إيلون ماسك وبيل غيتس ومارك زوكربيرغ، أكثر رواد الأعمال صيتًا ونجاحًا في العالم، وبالطبع من الأكثر ثراءً، وعند الحديث عن المال، فإننا نتخيل مسيرة طويلة من النجاحات الطنانة والإنجازات المتتابعة والأرباح المادية، ولا شك أن ذلك صحيحًا، لكن أضواء الشهرة وعناوين الصحف لا تخبرنا الحقيقة كاملة ولا تكشف لنا الثمن الذي يدفعه هؤلاء الأشخاص مقابل تحقيق طموحاتهم والوصول إلى غاياتهم.
فوفقًا لمؤشر مؤسسة “غالوب” المتخصصة في استطلاعات الرأي، فإن 45% من رواد الأعمال يعانون من التوتر مقارنة بـ42% من العاملين في المهن الأخرى، كما أفاد 34% من رواد الأعمال بأنهم يعانون من اضطرابات القلق وذلك مقابل 30% من الموظفين الآخرين.
في البداية، قد تبدو هذه الانحرافات صغيرة، ومع ذلك، وجدت دراسة أكثر حداثة أن 72% من رواد الأعمال يعانون من مشاكل في الصحة العقلية بشكل مباشر أو غير مباشر، كما رأت أنهم معرضون لمشاكل الإدمان بنسبة 12% مقابل 4% للأشخاص الآخرين.
وبطبيعة الحال، فإن انخراط هؤلاء الأشخاص في أكثر مجالات الأعمال إرهاقًا يجعلهم أكثر عرضة للمشاكل النفسية والعقلية التي يفرضها نمط حياتهم عليهم بشكل شبه يومي.
الفشل وحده ليس السبب.. عن الثمن النفسي الذي يدفعه رجال الأعمال
أجرى بحث أظهر مدى احتمالية إصابة مؤسس شركة باضطراب عقلي بالمقارنة مع عامة السكان، وأظهرت النتائج أن أصحاب المشاريع أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بمرتين وأكثر عرضة للمعاناة باضطراب نقص التركيز وفرط الحركة بـ6 مرات وأكثر عرضة بـ10 مرات للمعاناة من الاضطراب الوجداني ثنائي القطب، يضاف إلى ذلك أن 9 من أصل 10 شركات تفشل خلال أول عام من إنشائها، ومن بين الكثير من تلك الشركات، تفشل 65% منها بسبب معاناة المؤسس من الإرهاق الحاد.
جدير بالذكر، أن الفشل بحد ذاته لا يؤدي بالضرورة إلى إصابة أصحاب الشركات بالاكتئاب، ففي بعض الأحيان تدفعهم الرغبة الدائمة بالنجاح والاستمرار في تحقيق المكاسب المادية إلى الشعور بضغوط نفسية هائلة تهدد صحتهم وعلاقاتهم الاجتماعية العامة وحياتهم الخاصة، لا سيما أن تحقيق أهدافهم يستلزم عمل شاق ولمدة لا تقل عن 12 ساعة يوميًا، ما يعني أنه لا يوجد وقتًا كافيًا للحياة الاجتماعية، ما قد يشعر رائد الأعمال بأنه وحده في معركة مستمرة ومعزول عن العالم الخارجي.
وعلى الرغم من العواقب الوخيمة لهذه الحياة الطموحة، فإنه لا يوجد إلى حتى الآن بيانات موثوقة تقارن معدلات الانتحار بين رجال الأعمال بغيرهم من العاملين في القطاعات الأخرى، لكن في هذا الخصوص تقول المستشارة النفسية لكبار المستثمرين التجاريين، برودي جورغيشون: “الفطرة السليمة تقول إن الحياة المليئة بالإرهاق والإجهاد وعدم اليقين، وهي المشاعر التي يتحملها كل رجل أعمال، تدعو إلى التعامل بشكل حذر مع حالاتهم، لا سيما إذا كانوا يشعرون بأنهم محاصرون ومقيدون في عالم الأعمال”.
يعاني 30% من رجال الأعمال من الاكتئاب مقارنةً بـ7% من عامة الناس العاديين
من جهة أخرى، يكثر عدد رواد الأعمال وأصحاب المشاريع الذين انضمت أسماؤهم إلى قوائم المنتحرين، إذ يرى رجل الأعمال والفيلسوف بول هودسون، بأنه كلما ارتفع عدد رجال الأعمال، زادت حالات الانتحار، مشيرًا إلى وجود مخاطر صحية داخل هذا العالم الذي لا ينتهي من خلال إنجاز مهمة معينة أو العمل بساعات محددة، بالجانب إلى ذلك، ينوه هودسون إلى أمر آخر وهو هوس هؤلاء الأشخاص بالعمل وتفاصيله ومجرياته وأرباحه، ما يعني أنهم يركزون على جانب واحد فقط من حياتهم دون أن يعلموا بأن أسلوب هذه الحياة يخبئ لهم أعظم مصادر التوتر والكآبة.
وذلك نظرًا لأن رجال الأعمال يحددون هوياتهم الشخصية بأعمالهم ويقيسون قيمتهم الذاتية ومكانتهم الاجتماعية بشركاتهم، وعندما يواجهون مشاكل وسقطات روتينية في العمل فإنهم يشعرون وكأنهم تعرضوا للإهانة والتقليل والإقصاء، وذلك عدا عن المعارك الداخلية التي تجري في نفوسهم نتيجة لمحاولتهم إرضاء متطلبات السوق والعملاء وما يعتقدون أنه على حق.
