“أعلن ببالغ الحزن وفاة الأب المؤسس لزيمبابوي ورئيسها السابق القائد روبرت موغابي”، هكذا نعى رئيس زيمبابوي، إيمرسون منانغاغوا، سلفه في المنصب، معلنا وفاة موغابي عن عمر ناهز 95 سنة، انتقل فيها موغابي من جبهات التحرير إلى سدّة الرئاسة أين مارس الاستبداد بحق شعبه.
قائد التحرير
ولد موغابي في الـ21 من فبرابر عام 1924 في مدينة كوتاما بزيمبابوي، لأسرة تنتمي لشعب الشونا، الفصيل العرقي الذي يشكل 80% من زيمبابوي، وتخرج من جامعة فورت هير في جنوب إفريقيا عام 1951، وحصل على 8 شهادات جامعية تتراوح بين البكالوريوس والماجستير والدكتوراه.
عام 1960، بدأ مشواره السياسي بانضمامه للحزب الوطني الديمقراطي المعروف باسم “زابو”، وبعدها بثلاثة أعوام تم حل الحزب والقبض على مؤسسيه من قوات الاستعمار البريطاني، وكانت هذه فرصة موغابي لتأسيس حزب جديد يرأسه هو.
It is with the utmost sadness that I announce the passing on of Zimbabwe's founding father and former President, Cde Robert Mugabe (1/2)
— President of Zimbabwe (@edmnangagwa) September 6, 2019
بالفعل أنشأ حزب “الاتحاد الوطني الإفريقي بزيمبابوي: المعروف باسم “زانو”، والذي يهدف لمقاومة الاحتلال البريطاني، وقد كان أغلب مناضليه من مجموعة “الشونا” العرقية، في حين تغلُب على مناضلي “زابو” مجموعة “إنديبيلي” العرقية.
حمل موغابي السلاح ضد الاحتلال البريطاني لبلاده، مما قاده إلى السجن عشرة أعوام تحول إثرها إلى رمز ثوري في زيمبابوي (روديسيا الجنوبية سابقا) وفي عموم القارة السمراء، لاحقا قاد حرب التحرر ضد الاحتلال وألغى حكم الأقلية البيضاء.
بعد تحرر زيمبابوي من الحكم الاستعماري عام 1980، شغل موغابي منصب رئيس الوزراء في نظام كنعان سوديندو الذي حكم البلاد 7 سنوات، إلى أن توفي ليجد الديكتاتور الأعظم فرصته السانحة للجلوس على عرش الدولة التي كانت محط أنظار الجميع في ذلك الوقت.
“الطاغية المستبد”
ارتبط اسمه عند الزيمبابويين في البداية بالنضال ضد العنصرية والدفاع عن حقوق السود خلال الحقبة الاستعمارية، لكن ذلك لم يلبث أن تغيّر فقد تحوّل “الزعيم” إلى متسلط وديكتاتور يقمع خصومه، ويزور الانتخابات، ويجلب للبلاد عداوات خارجية هي في غنى عنها.
يعتبر موغابي، الذي حكم البلاد بقبضة حديدية على مدى ثلاثة عقود ديكتاتورًا من طراز خاص، وهو ما أهله لأن يمكث على عرش بلاده 37 عامًا متواصلة، بين أعوام 1980 و2017، إلى حين إجباره على الاستقالة من منصبه في تشرين الثاني/نوفمبر 2017.
تفرد موغابي بالقرار السياسي والاقتصادي وأعلن فوزه في كل انتخابات رئاسية بغض النظر عما يثار حولها من شبهات التزوير والإكراه، كما دأب على إقصاء معارضيه وحتى على قمعهم، وشدد في مناسبات عديدة على أن خليفته في الحكم يجب أن يكون من قدامى المحاربين ضد الاحتلال.
