في الأول من يوليو/تموز الماضي، أصدر رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي أمرًا ديوانيًا برقم 237 يقضي بأن تعمل جميع قوات الحشد الشعبي كجزء لا يتجزأ من القوات المسلحة العراقية وبإمرة القائد العام للقوات المسلحة، كما نص على أن تتخلى فصائل الحشد الشعبي نهائيًا عن جميع المسميات التي عملت بها في المعارك للقضاء على تنظيم الدولة (داعش) وتستبدل تسمياتها بأخرى عسكرية، وأن يحمل أفرادها الرتب العسكرية المعمول بها.
كما نص الأمر الديواني أيضًا على أن تقطع فصائل الحشد – أفراد وتشكيلات – أي ارتباط سياسي بأحزاب أو كتل سياسية، كما حدد الأمر تاريخ الـ31 من يوليو/تموز موعدًا نهائيًا لوضع الترتيبات النهائية للانتهاء من العمل بموجب الضوابط التي نص عليها الأمر الديواني.
وبعد مضي أكثر من شهر ونيف على تاريخ الأمر الديواني، هل نجح عبد المهدي في مسعاه؟ وهل طُبقت فقرات الأمر الديواني أم أن الواقع يشي بخلاف ذلك؟
سيناريوهات تطبيق الأمر الديواني
بعيد أيام على إصدار القائد العام للقوات المسلحة العراقية رئيس الوزراء عادل عبد المهدي أمره الديواني، طرح الخبير الأمني والإستراتيجي هشام الهاشمي 4 سيناريوهات لتطبيق الأمر.
تمثل سيناريو الهاشمي الأول بنزع الدولة سلاح الفصائل ودمجها بالعمل السياسي، إذ سيكون هذا الخيار للفصائل التي ترغب بالانفكاك عن العمل المسلح، وهذا ما قد يعني للفصائل خشيتها من أن تفقد جزءًا كبيرًا من شرعيتها الجماهيرية، فانتخابات عام 2018 شهدت حصول الأحزاب السياسية التي لها فصائل مسلحة على مقاعد كثيرة في البرلمان.
أما السيناريو الثاني فتوقع الهاشمي فيه تجريد الفصائل من السلاح الثقيل، وتحجيم اقتصادهم الموازي وغلق مكاتبهم الاقتصادية، وقد يصعب على القائد العام للقوات المسلحة ضبط إيقاعهم ودمجهم في الميدان السياسي، أو بمعنى أصح أنه لا يمتلك أوراق التفاوض معهم لأسباب عديدة، وهو في الوقت ذاته عاجز عن الدخول في صدام مسلح معهم، وهذا ما يعني عدم إمكانية تطبيق الأمر.
ويعتقد الهاشمي أن السيناريو الثالث يتمثل بضرورة مفاوضة الحكومة للفصائل وفق تعليمات جديدة تقضي بتطبيق الأمر الديواني وهذا ما يتطلب مرونة من الفصائل ذاتها، لافتًا إلى أن السيناريو الرابع هو فرض القانون بالملاحقة القضائية والاستهداف العسكري، وهذا أضعف الاحتمالات بحسب الهاشمي، خاصة للفصائل الشيعية الولائية، إذ من المستبعد أن تلجأ حكومة عبد المهدي إلى هذا السيناريو كوسيلة تنظيم وضبط سلوك للفصائل الرافضة لتعليمات الأمر الديواني.
شواهد على عدم تطبيق الأمر
لم يكد يمضي شهر واحد فقط على إصدار الأمر الديواني في يوليو/تموز الماضي، حتى جاءت مشكلة سهل نينوى المتمثلة برفض لواء 30 في الحشد الشعبي قرار رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي بتسليم مسؤولية السيطرات في سهل نينوى إلى الجيش العراقي.
إذ رفض لواء 30 الانصياع لقرار رئيس الوزراء، الأمر الذي جعل مسألة تطبيق الأمر الديواني 237 في موضع الشك، وفي السياق، يعتقد النائب عن محافظة نينوى شيروان الدوبرداني في حديثه لإحدى وسائل الإعلام أنه “بدل أن يمتثل الحشد لأوامر عبد المهدي باعتباره القائد العام للقوات المسلحة، فإن الجميع فوجئ بوفود عسكرية رفيعة أتت للموصل واجتمعت مع قادة لواء 30 والمتظاهرين”، لافتًا إلى أن ذلك التصرف الحكومي سيضعف من قوة الحكومة وتطبيقها للقوانين، وسيشجع فصائل أخرى على عدم امتثالها للأوامر العسكرية والتمرد”.
ويؤكد الدوبرداني أن عدم امتثال لواء 30 للأوامر التي صدرت عن القيادة العامة للقوات المسلحة يمثل تحديًا للحكومة وعصيانًا، ما يضع مسألة تطبيق الأمر الديواني 237 الخاص بالحشد الشعبي في موضع الشك، وبالتالي يعني عدم إمكانية تطبيقه.
وبالعودة الى الخبير الأمني والإستراتيجي هشام الهاشمي فإنه يعتقد أن الخيارات التي كانت مطروحة أمام عبد المهدي لمعالجة أزمة سهل نينوى هي إما احتواء الوضع بطرق تسبق تنفيذ القرار، أو تنفيذ أشد العقوبات بحق القيادات العسكرية الرافضة للأوامر، لافتًا إلى أن عبد المهدي لم يكن موفقًا في احتواء الأزمة، فكان يمكن احتواؤها بطريقة تجنب الحكومة الإحراج.
