بدأ وزير الدفاع التونسي والمرشح الرئاسي عبد الكريم الزبيدي، أمس الإثنين، حملته الانتخابية للاقتراع الرئاسي المقرر بعد أسبوعين، واضعًا بين يدي الناخبين التونسيين في داخل البلاد وخارجها برنامجًا انتخابيًا يقوم على إثارة النقاط الخلافية التي من شأنها أن تكون سببًا لمزيد من تقسيم البلاد.
إمكانات محدودة
ضعف مكانته السياسية وقلة خبرته السياسية وعدم وجود امتداد شعبي مهم له داخل الأوساط التونسية، حتم على عبد الكريم الزبيدي تبني هذه النقاط الخلافية، حتى يضمن لنفسه مكانًا بين المنافسين لهذه الانتخابات الرئاسية الثانية في تونس بعد ثورة يناير 2011.
يشارك في هذه الانتخابات المنتظرة 26 مرشحًا، وذلك بعد استيفاء كل إجراءات البت في كل النزاعات القضائية المتعلقة بقائمة المرشحين التي أعلنتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات منتصف شهر أغسطس/آب الماضي، وكان أكثر من 98 شخصًا قد تقدموا بترشحاتهم للانتخابات الرئاسية التونسية المبكرة المقررة في سبتمبر/أيلول، قبل أن يتقلص عددهم نتيجة عدم استيفاء بعضهم للشروط التي ضبطها القانون للترشح لمنصب الرئاسة.
يشغل الزبيدي (69 سنة) الذي ينحدر من محافظة المهدية (الساحل) منصب وزير الدفاع منذ 12 من سبتمبر/أيلول عام 2017 في حكومة يوسف الشاهد، وكان كاتبًا للدولة مكلفًا بالبحث العلمي والتكنولوجيا بين 1999 و2000، ثم وزيرًا للصحة عام 2001 في حكومة محمد الغنوشي الأولى تحت حكم زين العابدين بن علي، وبعد الثورة التونسية، أصبح الزبيدي وزير الدفاع خلفًا لرضا قريرة، في تغيير وزاري بحكومة محمد الغنوشي الثانية في 27 من يناير 2011، وهو في الأصل طبيب.
أولى الملفات التي تضمنها مشروعه الانتخابي هي الاغتيالات والتسفير والجهاز السري الذي تُتهم حركة النهضة بامتلاكه
قبل فترة قصيرة لم يكن الزبيدي في قائمة المرشحين، إلا أنه برز فجأة خاصة في الفترة التي شهدت مرض الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي الذي توفي يوم 25 من يوليو/تموز الماضي، وروج بأنه صديق السبسي وكاتم أسراره لتبدأ بذلك حملة المناشدة له لتولي رئاسة البلاد.
وكان من المقرر إجراء الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية العادية في تونس يوم 17 من نوفمبر/تشرين الثاني، لكن بسبب وفاة الرئيس السبسي، قررت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تقديم موعدها وإجراءها في 15 من سبتمبر/أيلول، فيما تجري في الخارج أيام 13 و14 و15 من نفس الشهر، وذلك وفقًا لمتطلبات الدستور.
الاغتيالات والتسفير والجهاز السري
أولى الملفات التي تضمنها مشروعه الانتخابي هي الاغتيالات والتسفير والجهاز السري الذي تُتهم حركة النهضة بامتلاكه، حيث تعهد بكشف التفاصيل كافة التي تحيط به، حال فوزه في هذا السباق الرئاسي، المقرر تنظيمه في منتصف سبتمبر/أيلول الحاليّ.
وتفجرت قضية الجهاز السري، في شهر سبتمبر/أيلول من العام الماضي، عندما كشف فريق هيئة الدفاع عن ملف اغتيال المعارضين السياسيين محمد البراهمي وشكري بلعيد، عما قال إنها وثائق حصل عليها، تظهر وجود عمليات اختراق واسعة لأجهزة الدولة من حركة النهضة، بالإضافة إلى قيادتها دور استخباراتي خفي لبناء منظومة أمنية موازية، للإيقاع بخصومها ومعارضيها، وممارسة نشاطها خارج نطاق القانون، الأمر الذي تنفيه حركة النهضة بشدة.
يعمل الزبيدي على إضعاف حركة النهضة
أثار خصوم حركة النهضة هذا الملف، للضغط عليها وحشرها في الزاوية حتى تفقد “شرعيتها الشعبية”، يذكر أن اغتيال السياسي اليساري شكري بلعيد تم بالرصاص أمام مقر سكنه في فبراير/شباط 2013، وبعدها اغتيل محمد البراهمي المعارض ضمن التيار القومي في يوليو/تموز من نفس العام.
إثارة هذا الملف يسعى من خلاله وزير الدفاع التونسي إلى محاولة التأثير على الحظوظ الانتخابية لحركة النهضة الإسلامية، ومحاولة استبعادها من المشهد السياسي، استكمالاً لما فشل فيه قادته من قبل وفق عدد من التونسيين، رغم تأكيد مؤسسات الدولة عدم صحة ما نسب للنهضة.
