يشتعل الصراع في المناطق المحررة العراقية، مع اقتراب موعد الانتخابات فيها، إذ شهدت عدة محافظات تغييرات في المناصب الإدارية المحلية، بعضها نفذ تحت تهديد السلاح.
صراع النفوذ هذا بدأ مبكرًا، فبعض القوى السياسية والساسة يحلمون بإنشاء إمبراطورية افتراضية على ركام المدن المدمرة، فصراع الزعامة المحتدم يأتي لفرض النفوذ على الحكومات المحلية والسيطرة على مشاريع إعادة الإعمار الضخمة والهيمنة على مقدرات تلك المحافظات أيضًا.
من الموصل إلى ديالى وصولًا إلى الأنبار، يحتدم التنافس بين سياسيي المحافظات السنية المحررة، ليس على تقديم الخدمات وانتشال واقع مدنهم المنكوبة والمدمرة وإنهاء ملف النزوح فيها، بل على تقاسم النفوذ والسلطة، فقد أثارت التغييرات الإدارية حفيظة كتل وشخصيات مناهضة لهذه التغييرات.
ديالى.. إقالة وتنصيب تحت تهديد السلاح
ديالى خاصرة العراق مع إيران تشهد صراعًا محتدمًا على المناصب المحلية، حيث شهدت الأيام الماضية تنافسًا كبيرًا على منصب رئيس مجلس قضاء بعقوبة عاصمة محافظة ديالى، بعد تصويت مجلسه المحلي على إقالة رئيسه فالح المكدمي، خلال غيابه وتمتعه بإجازة رسمية، وتعيين بديل عنه تحت تهديد السلاح.
الصراع الإقليمي والدولي في العراق اتسع في الآونة الأخيرة، لا سيما عقب الانتصار على داعش، واقتراب موعد الانتخابات بعد أن كان صراعًا مؤجلًا
عضو مجلس محافظة ديالى نجاة الطائي قالت في تصريح لــ”نون بوست”: “جهات تحمل السلاح لها أهداف انتخابية، وأغراض سياسية، تحاول الهيمنة على المفاصل الإدارية في الأقضية والنواحي وتستخدم السلاح ونفوذها لتغيير المسؤولين المحللين، وفقًا لرغبتها وتوجهاتها، وهذا ما حدث مع مجلس بعقوبة”.
“المجلس المحلي لبعقوبة خرق القانون والدستور في سحب يد رئيسه فالح المكدمي”، الحديث للطائي التي أشارت أيضًا إلى وجود معارضة قوية لهذا القرار من مجلس محافظة ديالى الذي قرر سحب يد المجلس المحلي في بعقوبة لـ60 يومًا.
وتظهر وثيقة حصل “نون بوست” على نسخة منها توجيهًا من مجلس محافظة ديالى إلى المحافظ وعموم المجالس المحلية بعدم ترويج أي مخاطبة صادرة من مجلس بعقوبة إلا بتوقيع الرئيس الذي أقيل تحت تهديد السلاح.
وثيقة صادرة من مجلس محافظة ديالى
صراع إقليمي في الداخل العراقي
نائب رئيس المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية الدكتور باسل حسين قال إن الصراع الإقليمي والدولي في العراق أخذ بالاتساع في الآونة الأخيرة، لا سيما عقب الانتصار على داعش واقتراب موعد الانتخابات، بعد أن كان صراعًا مؤجلًا، وأخذ أشكالًا عدة.
وكشف حسين لـ”نون بوست” محاولات للهيمنة على مفوضية الانتخابات في عدة محافظات عراقية، وذلك مع قرب الانتخابات المحلية في عموم البلاد في محاولة للتأثير على نتائجها المقبلة.
كما أكد “وجود مساعٍ لقوى سنية مستغلة نفوذها في بغداد للسيطرة على الكثير من المفاصل الإدارية في المحافظات السنية”، عازيًا ذلك إلى عاملين أساسيين: أولهما استغلال هذه السيطرة على مرافق مهمة من أجل أن تكون عامل حسم للفوز بالانتخابات.
أما العامل الثاني فوصفه رئيس المركز العراقي بالعملية الاستباقية تقوم بها بعض القوى السياسية لتقليل الضرر لأي عملية تغيير إدارية متوقعة بعد الانتخابات، فيما أشار إلى أن هناك جهات تسعى لتأسيس وجود طويل من خلال نفوذها.
“تنظيم داعش ما زال يمثل تحديًا للعراق، وأي ثغرة سياسية في المحافظات المحررة سيقتنصها الإرهاب، ويهدد أمنها وأمن البلاد مرة أخرى”
طهران تهيمن وواشنطن تكتفي بقواعد عسكرية
هناك هيمنة سياسية وإدارية واقتصادية لإيران في المناطق المحررة، يظهر ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر، يقابله وجود عسكري أمريكي عبر قواعد رسمية، وينقسم الشارع العراقي بشأن هذا الصراع (الأمريكي – الإيراني) على الأراضي العراقية، فهناك من ينظر للوجود الأمريكي بأنه يتعدى الأمر العسكري، باعتباره يحفظ عملية التوازن السياسي، ويعده أمرًا ضروريًا في تلك المدن، وهناك من يؤكد أن “تقاسم النفوذ” بين طهران وواشنطن خيار وارد كونهما يميلان إلى البراغماتية ومن السهولة الوصول إلى اتفاق سياسي بينهما لتقاسم النفوذ وهو ما حدث سابقًا.
“صراع النفوذ” قد يخلف نكبة أخرى
الصراع في المحافظات المحررة على المكاسب الشخصية، يؤشر على سلبية الأوضاع فيها، إذ أصبحت بيئة غير مناسبة، والتنافس غير المؤطر ديمقراطيًا فيها ربما يخلّف نكبة أمنية أخرى.
وفي هذا السياق، حذر رئيس مركز التفكير السياسي الدكتور إحسان الشمري في مقابلة مع “نون بوست” من انزلاق المحافظات المحررة بأي صراع سياسي، وأكد أن ذلك سينعكس سلبًا على الأوضاع الأمنية في عموم العراق، فيما أشار إلى أن الإقصاءات الناتجة عن أبعاد سياسية ستفرز ارتدادات كبيرة جدًا على هذه المناطق.
يتزامن هذا الصراع الداخلي مع تحذير الأمم المتحدة من أن التوترات قد تلحق “ضربة هائلة” بجهود إعادة بناء دولةٍ مستقرة ومزدهرة في العراق
وأضاف الشمري “تنظيم داعش ما زال يمثل تحديًا للعراق، وأي ثغرة سياسية في المحافظات المحررة سيقتنصها الإرهاب، ويهدد أمنها وأمن البلاد مرة أخرى”، وفيما أشار إلى أهمية الحاجة لمصالحة مجتمعية وإعادة الإعمار فيها، جدد تحذيره للطبقة السياسية من خطورة المرحلة الحاليّة.
تحذير أممي من “ضربة هائلة” في العراق
يتزامن هذا الصراع الداخلي مع تحذير الأمم المتحدة من أن التوترات قد تلحق “ضربة هائلة” بجهود إعادة بناء دولةٍ مستقرة ومزدهرة في العراق، فيما شددت على ضرورة ألا يدخر المجتمع الدولي جهدًا لتفادي ذلك.
وأشارت المبعوثة الأممية إلى العراق جينين هينيس بلاسخارت في أثناء إحاطتها لمجلس الأمن، إلى أن القيادة العراقية تتواصل مع لاعبين إقليميين ودوليين، لضمان بقاء بلادها أرضية مشتركة للاستقرار، لا ميدانًا لنزاعات بالوكالة.