بالجانب إلى ذلك، يغفلهم هوسهم بالعمل عن احتياجاتهم الإنسانية الأساسية واليومية التي غالبًا ما لا يتم تلبيتها لفترات طويلة، مما يؤثر على استقرارهم العاطفي واتزانهم الداخلي، مثل فقدانهم أي علاقة بأطفالهم أو شركائهم في الحياة، ما يفسر معاناة 30% منهم من الاكتئاب مقارنةً مع 7% من عامة الناس العاديين.
إحدى الدراسات أثبتت أن وجود هواية إبداعية يؤدي إلى انخفاض ملموس في مستويات الكورتيزول (الهرمون المرتبط بالإجهاد)، وقد وجدت الدراسات أيضًا أن قضاء الوقت في المشي في الطبيعة ساعد الناس على أن يصبحوا أكثر سعادةً وتركيزًا
من جهة أخرى، أظهرت جامعة هارفرد دراسة عن العلاقة بين ريادة الأعمال والإرهاق ونوعين من العاطفة، حيث تم تحديد النوع الأول على أنه “شغف متناغم”، وهو النوع الذي يؤدي إلى مستويات عالية من التركيز والانتباه، ويندرج تحت هذا القسم رجال الأعمال الذين شعروا في كثير من الأحيان بأنهم انغمسوا في أعمالهم بالكامل، إلا أنهم سمحوا لأنفسهم بالتسلل منها وممارسة أنشطة أخرى في حياتهم دون أن يشعروا بالذنب أو الصراع الداخلي.
على النقيض من ذلك، يُعرف النوع الثاني من العاطفة بالهوس، وهي الفئة التي تضم رواد الأعمال الذي أفادوا بأنهم “لا يستطيعون العيش دون عملهم”، إذ لا يتخليون العيش دون عملهم، كما أن مزاجهم يعتمد بشكل أساسي على أدائهم ونتائج أعمالهم ولذلك تخلصوا من الكثير من الأدوار والمسؤوليات التي يمكن أن تشتت انتباههم مثل الأسرة والهوايات والأنشطة الترفيهية.
رغم أن إحدى الدراسات أثبتت بأن وجود هواية إبداعية، مثل العزف على البيانو أو صنع الفخار، يؤدي إلى انخفاض ملموس في مستويات الكورتيزول (الهرمون المرتبط بالإجهاد)، وقد وجدت الدراسات أيضًا أن قضاء الوقت في المشي بالطبيعة ساعد الناس على أن يصبحوا أكثر سعادةً وتركيزًا واتصالًا بالوقت الحاليّ.
محاولات إنقاذ رواد الأعمال من فخ الكآبة
هناك 3 رسائل يجب على كل رائد أعمال تذكرها كلما واجه واحدة من اللحظات المظلمة التي يمكن أن تهدد صحته العقلية والنفسية:
أولاً: الفشل ليس نتيجة حتمية
في المرة القادمة التي تواجه فيها موقفًا صعبًا في عملك، تذكر أنه لا يمكنك دائمًا تحديد النتيجة، لكن لديك سيطرة بنسبة 100% على ما تفعله بعد ذلك، فإذا استطعت تحمل مسؤولية أفعالك والاستفادة من أخطائك، فلن تفشل أبدًا ولن يقف الفشل في طريقك، وكل تجربة فاشلة تمر بها ستكون عبارة عن فرصة للنمو وربما تغيير المسار بالكامل للأفضل.
ثانيًا: علاقة صحية مع المال
في كتاب “أسرار عقل المليونير” يقول المؤلف: “لا شيء له معنى سوى المعنى الذي تعطيه أنت له” ويعني بذلك أن المال ليس أكثر من مجرد بطاقات بنكية، ليست شريرة وليس لديها ثأر شخصي ضدك، فهي تأتي وتذهب، ولذلك ليس عليك الخوف منها أو كرهها أو إنفاقها بشكل غير مسؤول وعشوائي، وبمعنى آخر لا يجب أن تكون هويتك وقيمتك لها علاقة بوضعك المالي، كي لا تتأثر رؤيتك لذاتك وأهدافك المنشودة.
ثالثًا: محيطك يتنبأ بمستقبلك
تخيل أنك تقضي معظم أوقات يومك مع أصدقائك الخمس الذين انغمسوا في عادات غير صحية وبدأت تتأثر بسرعة بسلوكياتهم وتصرفاتهم، وهذا ينطبق أيضًا على تصوراتك بشأن النجاح والفشل، فإذا كنت محاطًا بأشخاص يرون العالم من خلال عدسة سلبية وضيقة فقد تغوص في هذه العقلية التي ستنعكس لاحقًا على أدائك المهني ونتائج مشاريعك، وبدلًا من ذلك، تأكد من أنك تتواصل كل يوم مع أفراد حققوا مستوى النجاح الذي تسعى إليه.
بالمحصلة، نحن نعيش في مجتمعات مليئة بالأحلام والطموحات التي يُعتقد أنها ستجلب لنا المال والمكانة الاجتماعية والسعادة والنجاح، دون أن نلتفت إلى تبعات هذه الآمال التي عادةً ما تكون مصحوبة بأشكال مختلفة من الضغوط النفسية والأثمان المادية وغيرها من الخسائر التي لا يمكن تعويض جزء كبير منها بالمكاسب المالية.