ملفات ثقيلة تلوح في أفق الموسم الدراسي الجديد بالمغرب، تثير تخوفات الآباء من تكرار سيناريو الإضراب الطويل الأمد، إذا لم تلتزم الوزارة بحل ملف المدرسين الذين يعملون بموجب عقد، فهؤلاء يهددون بالتصعيد في الإضراب، بعد أن نزلوا إلى شوارع الرباط في مسيرة احتجاجية قبيل انطلاق الدراسة، للمطالبة بإدماجهم في النظام الأساسي للوظيفة العمومية، والقانون الإطار لمنظومة التربية والتكوين يدخل حيز التنفيذ بعد نشره في آخر عدد من الجريدة الرسمية، أيامًا قبل الانطلاق الفعلي للموسم الدراسي والجامعي الجديد.
“تعاقد مشؤوم” وعودة إلى نظام قديم
الآلاف من الأساتذة طافوا شوارع الرباط في مسيرة دعت إليها “التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد” يوم الأحد فاتح سبتمبر، وشجبوا السبل التي تسلكها الحكومة بقيادة سعد الدين العثماني ووزير التربية الوطنية سعيد أمزازي، في “التملص من مسؤولياتهم بشأن حل مشكلة التعاقد”، ووصفوها بـ”الوفية لتوصيات البنك الدولي وصندوق النقد، التي تسير في اتجاه خصخصة التعليم والإجهاز على مجانيته”.
انتهت المظاهرة أمام البرلمان، بكلمة تلاها ممثل عن النقابات التعليمية الخمسة الأكثر تمثيلية، عبد الرزاق الإدريسي، حيث قال إن “التعاقد المشؤوم لم يناقش معنا كنقابات في مرحلتين من الحوار الذي ضم الوزارة الوصية وممثلين عن تنسيقية الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد”، ودعا النقابي المخضرم الأساتذة إلى لعب دورهم في الدفاع عن التعليم والوظيفة العمومية، خاصة أن عددهم 70 ألفًا وسيصير 90 ألفًا بعد التحاق الدفعة الجديدة بالمدارس.
الجدل الحاد الذي أثاره تصويت البرلمان على القانون الإطار همّ فقط جانبه المتعلق بتدريس المواد العلمية والتقنية باللغة الفرنسية، وهو ليس بجديد بقدر ما هو عودة إلى نظام قديم، ففي سنوات الثمانينيات جاءت سياسة التعريب متسرعة، حيث عانت من الارتجال في تنفيذها وتصميم المناهج وتكوين المدرسين، لكن التعليم المغربي حافظ على تدريس الفرنسية رغم تعريبه بالكامل انطلاقًا من المرحلة الابتدائية إلى الثانوية.
وتعطى الدروس في الجامعة بالعربية بالنسبة للتخصصات الإنسانية والاجتماعية، فيما حافظت كليات العلوم والتقنيات والطب والاقتصاد على اللغة الفرنسية، حيث يواجه الطلاب صعوبات بسبب الانتقال إلى الدراسة بلغة لم يتعودوا عليها في مراحل التعليم الأساسية.
10 ساعات أسبوعيًا خصصت لتدريس اللغة العربية في المستوى الأول، لتتراجع إلى 9 ساعات في المستوى الثاني، ويستمر تقليص هذا الزمن المدرسي إلى أن يصل 6 ساعات بالنسبة للمستوى الخامس والسادس
تدريس أربع لغات في الابتدائي
قبل نهاية الموسم الماضي، أصدرت وزارة التعليم “المنهاج الدراسي الجديد” ليشمل المستويات الأربع الأولى من المرحة الابتدائية، حيث ينص على تدريس أربع لغات وهي العربية والأمازيغية والفرنسية وتضاف إليهم اللغة الإنجليزية على المدى المتوسط، كما يؤكد المنهاج ضرورة استعمال اللغة العربية الفصيحة في التواصل المدرسي اليومي وفي جميع الأنشطة التعليمية للمواد الدراسية التي تقدم باللغة العربية، بما في ذلك أنشطة الحياة المدرسية.
10 ساعات أسبوعيًا خصصت لتدريس اللغة العربية في المستوى الأول، لتتراجع إلى 9 ساعات في المستوى الثاني، ويستمر تقليص هذا الزمن المدرسي إلى أن يصل 6 ساعات بالنسبة للمستوى الخامس والسادس، كما سيتم إسناد تدريس اللغة الأمازيغية إلى أستاذ متخصص، ويعفى معلم اللغة العربية من تدريس العلوم ليتولى معلم الفرنسية هذه المهمة إلى جانب تدريس مادة الرياضيات.
التعليم سيبقى مجانيًا؟
إلغاء مجانية التعليم العمومي أكثر ما يتخوف منه الآباء، لأن القانون يلزم الأسر الميسورة بدفع رسوم لتسجيل أبنائها بالتعليم العمومي، لا سيما بالجامعات في مرحلة أولى، وبالمدارس الإعدادية والثانوية في مرحلة ثانية، حسب ما تضمنته المادة 48 من القانون الإطار الذي ينص كذلك على أن الدولة ملزمة بتعبئة الموارد وتوفير الوسائل اللازمة لتمويل منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي وتنويع مصادره، من خلال مساهمة الجماعات الترابية والمؤسسات والمقاولات العمومية والقطاع الخاص والأسر الميسورة (المادة 45).
