ترجمة وتحرير نون بوست
بينما يصبح “عبد الفتاح السيسي” رابع رئيس لمصر خلال أربع سنوات، تواجه الولايات المتحدة خيارات سياسية مؤلمة؛ فحليفتها مصر، تسقط من جديد إلى قاع الحكم الاستبدادي بعد محاولة فاشلة للتحول الديمقراطي وتتجدد الهيمنة العسكرية التي من غير المرجح أن تجلب الاستقرار في ظل مشاكل اقتصادية عميقة وانتهاكات لحقوق الإنسان واستقطاب اجتماعي ومجتمع محتقن، الواقع أن الأوضاع الأمنية والاقتصادية تدهورت بشكل ملحوظ منذ أن أطاح الجيش المصري بالإخوان المسلمين والرئيس “محمد مرسي” في يوليو من العام الماضي.
مركز كارنيجي، والباحثة “ميشيل دان” يحاولان معرفة ما الذي على الولايات المتحدة أن تفعله في مصر خلال الفترة المقبلة من حكم “عبد الفتاح السيسي”.
فعلى الرغم مما تعاني من مشكلات، إلا أن مصر ستستمر في كونها لاعبًا مهمًا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إنها لا تزال الدولة العربية الأكبر، والأعلى من حيث الكثافة السكانية، وهي كذلك جارة إسرائيل، وتحكم وحدها قناة السويس.
الولايات المتحدة غير مستعدة، وبشكل مفهوم، للانعزال عن الوضع المصري بعد أن استثمرت عشرات المليارات من الدولارات في الجيش المصري خلال قرابة أربعة عقود.
لكن تدخل الجيش المستمر في السياسة زعزع استقرار البلاد منذ الإطاحة بالديكتاتور حسني مبارك في أوائل 2011، وقد عزز ذلك التدخل من تواجد العلمانيين والليبراليين في الشارع، بالإضافة إلى زيادة تطرف قطاعات من الإسلاميين، إلى حد تحول بعضهم لاحقًا إلى العمل المسلح ضد الجيش، لم يعد يمكن تجاهل الجيش من المعادلة السياسية، لكن وجوده كلاعب يساهم في الاستقرار الإقليمي لم يعد أمرًا مسلمًا به.
إن ما تتطلبه مصر لتحقيق الاستقرار هو التوافق على نطاق واسع بشأن المستقبل السياسي والاقتصادي للبلاد، فعلى الرغم من مرور أكثر من ثلاث سنوات على الإطاحة بمبارك، لم تكن هناك أي محاولة جادة لبناء مثل هذا التوافق، المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والذي تولى السلطة بعد الإطاحة بمبارك، وبعد تجاهل دعوات العلمانيين والليبراليين لعمل حوار وطني جامع، وسار في الاتجاه الذي يريده الإخوان المسلمين بالمضي قدمًا في الانتخابات لاختيار برلمان ثم رئيس، وبعد فوز الإخوان الذي كان متوقعًا، بدأت الحركة الإسلامية الأكبر في الحديث باعتبارها صاحبة تفويض شعبي، وحاولت فرض رؤيتها الخاصة للمستقبل على المجتمع المصري من خلال الدستور وعدد من الإجراءات الأخرى.
وبعد احتجاجات شعبية، قاد عبد الفتاح السيسي انقلابًا عسكريًا وأطاح بالرئيس مرسي، وقاد حملة ضخمة ضد الإخوان وأعلنها جماعة إرهابية، قبل أن يقتل ويعتقل عشرات الآلاف من مؤيدي مرسي، ثم رشح نفسه في انتخابات مشكوك في نزاهتها، قبل أن يفوز بنسبة كاسحة بمشروعه الذي كان واضحًا من خلاله أنه ليس لديه النية للسماح بإعادة الإخوان للحياة السياسية.
ربما لدى السيسي قوة أكثر بكثير مما كان يمتلك مرسي، ولكن استطلاعات الرأي الأخيرة والإقبال المتواضع على الانتخابات أثبتت أنه ليس أكثر شعبية من مرسي! كما أنه من المرجح أن يواجه السيسي معارضة مستمرة وأكثر عمقًا.
