“امرأة في حقيبة”.. نهاية غير متوقعة

76776

شابٌ وحيد اسمه “تيو” يعيش مع أمه المقعدة وكلبها في مدينة ريو دي جانيرو، يدرس الطب ولا يشعر بالحرية إلا حول النقالات المتناثرة والجثث المشرحة والأطراف والأعضاء الموجودة في القوارير، بالنسبة إليه هو إحساس لا يمكن أن يجده في أي مكانٍ آخر.

“في كل محاضرة يكتشف تيو شيئًا جديدً عن “جيرترود”، أما هي فدائمًا ما أحبت أن تفاجئه”.

عن دار العربي للنشر والتوزيع بالقاهرة، صدرت مؤخرًا روايةً مترجمة من الأدب البرازيلي تحت عنوان “امرأة في حقيبة” للكاتب الشاب رافاييل مونتيز، في ترجمة بديعة للأستاذ شرقاوي حافظ، وهذه أول مرة فيها يترجم عمل للكاتب باللغة العربية، فقد فازت الرواية بمنحة الترجمة المقدمة من صندوق منحة الشارقة للترجمة.

لن تتأكد من شيء

يمكننا أن نعطي هذه الرواية تصنيفات كثيرة، مثل أنها رواية جريمة أو ديستوبيا أو واقعية، لكن أكثر تصنيف مناسب لها أنها رواية نفسية بامتياز، لن تسلم منها أبدًا وستظل تلاحقك كثيرًا، في أثناء وبعد الانتهاء من قراءتها، فأكثر شيء نخاف منه أن نجد شيئًا ما يصف حالنا، وإلى أي مدى قادر على ثبر أعماقنا وكشف ما تخفيه النفس.

هذا هو السؤال الذي يبحث عنه طوال الرواية رافاييل مونتيز، فقبلة واحدة استحوذت على حياة تيو عندما قبلته “كلاريس” الفتاة التي تدرس الفن وتدخن سجائر المينثول

“لا معجبين في الوقت الحالي، لكن لمعلوماتك، قد أكون مشلولة؛ ولكني لست ميتة”.

رفاييل مونتيز هو كاتب ومحامٍ شاب، ولد عام 1990 بريو دي جانيرو، نشرت له العديد من مجموعات القصص القصيرة وقصص الغموض والجريمة، وهذه روايته الثانية التي نشرت وهو في عمر الـ24.

رغبة قاتلة وهوس مدمر

“لقد أصبح رهينة لهذه القبلة المختلسة التي تمت في سرية”.

إلى أي مدى قد تسيطر رغبات الإنسان وهوسه عليه؟ هذا هو السؤال الذي يبحث عنه طوال الرواية رافاييل مونتيز، فقبلة واحدة استحوذت على حياة تيو عندما قبلته “كلاريس” الفتاة التي تدرس الفن وتدخن سجائر المينثول، وانقلبت حياة الاثنين تمامًا.

تيو شخص لا يستطيع أن يرى نفسه سعيدًا، فهو يشعر بأن مصيره أن ينسى.

أيام رائعة

في تجربة أقيمت لقراء النسخة الأجنبية للرواية، حين طلبوا من بعض القراء قراءة ثلاث صفحات فقط من الرواية، دون سابق معرفة بأي شيء تدور عنه، كان رد الفعل صادمًا، البعض يكتم صرخة قوية من هول المفاجأة، والآخر تجحظ عيناه حين يصل للنهاية التي لم تكن متوقعة، والآخر في حالة دهشة كبيرة حين يشعر أن أنفاسه مكتومة.

“من قال إن الكتب في أي وقتٍ مضى كانت يومًا بريئة”؟

في النسخة الأجنبية كان عنوان الرواية perfect days  أيام رائعة” نسبة لاسم السيناريو التي تقوم بكتابته كلاريس بطلة الرواية، لكن تم تغيير العنوان في الترجمة العربية لـ”امرأة في حقيبة” وهو أكثر واقعية خصوصًا أن للحقيبة دلالة كبيرة في الرواية سوف يفهم معناها القارئ حين يشرع في قراءتها.

حقيبة متعددة الأغراض

“استيقظ تيو فزعًا. انتابه كابوس رأى فيه نفسه يطارد “كلاريس” في غابة مظلمة”.

رافاييل مونتيز يعتمد في كتابته هنا الصدمة، أن يصدم القارئ في كل صفحة بشيء جديد لن يتوقعه أبدًا، فهو يجعلك تلهث وراءه في الأسطر، يعرف جيدًا كيف يشوق قارئه وكيف يقدم له المتعة، أيضًا كيف يناقش قضية مهمة ويطرح الكثير من الأسئلة الوجودية، ففي هذه الرواية في كل فصل تحديدًا كان يثير رفاييل سؤالًا وجوديًا، أهم تلك الأسئلة عن النفس وما قد ترتكبه من فظائع أو ما تتحول إليه في لحظة.