في البند التالي، تضمن الدولة مجانية التعليم الإلزامي ولا يحرم أحد من متابعة الدراسة بعد هذا التعليم الإلزامي لأسباب مادية محضة، ويعد التعليم إلزاميًا للجميع إلى أن يبلغ الطفل 16 سنة.
لكن القانون لم يحدد تعريفًا دقيقًا للحال “الميسور”، فهل يقصد الأثرياء الذين يدرسون أبناءهم في مدارس البعثة الفرنسية؟ فبقدر ما تمتاز هذه المدارس بعرضها التعليمي الأكثر ثراءً، فإنها تؤدي دورًا في إنجاب النخب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في البلاد. أم أنه يقصد الطبقة المتوسطة التي غالبًا ما تتجه إلى تدريس أبنائها في شبكة المدارس الخصوصية التي حصلت على تسهيلات ودعم من الدولة لتخفيف الضغط على المدارس العمومية.
تقدر عدد المدارس الابتدائية العمومية في كل ربوع المغرب بـ 7789 مدرسة (منها 4762 مدرسة قروية) تضم حجرات دراسية يتجاوز عددها 91 ألفًا منها 55 ألف حجرة بالقرى
اكتظاظ في حجرات متهالكة
الانتشار الواسع لشبكة المدارس الخصوصية في المدن وبعض القرى المجاورة لم يكن ذلك الحل السحري، فما زالت العديد من مدارس الدولة تعاني من الاكتظاظ في الفصول الدراسية، حيث يفوق عدد التلاميذ الـ40، وفي بعض الحالات تسند فصول مشتركة إلى معلم واحد في المرحلة الابتدائية، وهي مشكله تمليها حاجة القرى النائية إلى مزيد من الحجرات الدراسية الجديدة، بينما تعاني الحجرات القائمة من تهالك بنيتها القديمة.
ورغم بعد المسافة، يسير الأطفال أميالاً في مسالك وعرة تحت شمس حارقة وفي صقيع الشتاء، يلتحفون البلاستيك ليحموا أجسادهم الصغيرة ومحافظهم الثقيلة من الأمطار الغزيرة، حتى يلتحقوا أخيرًا بحجراتهم الدراسية وينهلوا من العلم الثمين.
تقدر عدد المدارس الابتدائية العمومية في كل ربوع المغرب بـ7789 مدرسة (منها 4762 مدرسة قروية) تضم حجرات دراسية يتجاوز عددها 91 ألفًا منها 55 ألف حجرة بالقرى، في حين أن عدد التلاميذ في نفس المرحلة يناهز 3.66 مليون منهم 2.26 مليون طفل يتابعون دراستهم في الريف المغربي.
ولا تتجاوز الإعداديات 2007 مؤسسة منها 872 بالقرى، يدرس فيها 1.56 مليون تلميذ، منهم نصف مليون تلميذ بالوسط القروي، أما الثانويات فيبلغ عددها 1236 مؤسسة، منها 360 ثانوية موزعة على قرى المغرب، ويتابع أقل من مليون تلميذ دراستهم الثانوية، بما فيهم نحو نصف مليون من البوادي، طبقًا للأرقام الصادرة عن وزارة التربية الوطنية برسم الموسم الماضي.
منظمة “اليونسيف” أوصت بضرورة معالجة الهدر المدرسي الإضافي، من خلال ترسيخ المغرب لأسس العدالة الاجتماعية التي تضمن وصول جميع الأطفال إلى فرص التعليم الجيد
يبلغ عدد هيئة التدريس بالمرحلة الابتدائية نحو 135 ألفًا، منهم ما يزيد على 34 ألفًا يمارسون مهامهم التعليمية بالوسط القروي، وفي المقابل يبلغ عدد أساتذة الإعدادي نحو 53 ألفًا، وأكثر من 58 ألفًا يدرسون في المرحلة الثانوية، فيما بلغ عدد الأساتذة الذين يعملون بموجب عقود مع الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين 70 ألف أستاذ، وسيرتفع هذا العدد إلى 90 ألف بعد التحاق دفعة 2019 بالمؤسسات التعليمية بمختلف مراحلها الثلاثة.
مغادرة المدارس.. عنوان “جيل 2030”
“جيل 2030” في المغرب قد يتسم بمغادرة عدد مهول من الأطفال للمدارس، إذ توقعت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” أن خطرًا يتربص بالمنظومة التعليمية، فنحو 1.68 مليون طفل سيجدون أنفسهم خارج المدارس مع حلول سنة 2030، وفي الوقت الراهن، يقدر عدد الأطفال الذين لا يذهبون إلى المدارس بـ1.53 مليون طفل، من الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و17 سنة.
منظمة “اليونيسيف” أوصت بضرورة معالجة الهدر المدرسي الإضافي، من خلال ترسيخ المغرب لأسس العدالة الاجتماعية التي تضمن وصول جميع الأطفال إلى فرص التعليم الجيد، وصقل مهارات المتعلمين ليصيروا أفرادًا مساهمين في النمو الاقتصادي للبلد.