تعديل الدستور والنظام السياسي
إلى جانب ذلك، تعهد الزبيدي بتقديم مشروع استفتاء لتعديل الدستور والمنظومة السياسية والانتخابية في أجل زمني أقصاه 25 من يوليو/حزيران 2020، وهو ما فهم منه أنه يسعى لتعديل النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي كما كان عليه الوضع في البلاد زمن حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.
وشهدت تونس خلال صياغة الدستور الجديد، نقاشات معمقة واستشارات داخل لجنة النظام السياسي في المجلس الوطني التأسيسي بشأن طبيعة النظام السياسي، انتهت باعتماد النظام البرلماني المعدل الذي منح البرلمان صلاحيات التشريع والرقابة ومنح الثقة للحكومة وسحبها منها والرقابة على عملها، وأسند لرئاسة الحكومة أغلب الصلاحيات التنفيذية، في حين بقي رئيس الجمهورية بصلاحيات محدودة في مجالي الدفاع والسياسة الخارجية.
يعمل الزبيدي على تحقيق مصالحة شاملة سياسية واقتصادية واجتماعية تشمل أركان النظام السابق، دون أن يراعي حجم المعاناة التي تعرض لها التونسيون جراء هذا النظام
الزبيدي والمحيطون به يرون أن النظام السياسي الذي أفرزه دستور البلاد وأقره المجلس الوطني التأسيسي بعد الثورة، ساهم في تعطيل عمل السلطة التنفيذية وأضعف قدرتها على القيام بواجباتها في تسيير الدولة وتحقيق التنمية.
تغيير النظام السياسي لتونس، من برلماني معدل إلى نظام رئاسي، يسعى من خلاله الزبيدي وفق العديد من التونسيين، إلى تعزيز صلاحيات الرئيس في بلد عانى لعقود من حكم رئاسي استبدادي وتدعيم نفوذه وهيمنته على السلطة التنفيذية في البلاد.
فتح سفارة تونس بدمشق
ضمن صلاحياته القليلة، يختص الرئيس في تونس بصلاحية رسم السياسات العامة في مجال العلاقات الخارجية، في هذا الشأن تعهد عبد الكريم الزبيدي بإعادة فتح سفارة تونس بدمشق بكامل طاقمها في أجل زمني لا يتجاوز 20 من مارس 2020.
لم يتطرق الزبيدي لعلاقات تونس مع محيطها المغاربي والعربي والإفريقي والأوروبي، وعلاقاتها مع الدول الصاعدة وكيفية تطويرها، وإنما تعهد بإعادة فتح سفارة تونس لدى نظام بشار الأسد الدموي، رغم رفض التونسيين ذلك.
وسبق أن قامت تونس بقطع العلاقات وطرد السفير السوري في بلادها في فبراير/شباط عام 2012 خلال فترة حكم الرئيس السابق منصف المرزوقي، واتخذت تونس هذا القرار احتجاجًا على القمع الدامي الذي مارسه نظام الرئيس بشار الأسد بحق معارضيه مع بداية النزاع.
مصالحة شاملة تشمل بن علي
ضمن النقاط الخلافية التي تبناها الزبيدي في برنامجه الانتخابي أيضًا، موضوع المصالحة الشاملة الذي ينظر إليه بعين الريبة في تونس، فالمصالحة وفق أنصار الزبيدي ومريديه تعني المصالحة مع الفاسدين والمجرمين الذين أذنبوا بحق تونس والتونسيين، وعلى رأسهم الرئيس المخلوع بن علي.
يسعى الزبيدي لتجاوز أهداف الثورة
يعمل الزبيدي على تحقيق مصالحة شاملة سياسية واقتصادية واجتماعية تشمل أركان النظام السابق، دون أن يراعي حجم المعاناة التي تعرض لها التونسيون جراء هذا النظام، الأمر الذي أثار حفيظة عدد كبير منهم.
يذكر أن تونس شهدت مظاهرات كبرى لفترة طويلة، قبل سنتين، احتجاجًا على مشروع قانون المصالحة الذي يقر العفو عن رجل أعمال تورطوا في قضايا فساد وعن الموظفين العموميين وأشباههم بخصوص الأفعال المتعلقة بالفساد المالي والاعتداء على المال العام، خلال فترة حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي (1987 – 2011)، الذي تقدم به الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي عقب توليه رئاسة البلاد.
يرى عدد من التونسيين أن الزبيدي بهذا البرنامج الانتخابي لم يثر النقاط الخلافية في البلاد فقط، بل يسعى إلى إرجاع منظومة الفساد والاستبداد التي حكمت تونس لعقود طويلة، عرفت فيها البلاد الويلات، وذلك حتى يرضي القائمين عليه، فهو مرشح القوى التي عملت مع بن علي واستفادت من نظامه سياسيًا وماليًا.