستويين القانوني والمنظماتي. في العام 1948 أقر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بأن لكل فرد حق التماس ملجأ في بلدان أخرى والتمتع به خلاصًا من الاضطهاد. نشات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين في العام 1950 وفي العام الذي يليها تم اعتماد اتفاقية جينيف بشأن اللاجئين، وقد منحت حقوقًا محددة للاجئين وحظرت إعادتهم قسريًا من بلدان اللجوء. بدأت المفوضية بالعمل مع أول أزمة للاجئين في الستينيات بعد إنهاء الاستعمار في إفريقيا، وبعدها ولمدة عقدين قامت بتقديم المساعدات في أزمات النزوح في آسيا وأمريكا اللاتينية، ثم بنهاية القرن الماضي كان العمل مع موجات اللاجئين في أوروبا بعد حروب البلقان، ويصبح الآن عمل المفوضية أكثر أوقاتها أهمية في عالم يشهد تعرض شخص كل ثانيتين للتشريد القسري.
تطلعنا الأسئلة الشائعة الخاصة بالمفوضوية عن السمات الفريدة للاجيء والتي تميزه عن المهاجر. تُتبادل استعمال الكلمتين في وسائل الإعلام والنقاشات العامة رغم الفارق القانوني بينهما، فالقانون الدولي للاجئين يحددهم بشكل خاص ويقوم على حمايتهم خوفًا من تعرضهم للاضطهاد أو الصراع أو العنف الذي فروا بسببه في أول الأمر، مم دفعهم لعبور حدودهم الوطنية. يحصل اللاجيء على المساعدات من الدول المضيفة أو من المفوضية والمنظمات ذات الصلة، ويعتبر الاعتراف بهم أمر جدي حيث قد يحمل حرمانهم من اللجوء عواقب وخيمة وحصرًا قد يهدد حياتهم.
يقال أن أزمة المهاجرين الحالية هي الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية. قدّر “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، وهو مجموعة رصد مقرها المملكة المتحدة، أن عدد القتلى منذ بداية الحرب وصل إلى 511 ألف حتى مارس 2018
على صعيد آخر، فإن المهاجر هو مصطلح جامع يشمل كلا من المهاجرين واللاجئين، وغالبًا ما تُفهم الهجرة على أنها حركة طوعية، ولكن الحقيقة أن علماء الاجتماع قد آثروا استخدام مصطلح “الهجرة القسرية” التي تشمل تحركات غير طوعية كالنزوح، أي الحركة داخل الحدود الوطنية كما يحدث في سوريا منذ بدء الحرب في 2013. والآن تحديدًا، وبعد تكثيف النظام لقصف شمال إدلب بداية من إبريل الماضي ، اضطر أكثر من 400 ألف شخص للنزوح ناحية الشمال أو إلى المناطق الحدودية القريبة من تركيا التي تضم مخيمات للنازحين بحسب ما أورد بيان الأمم المتحدة في يوليو الماضي.
