بدأ السودان خطواته الفعلية للعبور إلى المرحلة الجديدة من تاريخه السياسي، حيث شهد أمس الخميس حدثا تاريخيا هاما، كان ينتظره الجميع بفارغ الصبر، لتجاوز حالة الفراغ التي تعرفها البلاد منذ أشهر عدّة، وتجسيد مبدأ تقاسم السلطة بين المدنيين والعسكريين، حدث تمثّل في الإعلان عن تشكيل حكومة هي الأولى منذ عزل الرئيس السابق عمر البشير في أبريل/نيسان الماضي.
18 وزيرًا في انتظار اثنين
ضمت هذه الحكومة الجديدة، التي ستعمل بموجب اتفاق لتقاسم السلطة مدته ثلاث سنوات تم توقيعه الشهر الماضي بين الجيش والمدنيين، 18 وزيرا بينهم أربع نساء، فيما تم إرجاء الإعلان عن وزارتين هما البنية التحتية والنقل، والثورة الحيوانية والسمكية.
وجاء الإعلان عن قائمة أعضاء وزراء الفترة الانتقالية بعد التشاور بين المجلس السيادي وقوى الحرية والتغيير ومكونات المشهد السياسي في البلاد، وذلك بعد أن تم إرجاء الإعلان عن القائمة في مرات عدّة لمنح رئيس الوزراء وقتا كافيا للاختيار بين الأسماء التي رشحتها “قوى إعلان الحرية والتغيير”.
تضم الحكومة الجديدة 18 وزيرا بينهم نساء أبرزهن وزيرة الخارجية أسماء محمد عبدالله
تولى عبد الله حمدوك منصبه على رأس الحكومة في 21 أغسطس/آب الماضي وسيقود الحكومة لفترة انتقالية تستمر 39 شهرا، وتنتهي بإجراء انتخابات. وحمدوك حاصل على درجة الدكتوراه في علم الاقتصاد من كلية الدراسات الاقتصادية في جامعة مانشستر البريطانية، وسبق أن عمل لسنوات أمينا عاما للجنة الاقتصادية لإفريقيا التابعة للأمم المتحدة.
قبل ذلك بيوم، كان أعضاء مجلس السيادة الجديد العشر، الذي سيدير البلاد خلال الفترة الانتقالية، قد أدّوا اليمين الدستوري، أمام رئيس المجلس عبد الفتاح البرهان ورئيس القضاء عباس علي بابكر، في إطار تنفيذ ما اتفق عليه بشأن المرحلة السياسية المقبلة في البلاد.
وحسب بنود الاتفاق السياسي والدستوري الموقع بين المجلس العسكري وقوى التغيير، يتولى البرهان رئاسة مجلس السيادة -الذي يتولى صلاحيات رئيس الجمهورية- لمدة 18 شهرا، وبعدها يتولى عضو مدني في المجلس الرئاسة لفترة مماثلة، وبعد اكتمال الفترة الانتقالية تنظم الانتخابات.
حكومة أمل لانتشال السودان
“الحكومة الجديدة جاءت بعد صعوبة شديدة، وتأخرت كثيرا نسبة للخلافات حول الاختيار”، يقول الصحفي السوداني خالد أحمد، ويضيف لنون بوست، ” الكلّ حيث أراد أن تكون هناك حكومة كفاءات بعيدا عن المحاصصة الحزبية، وهو ما حصل في الأمس.”
ويقول محدّثنا: “ظهرت التشكيلة بالأمس وهي تضم نخبة من الكفاءات في مختلف المجالات وهي مدعومة بأمل كبير من الشعب والعالم الذي يشجع تجربة الديمقراطية في السودان التي بدأت عقب الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير.”
تضم الحكومة الجديدة 18 وزيرا بينهم نساء أبرزهن وزيرة الخارجية أسماء محمد عبدالله. ومن الوزراء أيضاً وزير رئاسة مجلس الوزراء عمر بشير مانيس ووزير الدفاع جمال عمر محمد ووزير الداخلية الطريفي إدريس ووزير العدل نصر الدين عبد الباري.