وتقول ورقة “كارنيجي” إن الولايات المتحدة إذا أرادت تعزيز استقرار مصر، بحيث يمكن الاعتماد عليها لاحقًا، فإنه يجب الوقوع في الألعاب الصفرية، وسوف يكون هذا تحديًا، لأن العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر كانت دومًا تمر عبر الجيش، ففي عهد مبارك، كانت تذهب معظم المساعدات لتعزيز العلاقات الأمنية بين الجانبين، وكان هناك اهتمام ثانوي بمشاريع الإصلاح المختلفة في الاقتصاد والقضاء وغيرها من المجالات المتفق عليها مع الحكومة المصرية إبان مبارك، وبالتأكيد ستكون الحكومة المصرية الجديدة، التي يعينها العسكري السيسي، حريصة على العودة إلى نموذج مبارك.
ولكن التركيز فقط على التعاون مع الدولة لم يعد منطقيًا مع الحكومات المصرية الجديدة، والتي يُقاس عمرها حاليًا بالأشهر وليس بالسنين أو بالعقود كما كان سابقًا. علاوة على ذلك، فإن مشاريع الإصلاح الهرمية التي تبدأ من أعلى لأسفل أسفرت عن نتائج مخيبة للآمال، التعاون بين الحكومة المصرية والإدارة الأمريكية قد يكون ضروريًا، لكن على الولايات المتحدة أن تركز في استثماراتها في مصر على الشعب المصري وليس النظام المصري.
وأورد كارنيجي عددًا من النقاط التي ينبغي على الولايات المتحدة التركيز عليها في التعاون مع نظام السيسي، ومنها:
- الإبقاء فقط على التعاون الأمني الأساسي مع الحكومة المصرية في مجال مكافحة الإرهاب.
- الإعراب المستمر عن تأييد الشعب المصري وتطلعاته، وليس تأييد النظام أو الحكومة أو الدولة.
- نقل الجزء الأكبر من المساعدات إلى برنامج أو برنامجين للمساعدات يستهدفان أساسًا السكان وليس الدولة.
- الاستثمار في التعليم العالي والتدريب المهني للمصريين.
- تعزيز دعم منظمات المجتمع المدني، لاسيما الحقوقية واتحادات العمال ومؤسسات الرقابة الشعبية على أداء السلطة بتفريعاتها المختلفة.
- تجنب التورط في محاولات إصلاح الدولة على حساب المواطنين، فيجب على الولايات المتحدة الحذر أثناء تعاملها مع نظام السيسي، الذي أكد مرارًا على أولوية بناء مؤسسات الدولة، حتى لو كلف ذلك التضحية بالمواطنين، وقد أكد ذلك في تصريحاته عن “التضحية بجيلين” من أجل أن تعيش مصر.
- يجب على الولايات المتحدة أيضًا ألا تشارك في تعزيز المصالح الاقتصادية للجيش.
- التنسيق مع أوروبا والخليج وإسرائيل؛ لإقناعهم بأن الطريق الوحيد لاستقرار مصر هو المشاركة السياسية من قبل القوى المختلفة وتطبيق القانون، بدلاً من إقصاء أطراف سياسية واستخدام القوة المفرطة، وهو ما يدعمه حكام الخليج في مصر.
كما خلصت ورقة كارنيجي إلى أن مصر في مرحلة محفوفة بالمخاطر وأن التغيير قد يستغرق عقودًا طويلة؛ ولذلك فإن الولايات المتحدة قد يمكنها المساعدة في منع عدد من الكوارث التي تزداد فرصها بسبب ما يفعله النظام المصري، تلك “الكوارث” بحسب كارنيجي قد تكون حربًا أهلية على غرار الجزائر أو ثورة إسلامية أصولية مماثلة لتلك التي حدثت في إيران، قبل كل شيء يجب على الولايات المتحدة ألا تعتبر نفسها شريكًا لحكومة قمعية ستزيد من احتمالات الوصول لنتائج مثل تلك.
لكن حتى السيناريو الأقل تشاؤمًا من ذلك، هو أن يزداد عدد المتطرفين، الذين لن ينتظروا كثيرًا قبل أن يبدأوا في استهداف الأمريكيين والمسئولين المصريين، وهو ما سيضر بمصالح الولايات المتحدة في مصر، كما أن استمرار المساعدات العسكرية التي بدأت في نهاية السبعينات لن يؤدي إلا إلى تفاقم تلك المشاكل، يجب أن تتعامل الولايات المتحدة مع المساعدات بشكل أكثر مسئولية؛ لإنشاء كوادر مصرية يمكنها أن تتعامل باقتدار وبشكل مستنير مع الموجة المقبلة من التغيير السياسي والاجتماعي.
المصدر: كارنيجي