ويرى الهاشمي أن ما حدث في سهل نينوى كشف أزمة وهي أن عبد المهدي انحاز للطائفية السياسية على حساب تنفيذ القانون والضوابط، خاصة في ظل التراخي الذي صاحب رفض لواء 30 التخلي عن مواقعه مقابل اتفاق أبقى قوات اللواء في مواقعها، بحسبه.
طالبت جهات سياسية رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي بالتريث في تطبيق أمره الديواني
مطالبات بتأجيل تنفيذ الأمر الديواني
شهدت الأسابيع الماضية عدة استهدافات لمقرات الحشد الشعبي وصل عددها إلى 4، وجميع هذه الاستهدافات نسبت إلى طيران مجهول الهوية دخل الأجواء العراقية أو انطلق منها واستهدف مقرات الحشد في آمرلي وجنوب بغداد وشمالها وفي محافظة الأنبار.
وعلى إثر ذلك طالبت جهات سياسية رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي بالتريث في تطبيق أمره الديواني، إذ طالب تحالف البناء على لسان النائبة منار عبد المطلب، عبد المهدي بالتريث في تطبيق الأمر الديواني المتعلق بتنظيم عمل الحشد الشعبي، عازية ذلك إلى وجود جهات خارجية تعمل على استهداف مواقع الحشد الشعبي لإثارة الفوضى.
وأضافت عبد المطلب أن فقرة تحديد مواقع الحشد الشعبي الذي نص عليه الأمر الديواني سيجعل تلك المواقع العسكرية للحشد الشعبي عرضة للاستهداف مجددًا من جهات غير راغبة به، مشيرة إلى ضرورة التريث في تطبيق تلك الفقرة أو تعديلها بما ينسجم مع التطورات التي شهدتها الأوضاع السياسية والأمنية التي أعقبت استهداف مقرات الحشد.
الأمر الديواني الخاص بالحشد الشعبي لا يمكن تطبيقه بأي حال من الأحوال دون موافقة إيران
خيارات صعبة
أكثر من شهرين على إصدار الأمر الديواني الذي لم تر مقرراته النور حتى الآن، الأمر الذي يصعب من خيارات الحكومة في التصرف إزاء الحشد، إذ يقول الباحث في المعهد الأمريكي لبحوث السياسة الخارجية فيليب عطا الله إن لدى الحكومة العراقية خيارين اثنين في التعامل مع الحشد الشعبي، فلم تعد المماطلة ممكنة في ظل الأوضاع التي يشهدها العراق ولم تعد مناسبة في إستراتيجية التعامل مع كيان عسكري كالحشد وفصائله.
ويضيف عطا الله أن الخيار الأول يتمثل بالتكامل والاحتواء الذي يتمثل بدمج جميع الفصائل الراغبة في الجيش العراقي على غرار كتائب سرايا السلام، أما أولئك الذين لا يتعاونون في تنفيذ الأمر التنفيذي لعبد المهدي، فيبدو أنهم يميلون إلى أن يكونوا ميليشيات تشبه العصابات الإجرامية وتقف مع إيران مثل كتائب حزب الله التي رفضت الامر الديواني علانية.
ويؤكد عطا الله أن على الحكومة احتواء هذه الجماعات وحرمانها اقتصاديًا وإغلاق مكاتبها، وأن تعمل الحكومة وفق هذه الإستراتيجية بسياسة ناعمة لا تؤدي إلى حرب داخلية، فهذه الفصائل مدربة بصورة جيدة من إيران والجيش العراقي أضعف نسبيًا من أن يكون قادرًا على مواجهتها.
أما الكاتب في الشؤون السياسية ياسر الجاس فيعتقد أن دمج قوات الحشد بالقوات الأمنية العراقية صعب جدًا في الوقت الراهن، متسائلاً: ما قدرة الدولة العراقية على تنفيذ هكذا قرار مع الأخذ بعين الاعتبار أن الحشد أقوى من الجيش النظامي داخل العراق؟
قد يكون عبد المهدي من خلال أمره الديواني يعمل على شراء الوقت لا أكثر، خاصة أنه يتعرض لضغوط من واشنطن وطهران
ورأى محللون أمريكيون، أن الأمر الديواني الخاص بالحشد الشعبي لا يمكن تطبيقه بأي حال من الأحوال دون موافقة إيران، إذ يقول الباحث في مركز الدراسات العربية بواشنطن جوي ماكارون إن إيران تحرص على دمج قوات الحشد كقوة مستقلة ضمن تشكيلات الجيش العراقي كما هو معمول به في إيران في التعامل مع قوات الحرس الثوري.
وأضاف ماكارون أن عبد المهدي يسعى من خلال أمره الديواني إلى إرضاء الولايات المتحدة، فمن الواضح أن تحرك عبد المهدي قد تم بالتنسيق مع ايران، مع الإدراك بأن هذه القوات لن يتم حلها ولا إدماجها بشكل كامل في الجيش.
قد يكون عبد المهدي من خلال أمره الديواني يعمل على شراء الوقت لا أكثر، خاصة أنه يتعرض لضغوط من واشنطن وطهران، لافتًا إلى أن إدراج الحشد تحت قيادة الجيش بشكل رسمي قد يعد طريقة ومحاولة من حكومة عبد المهدي لردع أي هجوم عليه من الولايات المتحدة.