وأكّد خالد أحمد أن الجميع في السودان ينتظر من هذه الحكومة الكثير، فهي تمثل وفق قوله “إضافة حقيقية للسودان والمواطن، باعتبار اغلب الوزراء كفاءات عالية، ولديهم خبرات عالمية في مختلف المجالات، لذلك فهي تمثل حكومة أمل لانتشال السودان”.
بدوره قال الناشط السياسي أبو ذر الصديق: “وزراء الحكومة الجديدة مشهود ليهم بالكفاءة وسط السودانيين ورئيس الوزراء قدم خطوط عريضة حول كيفية إدارة البلاد وتحسين معاش الناس وتحقيق السلام على الجانب النظري ونتمنى إنزاله أرض الواقع.”
وأضاف الصديق: “هذه الحكومة ينتظر منها الكثير ولكن الإصلاح بعد التدمير الممنهج للدولة من النظام السابق يحتاج لعقود لإصلاحه لكن نحن الآن على الأقل في الطريق الصحيح، لذلك يجب إعطاء هذه الحكومة الفرصة للعمل وإعادة بناء الدولة السودانية من جديد.”
وقف الحرب
أثناء عرضه لتشكيل حكومته، قال رئيس الحكومة السودانية عبد الله حمدوك إن أولويات حكومته تتمثل في وقف الحرب أولا وبناء السلام. وكشف عن تشكيل لجنة مصغرة من المجلس السيادي ومجلس الوزراء لوضع إطار عام لمفوضية السلام.
وقال حمدوك: “هذه الفترة الانتقالية إن أحسنا إدارتها ستفتح لنا الطريق (…) حاليا موفر لنا مناخ وفرصة كبيرة جدا للوصول إلى السلام”، مؤكدا “الالتزام بالعدالة والعدالة الانتقالية“. وتوقع الصحفي خالد أحمد الدخول في تفاوض مع الحركات المسلحة للتوصل لاتفاق سلام.
يأمل السودانيون في معالجة الحكومة الجديدة لأزمة البلاد الاقتصادية وبناء اقتصاد قوي يقوم على الإنتاج وليس على المنح
يتضمن الاتفاق الموقع بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري الذي تولى السلطة بعد إقالة البشير وتوقيفه في 11 أبريل/نيسان، الخطوط العريضة للمرحلة الانتقالية ويؤكد على ضرورة التوصل إلى سلام مع المتمردين خلال ستة أشهر.
ويرى العديد من السودانيين أن وقف الحرب وتحقيق السلام في مختلف مناطق البلاد، هو أحد أبرز أبواب بناء الدولة الديمقراطية، والتحول إلى الدولة المدنية الديمقراطية، التي تتحقق فيها سيادة حكم القانون، والمواطنة المتساوية والحكم الراشد لتحقيق الأمن والتنمية الاقتصادية.
يذكر أنه يوجد في السودان إقليمين تحت سيطرة جزئية من الحركات المسلحة، وسبق أن قتل مئات الآلاف في هذه النزاعات ونزح ملايين من دارفور والنيل الأزرق وكردفان، ولا يزال مئات الآلاف يعيشون في مخيمات إيواء بائسة.
إنقاذ الاقتصاد
فضلا عن وقف الحرب وإحلال السلام، أكّد عبد الله حمدوك أن النهوض باقتصاد البلاد أحد أهم أولويات حكومته في المرحلة المقبلة. ومعروف عن حمدوك خبرته الاقتصادية الكبيرة، حيث حصل قديما على ماجستير ودكتوراه في علم الاقتصاد من كلية الدراسات الاقتصادية بجامعة مانشستر في بريطانيا، كما يتمتّع بسجل حافل من الخبرات الاقتصادية، حيث عمل في أكثر من كيان اقتصادي، محلي وإقليمي ودولي.
وسبق أن عمل حمدوك خبيرًا اقتصاديًا وخبيرًا في مجال إصلاح القطاع العام والحوكمة والاندماج الإقليمي وإدارة الموارد وإدارة الأنظمة الديمقراطية والمساعدة الانتخابية، بدايته المهنية كانت عام 1981 حين التحق بالعمل في وزارة المالية السودانية وظل فيها حتى 1987.
