ترجمة حفصة جودة
يمثل النزوح القسري أزمة عالمية كبيرة، فقد ارتفع عدد النازحين من 43 مليون شخص إلى 69 مليون ما بين عامي 2007 و2017، ويعزو هذا الارتفاع الكبير بشكل أساسي إلى الصراع السوري الذي بدأ عام 2011، ومنذ ذلك الحين فر أكثر من 6.3 مليون مواطن سوري إلى الدول المجاورة وغيرها، وقد ولدت هذه الأزمة الإنسانية تعاطفًا عامًا بالإضافة إلى مخاوف من تداعيات هذا التدفق الكبير للنازحين.
شهد الأردن هذا التدفق الكبير للاجئين حيث يشترك في حدوده مع سوريا، فهناك 1.3 مليون سوري يعيشون في الأردن الذي يبلغ عدد سكانه 6.6 مليون نسمة، ويعد تأثير هذا النزوح على أعضاء المجتمع المضيف قضية كبيرة تخضع للمناقشة.
يمثل سوق العمل أحد أهم النقاشات في هذا الموضوع، ويقدم الأردن نظرة فريدة في هذا الأمر، حيث وقع اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي في 2016 وافق فيها على السماح بدخول اللاجئين السوريين سوق العمل بشكل رسمي في مقابل الحصول على مساعدات إنسانية ومالية وتسهيلات تجارية من الاتحاد الأوروبي.
تعرف هذه الاتفاقية باسم “ميثاق الأردن” وعندما درست مع زملائي بلال فلاح وكارولين كرافت، تأثيرها على سوق العمل الأردني، لم نجد لها أي تأثير سلبي على وظائف الأردنيين وأجورهم.
باستخدام البيانات التي تمثل الدولة بأكملها إضافة إلى البيانات المتعلقة بالأماكن التي يعيش فيها السوريون (حيث يتمركزون في أماكن معينة)، تمكنا من تحديد تأثير السوريين على فرص عمل الأردنيين من خلال مقارنة نتائح سوق العمل الأردني قبل وبعد التدفق السوري.
لقد وجدنا أن الأردنيين الذين يعيشون في مناطق ذات كثافة عالية من اللاجئين لديهم نتائج سوق عمل أفضل من الأماكن ذات الكثافة المنخفضة، هذه النتائج أثرت على سوق العمل بأكمله بما في ذلك مستويات البطالة وساعات العمل والأجور وخصائص العمل (مثل المهن والأقسام وإذا ما كان العمل رسميًا أم لا).
يشكل الأطفال نسبة كبيرة من اللاجئين السوريين في الأردن
تناقضت النتائج مع معظم الكتابات المنشورة عن تأثير تدفق اللاجئين السوريين التي انحصرت أدلتها على تركيا، فقد وجد البحث أن السكان المحليين الذين يعملون بشكل غير رسمي تأثروا بشدة بوجود اللاجئين السوريين، لكن المؤلفات العالمية تتفق مع نتائجنا التي تقول بانعدام تأثير اللاجئين السلبي أو وجود تأثير صغير على سوق العمل، ربما يرجع ذلك إلى ديموغرافية اللاجئين في تركيا وحقيقة عدم السماح للاجئين بالعمل بشكل قانوني.
منافسة ضعيفة
هناك عدة أسباب تجعل تأثير تدفق اللاجئين السوريين على الوضع الوظيفي في الأردن ضعيفًا، فديموغرافية السوريين في الأردن تلعب دورًا مهمًا، فأكثر من نصف اللاجئين تحت سن 15 عامًا، وينخرط 23% فقط من اللاجئين السوريين في سوق العمل الأردني (45% من الرجال و4% من النساء).
كان “ميثاق الأردن” يهدف إلى توفير 200 ألف تصريح عمل للاجئين السوريين حتى يتمكنوا من العمل بشكل رسمي، لكن تصاريح العمل التي حصل عليها السوريون كانت قليلة جدًا، فوفقًا لوزارة العمل الأردنية وبنهاية عام 2017 تم إصدار 87.141 تصريح عمل فقط للسوريين، هذا يعني أن المنافسة السورية في سوق العمل الأردني الرسمي ضعيفة للغاية، مما يجعل تأثيرهم على العمل المعروض صغير نسبيًا.
ساعد تدفق المساعدات للاجئين على خلق وظائف للأردنيين
رغم التدفق الهائل للاجئين السوريين، فإن عدد المهاجرين غير السوريين إلى الأردن لم يتناقص في تلك الفترة، فوفقًا لتعداد السكان الأردني 2015، استضاف الأردن 1.6 مليون أجنبي غير سوري، يظهر بحث آخر أن السوريين يتنافسون بشكل رئيسي في سوق العمل غير الرسمي، حيث يعملون دون عقود مثل قطاع البناء والمبيعات، وفي هذا المجال نجد تنافسًا محدودًا بين اللاجئين والأردنيين.
العرض والطلب
ساعد تدفق المساعدات للاجئين على خلق وظائف للأردنيين، فقد تلقى الأردن مساعدات أجنبية من عدة مصادر للمساعدة في سد احتياجات اللاجئين السوريين، هذه المساعدات تم استخدامها للمساعدة في تعويض العجز في الميزانية وتمويل المشروعات العامة ودعم الخدمات العامة مثل المدارس والمستشفيات والمواصلات في جميع أنحاء البلاد، وقد أدت المساعدات المباشرة للاجئين والمساعدات الموجهة للحكومة إلى خلق العديد من الوظائف.
المخيمات السورية في الأردن
وفي النهاية، أدى زيادة الطلب على الخدمات العامة من اللاجئين خاصة قطاع التعليم والصحة إلى زيادة توفير الحكومة لتلك الخدمات، مما أدى بدوره إلى زيادة الطلب على العاملين (أغلبهم أردنيين بشكل حصري) في تلك القطاعات.
بشكل عام، تقول نتائجنا إن توفير فرص عمل بشكل رسمي للاجئين لا يضر بسوق عمل المواطنين المحليين، كما أن تدفق المساعدات الأجنبية للأردن للمساعدة في سد احتياجات اللاجئين بالإضافة إلى شروط “ميثاق الأردن” الذي يتضمن تقديم مساعدات وتنازلات تجارية ودعم العمالة الأردنية، لعب دورًا مهمًا في خلق طلب على العمالة الأردنية، لذا من الضروري أن نضمن وجود موارد وخدمات عامة كافية لدعم اللاجئين والاقتصاد المضيف.
المصدر: ذي كونفرسايشن