يشهد العالم لحظات مفصلية في مسار القضية الفلسطينية مع تحرر رموز من المقاومة الفلسطينية بعد سنوات – وأحيانًا عقود – من الاعتقال، إلا أن حرية البعض منهم تبقى مشروطة بالإبعاد القسري، ليجد بعض الأسرى أنفسهم عالقين في منفى مفتوح، بلا هوية قانونية واضحة أو استقرار دائم.
الأكثر مأساوية من الإبعاد القسري هو أن يجد بعض الأسرى المحررين أنفسهم أمام واقع أشد قسوة، بعدما رفضت عدة دول استقبالهم، ليعيشوا في حالة تيه قانوني وسياسي. فما مصير هؤلاء الأسرى الذين لا يجدون دولة تحتضنهم؟ وما الموقف القانوني من هذه السياسة؟
متى بدأ الاحتلال الإسرائيلي سياسة إبعاد الأسرى الفلسطينيين؟
بدأ الاحتلال استخدام سياسة الإبعاد القسري ضد الأسرى الفلسطينيين منذ السبعينيات، لكنها تصاعدت في الثمانينيات والتسعينيات وأصبحت أكثر انتظامًا واتساعًا، خاصة بعد اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987.
أبرز مثال على ذلك كان إبعاد 415 فلسطينيًا إلى مرج الزهور في جنوب لبنان عام 1992، معظمهم قيادات من حركتي حماس والجهاد الإسلامي.
لماذا تلجأ “إسرائيل” إلى إبعاد الأسرى بدلًا من استمرار اعتقالهم؟
- التخلص من القيادات المؤثرة داخل السجون، خاصة من لهم دور في تنظيم الحراك الوطني.
- منع الأسرى من استئناف نشاطهم المقاوم بعد الإفراج عنهم داخل الأراضي الفلسطينية.
- إفراغ السجون من أسرى يعتبرون “عبئًا سياسيًا” داخل المعتقلات.
- استخدام الإبعاد كأداة سياسية ودبلوماسية، وفرضه كشرط في صفقات تبادل الأسرى، بما يمنح “إسرائيل” مكاسب سياسية ويُظهر الفلسطينيين في موقف “المتنازل”.
ما أبرز الدول التي استقبلت الأسرى المبعدين؟
مؤخرًا، أبدت عدة دول استعدادها لاستضافة الأسرى الفلسطينيين المبعدين، من بينها مصر، وتركيا، وباكستان، وقطر، وماليزيا، والجزائر. وعلى مدار العقود الماضية، شملت عمليات الإبعاد وجهات مختلفة، كان أبرزها:
- الأردن الذي استقبل العديد من القادة الفلسطينيين الذين تم نفيهم خلال السبعينيات والثمانينيات.
- لبنان خاصة بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982.
- تركيا وقطر وسوريا مثل صفقة “وفاء الأحرار” عام 2011.
- دول أوروبية كما حدث في 2002 عند نفي مجموعة من المحاصرين داخل كنيسة المهد إلى إسبانيا وإيطاليا.
لماذا لا يجد بعض الأسرى المبعدين دولًا تستقبلهم؟
بعد إتمام صفقات تبادل الأسرى أو تنفيذ قرارات الإبعاد، يكون من المفترض أن يتم توجيه المبعدين إلى دول معينة وفق التفاهمات التي تجريها “إسرائيل” مع أطراف أخرى، ولكن في كثير من الأحيان لا توجد دول مستعدة لاستقبال هؤلاء الأسرى بسبب عدة عوامل، منها:
- الضغوط السياسية التي تمارسها “إسرائيل” وحلفاؤها لمنع استقبال المبعدين في دول قريبة من فلسطين.
- عدم رغبة بعض الدول في تحمل التبعات السياسية أو الأمنية لاستقبال أسرى سابقين، خاصة إذا كانوا محسوبين على فصائل المقاومة.
- الإجراءات القانونية المعقدة التي تجعل من الصعب على المبعدين الحصول على إقامة قانونية في الدول المضيفة، مما يتركهم عالقين في وضع غير محدد.
ما الموقف القانوني من سياسة الإبعاد القسري للأسرى؟
يُعد الإبعاد القسري جريمة حرب بموجب القانون الدولي الإنساني، خاصة اتفاقية جنيف الرابعة، التي تحظر النقل القسري للأشخاص المحميين من أراضيهم المحتلة.
كما أدانت منظمات حقوق الإنسان سياسة الإبعاد الإسرائيلية، باعتبارها عقوبة جماعية غير قانونية، لكن رغم الإدانات، لم تتعرض “إسرائيل” لأي محاسبة دولية فعلية بسبب الدعم السياسي الذي تحظى به من بعض القوى الكبرى.
تُسجَّل صفقات تبادل الأسرى كانتصار خالص للمقاومة الفلسطينية، حتى وإن حاول الاحتلال تشويهها بقرارات الإبعاد القسري والنفي السياسي الدائم، إذ لا تحقق هذه السياسة أهدافها دائمًا، فقد أثبت العديد من المبعدين امتلاكهم خبرة تنظيمية وسياسية عززت من قوة المقاومة لاحقًا، وحوّلت النفي القسري إلى محطة جديدة في مسيرة النضال، وكان من أبرزهم عبد العزيز الرنتيسي وصالح العاروري.