منطقتنا العربية
يقال أن أزمة المهارجين الحالية هي الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية. قدّر “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، وهو مجموعة رصد مقرها المملكة المتحدة، أن عدد القتلى منذ بداية الحرب وصل إلى 511 ألف حتى مارس 2018. خلفت سنوات من القتال المستمر 6,6 مليون نازح داخلي و5,6 مليون لاجئ في جميع أنحاء العالم، وفقا لـ “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين“. وتدور الأخبار عن أرقام اللاجئين السوريين الذين استقبلتهم تركيا والذين عبروا خلالها إلى أوروبا ثم إلى الوجهة الحلم؛ أوروبا وتحديدا ألمانيا. ما الفارق إذًا بين اللجوء في المنطقتين؟
تحتم على الطالب في تركيا للحصول على موعد للتسجيل لدى المفوضية في أنقرة، يؤهل الحاصلين على اللجوء في تركيا من الحصول على بعض المساعدات الاجتماعية والمادية من منظمات وهيئات حكومية أيضًا
يحصل اللاجئون في ألمانيا على مساعدات مالية تصل إلى 354 يورو شهريًا. بهذا الرقم تتقدم ألمانيا على مساعدات الدول المضيفة الأخرى ملتزمة بتقديم الحد الأدنى من المعايير الإنسانية والاجتماعية وتتحدد المساعدات حسب قانون طالبي اللجوء. على الجهة الأخرى، تستضيف تركيا نسبة 63,4% من السوريين الذين خرجوا بعد 2013، أي حوالي 4 ملايين سوريًا. وعندما يتقدم طالب اللجوء بأوراقه للمكتب المختص الذي يوصل ملفه للمكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين في الحكومة الألمانية، لينتظر بعد ذلك ميعاد المقابلة الشفهية التي يشرح فيها أسباب تقدمه للجوء، يتحتم على الطالب في تركيا للحصول على موعد للتسجيل لدى المفوضية في أنقرة، يؤهل الحاصلين على اللجوء في تركيا من الحصول على بعض المساعدات الاجتماعية والمادية من منظمات وهيئات حكومية أيضًا، كما يحق لهم حق إلحاق أبنائهم بالتعليم الحكومي.
أعلم كيف يبدو الأمر
في خطابات أربعة وصناديق محملة باللعب والهدايا، خاطب لاجئين سابقين، فروا من أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية إلى أمريكا واستقروا بها، أطفالًا سوريين لاجئين، عبر إحدى منظمات المجتمع المدني، وقد تم تصوير فيلم قصير جدًا لدقيقتين للقطات من الجانبين، وتأثر الكبار ودموع الأطفال. لا يترك الفرار من الحرب أثرًا بسيطًا في النفس.
تقول الفتاة: “بشكرها لهيلجا كتير لأنه حسستني إنه أنا موجودة”. على قدر بساطة الجملة إلا أنها تلخص المعاناة. الحرب تسحقك، تنسفك وتنسف شارعك ومدرستك وتاريخك كاملًا، تاريخك القصير الذي لم تأخذ وقتك أبدًا في أن تشكله كما ترتأي، والأناس الذين كانوا هنا، الذين تعرضوا لنفس التجربة منذ أكثر من نصف قرن يدعمونك. يؤكدون لك أن الأمور ستكون بخير. يقول جوي لأحد الأطفال في خطابه “ربما يبدو لك الآن أنك لن تلتحق أبدًا بالمدرسة لتصبح طبيبًا، لكن لو عملت بجد لتمكنت من تحقيق الأمر. أعلم ذلك لأنني أصبحت طبيبًا”. يبكي الصبي ومن معه.
في 2018 أعلن البنك الدولي أن أكثر من 143 مليون إنسان سيعدون قريبًا مهاجري مناخ. هذه ملاحظة أخيرة تدعونا للتفكر في كيف تدور الدوائر وفيم يفعله الإنسان بعالمه حقًا.
من بعيد يبدو وكأنه كان دومًا بفعل النزاعات السياسية، ولكنه لم يبدأ هكذا، فقد كانت دومًا الدوافع وراء الهجرات إما تغيرات في المناخ وإما للبحث عن غذاء أفضل. انسحبت البداوة وبدأت الحضارات في التكون، فظهرت الامبراطوريات والمطامع الاستعمارية، ودفعت موازين القوى والصراعات السياسية الجموع بالتحرك كما نرى حولنا الآن.
يظن البعض أن المستقبل سيكون للهجرات المناخية مرة أخرى. سيدفع المناخ الناس بالتحرك في جماعات مرئية كما تفعل السياسة، وليس الظن ببعيد أو بلا شواهد، ففي 2018 أعلن البنك الدولي أن أكثر من 143 مليون إنسان سيعدون قريبًا مهاجري مناخ. هذه ملاحظة أخيرة تدعونا للتفكر في كيف تدور الدوائر وفيم يفعله الإنسان بعالمه حقًا.