ويأمل السودانيون في معالجة الحكومة الجديدة لأزمة البلاد الاقتصادية وبناء اقتصاد قوي يقوم على الإنتاج وليس على المنح والهبات كما هو حال اقتصاد البلاد زمن حكم نظام عمر البشير. وقبل أيام، قال حمدوك، إن السودان يحتاج ثمانية مليارات دولار، مساعدة أجنبية، خلال العامين المقبلين، لتغطية الواردات، وللمساعدة في إعادة بناء الاقتصاد.
تعهد حمدوك بانقاذ اقتصاد السودان
يعدّ السودان من أفقر الدول في العالم، فهو يحتل المرتبة 167 في مؤشر التنمية البشرية الصادر عام 2018، وذلك من مجموع 188 دولة حول العالم. أما معدل التضخم فقد بلغ 63,86 في يونيو/ حزيران الماضي، وفقا لتقرير صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء، نقلته وكالة أنباء السودان الرسمية. وبلغ معدل البطالة بين السودانيين 20%، بحسب بيانات رسمية.
ويعاني البنك المركزي السوداني من نقص في العملات الأجنبية الأمر الذي جعله يخفض قيمة الجنيه السوداني خلال 2018 أربع مرات، ما جعل أسعار عديد السلع الأساسية ترتفع بشكل كبير، الأمر الذي أثر سلبا على القدرة الشرائية للسودانيين.
ويقف استشراء الفساد والمحسوبية والتغوُّل على المال العام والترهل الإداري والصرف البذخي على دواوين الحكومة، عائقا أمام إصلاح الاقتصاد السوداني، وتحقيقه انتعاشة كبرى، الأمر الذي يأمل السودانيون أن تعالجه الحكومة الجديدة.
ثورة تونس في البال
في معرض حديثه عن أمال السودانيين قال الصحفي خالد أحمد إن ثورة تونس لم تغب عن بالهم أبدت، “فروح الثورة التونسية تلهم الشعب السوداني في بناء نظام ديمقراطي مستمر، يقطع مع نظام عمر البشير الذي حكم البلاد لعقود عدّة عرفها فيها السودان الويلات.”
وأشار الصحفي السوداني إلى أن “التجربة التونسية استطاعت العبور لبناء نظام ديمقراطي مستقر، واستطاعت القوى السياسية بناء شراكة وطنية، عبرت بالبلاد، للاستقرار السياسي، وهو الأمر الذي يريدون أن يتحقّق في البلاد رغم قوة الدولة العميقة.”
خلافات منتظرة مع العسكر
رغم الآمال الكبيرة التي يلقيها السودانيين على هذه الحكومة الجديدة، إلا أنهم لم يخفوا خشيتهم من إمكانية حدوث شرخ بين المدنيين والعسكريين، من شأنه أن يعجّل بسقوط الحكومة وتدهور الأوضاع في البلاد الذي يعاني مشاكل في عديد المجالات، والعودة إلى نقطة الصفر.
توقّع خالد أحمد أن تقع “حكومة الثورة” في بعض الإشكالات مع الدولة العميقة، وأن تحصل اختلافات مع العسكر باعتبارهم جزء من السلطة الآن، وهو ما يستدعي أن تكون “هناك روح وطنية لأن هذه فترة هشة بعد عقود من الشمولية”، وفق قوله.
في هذا الشأن يقول: “نظام البشير إلى حد كبير ممثل إلى الآن في الشق العسكري للمؤسسات الانتقالية، وهو إلى الآن يحمي مصالح النظام القديم وهو مملوك كما يعلم الجميع لأيادي خارجية لها مصالح معه”، وتايع، “خوفنا على الديمقراطية يكون من هذا الجانب.”
ويرى أنه “بقوة الشارع ودعمه للحكومة سيتم إبعاد النظام السابق بصفة كلية، فالشارع متابع وواعي بالذي يحصل في البلاد، وقد كان له دور كبير فيما وصلت له السودان الآن من تقدّم في طريق انتقالها الديمقراطي.”