عام 1987 انتخب رئيسًا للجمهورية أول مرة، في تلك السنة قام موغابي بتعديل الدستور ليصبح الرئيس التنفيذي، وهو منصبٌ يجمع بين رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة والقيادة العُليا للجيش، باختصار كل شيء تقريبًا
تدمير الزيمبابوي لم يكن داخليا فقط، فصورتها الخارجية انهارت أيضا زمن حكم موغابي
أعيد انتخابه عام 1990، ثم انتخب للمرة الثالثة في عام 1996، وللمرة الرابعة عام 2004، وللمرة الخامسة في 2008، هذه المرة التي أحدث فيها أنصاره اضطرابات ومشاحنات ضد حزب ومؤيدي زعيم المعارضة تشانغيراي، أسفرت عن نحو مائتي قتيل، وكان ينوي الترشح لولاية سادسة في 2018، إلا أنه أجبر على الاستقالة.
نوفمبر/تشرين الثاني، انهارت قبضة “المحارب الثائر والقائد الملهم روبرت موغابي” الحديدية عندما استحوذ الجيش على السلطة، رداً على إقالته لنائب الرئيس منانغاغوا الذي يتمتع بعلاقات جيدة مع الجيش وبروز زوجته غريس كمرشحة رئيسية لخلافته.
تدمير زيمبابوي
خلال فترة حكمه الطويلة، تحوّلت الزيمبابوي، تلك المستعمرة البريطانية السابقة التي كانت سلّة العالم لإنتاج العديد من المحاصيل وقبلة المستثمرين هنا وهناك، إلى بلد يعاني شبح الانهيار الكامل في مختلف المجالات، حتى إنها باتت واحدة من بين أفقر بلدان القارة.
وتعود الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد لعدد من الإجراءات المتخذة في الـ15 عامًا الأخيرة، كان بدايتها القرار المثير للجدل الذي اعتمده الرئيس والخاص ببرنامج الإصلاح الزراعي، والذي قضى بنزع ملكية الأرض من ذوي البشرة البيضاء في عام 2000، وهو الأمر الذي انتهى بانهيار القطاع الزراعي الحيوي في البلاد، بينما دفعت انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد وقمع المعارضة، الدول الغربية إلى فرض مجموعة من العقوبات ضد زيمبابوي.
وطبقًا لإحصائيات صندوق النقد الدولي، تراجعت معدلات النمو في زيمبابوي إلى 2.6% مقارنة بـ5% لدول جنوب الصحراء، في الفترة من 2002- 2012، كما عرفت هذه الفترة انتشار البطالة وتفشي الأمراض أبرزها وباء الإيدز، بالإضافة إلى تضخم الدين الخارجي.
استقالة موغابي تمت بضغط من الجيش
في عام 2009 اعتمدت حكومة زيمبابوي الدولار الأمريكي عملة رئيسية في البلاد، وفي عام 2014، اعتمدت الحكومة نفسها كلًا من الـ”يوان” الصيني والـ”روبية” الهندية والـ”ين” الياباني والدولار الأسترالي، باعتبارها عملات رسمية إلى جانب الدولار الأمريكي للخروج من الأزمة النقدية التي تعاني منها البلاد، إلا أن الأزمة زادت.
وبين عامي 2008- 2009 منيت البلاد بانهيار هائل في المنظومة الصحية، وعجزت الدولة عن تقديم أبسط الخدمات لمواطنيها، مما أدى إلى انتشار مرض الكوليرا، حيث وصلت نسبه المصابين إلى 100 ألف شخص توفي منهم نحو خمسة آلاف بسبب سوء النظام، وعدم توفر الخدمات اللازمة للعلاج، كما ارتفعت معدلات البطالة إلى 94% في 2009، حسبما أعلنت إحصائيات الأمم المتحدة.
تدمير الزيمبابوي لم يكن داخليا فقط، فصورتها الخارجية انهارت أيضا زمن حكم موغابي، حيث اتهم بالدكتاتورية والعنصرية ضد البيض واغتصاب أراضيهم منذ 1999 أثناء ما عُرف بالإصلاح الزراعي الذي يعيد تقسيم الأراضي من جديد بين السكان الأوروبيين ونظرائهم الأصليين في البلاد، مما أدى إلى هجرة الكثير من ذوي الأصول الأوروبية عن البلاد.