“كان صعبًا عليه أن يتأقلم مع كل هذا. والواقع لم يبد مستعدًا لأن يقدم أي تنازلات”.

حين ظهرت كلاريس في حياة تيو ما فعلته بالنسبة إليه أنها “أعادت ترتيب مكانه في العالم” كما قال، فهو لم يكن يتوقع أن يتعرف على شخصية مثل كلاريس، عكسه تمامًا في كل شيء، يمكن القول إنها نقيضه، فهي مرحة، تدخن، منفتحة، تدرس شيئًا أرادته، ليست مرتبطة بالأم أو الأب، تفعل ما تحلو لها. أما تيو، فهو وحيد، يكاد يكون منعزلاً جدًا، ينظر بازدراء إلى الجنس البشري ولا يشفق نهائيًا على حالة والدته.

أعتقد أن الأدب البرازيلي الآن يمتلك متعة كبيرة تقترب من متعة كرة القدم، فأكثر شيء تشتهر به البرازيل هو كرة القدم، فالأدب البرازيلي يشكل جزءًا كبيرًا الآن من الأدب اللاتيني بشكلٍ عام

حفرة كبيرة

“لست متأكدة لماذا أشعر بالأمان معك. أعلم أنك لن تؤذيني”.

تيو يريد بشدة وبأي طريقة ممكنة أن يثبت ل كلاريس أنه يحبها، وأنه لن يستطيع أحد أن يهتم بها مثله، لكنه مع الوقت يصنع لنفسه حفرة لن يستطع الخروج منها مهما فعل، سوف يظل عالقًا بها.

على الرغم من إدراك تيو بما فعله، لا يستطيع أن يوقف نفسه، بل يتمادى في الأمر أكثر، مهما حدث له من توبيخ، مهما شعر بالحقارة أو الدناءة أو الكره، ففي أوقات كثيرة سوف تشعر أنه مريض “اضطراب ثنائي القطب”.

“لقد فعل ما يريد أن يفعله الجميع في وقت ما. لقد خلق فرصة لكي يكون بجوار كلاريس، ولكي يتيح لها أن تعرفه من قرب قبل أن تنطق بكلمة “لا””.

أعتقد أن الأدب البرازيلي الآن يمتلك متعة كبيرة تقترب من متعة كرة القدم، فأكثر شيء تشتهر به البرازيل هو كرة القدم، وبات الأدب البرازيلي يشكل جزءًا كبيرًا الآن من الأدب اللاتيني بشكلٍ عام، وينافس الكرة.

“سمع صوتًا غريبًا للسيقان لما انفصلت عن الخاصرة. ذكرته ببرطمان الزيتون عندما ينفتح”.

رافاييل مونتيز في العشرين من عمره أبهر النقاد وعامة القراء بروايته “روليت”، وهي رواية جريمة، ترشح بعدها عام 2010 لجائزة بينفيرا الأدبية، وحصل على جائزة “ماتشادو ب أسيس” التي تمنحها مكتبة البرازيل الوطنية عام 2012، وجائزة ساو باولو الأدبية عام 2013.

هذه الرواية رائعة بكل المقاييس، تحوي بداخلها الكثير من الأسئلة التي نبحث لها عن إجابة، كذلك سوف تجد داخلها الجريمة والواقعية والتشويق، فسرد هذه الرواية بسيط لدرجة كبيرة، وهذا سر جمالها

حتى يصبح كل شيء فوضى

إذا أردنا أن نصف حالة تيو جيدًا ونحاول شرح ما فعله أو لماذا فعله، سوف تكون هذه الجملة التي نطقت بها كلاريس في وجهه كافية: “إن ما تشعر به هو افتتان. مرض. هوس. هو كل شيء، لكنه ليس حبًا”.

تيو مريض نفسي، فلا أحد يستطيع أن يرغم أي شخص على الوجود بجواره، وهو لا يريد، هو أراد امتلاك كلاريس بأي طريقة، حتى لو أرغمها على ذلك.

“كل ما يريده منها هو أن تكون له، كألبوم صور على الطاولة”.

هذه الرواية رائعة بكل المقاييس، تحوي بداخلها الكثير من الأسئلة التي نبحث لها عن إجابة، كذلك سوف تجد داخلها الجريمة والواقعية والتشويق، فسرد هذه الرواية بسيط لدرجة كبيرة، وهذا سر جمالها.

ترجمة هذه الرواية ترجمة جميلة جدًا، متسقة ومتزنة، عرفت كيف تتماشي جيدًا مع النص الأصلي ولا تنحرف عنه.

“الحب جميل لو صادفنا إنسانًا يجعلنا أحسن مما نحن عليه”.